سياسة مذكرات

كمال قمازي: قصتي مع الفيس.. من ڤمار إلى باب الوادي

الشيخ علي بن حاج بريء من مجزرة باب الوادي.

الحلقة الثالثة: الشيخ كمال قمازي يواصل شهادته:
■ الشيخ علي تدخل لتهدئة الأوضاع في 05 أكتوبر.
■ هناك لغز وراء إطلاق النار على الناس في باب الوادي.
■ الشاذلي لمح للتغييرات بعد مجزرة باب الوادي.
■ الشيخ بن حاج كان يجمع المغرب والعشاء بالناس احتراما لحظر التجوال.
■ الشيخ علي بن حاج هو صاحب فكرة تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
■ الفيس تأسس في بيت مجاهد من رعيل نوفمبر.
■ هكذا تعاملنا مع من يرفض فكرة إنشاء حزب.

يواصل الشيخ كمال ڤمازي، شهادته بالحديث في هذه الحلقة عن تفاصيل أحداث أكتوبر، كيف عاشها هو وسط سكان باب الوادي، وكيف حدث ما حدث من تفاعلات بما فيها حقيقة “مسؤولية” بعض الدعاة في الأحداث والاتهامات التي تُنسب للشبخ علي بن حاج، من طرف خالد نزار. كما يتحدث الشيخ ڤمازي عن الارهاصات الأولى لتشكيل الفيس.

هل كان لكم دور معين مع شباب باب الوادي [في أحداث أكتوبر]؟

لقد سبقتها إرهاصات من قبل لكن لا أحد كان يتوقعها بتلك الحدة كانت قبلها أحداث واحتجاجات الناس في القصبة خاصة في الليل وكانت أيضا احتجاجات قسنطينة في 86 أي أنها كانت مسبوقة بمقدمات، لكن جاءت بشكل مفاجئ بضخامتها، والشيء الذي لم أشر إليه من قبل أن الشيخ علي بن حاج كان قد ألقى درسا في مسجد السنّة وأشار فيه إلى أنّه لابد من التدخل والتهدئة بشرط أن يكون من الجهتين يعني نحن نطالب الناس بالهدوء ولكن يجب على السلطات كذلك من جهتها أن لا تضرب ولا تقمع الناس.

كانت في باب الوادي تقريبا مجزرة يوم 10 أكتوبر وكان فيه اتّفاق على اعتصام بمسجد ببلكور، وكان فيه الشيخ أحمد سحنون والشيخ محمد السعيد والهاشمي سحنوني وغاب عنه لعلة المرض علي بن حاج ولم يحضر.

كان من المقرر أن تلقي كلمة على الناس في مسجد صلاح الدين ببلوزداد وقراءة المطالب التي تقدم إلى السلطات بعد الوساطة التي قام بها الشيخ علي بن حاج وبعض الإخوة لتهدئة الناس، لكن بعد تدخل من الشيخ سحنون رحمه الله ألغي الاعتصام بعد كلمة الشيخ محمد السعيد وأشير للناس بالانصراف وأنه سيكون هناك اتصال مباشر بالسلطة.

هل هو هذا السبب الذي جعل الشيخ علي بن حاج لا يحضر؟

هو أُخبِر بإلغاء الاعتصام وعند ذلك انصرف الناس وهذا كان يوم 10 أكتوبر، إلا انه في باب الوادي وقع إطلاق النار على الناس العائدين الى بيوتهم من قرب ثانوية الأمير عبد القادر إلى شارع طالب عبد الرحمن من الساعة الثالثة إلا خمس دقائق بعد الظهر حتى الساعة الثالثة، وخمس دقائق تقريبا كان إطلاق الرصاص بدون انقطاع ومن عدّة اتجاهات، وفي شارع محمد بوبلة وقع قتلى وجرحى كُثُر والذي كان في الطريق ولم يفر بجلده فمصيره الموت.

كم كان عدد القتلى؟

حسب المعلومات في ذلك الوقت فإنّهم كانوا ثلاثين. بدون عدد الجرحى.

خالد نزار يقول ان علي بن حاج هو من كان يقود تلك المسيرة التي انتهت بمجزرة؟

لا هذا غير صحيح. لم تكن هناك مسيرة، كان عامة الناس من الرجال والنساء عائدين الى بيوتهم من أعمالهم، وعلي بن حاج لم يكن في باب الوادي آنذاك.

هو يقول أيضا أن إطلاق النار الأول جاء من أحد المتظاهرين فكان رد فعل من الجيش؟

هذا تبرير غير صحيح ولا منطقي، وحتى لو أطلق أحدهم النار فهل تقتل كل الناس؟ والشيء الذي أشهد عليه لأني كنت حاضرا في باب الوادي وعلى بعد 200 م من المكان الذي وقعت فيه المجزرة، أذكر أنّه كان لنا جار اسمه بوكايو رحمه الله، كان في البيت ويطل من النافذة الخشبية فاخترقت الرصاصة النافذة وجسده فمات. وكان أحد هناك يقول لي: ألقيت بنفسي على الأرض وكأني ميت حتى لا يروني وإلا أجهزوا عليَّ وكانت شهادات كثيرة للناس من عين المكان، وهناك الصحفي بن مشيك الذي كان مارا من قرب ثانوية الأمير عبد القادر فقتل عند بابها، وإلى اليوم زملاؤكم الصحفيون يضعون باقات من الورد سنويا أمام المكان.

لكن في رأيك لماذا أطلق الرصاص أصلا؟

والله لحد الآن نحن بباب الوادي لا نعرف السبب والتبرير الرسمي غير مقنع وغير منطقي، ولابد أنّ هناك لغزا في الموضوع. خاصة وأن الشيوخ الذين كانوا داخل المسجد فضوا الاعتصام وبين بلكور وباب الوادي مسافة طويلة جدا فما علاقة استهداف باب الوادي بالذات.

المنصرفون من المسجد ألم يمارسوا بعض التخريب الذي أدى الى الاشتباك؟

لم يقع شيء من ذلك والمسافة التي وقع فيها إطلاق الرصاص مسافة واسعة جدا، يعني من شارع بوبلة يمكن أن تقول 400 أو 500م مسافة طويلة، وهو أمر لم يفهم القصد منه.

كيف كان رد الدعاة بعد ذلك اليوم؟

في ذلك اليوم خطب الشاذلي.

بعد المجزرة..؟

في نفس اليوم كان خطاب 10 أكتوبر وظهر تأثره، وأنّه لم يكن يتصور أنّه سيقع أمر كهذا، وفي ذلك اليوم وعد بإحداث تغييرات ولمّح إلى أن الأمور لن تبقى على حالها وكانت نقطة تحوّل.

البعض حمّل المعتصمين داخل المسجد المسؤولية؟

هذا ليس فضا للاعتصام أي أنه ليس تدخلا بالقوة وبالسلاح لإخلاء ساحة أو شيء من هذا القبيل، بل هذا وقع في مكان بعيد عن مسجد بلكور، ولا يوجد أي استهداف للجيش الذي كان متواجدا بباب الوادي منذ 05 أكتوبر والناس يذهبون إلى الأسواق ويمشون بشكل عادي ولم يحدث أي شيء من قبل.

مصالح الشرطة في اليوم الموالي أو قبله اتصلت بالشيخ أحمد سحنون ليهدئ الشارع؟

الشيء الذي أعرفه هو أنّه كان يوجد استعداد تلقائي من كل الدعاة لتهدئة الناس، فدرس مثلا الشيخ علي بن حاج في مسجد السنّة بباب الوادي كان لتهدئة الناس.

إلى درجة أن الشيخ بن حاج كان يصلي بالناس المغرب والعشاء جمع تقديم حتى ينصرف الناس مبكرا قبل حظر التجول، وحتى لا يكون هناك تجمع أو اشتباك فكل روح تسقط خسارة والمسلم يبذل جهده لحقن الدماء وهذا مقصد معلوم شرعا.

لكن الإسلاميين أول من جنى ثمار أحداث أكتوبر بالانفتاح السياسي؟

كان فيه ثلاث محطات استفتاء 3 نوفمبر 88 للشعب حول تعديلات الدستور، وكانت فيه إشارة إلى أنّه لن يبقى حزب واحد وإنّما ستكون هناك تعددية وإصلاحات، وتغيير الدستور جاء في سياق هذا الاستفتاء وكانت الانتخابات الرئاسية التي أعيد فيها انتخاب الشاذلي في ديسمبر 88.

حدثنا عن فكرة تأسيس الفيس هل وُلدت فعلا في بيت مصطفى بويعلي؟

لا شك أننا في مجال الدعوة وفي دروسنا وفي خطبنا كنا نتناول المواضيع السياسية العامة، فكنا نمارس السياسة في خطابنا وطبعا كان يوجد حزب واحد، وكان كل شيء واحد في ذلك الوقت، تلفزيون واحد وإذاعة واحدة، طبعا والانضمام إلى جبهة التحرير لم يكن مطروحا أصلا، فبعد أحداث أكتوبر وبعد الاستفتاء الذي فيه إشارة إلى أنه ستكون هناك تعددية بدأ التفكير في إنشاء حزب لمحاولة إصلاح شؤون الأمة وكان كل واحد من الدعاة يفكر من جهته ومع من يتصل به من أهل العلم والرأي، والسؤال هو لماذا لا ننشئ حزبا سياسيا لأنه في تقديرنا كانت أحزاب وتنظيمات ممنوعة تعمل قبل التعددية كحزب FFS وكان “الباكس” حزب الطليعة الاشتراكية الشيوعي وأحزاب أخرى لا يوجد فيها واحد من التيار الإسلامي، ونحن من غير الممكن أن نبقى متفرجين بينما يتحرك شيوعيون وعلمانيون وتغريبيون..إلخ سيقودوننا، فلماذا لا نقوم نحن بالمبادرة وكنت ممن يفكر في الموضوع ويلتمس السبيل إليه حتى أرسل لي يوما الشيخ علي بن حاج مبعوثا وهو الهاشمي سحنوني، وقال أرسلني الشيخ علي بن حاج ويخبرك أننا سنؤسس حزبا واسمه (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، وقال لي في الغد سيكون الإعلان عنه وهو يوم السبت 18 فبراير 89 فأجبت بالإيجاب بشكل تلقائي لثقتي في الشيخ علي بن حاج طبعا، ونحن ولو لم يكن لنا تنظيم إلا أنه كانت لنا علاقات ودّية وانسجام وحسن ظن ببعضنا البعض، والشيء الذي أعلمه عن فكرة الجبهة الإسلامية للإنقاذ أنّ الشيخ علي بن حاج هو صاحب الفكرة وهذا حتى ننصف الناس، ألقى مرّة درسا في مسجد ابن باديس بالقبّة بعد أحداث أكتوبر وبعد الاستفتاء والإعلان عن أنّه ستكون هناك تعددية وألقى الدرس واقفا وقال بأنّه يجب أن لا نبقى من اليوم فصاعدا نتكلم فقط في السياسة وإنّما لابد أن ندخل الميدان ونعمل، ثم اتصل بالهاشمي سحنوني وكان اللقاء في بيت مصطفى بويعلي…

ماذا عن الشيخ عباسي مدني؟

الشيخ عبّاسي مدني كان مسافرا أنذاك، وكان لقاء آخر في بيت عمي محمد حميداد رحمه الله رئيس اللجنة الدينية لمسجد السنّة، وكان الشيخ علي بن حاج لما ينتهي من الخطبة يتوجه إلى بيت عمي محمد وهو قريب من مسجد السنّة فيرتاح فيه، فهناك كان الحديث عن إنشاء الجبهة الإسلامية للإنقاذ وعمي محمد هذا هو رجل مجاهد من رعيل نوفمبر 54، وكان ناشطا وحيويا فهو شيخ لكنّه شاب في حيويته وربّما أفضل من الكثير من الشباب، فهو كان متحمسا كثيرا للفكرة لكن لابد لهذا الحزب من مشايخ ورموز لقيادته، فكان التفكير في الشيخ عباسي مدني وأنّه لابد من الاتصال به إلا أنه كان مسافرا في بريطانيا فانتظروه إلى أن دخل فعرضوا عليه الفكرة فوافق، ومن هناك فكّروا في الاتصال بالجميع كالشيخ محمد السعيد والشيخ أحمد سحنون والشيخ عبد الباقي صحراوي رحمه الذي كان من جمعية العلماء ويلقي دروسا في باب الوادي بمسجدي الفتح والتقوى وغيرهما، وكان التفكير في الشيخ نحناح رحمه الله وفي جاب الله والعيد شريفي، كل الأسماء الواردة في الساحة دون استثناء.

أصدقاؤك في التيار السلفي خاصة الشيخ فركوس والعيد شريفي رفضوا الانضمام إلى الفيس.. لماذا؟

على كل حال لا يخفى علينا أنّ المسلم الذي يسلك نهج أهل السنة والجماعة ويلتزم بكتاب الله وسنّة النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدم على شيء حتى يعلم حكم الشرع فيه، وهذا شيء مبدئي لا شك فيه، فلا بد أن تبحث وتسأل العلماء وهذا الشيء ما زلنا مواظبين عليه إلى يومنا هذا، وفي هذا الموضوع فإنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ ربّما على الأقل في العالم العربي والإسلامي كانت رائدة وذات سبق؛ فالإخوان المسلمون في مصر لم يسمح لهم بإنشاء حزب وفي بلدان أخرى أيضا في الخليج لم تكن هناك أحزاب إسلامية، فنحن كان لنا السبق في هذا المجال إلا أنّ الكتابات والنصوص وأقوال العلماء كانت موجودة من قبل ومنها من ينهى عن التحزّب والكتابات معروفة وموجودة وكثيرة في هذا الباب.

لكنكم عارضتم هذه النصوص وتحزبتم؟

حسب ما انتهينا إليه أنّ التحزب المذموم هو الذي يجعلك توالي وتعادي في الحزب، فمن كان معك تواليه ومن لم يكن معك في حزبك تعاديه وهذا الذي نراه منهيا عنه شرعا، أمّا اتخاذ الحزب من باب اتخاذ الوسائل ومن باب قول الله تعالى “ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر”، أي أنّك ستكوّن جماعة هدفها الدعوة إلى الخير وتقوم بما فيه صلاح الأمّة، أي هذه الوسائل ستجعلك منظّما ومنضبطا لا أكثر ولا أقل وليس هذا مقام تفصيل ذلك.

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق