سياسة مذكرات

كمال قمازي: قصتي مع الفيس.. من ڤمار إلى باب الوادي

الحلقة التاسعة: فوز الفيس يضعه وجها لوجه أمام خطاب الكراهية التغريبي.
■ الفيس واصل التعاون مع باقي الحركات الإسلامية بعد التأسيس.
■ لهذا أسس البعض حركات إسلامية بعد فوز الفيس في البلديات.
■ جاك شيراك يراسل رئيس مدينة الجزائر الشيخ كمال قمازي.
■ اعتمدت منهج فتح الباب للكفاءات من كل المشارب.
■ حزب RCD في مكتب قمازي.
■ نحن لا نصنع الأعداء.

يواصل الشيخ كمال ڤمازي، شهادته بالحديث عن نتائج الانتخابات المحلية، وكيف استطاع “الفيس” أن يفوز في كل بلديات العاصمة، حيث أصبح هو شخصيا رئيسا لبلدية باب الوادي ومنها انتخب رئيسا لمجلس مدينة الجزائر، والذي هو اليوم المجلس الشعبي الولائي.

لكن كان واضحا أنّكم مع مرور الوقت لم يكن باستطاعتكم التحكّم في القواعد لأنّ هذا الكلام (الوعد بالجنة والوعيد بالنار) كان منتشرا كالنار في الهشيم؟

لا بالعكس بمرور الوقت كانت الأمور تسير نحو النضج والانضباط، لكن تقع حالات، فمثلا حسب ما شهدت ورأيت في الولايات اثناء التجمعات وبعد الفراغ تعطى الكلمة للجمهور الحاضر وكانت تطرح أسئلة محرجة، فمثلا لو وصلتم إلى الحكم فهل ستحاسبون المسؤولين الذين سرقوا وفعلوا. فمن قال نحاسب يسخط السلطة عليه، ومن قال لا نحاسب يسخط الشعب كذلك، فهذه المواقف الحرجة كانت تتطلب الرأي الشرعي المسؤول المتوازن المنضبظ بالسياسة الشرعية وقد لا يكون حاضرا دائما ونحن إنما جئنا لتسيير شؤون الأمّة ورعاية حقوقها، وأثناء الطريق إذا كانت حقوق ضائعة فالعدالة موجودة.

سؤال مهم بالنسبة للحركات الإسلامية الأخرى وموقفها من الانتخابات هل دعت إلى المقاطعة مثلا؟

لم يبلغنا انه كانت هناك دعوة للمقاطعة، وقد كنا نتعامل مع كل من ينتمون إلى التيار الإسلامي.

ألم تحاولوا التنسيق مع جاب الله، نحناح، معرفة مواقفهم؟ أم أنّه قطار وانطلق؟

هذه عبارة فيها اجحاف، كانت اللقاءات داخل رابطة الدعوة ثم فيما بعد أصبح للجبهة مكاتب ولائية وبلدية، للأمانة فعلى المستوى المحلّي كان هناك تعاون أخوي ولم يكن هناك اصطدام أو شيء من هذا، خاصة أنّه في البلدة الواحدة النّاس يعرفون بعضهم البعض وفيهم من هم من عائلة واحدة وعرش واحد.

هل أجزتم ترشيح بعض الأسماء المحسوبة على التيارات الإسلامية الأخرى في الانتخابات المحلّية مثلا؟

لم يكن ممنوعا أو محظورا أن نستعين بإخواننا لأنه في الغالب من قدّمناهم للتسيير المحلّي هم إطارات وكفاءات.

لكن هناك تحليل يقول أنّ فوز الجبهة الإسلامية أعطى انطباعا لباقي الرموز الإسلامية بأنكم سيطرتم على الساحة ولابد أن يخرجوا بأحزابهم، لأن حجم الفوز كان مفاجئا للجميع؟

لكل حركة ظروفها وتقديراتها التي نحترمها لكن أحسب أن البعض لمّا فتح الباب للجبهة – ربّما – أحسّوا أن العملية جادّة فاطمأنوا وانشؤوا أحزابا لأنّه مباشرة بعد الانتخابات البلدية تأسس عدد من الأحزاب الإسلامية.

كأنّهم وجدوا شيئا يحميهم من بطش السلطة “بارشوك”؟.

لعلّهم وجدوا الرائد كما يقول النّبي صلى الله عليه وسلم “الرائد لا يخون قومه”، فالرائد هو الذي ترسله العرب ليجد لها الماء فإن وجده تبعه القوم، فالجبهة الإسلامية للإنقاذ كانت رائدة في هذا الباب فلمّا فُتح ورأى الإخوة أنّها مسألة جادّة اطمانوا، هذا تقديرنا والله اعلم.

الآن لو تذكّرنا بالأرقام في باب الوادي؟

كان عدد مقاعد البلدية 23 مقعدا، فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بــ19 مقعدا 82 بالمائة، 4 لـFLN ، كان أمين عام الدائرة هو عبد الرزّاق مباركي – رحمه الله – وكان مطالبا بالتنصيب الرسمي لمجالس البلديّات.

طلب مني أن أرافقه وكانت دائرة باب الوادي فيها ست بلديات هي باب الوادي، القصبة، وادي قريش، بولوغين، الرايس حمّيدو، الحمامات (باينام) فانتقلت معه ولم يكن له تعامل سابق مع الإخوة فأشار إلى أنّه بإمكاني مساعدته.

ألم تشعر بتخوف الإدارة من فوزكم الساحق؟

لابد أن ننتبه إلى ما كان يروجه الإعلام وخاصّة منه الفارنكوفيلي، التغريبي وأيضا الفرنسي آنذاك بقنواته فقد كانت تعطي صورة البعبع المرعب، بين هذه الإطارات مثلا كمسؤول الدائرة هذا فهو بحكم تواجده في باب الوادي يعرف خطابنا المسجدي المعتدل، الشرعي المنضبط ومساهمتنا في العمل الجواري، فكانت الإدارة المحلية تعرف الواقع.

أنت كنت رئيس بلدية باب الوادي فكيف كان تعامل النّاس معك قبل وبعد رئاسة البلدية؟

كانت الأمور عادية وبقيت محافظا على خطب الجمعة في الناس والقيام بصلاة التراويح في شهر رمضان، وأنا أعتزّ بهذا جدا.

لكن زاد عليك الضغط الاجتماعي، مطالب النّاس داخل المسجد؟

قد يأتي لك بعض النّاس بعد الصلاة فيعطيك أحدهم رسالة أو شكوى، ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هذا هديه وسنته في المسجد وسلفنا الصالح كذلك، لكن لم تصل الى الحد الذي يشكل ضغطا ..

ألم يتحول المسجد إلى مكتب مواز لمكتب رئيس البلدية؟

تركنا المجال واسعا في البلدية، لأنّنا كنّا نخصص ثلاثة أيّام للاستقبال في الأسبوع فتبدأ الاستقبال من بداية الصباح إلى نهاية المساء، ولا تشعر بمرور الوقت وكانت 90 بالمائة من المواضيع تتعلق بالسكن وأزمته ثم طلبات العمل ثم المواضيع العامة.

ما الذي اكتشفته في 15يوما التي بقيتها كرئيس للبلدية؟

هو إذا قلنا أنّ الانتخاب قد تمّ في 12 جوان أضف لها 4 أيام لصدور النتائج بشكل رسمي، فذهبت إلى باب الوادي بعد التنصيب وعقدنا اجتماعا مع كل المنتخبين من الجبهة الإسلامية، FLN وكان من منتخبي جبهة التحرير زملاء لي بسلك التعليم لما كنت أستاذا، نعرف بعضنا البعض، فاتفقنا جميعا على العمل، تسيير البلدية .. ونصّبت اللجان الاجتماعية والثقافية، الاقتصادية، المالية، الميزانية، العمرانية، السكن والبناء، الطرقات، فانطلق العمل بشكل عادي، إلا أننّا كنّا نرتقب انتخابات المجلس الشعبي لمدينة الجزائر العاصمة. فلم تكن الفترة طويلة في مدينة باب الوادي لأنّه يوم 27 جوان كان هناك لقاء بالمجلس الشعبي لمدينة الجزائر العاصمة وتمّ انتخابي رئيسا له بحضور الوالي، وهو في ذلك الوقت الهاشمي جيّار، وتمّ الانتخاب بالطريقة المعروفة يرأس الجلسة أكبرنا سنّا وهو رئيس بلدية سيدي محمّد، الكاتب هو أصغرهم سنّا، كنت أصغر اخواني.

لمّا انتخبت، كم كان سنك؟

28 سنة. وأتأسّف لحل المجلس الشعبي لمدينة الجزائر لأنّه كان يعطي صورة على التكامل، التسيير الشعبي لمدينة الجزائر العاصمة.

تتحدّث عن المجلس الشعبي الولائي؟

لا، إنما أتحدّث عن المجلس الشعبي لمدينة الجزائر، فولاية الجزائر كان فيها 33 بلدية وقلب العاصمة فيه 15 بلدية، وهي مدينة الجزائر وتتكون من دائرة باب الواد كاملة ودائرة سيدي محمد كاملة وبلديتان من دائرة حسين داي وهي حسين داي والقبّة وبلديتان من بئر مراد رايس وهي حيدرة والأبيار، فهذه تكوّن المجلس الشعبي لمدينة العاصمة، والغرض منه هو جمع المصالح المشتركة بين هذه البلديات في هيئة واحدة لعدم وجود حدود جغرافية بينها، بينما تبقى للبلديات الحالة المدنيّة والمدارس والأسواق وغيرها، لكن المصالح التي لا يمكن تقسيمها كرياض الأطفال ومراكز تعليم الخياطة ومصلحة الطرق والنظافة والإنارة العمومية والعمران والنقل والمرور و المذبح البلدي والسمّاكة ومحطّات التوقف؛ فهذه كانت تابعة للمجلس الشعبي لمدينة الجزائر، وتمثيل مدينة الجزائر في هيئات المدن والعواصم العالمية، أذكر مرّة أنّ مراسلة جاءتني من جاك شيراك عمدة باريس للاشتراك في مؤتمر المدن الفرانكوفونية فلم نجب الدعوة، وكانت مدينة الجزائر عضوا في منظّمة المدن المتّحدة وعضوا في منظّمة المدن والعواصم الإسلامية مثلا، فألغي هذا الدّور وهذا شيء مؤسف، أذكر أنّ يوم تنصيبي ذهبت فوجدت جمعا غفيرا من النساء عند باب المقر وباحة المجلس، وكانوا في احتجاج وإضراب على مديرة الشؤون التربوية والثقافية ويطالبنّ بتغييرها، وكانت أغلب النساء من رياض الأطفال والمربيّات، فقلت لهن أنّ اليوم هو يوم التنصيب وسأستقبلكن في اليوم الموالي وبالفعل استقبلتهنّ وكنّا على أبواب العطلة في جوان، فقلت لهن أن ينتظرن شهرين وعند الدخول الاجتماعي ننظر، وكان ذلك، فرقّيت أحدى حاملات الشهادة وابنة شهيد كانت تعمل في المجلس الشعبي لمدينة الجزائر العاصمة.

كم بقيت كرئيس للمجلس الشعبي لمدينة الجزائر العاصمة؟

سنة كاملة.

ألم يطغ عليك الجانب السياسي في هذه السنة على الجانب الخدماتي للنّاس؟

العكس، طغى عليّ الجانب الخدماتي للنّاس على الجانب السياسي، ففي بعض الأحيان قد يكون لك عمل يخص مصالح الشعب فلا تحضر اجتماعا سياسيا في الجبهة، والإنسان يحاول التوفيق على قدر المستطاع، لكن في الغالب كان العمل في المجلس الشعبي لمدينة الجزائر مقدّم.

مالذي قدمته للناس في البلدية والولاية؟

البعض يقول لنا إنكم لم تفعلوا شيئا إلا لافتات البلديات الإسلامية والحقيقة غير ذلك، وقد أنجز رؤساء بلديات العاصمة معرضا بقاعة مسرح الهواء الطلق في خريف سنة 91 قدموا فيه عروضا عن إنجازاتهم في شتى الميادين، وعن المشاريع المزمع إنجازها بصورها وأرقامها ومجسماتها لو تمت لكان فيها خير كبير، والأسلوب الذي كنت أعتمده في التسيير هو فتح المجال لكل الطّاقات مهما كانت مشاربها ولا نبخل على أحد، فكل من يستطيع تقديم إضافة يستعد لذلك، فذلك يحقق الاستقرار، لأني لما قدمت وجدت أنّ الإداريين ومديري المصالح هم موظفون سابقون، فربّما تخوفوا وقالوا هؤلاء النّاس من الفيس سيقيلوننا، وهذا غير صحيح بل حافظت قدر الإمكان على الاستقرار ولم أغيّر إلا هذه المديرة التي كانت بطلب من العمّال ثمّ بعد ذلك مدير مصلحة النظافة، وأذكر رغم أني أقلته لسبب موضوعي إلا أني بقيت معه على علاقة طيّبة وكان يرسل لي السلام، وفي 2012 كنت في دالي ابراهيم فرأيت شخصا يتوقف بسيّارة ويفتح الباب ليسلّم عليّ، ومن سنوات لم أره، حتى قدّم نفسه وهو من أقلته أنذاك.

ألم تخلق لك المسؤولية أعداء؟.

لا، بل بالعكس استفدنا منها، فمثلا الأمين العام للمجلس الشعبي لمدينة الجزائر قيل لي أقله لأنّه من RCD فقلت لا، ما دام أنّه يعمل ولو كفاءة وتعاملت معه حتى ذهبت وهو بقي في ذلك المنصب.

كما حاولنا ترشيد الخدمات الاجتماعية وضبطها، فوجدنا أنّهم ينظمون رحلات مثلا لحمام ريغة ورحلات للعمّال، فحاولنا أن نوّزعها بشكل نزيه وبشكل عادل فاستُبشر بها، ولأوّل مرة بمبادرة من شؤون الخدمات الاجتماعيّة نظّمت رحلات إلى العمرة وهذا سنة 90 وكانت مفاجأة.

للعمّال..؟

نعم، يقدّم العامل مبلغا بسيطا بالدينار والباقي تتكفّل به الشؤون الاجتماعيّة، وعددهم 50 جواز سفر، فجاءني من كانوا مكلّفين بذلك وقالوا تركنا اثنين، واحد لرئيس المجلس وآخر للأمين العام؛ أنا كنت مشغولا مع العمل فلم يتيّسر لي الأمر من أجل ذلك وشكرتهم.

والأمين العام ..؟

الأمين العام ظنّوه من RCD لن يذهب، لكنّه ذهب الرجل ليعود من العمرة رجلا آخر، فجاءني وسلم عليّ حاملا هديّة اشتراها لي من العمرة.

لكن واضح أنّ علاقته مع RCD انتهت؟

انتماؤه السياسي لم أبحث عنه ولا نقصد هذا الجانب، وإنّما نحن كالمثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب النّاقة التي شردت منه، فأخذ النّاس في الجري وراءها حتّى شردت أكثر، فقال لا، دعوها لي وأخذ لها شيئا من الطّعام فأمسك بخطامها، فنحن لا نصنع الأعداء وإنما نحاول ما استطعنا كسب الأصدقاء.

الآن أنا أكتشف خطابا آخر للجبهة المحظورة ..؟

بالنّسية لي هذا هو خطابي في 90، لأنّ هذه أعمال كانت في ذلك الوقت وليست أقوال …جئت ووجدت الكاتبة بدون حجاب.

أمرتها بالتزام الحجاب!!

دعوة الناس إلى الصلاح والخير قد تكون باللسان أوالقدوة حسب الحال (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)، والحمد لله وجدتها متحجّبة بعد خروجنا من السجن، مكتبها كان في الممر للداخل والخارج، فأعطيتها مكتبا محترما هو مكتب مصطفى كاتب الممثل الجزائري المعروف، والذي كان عضوا في المجلس الشعبي لمدينة الجزائر قبل وفاته.

يعني لم تكن من المسؤولين الذين يأتون ولا يوظفون سوى الموالين له؟

لا، هذا لم يحدث أبدا والحمد لله إلى الآن ما زلت ألتقي بالزّملاء وبالإخوة العمّال والمديرين، وبيننا احترام كبير إلى يومنا هذا والحمد لله .

أذكر أيضا أنّني وجدت طبيبة مكلّفة بطب العمل تحب عملها وتتقنه، حيث كان لأوّل مرة يعاد الاعتبار لطب العمل، كعمّال النظافة الذين لم تكن تجرى لهم فحوص، وكانت مصرّة على فحص كل العمّال من طرف فريقها وخاصّة الذين يعملون في المذبح البلدي وفي الأماكن التي تعرّضهم للأمراض، فمنحناها مقرا بسيدي امحمد وقالت بأنه حار جدا ولا يناسب العمال إذ لابد من مكيّف، فأخذت مكيّفا من المكيّفين الموجودين بمكتبي وأعطيتها إياه، وفي المرة المقبلة جاءت مرتدية الحجاب، ربما لكلمة عابرة قلتها عن الحجاب وقد يكون حسن المعاملة أبلغ من الخطاب أحيانا كثيرة.

… يتبع

حاوره: محمد يعقوبي

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق