مقالات

التخلف بين المعيار المادي والمعيار الموضوعي | محمود حمانه

التخلف كلمة نتداولها بإستمرار ومع ذلك لا نكاد ندرك معناها ولا نلقي لها بالا.فهي في تصور الكثير ذاك القصور المادي المرتبط بعدم القدرة على حيازة اسباب القوة. ومع أن هذا التعريف صحيحا جزئيا,فإن لهذا المصطلح ,بالرغم ما يبدو عليه من بساطة,بعدا اكثر عمقا لما يتضمنه من معانى.
التخلف هو الا نكون صادقين مع انفسنا اولا وفي تعاملاتنا مع بعضنا البعض فتسود الحيلة والتوجس علاقاتنا الأجتماعية لتحل محل الأمانة وإلإخلاص حتى بات الإنحراف سمة للتميز والحصافة وحسن التدبير.
التخلف هو أن يتهرب الموظف عن اداء واجبه المهني بصورة تجعله جديرا بالأجر الذي يتقاضاه,إذ هو في هذه الحال لا يختلف عن غيره من اللصوص إلا في طريقة التحايل على القانون فيعامل المواطن بتجهم وتعال متعمدا اسلوب الوعيد بدل التعاون كأسلوب حضاري او على الأقل وفق ما تفرضه اللوايح والقوانين وأخلاقيات المهنة إن لم يكن بدافع من الضمير والأخلاق الإجتماعية, فيجد تظلم المواطن طريقه الى الأدراج ليقيم فيها ما شاء له هذا الموظف ان يقيم فيها حتى يطاله النسيان فلا يتلقى عليه ردا.
التخلف هو أن يسيئ الجار معاملة جيرانه بإحداثه للضجيج بصورة تقض مضاجعهم دون مراعاة للحرمات في مخالفة صريحة للأحاديث الكثيرة في هذا الباب كما يعني ان يخسر التاجر الميزان فلا يكيل بالقسطاس المستقبم إلا حينما تقتضي المصلحة ان يكون عادلا مع من اراد وأن يعق الأبناء الآباء ويسيئ الطالب الأدب لأستاذه.
التخلف هو ان يسود النفاق حياتنا فلا يكاد يغادرها حتى بات جزءا من اخلاقنا على ضوء ما تعج به حياتنا من مظاهر منافية للأخلاق وللاداب العامة كالذي لا يتورع في إلقاء النفايات دون خجل في الطريق العامة او كذاك السايق للسيارة الذي لا يملك من الصبر ما يجعله يبحث عن صندوق القمامة كى يودع فيها ما بيده من اكواب ورقية فيتخلص منها برميها في الطريق دون حرج او حياء.
التخلف هو ان نسخر من الذي يحاول ان يتقدم فنثبط من عزيمته حتى يفشل وان نتخذ من شبكات التواصل الإجتماعي مساحة للتسلية ومضايقات النشطاء السياسيين فنناصبهم العداء بدل مؤازرتهم في خدمة مجانية للطغاة,بدل ان تكون مطيتنا للعبور الى شاطئ الحرية في حين ان حسن إستغلالها من قبل غيرنا من الشعوب كان احد اهم اسباب نجاح ثوراتها.
التخلف هو ان نثور لمجرد التنبيه الى مواطن الضعف فينا,فترانا نغضب بدل العمل بسيرة امير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ يقول:”رحم الله امرئ اهدى الي عيوبي”.
التخلف هو ان نتردد في قول للمحسن احسنت وللمسيئ اسأت دون مجاملة على حساب الحق وعدم الإحتكام الى ما تمليه علينا الأمانة والإخلاص وأن نصدع بالحق في حضرة إمام جائر دون الخشية من غضب السلطان.
التخلف هو عدم الإقتناع بأننا منخلفين فعلا وعدم تقبله كواقع دون حساسية مفرطة والتماس الأعذار لتبريره والتستر عليه وضياع جهودنا في إجترار خيبتنا في وقت كان من المفروض ان نوظفها في خدمة اهدافنا القومية وان نتطلع الى المستقبل.
التخلف هو ان نتحول الى مصنعي للتخلف والإصرار على تصديره وفرضه على غيرنا من الشعوب التى تكافح من اجل خلاصها من نير الإستعمار الجديد فنساند التيارات المعادية للحرية بدل الوقوف الى جانب الديمقراطيات الناشئة كشعب لاكنظام بكل تأكيد الذي لا يروق له ان يكون معزولا وسط انظمة شرعية تراعي مصالح مواطنيها خشية ان تقيم عليه الحجة وتعريه امام شعبه وإستيراد الأديولوجيات الفاشلة للتضييق على المواطن كي يزداد بؤسا.
التخلف هو ان نتنكر لقيمنا ولديننا تحت مسمى مواكبة التطور وكأنه لا يمكن ان ننال حضنا من التقدم إلا بالتفريط في قيمنا والتطاول على لغتنا ومقدساتنا تملقا لأعداء الله والرسول لنزداد إحتقارا في نظرهم. وهو ايضا صمت النخب على سياسات الأنظمة مراعاة لمصالحها وان تبتلى الأمة بمن يحتكرون الدين فيكفرون الناس وكأن الله لم يهد سواهم.
.
التخلف هو في النهاية كل هذه التفاصيل وغيرها التى نراها بسيطة في حين أنها على قدر كبير من الخطورة وألأهمية كونها المعيار الحقيقي لمدى وعي الأمة وأخلاقياتها. تلك هي الأبعاد الحقيقية للتخلف.

محمود حمانه,موظف متقاعد-الجزائر

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق