سياسة مذكرات

كمال قمازي: قصتي مع الفيس.. من ڤمار إلى باب الوادي

الحلقة الثامنة:

في الذكرى 30 لفوز الفيس الساحق في البلديات.. ازدحام قوائم الفيس بالإطارات والكفاءات أثار تعجب المسؤولين.

■ يوم غيرت السلطة قانون البلديات وسلبتنا الصلاحيات.
■ عندما فاز الفيس في 875 بلدية من 1200 بلدية ترشح فيها.
■ الجبهة تحصد كل بلديات العاصمة.
■ خمس ولايات فاز فيهم الفيس بنسبة 100 بالمائة.
■ 40 عاصمة ولاية فازت فيهم الجبهة الإسلامية.

■ كان هدفنا أن لا تغيب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في 48 ولاية.
■ لم يعرف عن أحد منتخبي الجبهة أنه نهب مالا او زور.
■ لم يكن لأعضاء المجلس الشوري أي أجرة من الجبهة.
■ لم أقبض في حياتي دينارا عن الدعوة.
■ واصلت الذهاب إلى بجاية لإلقاء الدروس في سيارة الأجرة حتى بعد انتخابي في البلديات.
■ لم أعلم بترشيحي حتى رأيت صوري معلقة.
■ الشيخ عبّاسي أثنى على السلطة بعد احترامها لنتيجة البلديات.
■ تفاجأنا بفوزنا الكبير في البلديات.
■ من الافتراء علينا القول بأننا نؤمن بانتخاب واحد في العمر.
■ لم يكن في خطاب قيادة الجبهة تخيير الناس بين الجنة والنار.

يواصل الشيخ كمال ڤمازي الحديث عن الأحداث.. معرجا على الانتخابات المحلية لعام 90 وكيف تم اختيار المرشحين، وكذلك عن مختلف الشبه التي كانت تثار حول قيادة الفيس ومنها نيتها نواياها الإنقلابية في حال الفوز في الانتخابات.

كيف كان تقاسم العمل (في هيكلة الجبهة قبل البلديات)؟

لا أذكر بالتفصيل، لكن الكل ترك أموره وبيته وتفرّغ لذلك، أذكر أني ليلة إيداع الملفات قبل نهاية الآجال، كنت في تمنراست وكانت لنا غاية وهي أن لا تغيب الجبهة عن 48 ولاية، فقدّمنا ملفات المجلس الولائي لتمنراست والمجلس الشعبي البلدي، فشاركنا في 48 ولاية وما يقارب 1200 بلدية.

لكن هذه السرعة فيها مجازفة وستنجر عنها ضريبة؟

كان فيه تحد ولكن عصمنا الله سبحانه وتعالى بحسن النيّة، فلم يعرف في تلك الفترة عن منتخبي الجبهة الإسلامية للإنقاذ من زوّر أو نهب الأموال أو شيء من هذا الذي نسمع عنه اليوم. غالب الاختيارات كانت صائبة فلم تكن هناك فضائح في الولايات وذلك توفيق من الله تعالى.

كيف تمّ اختيار القوائم؟ أنت مثلا كيف تمّ اختيارك؟

أنا كنت أتنقّل في الولايات وهذه من فضائل الجبهة الإسلامية للإنقاذ عليَّ، أني زرت أغلب ولايات الوطن.

كيف؟

أحببت لو أني زرت 1541 بلدية المتواجدة عبر التّراب الوطني.

كيف كنتم تصرفون على تنقلاتكم في الولايات؟

لا، لم تكن لنا أجور في الجبهة.

يقال إنه كان هناك من يتقاضى أجرا من خزينة الجبهة؟

أتحدث عن نفسي وعن البداية، وإلا فالجبهة بعد ذلك صار لها مقر كبير وصار لها موظفون لهم أجور، فأنا أتحدّث عن أعضاء المجلس الشوري لا عن الإدارة، فالأعضاء لم أسمع أنذاك أنّ أحدهم كان يتلقى أجرة.

لكن مصاريف التنقل كانت على كاهل الجبهة؟

أنا في حياتي الدعوية لم أقبض دينارا لا من المسجد الذي قضيت فيه عشر سنوات متطوّعا، ولا في عملي بالبلدية كذلك لم أقبض عليه لا من الولاية ولا من الدّولة.

