مقالات

شرذمة لكن كثيرون – نظرة في مليونية ورقلة

الكاتب: أحمد الزاوي

سادت منذ إصلاحات بوتفليقة التي جاء بها على طوق حمامة سلام في ظاهرها حالة من الإحساس الصوفي عند بعض من قطاعات الشعب المتشوق للأمن والأمان الداخلي، واستشعر ولاة أمور نظام الانقلاب إن إنقاذ الجزائر من الحفنات المشوشة والحثالات البرازيطية قد ولى إلى غير رجعة فظنوا أنهم قد أصبحوا أبطالا للأبد يفعلون ما يشاؤون لأنهم بكل سهولة مغفور لهم، لكن جهل هؤلاء ان حلقة التاريخ لا تقف عند ظواهر الأشياء ولن تحتفل بالزور والمزورين وان للباطل جولة لن تقاوم صولة الحق وجلجلته مهما كان طول ذيله، فانقشعت ضبابات الوهم المسوَّقِ للغاشي المسكين في سلسلة من الانفجارات المدوية و الفضائح المحتدة، والمصايب التي بدأت كور ثلجها تتعاظم مما يصعب أذابتها، ومن العجيب أن تنشأ كرة الثلج في صحراءنا الممتدة وتقاوم الحر الذي يلفح بشرات أهل الصحراء الطيبين.

نظام ما بعد الانقلاب لم يأت على طوال الأزمة الممتدة وعبر عقودها المديدة بشيء غير إنتاج نفسه في طبعات مبتذلة في أسماء ما عاد يخفى عوارُها على راعي السهوب الذي تعود على اللهو بقصبته في تمضية الوقت، فالكل في الجزائر أصبح يندد بالقسمة الضيزى التي أسست لجمهوريتين في ارض واحدة، الأولى للمتنفذين وحواشيهم، والأخرى التي لا ثالثة لها للمستضعفين والمغيبين والفقراء والمساكين والمهمشين والمظلومين وممن على منوالهم مما لا يحصون عدٍّا من البطالين والعاطلين وبين هذا وذاك تجذرت عادات قبيحة ونشأت ترسبات وسلبيات مشينة قامت على هامش وتحت ظل الطبقات السميكة لإمبراطوريات الفساد العتيقات، فعمت الفوضى، وقديما قال الأولون ارقص للقرد في دولته.

إن الذي يدعوني إلى شحذ سيفي والكتابة في نكبة الجزائر ليس هو نظامها المترهل الذي بلغ فيه. مسؤولوه من العمر عتيا والذي هو يلفظ آخر أنفاسه وإنما الذي يستحثني واراه يفتعل في نفسي فلا أجد له مقاومة هو كرة الثلج الذي بدأت تكبر وتتعاظم في سماء الجزائر الملبدة.

إنه لبمكان من القوة والعظمة أن يلحظ المراقب حالة اللاشعور في الانتقام من الجلاد تتحول إلى مداد وأحرف وصيحات يتفنن بها المتظاهرون ويتحدون بها نظام الانقلاب، بحيث رأينا نوعا من ضبط النفس و من الخطاب المتوازن الذي استفاد من تجربة الداخل والخارج.

وإذا كان النظام يوحي إلى الرأي العام على لسان المزمرين إن الثورة لا جدوى منها باستجلاب مثال دول الربيع العربي بسالبها ومثالبها زعما منه في فشلها،فإن النظام وزبانيته من سدنة الأقلام قد كالوا التهم زورا وجورا لهذه الحركة المباركة فاتهموها بالشذوذ والخيانة والخروج (على مذهب وجوب الطاعة ممن لا يقرؤون ولا يعقلون) واتهموا مليونية ورجلان بالشرذمة ثم إن ثالثة الافاثي هي اتهام الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالتأسيس لمثل هذه المظاهرات بغرض تبرير تعنيفها وهي شنشنة نعرفها من النظام.

وانه لمن نافلة القول التذكير أن أطيافا كثيرة وقواعد عريضة داخل المجتمع قد تفطنت لألاعيب النظام وخرجاته المزيفة في التفنن في الكذب والتزوير، فشبكة التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم تلعب الدور القطب في توجيه الرأي العام وصناعته فضلا عن تعريتها للمستور وفضحها له.

هناك إضافة أخرى يجب على سدنة النظام أن يأخذوها بعين الاعتبار وهي أن عام 2012 ليس هو 1991 من حيث المزاج الدولي والإقليمي الذي أصبح يشجع على الثورات ويساندها أو على الأقل يتصام عن إبداء موقف فيها، والحقيقة انه بمجرد انفلات الأوضاع وخروجها عن النص سيجد النظام نفسه ليس في مواجهة التظاهرات بل في فتح الملفات السوداء من قتل تعسفي واختطاف ممنهج وغيرها من سيئات وشؤم انقلابه على الشرعية، وعندها يتسع الرقع على الخارق وربما لا قدر الله تعود إلى المربع الأول.

كنت أظن أن الاتهامات والعبارات التي استعملها سدنة النظام وزبانيته في محاولات يائسة لثني الناس عن الانتصار لتجمع البطالين قد نفذ مفعولها منذ برهة من الزمان كالتخوين والعمالة للأجنبي وضرب الوحدة الوطنية وما شابهها من التهم الفجة المرذولة، وتلك لعمري اوابد تستك منها المسامع.

إن تجمع ورقلة إرهاص لقومة لها ما بعدها وسحابة مزن سيتعمم فضلها في قادم الأيام، وإن إبداعيته النضالية تجلت في وعي المتظاهرين وقياداتهم وذلك بالتالي:

أولا: بتصميمهم على المضي قدما في سبيل تحرير المجتمع وتصامهم عن كل الإغراءات والرهابات التي كان يبعث بها النظام بالإشارة تارة وبالعبارة أخرى.

ثانيا: بعمقهم التحليلي ونظرتهم الواعية لمشكل الجزائر الذي يتجاوز مشكلة البطالة إلى إشكالية السلطة العاطلة التي أعجزها العمر المديد في الفساد بكل أنواعه وإشكاله أن تحل مشاكل الناس.

ثالثا: نقلهم للتهديد إلى غير مواطنه التقليدية التي كانت في سابق الزمان في حواضر المدن الكبرى كالعاصمة وقسنطينة، وهذا في معتقدي إبداع غير مسبوق قصد منه منظموه إحداث صدمات نفسية لباقي حواضر الجزائر، والبعث برسالات مشفرة لأصحاب القرار، فإذا كانت ورقلة وباقي مدن الصحراء حفضها الله وأهلها من كل مكروه تنتفض انتفاضة الأسد الجريح في إعادة تدبيره لعرينه المهشم، فماذا سيكون رد العاصمي والقسنطيني الذي يضيق ذرعا لأدنى المضايقات مقارنة مع الصحراوي صاحب الصدر الواسع والقلب الكريم، وان هذا لعمري في القياس متناقض لان العادة ان الضعيف يتبع القوي والأصغر يندرج في الأكبر وليس العكس.

اعتقد جازما أن هناك شعور داخلي رهيب يفتعل في ذوات الجزائريين الشرفاء وما أكثرهم ولا يزداد مع حوالك الأيام وأوابد الزمان إلا اعتمالا وتفاعلا في ايجابية منتجة وتفاؤلية مبهجة، لاشك أن هذا الشعور هو ليس شك من المستقبل ولا وسوسة من الماضي بعجره وبجره بقدر ما هو قدرة على التغيير والتبديل برغبات التأثير في كل الصعد وبكل الوسائل السلمية المشروعة، فهل آذن فجر الجزائر بالانبلاج واختصار الطريق الشائكة وإسعاد المواطن الذي يتحفز لرؤية أبناء الوطن يعملون في كد وجد ويتراحمون في خير وود، إن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين، وان مع الليل القاتم فجر صادق.

http://tv.rachad.org/ar/accueil/articles-ar/1394-2013-03-21-22-49-14

كلمات مفتاحية