مقالات

الجنوب الجزائري بين تحديات البيئة وظلم النظام | محمود حمانة

كان من المفروض ان تكون الحرب على مالي فرصة لمن ما زالوا يثقون في النظام لمراجعة حساباتهم وتكييف مواقفهم مع الواقع الجديد الذي فرضته هذه الحرب من جهة والغضب الشعبي لأهل الجنوب الذي لا تكاد تنقطع فيه الإحتجاجات والمظاهرات بشكل بات يوحي بأن التغيير الذي ينشده الشعب قد يأت من هذه المنطقة خلافا لكل التوقعات من جهة ثانية.
المظاهرات هذه المرة لم يعد شعارها” إقامة الدولة الإسلامية في الشتاء القادم”كما نسبه الإعلام المغرض لسكانه خدمة لسياساته وإنما التمرد عن الأوضاع اإجتماعية المزرية التى عانوا منها طويلا وهم اصحاب الحق حتى لا نقول بأنهم اولى من غيرهم بخيراتها.
وعليه فإن تحرك شبابها لم يكن بدافع من العنصرية,وكيف يكون كذلك وهو في الأساس مهمش ولم يطل حتى حقوقه,وإنما للفت الإنتباه لواقعهم بعد عقود من الصبر والترقب والسلاوك الحظاري المبني على التقيد بالقانون والتعبير عن تطلعاتهم من خلال القنوات الرسمية التى ثبت زيفها كونها ليست اكثر من افيون وشعار كغيره من الشعارات التى تعودوا عليها من قبل نظام
كان من المفروض ان يكون اكثر تفهما لواقع اهلها بدل التنصل من مسؤولياته حيالها كما تنصل من قبل بتحميلهم المسؤولية في احداث لا دخل لهم فيها.
ولكن من المؤسف ان نلاح؟ بأن رئيس الحكومة عبد المالك سلال لم يأت للمنطقة من اجل تهدئة الأوضاع ورفع المعاناة عن سكانها والمبادرة الى إصلاح هذا الخطأ التاريخي الفادح في حقهم بل جاء متوعدا وكأن ما حدث في عين ام الناس من احداث تتعلق بقضية الرهائن كان من تدبيرهم,وهوما صرح به سلال بالفعل,ولم يكن كرد فعل من الجهات العسكرية التى تتهم بوتفليقة بالتفاوض مع فرنسا من ورائها بخصوص السماح للطائرات الحربية الفرنسية بالعبور الى” مالي “عبر اجوائنا دون قيد او شرط,كمعركة من معاركها في صراعها المفتعل مع الرئاسة ليس من اجل مصلحة الشعب بكل تأكيد بل بدافع صراع المصالح والنفوذ.
سلال جاء إذا لفك العزلة عن نظام بدأت ترتسم ملامحه منذ ان زج بالجزائر كطرف في صراع هي في غنى عنه لمقامومة ما اسموه”القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” هكذا قيل لنا وصدقناهم كما صدقناهم من قبل في مناسبات كثيرة حول امور لم تكن في يوم من الأيام في مصلحة الوطن ,في محاولة لدغدغة الحس الوطن فينا كما تعود ان يفعل في كل مرة يجد فيها نفسه في مأزق وتخونه فيها الحيلة والوسيلة,لشغل الرأي العام عن هموم المواطن من خلال نقل النقاش من تقصير السلطات في التكفل بهمومه الى التهويل من خطر مزعوم اسست له الدعاية الرسمية كما اسست لأكذوبة الإرهاب في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.وقضية الرهائن نفسها والطريقة الوحشية التى عولجت بها تندرج في هذا السياق كسيناريو من السيناريوهات المتعود عليها لجأ اليها النظام لخلط الأوراق بهذه المنطقة المتوترة بعدما شعر بأن زمام الأمور بدأ يفلت من بين يديه نتيجة هذا الخطوة الغير محسوبة العواقب والمتمثلة في مساندة الحملة الصليبية التى يقودها الغرب للحيلولة دون غزوالإسلام القادم من إفريقيا اوروبا عبر البوابة الفرنسية,وهو الزحف الذي يبدو أن الفوبيا ضد الإسلام التي تدق طبولها في فرنسا منذ سنين باتت غير كافية للتصدي لهذا المارد الجبار الذي يدخل القلوب والبيوت دون إستئذان ليستقر فيها.
الى الوضع المتوتر في منطقة الساحل الإفريقي تضاف الإضطرابات الإجتماعية التى تعرفها مدن الجنوب منذ خمسة شهور متواصلة والناجمة عن الحياة الضنكى التى يعيشها سكان المنطقة نتيجة إهمال السلطات لها بالرغم من أنها الرئة التى يتنفس من خلالها الإقتصاد الوطني.
وعلى الرغم من صبر اهلها على إقصاء النظام لهم وعدم نيلهم حضهم من المشاريع تماشيا مع سياسة التوازن الجهوي المزعوم,فإن زيارة عبد المالك سلال –الذي هو بالمناسبة البديل الصائب لأحمد او يحي والذي اثبت كفاءة ومهارة في التستر على جرائم النظام فاقت قدرات سلفه-لعين ام الناس لإعادة تشغيل مركب الغاز بها بعد العطب الذي اصابه نتيجة التدخل العسكري للقوات الخاصة لإنهاء ازمة الرهائن كشفت عن نواياه الحقيقية التي لم يعد بإمكانه إخفاءها حيال اهل المنطقة الذين صدموا مرة اخرى في مسؤوليهم كون أن خطاب رئيس الحكومة لم يكن بعيدا عن تناول همومهم فحسب بل حمل كل معانى الإزدراء التي يمكن لمسؤول ان يبديها حيال هموم رعاياه إذ لم ينصحهم بالتوجه لقطاع الفلاحة لأن منابع النفط ستنضب خلال ستة سنوات او هكذا قال,بل بلغت به الوقاحة لإتهامهم بضلوع ابنائهم في الأحداث التى شهدتها محطة”تيغنتورين”والذين ساعدوا الإرهابيين على حد تعبيره بدل العمل على رفع الغبن عنهم والمبادرة لإصلاح الخطأ التاريخي الجسيم الواقع في حق المنطقة برمتها وكأنها غير محسوبة على الوطن ,وذلك للتنصل من مسؤولية الحكومات المتعاقبة في الواقع الإجتماعي المتردي الذي يعيشونه رغم أنهم يرقدون على بحر من الثروات الطبيعية التى يستفيد منها الآخرون فيما يبقوا هم المقصون منها وكأنهم دخلاء وغرباء عن هذا الوطن الذي يبدوا أنه على إستعداد ليسع الجميع عدا اهل الجنوب الذين لم يحضو من المشاريع إلا بتلك المتعلقة ببناء ثكنات الدرك الوطني واقسام الشرطة ومؤسسات إعادة التربية.
هذهالإيجابة من قبل مسؤول من هذا الطراز تفتح جرحا قديما قدم مأساة هذه المنطقة لم يندمل بعد ويحكي معاناة وتاريخ منطقة طالها التهميش دون مبرر وتحملت تبعات الإرهاب القادم من شمال البلاد الذي يمارس في حق اهلها ابشع انواع الإقطاع.
صرد الوقائع بهذه الصراحة التى لم نتعود عليها لا تمليه نزعة عنصرية لأن هذا المصطلح غريب عن تفكيرهم وإنما هو رد فعل طبيعي من قبل من ظنوا أنهم جزءا من هذه الأمة ومنطقتهم رقعة من رقعه كانت من المفروض ان تنال خضها من التعمير اسوة بالشمال دون الإضطرار الى وضع السلطات امام مسؤولياتها في هذا الصدد,وهو الموقف الذي احجمت عنه منذ الإستقلال الى حين بدا أنه السبيل الوحيد لفرض انفسهم كمواطنين بعد ان إستنفذوا دون جدوى كل الوسائل الحضارية للفت الإنتباه الى اوضاعهم ,وذلك بحكم الأخلاق الفاضلة والثقافة التى نشؤوا عليها. إعتمدوا على اللعه وعلى انفسهم في التكفل بمشلكلهم وشقوا طريقهم بالوسائل الذاتية المتاحة لديهم فلم يكلفوا خزينة الدولة شيئا,إلا أن هذا التصرف الشهم والرجولي جرى تفسيره من قبل السلطات على اساس أنه دلالة على الإكتفاء الذاتي وبالتالي فغيرها من الجهان اولى بإنشغالها.
المظاهرات التى قادها الشباب البطال في الجنوب والتى تم التعامل معها بالوسائل البوليسية والقمعية المعتادة على اساس أنها شكلا من اشكال التمرد على النظام القائم,إذ لم يفوت سلال الفرصة للتصريح بوجود قوة بالمنطقة تسعى لفصلها عن الشمال وفق التوصيف المرضي للدكتاتوريات وهل من المعقول اني فكر شاب يسعى لكسب لقمة العيش الإنقلاب على النظام؟ولكنه الطرح الرسمي الذي لم يتعود فيه على تقديم التنازلات حتى لو من باب تطويق الأزمات ومعالجة الأوضاع المتفجرة بما تفرضه غليه صلاحياته كرئيس للحكومة لأن السياسة المنتهجة من قبلها والمبنية على الفكر الستاليني القائم على النظام البوليسي لاتسمح لها بغير هذا.
الجنوب ضحية مؤامرة تاريخية كان النظام نفسه هو المؤسس لها بحكم مصادقته على ان تظل مسرحا للتجارب النووية والكيماوية الى غاية 1978 التى ما زالت آثارها شاهدة على هذه الجريمة التى قلما اقدم نظام آخر عليها لإلحاق الضرر بشعبه بهذه الصورة البشعة,وهو سر من الأسرار التى لم تدون في إتفاقيات”إفيان”ولم يطلع عليها الشعب إلا بعد ان قرر من عايشوا الأحداث الحديث اخيرا وكسر جدار الصمت حول قضايا ظلت لمدة خمسين عاما من الطابوهات رغم أنها تهم مصير الأمة كما عانى من ويلات الإرهاب بالأمس القريب ومن ظلم السلطة التي حملت اهله مسؤولية افعال غيرهم في سنوات الدم والدموع والدمار,ولم يكن إختياره كمعتقل سياسي يذكرنا بارخبيل”الغولاغ” الروسي البغيض من قبيل الصدفة,بل كدليل إضافي على حنين النظام لأساليب المستعمر وحقده على الشعب برمته وليس على هذه المنطقة فحسب .وهو اليوم مستباح من قبل عدو الأمس وأبناؤه مسخرون للقتال بالنيابة عنه في صراع ليس لهم ولا للشعب ناقة فيه ولا جملا.هذه الإساءات الموجهة ظاهريا للجنوب تعنى ايضا بقية ربوع الوطن الذي على اهلها إدراك النوايا الحقيقية له بعيدا عن العاطفة والأفكار المسبقة والتشنج لأن الظرف الذي يمر به الوطن والتحديات المطروحة امامنا لم تعد تسمح بأي خطأ او تهاون في الدفاع عن مصيرنا.
النظام الذي إغتصب السلطة سنة 1962 هو نفسه الذي صادر الشرعية ثلاثين سنة من بعد والذي تآمر على دولة مجاورة من خلال العمل على إشعال الحرب بها .حرب لن تتأثر بها وحدها بل ستكون إنعكاساتها خطيرة على البلاد المقبلة على التقسيم وفق مخطط امريكي من دون معارضة النظام الذي بات يخشى على نفسه من ان يلق اعضاءه نفس المصير الذي لقيه زعماء حزب البعث العراقي.
سلال يقول بأن هناك في الجنوب تسعى لفصله عن الوطن كما اسلفت ولكنى لابد من أن اذكره بأن سكان المنطقة اتيحت لهم الفرصة للتصويت عن الصحراء كإقليم فرنسي ولكنهم رفضوه كما أنه كان بإمكان العقيد محمد شعباني إستغلال الحرب التى شنها المغرب على الجزائر سنة 1963 للتخلص من خصومه الذين كان يعلم أنهم لن يرحموه ورغم ذلك غلب المصلحة الوطنية ليموت فيما بعد شهيد الوطنية ورمزا صادقا من رموزها,وفي هذا الدلائل الكافية لتجعل من كلام سلال محض إفتراء لأن الخيانة ليست من طباعهم بل سجية من جاء اليوم ليتطاول عليهم وعلى رموزهم وتاريخهم الذي هو ملك لكل جزائري اصيل.
وعليه,فإن ما يتعرض له الجنوب لا يسيئ إلى اهله فقط بل لكل جزائري بغض النظر عن إعتبارات اللغة والعرق واللون بل من المفروض ان يزيدهم حرسا على التمسك بهذا الجزء من التراب الوطني الذي لا يقل اهمية عن غيره من ربوع الوطن الأخرى من منظور الكرامة لا كونه المصدر الرئيس للثروات والريع.
محمود حمانه,موظف متقاعد-الجزائر

2 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • السلام عليكم

    مقال مليئ بالمتناقضات والمغالطات التي اثارها كاتب المقال
    سلال لم يتهم ابناء الجنوب في حادثه تيقنتورين بل هو قال الحراس الذين منهم من هوليس من الجنوب ..لم اقرأ لك مقال من قبل يتحدث عغن ابناء الجنوب اما الان وخلال ما يحدث في مالي وازمه التوارق تطل علينا اخي الكاتب بهلوسات لا مبرر لها
    تريد نشر البلبلبه والا كيف نفسر انك تريد اضهار ان ابناء الجنوب مضطهدون لعلمك اخي ان هناك منحه اضافيه تمنح لابناء الجنوب الذين يعملون في المؤسسات الوطنيه ..ضهر الكثيرون هذه الايام يريدون تحريض ابناء الجنوب خدمه لمخابرات بريطانيا و الغرب الذي يسعي الي تقسيم الجزائر ..انت تتضار بالجزائريه ولكنك تكره الجزائر وامنيتك ان تنقسم الجزائر ويحل الخراب كما يحدث في سوريا..

  • لا يا أخ ربيع الكاتب يدافع عن الأمة بأكملها و كتاباته تشهد له بذلك إنه لا يسعى لإثارة البلبلة كما تدعي هو يقول الحق و الناس تحكم
    أي رجل يتحدى هذا النظام نتهمه بالخيانة اتقي الله في الاخ الكاتب