فكيف كنت تصرف على نفسك؟

كنت كما قال النبّي صلى الله عليه وسلم “إنّ داوود كان يأكل من عمل يديه”، فأنا قبل الجبهة كنت قد فتحت دكانا أمارس فيه نشاطا حرا تمثل في بيع الكتب والأدوات المدرسية قرب مسجد علي بتشين بالقصبة السفلى كان يكفيني المؤونة، أمّا بالنسبة إلى التنقلات في الجبهة الإسلامية للإنقاذ فكان الشعب الجزائري الكريم يتولى ذلك؛ مثلا مرّة صليت الصبح بمسجد التقوى، فجاءني أخ من مكتب ولاية الحلفة ونقلني إلى بلدية البيرين، فشاركت في تجمع هناك على الساعة العاشرة وبعد صلاة الجمعة قمت بتجمّع في مدينة عين وسّارة بعد العصر، وتنقّلت إلى مدينة حاسي بحبح وألقيت درسا بالمسجد بين المغرب والعشاء وكان إطعامنا والمبيت على أهل تلك البلدة الكريمة، وفي الغد ذهبت إلى الأغواط ثمّ قمت بتجمّع في بريّان بولاية غرداية، يعني فيه من ينقلك ويتكفل بك فلم يكن هناك تفكير في هذا الأمر لوجود تسابق على من يتكفل بالناشطين في إطار الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

تجمعات الجبهة كان بعضها يشبه الزردة من كثرة الأطعمة والمأكولات؟

نعم، النّاس كانوا يتطوّعون لكن الحضور كان من أجل الخطاب والمشروع الاسلامي، كان سخاء لوجه الله سبحانه وتعالى ولا نزكي على الله أحدا، وهذا من شيم الشعب الجزائري الكريم الذي إذا أحسنت معه النّية يحسن. والعمل الثقة والإخلاص متبادل، وهذا حصل حتّى في أيام الثورة المباركة وإلا من كان يطعم ويأوي المجاهدين ولهذا يقول الله تعالى ((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)).

أذكر أمرا أنّه في الشهور الأولى لتأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت لي نيّة أن أساهم في إلقاء دروس بمدينة بجاية، فوضعت برنامجا، حيث يكون ذلك جمعتين في الشهر، واستمرّ ذلك لعدّة شهور حبا لهذه المدينة التي ألّف فيها أبو العبّاس الغبريني كتابا اسمه “عنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية”، فكان مجلدا لعلماء بجاية فقط في القرن السابع. وبجاية كانت عاصمة الدولة الحمّادية ولها شأن عظيم، فأحببت أن أساهم بشيء فيها. وكنت أتنقل بالحافلة أو سيّارة الأجرة، فلمّا أصبحت منتخبا بمدينة الجزائر العاصمة واصلت على ذلك المنوال لعدّت شهور أخرى في سيّارة الأجرة، رغم أنه كان لي سائق وكانت وسائل البلدية متوفرة، لكن تربيتنا ونشأتنا كانت هكذا.

هل وضعت حاجزا بينك وبين الجبهة ووسائل البلدية؟

نعم، ولكنّها كانت أمور فطرية عاديّة، ومن باب الطرافة أذكر أني مرّة ركبت سيارة النقل الجماعي بجوار السائق وهو من بجاية، فقال لي بأن الإسلاميين فازوا وسيبدؤون في التغييرات وهو لا يعرفني، فسألته عن فحوى هذه التغييرات قال بأنّهم سينزعون الطاولات والكراسي من البلديات ليفرشوا بدلا منها الزّرابي.

هو كان يسخر منكم؟

لا يسخر وإنّما فهمت منه أنّ هذه هي الفكرة السائدة المروّجة، وبأنّ الإسلاميين متخلّفون وسيعودون بنا إلى العصور الوسطى.

من كان وراء إشاعة هذه الأفكار بشأنكم في رأيك؟

هذه الأفكار لو تقرأ لعلي هارون وأمثاله تجده ما زال بهذه العقلية التي تقول أنّ الاسلاميين ظلاميون وسيعودون بنا إلى القرون الوسطى، رغم أنّه في ولاية الجزائر العاصمة مثلا لمّا ذهب الإخوة لإيداع ملفات الترشّح تعجّب مدير التنظيم للولاية لكثرة الإطارات والكفاءات المترشحة، فمثلا رشيد جعدوف رئيس بلدية باب الوادي هو مهندس معماري في مكتب الدراسات للعاصمة، وأشرف على الكثير من المشاريع والإنجازات، وكان رئيس بلدية الأبيار مثلا محافظ حسابات وخريج معاهد فرنسية، ورئيس بلدية بلوزداد الأخ عبد الحميد مديرا للمحاسبة و…

كيف تم اختيارك على رأس قائمة باب الوادي؟

أنا لمّا كنت مشتغلا بالتنقل عبر الولايات للإشراف على التوعية والترشيحات حيث كان هناك عمل متواصل ليلا ونهارا، رجعت إلى العاصمة فقال لي بعض الإخوة سوف نرشّحك في باب الوادي، وكانت كلمة لم ألق لها بالا، لأنّ الأمر الذي استغربته فيما بعد أنّهم لم يشاوروني هل أقبل أم لا، وإنّما وضعوني أمام الأمر الواقع وكل شيء قاموا به من جهتهم، فرشّحوني اعتمادا على الثّقة المتبادلة ولمصلحة قدروها ولم انتبه أنّي رشّحت إلا عند أوان التوعية الانتخابية.

تقصد أنك تفاجأت بصورك معلقة في الجدران؟

نعم حتى رأيت الصوّر تعلّق ببلدية باب الوادي..

كيف كان شعورك؟ وهل تخوّفت من المسؤولية خصوصا في باب الوادي؟

باب الوادي تربيت وعشت فيها ودرست في مساجدها وبعض مؤسساتها التربوية وحضرت مناسباتها، وما كنت أخشاه إنما هو عدم إمكانية التوفيق بين أداء الواجب نحوها وواجبات المجلس الشوري والصلات بولايات الوطن. وقد وجدت فيما بعد عدد عمال مجلس مدينة العاصمة يناهز الـ12 ألفا وهو يقارب سكان مدينة صغيرة.

كانت المسؤولية كبيرة إذن؟

نعم.

ثمّ ذهبتم إلى الحملة الانتخابية؟

أذكر أنّ الانتخابات البلدية جرت في جوان، وقبلها لابد من الإشارة إلى أنّ السلطة كانت تتوقع أنّه من الممكن أن لا تفوز جبهة التحرير الوطني، فغيّروا قانون الولاية والبلدية في مارس 1990 أي قبل الانتخابات بثلاثة أشهر، صدر القانون الجديد الذي وضع في الاحتياط أنّه ستكون أحزاب تفوز لاترضى عنها السلطة، فسلب الكثير من مهام رؤساء البلديات والمنتخبين، وهو القانون الذي اشتكينا منه، وحتى مؤخرا شاهدت ملتقى رؤساء البلديات وهم يشتكون من هذا القانون الذي وضع في زمن معّين، فهذا جانب مهم لابد من الإشارة إليه لأنّ السلطة توقعت فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

تقصد أزمة صلاحيات مفتعلة؟

نعم وفي ذلك الوقت صرّح أحد المسؤولين لجريدة العنّاب التي تصدر في مدينة عنّابة أنّ الجبهة قد تفوز بثلاثين بالمائة ولا يمكن أن تصل إلى أربعين بالمائة، ولكن رغم ذلك اتّخذوا احتياطاتهم.

فلمّا تم الانتخاب ورغم أنّه كان عندنا امل وتوقع بأنه ستكون لنا نسبة فوز معتبرة لا نعرف ما هي لعدم توفر مراكز سبر آراء، إلا انها كانت مفاجأة للجميع، وكانت هذه أوّل انتخابات بلدية وولائية تعددية منذ استقلال الجزائر، كنا نخشى أن لا تحترم السلطة نتائج الانتخابات، لكنّهم صدقوا معنا في ذلك الوقت وأثنى على ذلك الشيخ عبّاسي وقال بأنّهم وعدوا فوفّوا وشكر لهم ذلك، فساهم ذلك في استقرار الشعب الجزائري وطمأنينته وبناء المؤسسات، وهكذا التداول يوم لك ويوم لغيرك، فاليوم يفوز هذا وغدا يفوز هذا، لكن ما قرأناه في الكثير من كتابات المناوئين يقولون إنّ هؤلاء لا يؤمنون إلا بانتخاب واحد في العمر.

بعضهم قال إن الاسلاميين لا يمارسون الديمقراطية إلا مرة واحدة في حياتهم؟

هم يقولون إنّ الإسلاميين يوظفون الديمقراطية فقط إذا كانت في صالحهم.

والآن يقال هذا الكلام في (عدة دول) ؟

نعم يقال هذا، رغم أنّه غير صحيح لأنّ هناك مسألة عقدية مبدئية أنّك إذا عاهدت فلابد أن توفي بعهدك “وأوفوا بالعهد إنّ العهد كان مسؤولا” والمسلمون على شروطهم والخيانة قال فيها الله سبحانه وتعالى “إنّ الله لا يحب الخائنين”.

والأمر الآخر هو أنّك لا يمكن أن تسير فتسيء التسيير فيرفضك الشعب، لكن أن تبقى متمسكا بالكرسي والسلطة فحتما ستقع فيما وقع فيه من سبقك وتجر البلاد إلى الكوارث. فالإنسان لايمكن أن يخلد في كرسي الحكم ولكن لابد من التداول. قلت فالمفاجأة أن السلطة قبلت بالنتائج فكان هذا شيئا مهما في صالح ازدهار واستقرار البلاد.

هل المنافسة كانت شديدة بين مرشحي الجبهة ومرشحي باقي الأحزاب خاصة الأفلان؟

ذلك في التشريعيات أمّا في البلديات والولايات فكانت على مستوى محلّي. فالانتخابات التشريعية هي التي رمت السلطة فيها بكل قوتها وأسمائها الثقيلة.

الظاهر من نتائج الانتخابات المحلّيّة أنّ قلاع الـ FLN اكتسحتها الجبهة الإسلامية في الكثير من البلديات؟

نعم فالجبهة الإسلامية للإنقاذ فازت بـ857 بلدية من أصل 1541 بلدية دخلنا في ما يقارب 1200 منها، لكن FLN دخل بكل البلديات فهو الأول ونحن في المرتبة الثانية من ناحية الترشيحات، وبعدها ألغيّت الانتخابات في بلدية بابار بولاية خنشلة وبلدية مَسْلمون في ولاية تيبازة وبلدية ثالثة وفي الاستدراك فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأشير إلى أنّي بعد الانتخابات بأسبوع ذهبت إلى بلدية المغيّر ثم جامعة وبعد الدرس لامنا اهلنا في وادي ريغ لعدم تقديم ملفات ترشيحات في بعض بلديات الجهة، وهذا اللوم وقع في ولايات عديدة رغم أنّنا بذلنا ما بوسعنا والوقت الذي حددته السلطة كان ضيقا.

تحدث لي عن انتخابك رئيسا لبلدية باب الوادي والطريقة التي فزت بها؟

في يوم 12 جوان 90 جرت الانتخابات في باب الوادي بشكل عادي، وعند الفرز كنت أرى أنّه يميل لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ فانتقلت تلك الليلة إلى القصبة ثمّ بير مراد رايس ثم بعض بلديات العاصمة. وكان الجميع متشوقا لمعرفة النتائج في البلديات الاخرى وبعد ذلك علمت أن الجبهة فازت في كل بلديات العاصمةالـ33.

كلّها..

نعم وبالمناسبة فقد كانت هناك خمس ولايات فازت الجبهة الاسلامية بكل بلدياتها وهي العاصمة والبليدة وغيليزان وقسنطينة وجيجل، كما فزنا في 40 مقر ولاية.

40 مجلسا شعبيا ولائيا ..

لا، 32 مجلسا شعبيا ولائيا وإنما أقصد كذلك 40 عاصمة ولاية وحتى في الجنوب تجد البلديات الصغرى تصوّت على FLN، لكن مقر الولاية في غالبه يصوت للجبهة الاسلامية.

البعض يتهمكم في الجبهة أنكم كنتم تخيرون الناس بين الجنة والنار في الحملة الانتخابية؟

الاتهام بتخيير الناس بين الجنة والنار، وتكفير المخالف في البرنامج السياسي أمر مبالغ فيه وليس من عقيدتنا، إلا ان نشأة حزب يتبنى المشروع الإسلامي كان أمرا جديدا لم يألفه الناس بعد سنين الكبت والحزب الواحد ومع ذلك فقد وقع في الخطاب تطوّر كبير، فكل يوم يمر تكسب فيه تجربة.

تقصد أن الخطأ أمر طبيعي في البداية؟

نعم تراكم في جانبه الإيجابي فربّما كانت هفوات محلّية، فالناس غير معصومين من الخطأ، إلا أن الموقف الرسمي هو تصريح قيادات الجبهة وما يكتب في المنقذ والهداية والفرقان. أما ما يقوله فلان من بلدية كذا أو من ولاية كذا فهو قوله واجتهاده ولا تؤخذ الجبهة به.

حاوره: محمد يعقوبي

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق