سياسة مذكرات

كمال قمازي: قصتي مع الفيس.. من ڤمار إلى باب الوادي

الحلقة الخامسة: لهذه الأسباب أسسنا الجبهة الإسلامية للإنقاذ !

■ الشيخ عباسي عرف بتفانيه في الدعوة قبل الجبهة بسنين.
■ الشيخان احمد سحنون وعبد اللطيف سلطاني لم يكونا تحت سيطرة الجزأرة.
■ البناء الحضاري “الجزأرة” التحقوا بالفيس.
■ قيادات الفيس كانت من نخبة المجتمع وكوادره.
■ الشيخ علي بن حاج أفضل من بعض الدكاترة.
■ لهذا كانت انطلاقة الفيس في المساجد وغيره في قاعات الحفلات.
■ كان هدفنا من تأسيس الفيس استكمال مسيرة جمعية العلماء.
■ لهذا نجح الفيس في استقطاب الشعب.
■ لم يكن من بين مؤسسي الفيس تكفيري واحد.
■ غايتنا كانت تحقيق ما جاء في نداء أول نوفمبر، دولة ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية.
■ هذه الطريقة التي أوقفنا بها حفلة الفنانة البرتغالية في باب الوادي.
■ لهذا اطلق على باب الوادي اسم “باب الواد الشهداء”.
■ كره سكان باب الوادي للسلطة كان قبل مجزرة 10 أكتوبر.

يواصل الشيخ كمال ڤمازي، حديثه المسلسل معرّجا في هذه الحلقة على قصة منع المغنية البرتغالية “لندا دي سوزا” من الغناء في باب الوادي، مقدما شهادة طيّبة عن الفنان سيد احمد أڤومي، الذي كان يشغل منصب مدير ديوان الاعلام والثقافة في ذلك الوقت، وقد تحدّث ڤمازي كذلك عن نظرته للمسجد، وكيف احتضن اللقاءات الأولى لتأسيس الجبهة، بينما ولدت باقي الأحزاب في قاعات الحفلات.

لماذا اخترتم (الشيخ عباسي مدني بالضبط لقيادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ) هل لأنه مجاهد أم العلم أم السن أم أشياء أخرى؟

لو عاودت مراجعة أسماء الحاضرين في تلك الليلة، لوجدت أن الشيخ عباسي كان أفضل المرشحين لتلك المسؤولية فهو من جيل نوفمبر، وهذا شيء لا غبار عليه، كما كان أستاذا في الجامعة دكتوراه دولة في علم التربية المقارنة، فضلا عن سنّه والحق نشهد له حتى في وقت الدعوة كانت عنّده سيّارة فلا يترك أي ولاية أو مدينة في تنقلاته، فكان دائما كثير الترحال مسخرا نفسه للدعوة عبر ولايات الوطن وكانت عنّده سمعة طيّبة ومعروف بتفانيه في الدعوة قبل الجبهة الإسلامية للإنقاذ بسنين.

أنتم عجزتم على إقناع الشيخ أحمد سحنون بالانضمام للفيس، البعض يقول لأن الرجل كان تحت سيطرة الجزأرة؟

أنا لا أعتقد أنّ هذا الشيء صحيح، والشيخ سحنون في سنّه ورزانته وتجربته وجهاده ليس بالسهولة حتى تسيّره أو توقفه وإنّما كانت تلك هي فكرته في الدعوة والحياة، وقد قيل أن عبّاسي مدني هو من قاد عبد اللطيف سلطاني وأحمد سحنون ودفع بهما الى أحداث الجامعة سنة 82 .

لكن مراني والهاشمي سحنون يقولان إن الشيخ سحنون كان تحت سيطرة الشيخ محمد السعيد رحمهما الله؟

أنا لما أردت الرجوع إلى قضية الجامعة المركزية أحببت أن أشير إلى أن من خلال معرفتنا بالشيخ عبد اللطيف سلطاني وشدته وصلابته، وحتى الشيخ أحمد سحنون فقد كانت عندهما شخصية قوية استمداها من وقت الثورة ووقت جهادهما ودعوتهما، فلم يكونا بالسهولة حتى يأتي أحدهم ليسيّرهما أو يقودهما أو يعمل بهما، وهذا فيه إهانة وتحامل على هاذين الشيخين الجليلين.

 لماذا إطارات وقيادات الجزأرة تواطؤوا على رفض الدخول إلى الفيس إذن؟

أعتقد أنّ هذا غير صحيح، لأنّ الكثير منهم دخل وحتى من لم يدخل ابتداءً دخل فيما بعد.. وحتّى كلمة الجزأرة ما سموا بها أنفسهم، فأنا أفضل عبارة البناء الحضاري وهذا أفضل على الأقل نسمي الناس بما سموا به انفسهم.

هم عندما فازت الجبهة في الانتخابات المحلّية دخلوا بشكل جماعي؟

أنا أقول إنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ فتحت بابها للجميع واتّصلت بمن استطاعت وحاولت جمع كل النّاس، ولو نسأل مثلا تجد أنّ الكثير من الناس يقولون لك قد اتّصلوا بي أو دعوني، حتى في بعض الولايات كان هناك بعض من سبقوا الى الجبهة الاسلامية وكان منهم من ترك المسؤولية لمن هو أقدر وأفضل منه فيما بعد وسارت الأمور بشكل عادي .

كيف تم الاعلان عن الفيس؟

الإعلان الرسمي عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ يوم 10 مارس بمسجد بن حداد بالقبة والقانون التنظيمي للأحزاب لم يصدر حتى 5 جويلية 89 ، ما معناه أننا في تلك الفترة أعلنّا عن الحزب ولم يكن لنا الاعتماد بعد، فكانت المرحلة مرحلة توعية واتّصال، وحتى من جانب السلطة وتعاملها مع الأحزاب لم يكن هناك بعد شيء، فكان مجرّد السعي إلى التعريف بالحزب والاتّصال بالولايات واستقبال النّاس ومحاولة استكمال أدبيات الحزب .

(البعض يقول أن) المتصفح لقائمة الأسماء المشكلة للفيس يجد المستويات العلمية متواضعة، وأنّ أغلب المؤسسين بين أئمة وتجار وأساتدة؟

هذا غير صحيح من جهتين فمن جهة لو ترجع إلى الوظائف بالعكس تجد مثلا الشيخ علي جدّي أستاذ قدير في الثانوي ولمّا قدم إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانَ مديرا للثانوية، الشيخ عبد القادر بوخمخم نفس الشيء كان أستاذا في جامعة قسنطينة، الشيخ عمر عبد القادر كان أستاذا في الفيزياء بجامعة البليدة والأستاذ بن نعمية والأستاذ العربي معريش من أساتذة الجامعة وغيرهم، وبغض النظر عن الشهادات كان فيهم العصامي كالشيخ علي بن حاج أستاذ حيث كان أفضل من بعض الدكاترة وأولي الشهادات العليا.

هل انعكس هدا المستوى على النقاشات الداخلية مثلا؟

نعم نقاشات حادّة جريئة، حتى لمّا كنّا نحرر مشروع البرنامج السياسي من أجل جملة أو كلمة نأخذ معها وقتا طويل حتى نقبلها، ونحاول إقناع الرافضين حتى نتفق على صيغة مقبولة.

لاحظت أن كل اجتماعاتكم خاصة التأسيسية كانت تتم في المساجد، لماذا أقحمتم المسجد في اجتهادات سياسية وحزبية؟

الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمارس شؤون السياسة في المسجد كبعث الرسل الى الملوك وعقد الألوية وتعيين الولاة وغيرها مما هو معلوم في السيرة، وحتى بيعة أبي بكر الصديق ومن بعده من الخلفاء الراشدين كانت تتم في المسجد، فعملنا من هذه الجهة لم يكن مخالفا للشرع، ويا حبذا لو أن جميع الأحزاب أعلنت عن تأسيسها في المساجد ثم أن هذا الموضوع لا يمكن النظر إليه بتفكير اليوم لابد أن نضع أنفسنا حسب ما كان متاحا في ذلك الوقت فكل حزب سار وفق ثقافتته.

البعض قال إنكم أردتم إضفاء نوع من القدسية على حزبكم عكس باقي الأحزاب التي ولدت في قاعات الحفلات مثلا؟

الأمر لم يكن فيه كل هذه الحسابات فالإخوة المؤسسون كان أغلبهم ممن يقدمون دروسا، فوجودهم في المسجد كان أمرا عاديا جدا، ولم يفهم الناس منه ما ذهبت إليه في سؤالك، انطلقنا من المساجد ثم أصبحنا بعد ذلك نقوم بالتجمعات في المراكز الثقافية والقاعات الرياضية والملاعب وغيرها، والشهادة لله كان القصد من عملنا السياسي هو نشر الصلاح والفضيلة والصدق في المجتمع واستكمال المسار الدعوي والتربوي الذي بدأته جمعية العلماء المسلمين، واستأنفناه منذ سنين باستعمال الآليات الجديدة المتاحة، لأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فبدل الاكتفاء بالخطابة والكتابة أضفنا وسائل تعزز المشروع الحضاري الذي ضحى من أجله الشهداء الأبرار، فلم ندخل السياسة من أجل السياسة وإنّما من أجل استكمال ما نريده من خير للمجتمع وصلاح لأمتنا فهذا هو القصد لا أكثر ولا أقل. أذكر مرّة كنا في ولاية تبسة وصلتنا أخبار عن احتجاجات في مدينة الشريعة وضرب بالحجارة وتدخل قوات الأمن، فذهبنا مع الشيخ عبّاسي مدني والشيخ علي جدّي لتهدئة النّاس، حيث كانت عندهم مشكلة مع قائمة جبهة التحرير والأسماء المرشحة فيها.

أُلقِيت كلمات لتهدئة المواطنين واصلاح الامور.. ثمّ سألت الأخ الذي كان رئيس المكتب البلدي في الشريعة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ فقلت وأنتم من الذي رشّحتم فقال إني أسعى من بيت إلى بيت أبحث عن مرشح والإخوة يرفضون المسؤولية.

(كيف ردّكم على من قال) أنّ ميلاد الفيس في المسجد جلب له الكثير من الإقبال عكس أحزاب أخرى ربما أقدم منكم في الساحة؟

هذه المسألة عند التحليل ليست قضية فلان أخذ وفلان لم يأخذ، ولكن في تقديري أنّ الشعب الجزائري عانى الكبت والتهميش والتضييق في دينه ودنياه ومعاشه وأزمة السكن والعمل ومشاكل أخرى كثيرة، فلمّا يأتي من يخاطبه بلغة يفهمها ويحدثه عن أمور تهمه ويطمح إليها ..فالنّاس يقبلون على هذه الدعوة، أما التنظيمات فرغم جهودها المشكورة التي ساهمت بها في الصحوة إلا أنها في الغالب كانت تخاطب النخبة، لكن الخروج للعلن وبالوسائل الجديدة والتجمعات وخطاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ وأسلوبها وبهذا الشكل وبهذه الوسائل، كل هذا كان لأول مرة يعرفه الشعب الجزائري بتلك الكثافة والقوّة والشساعة.

هل صحيح أن بعض حملة فكر الهجرة والتكفير كانوا من مؤسسي الجبهة؟

هذا غير صحيح، ولم يكونوا موجودين.

هل كان لديكم احتمال رفض اعتماد الجبهة؟

طبعا السؤال كان مطروحا والتخوف مشروع، فرغم أن غايتنا كانت تحقيق ما جاء في نداء أول نوفمبر، دولة ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية، والشعب الجزائري كله شعب مسلم والحزب الذي أنشأناه يستمد منهجه كما جاء في قانونه الأساسي من الشرع والعلم وملتزم بالاعتدال والوسطية، كما جاء في الشرع الحكيم، لكن النافذين في السلطة كانوا يعارضون هذا التوجه والذي يقرأ كلام علي هارون فيما بعد وحديثه عن “الظلامية” و”الثيوقراطية” يشعرك بمدى تأثره بالتفكير الغربي وما أحدثته الكنيسة في القرون الوسطى وجرائمها ضد العلم والعلماء، ولا يرجعون إلى سماحة الاسلام وتشجيعه للعلم في أول كلمة جاء بها الوحي (اقرأ) وتشجيع الخلفاء لأهل العلم وإغداقهم عليهم بالأموال من أجل البحث والترجمة، وكان أغلب علماء الحضارة الاسلامية يدرسون في المساجد، فشتان بين الشرق والغرب، فلما كان الغرب في الظلمات كان هارون الرشيد يهدي ساعة إلى شارلمان، فظن أن بها عفاريت فنحن ننظر إلى هذا الأمر من جانب الطموح في تقدم الجزائر، فلماذا لا تكون مثل ماليزيا وأندونيسيا وغيرهما من الدول التي جاءت بعدنا وسبقتنا مع احتفاضها بدينها ولغتها، ذلك أنّها فتحت المجال للتعبير والمشاركة والعدل الذي هو أساس الملك، فالذي أريد قوله إنّ التمسك بمقوماتنا وشرعنا هو تحقيق لحلم الشهداء وحلم الشيخ ابن باديس والعربي بن مهيدي وبن بوالعيد ومحمد بلوزداد الذي نقل إلى الخارج للعلاج، فقال لهم لقد اشتقت للآذان فأنا لا أسمعه.

بعد تأسيس الجبهة (يذكر خصومها أنّهم رأوا) في بعض المناطق بعض الجماعات تحاول تطبيق الحدود الشرعية في الشارع على الفتيات وعلى المخامر وغيرها؟

قد تكون حالات نادرة، والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه وحتى في الدول يؤخذ الموقف الرسمي من الناطق باسم الحكومة أو الخارجية ولا تعتمد التصرفات النادرة من الشعوب، وكذلك الجبهة الاسلامية للانقاذ تحاسب على ما في نصوصها الرسمية المعتمدة لدى وزارة الداخلية وتصريحات مسؤوليها القياديين، ومهما يكن الحال فإن الشعب الجزائري كان قد دخل أنذاك في حياة جديدة يستنشق فيها نسائم الحرية بعد ثلاثين سنة من القهر والحزب الواحد وحتى الرئيس الشاذلي بن جديد قال عبارته الشهيرة “الديمقراطية مازالها تددّش”.

لكن بعض مناضليكم كانوا يحاولون فرض أفكارهم بالقوة على الناس؟

ربما حالات معزولة، بدليل أنني أذكر أمرا وإن كان حدث قبل تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ ؛ بعد أحداث أكتوبر مباشرة كان ديوان الثقافة والإعلام قد برمج حفلة لمغنية برتغالية اسمها (لندا دي سوزا) في قاعة الأطلس بباب الوادي التي سقط فيها منذ أيام قليلة العديد من القتلى والجرحى، فعلقت صورها وكانت الصحف وخصوصا منها الناطقة بالفرنسية تروّج لهذا الأمر، وسكان باب الوادي بدؤوا في الاحتجاج، وحتى من الناحية الأخلاقية من عادة المجتمع الجزائري صاحب العرس يحترم جاره اذا كانت عنده جنازة، وحتى من الناحية المادية من الناس من قال لو أن مصاريف الحفل وزعت على عائلات الضحايا وحتى لا تحدث أمور لا تحمد عقباها، ذهبت رفقة أخ من لجنة مسجد التقوى وهو رشيد جعدوف الذي صار في ما بعد رئيسا للبلدية، وقصدنا مدير مركز الثقافة والاعلام والذي كان في ذلك الوقت هو سيد أحمد أڤومي بشارع أرزقي حمامي، وقلت له إنّك ابن العاصمة وتعرف باب الوادي وما حدث فيها منذ أيام، ونقلت له الوضع الشعبي فيها وقلت له حبذا لو تغيروا مكان الحفل الى خارج باب الوادي، إلى قاعة الموڤار أو مكان آخر، وهو لازال على قيد الحياة وأكيد أنه يشهد بذلك، قال لي: نعم ولكن أترك لي وقتا وبعدها سأجيبك بالهاتف، وبعدما اتصلت به بعد الظهر وقلت ما الذي حصل يا سيد أحمد قال لي: بأن الأمر انتهى وهذا موقف كريم أشهد له به، لكن الصحف المفرنسة أنذاك خاصة (الجزائر الأحداث) كتبت أنهم جاؤوا وضغطوا عليه بالقوة، وأعطوا للحادثة قراءة لم تكن موجودة إلا في خيالهم، أما نحن فلم نقصده إلا من باب المحافظة على السلم والهدوء في باب الوادي التي صارت تسمى باب الوادي الشهداء، وهذا مباشرة بعد أحداث 10 أكتوبر الأليمة وصار ارتباط اسم باب الوادي بأحداث أكتوبر نظرا لما وقع فيها .

أفهم أن مجزرة باب الوادي ولدت كرها من سكان باب الوادي للسلطة؟

هذا الشعور كان موجودا حتى قبل هذه الأحداث، لأن بلدية باب الوادي كانت معروفة أن بها أكبر كثافة سكانية في الجزائر، وحسب إحصائيات سنة 89 كان فيها 105 ألف ساكن على مساحة لا تصل 1.5 كلم2…..يتبع

حاوره: محمد يعقوبي

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق