مقالات

استنساخ الفشل : حفيظ صواليلي

استنساخ الفشل

حينما يصل أي نظام سياسي إلى نهاية دورته، فإنه يلجأ إلى حلول ترقيعية لإنقاذ نفسه، ويختزل بذلك الفشل، لأنه أضحى عديم الحجة والجدوى، وعلى غرار منطق الحضارات كما طوّرها ابن خلدون وأرنولد توينبي وأوسفالد شبينغلر ومالك بن نبي، فإن السلطة السياسية تحكمها قواعد ونواميس لا يمكن أن تحيد عنها، وإلا كان مآلها الفشل، من بينها أن العدل أساس الملك وأن حكم المجموعة والجهة والزمرة لا يمكن أن يفرز إلا حكما أعرج، لأنه يولد تناقضات داخل المجتمع تتولد عنها ثورات لاستفحال مظاهر الإقصاء وتكميم الأصوات والتهميش والمحاباة وانحصار الامتيازات والتوزيع غير العادل للثروة واستشراء الفساد، وكما يقال قليل المال تصلحه فيبقى ولا يبقى الكثير مع الفساد، فالجزائر التي أنفقت خلال 14 سنة، أكثر من 300 مليار دولار، أي ثلاث مرات القيمة الحالية لمشروع مارشال، لم تفلح في إصلاح قطاع واحد، تعليم وصحة منكوبة، لدرجة لا يثق فيها أحد من المتنورين الذين سارعوا إلى إرسال أبنائهم للدراسة ما وراء البحار ووجهوا نساءهم ليلدن في المستشفيات الباريسية، بينما يقال للشعب المغلوب على أمره، لدينا أفضل تعليم وأحسن صحة ما شاء الله، تليها الخدمات المتخلفة، لا بنوك وطرقات مهيأة وأرصفة، حتى في وسط المدن الكبرى، يضاف إليها وسائل نقل بدائية لا يزال يستخدم فيها علب السردين التي يحشر فيها الجزائريون حشرا، فهل يعقل أن ننحدر إلى هذا الدرك الأسفل، إلى درجة أضحينا عرضة للتنكيت ”بلد غني بائس وفقير”، هكذا كان شعار إعلام المستعمر السابق، حينما قام الرئيس هولاند بزيارة خاصة للمستعمرة السابقة، ولم نكتف بهذا القدر، حتى أننا بدأنا نتجرع إلى غاية الثمالة ملفات الفساد في كافة القطاعات، من خلال ”تسريبات” تطرح الكثير من نقاط الظل عن توقيتها، في وقت انتشرت فيه مصطلحات استهلكت مستخدميها واستهلكت قارءها ومستمعها إلى حد التخمة كالشفافية، والتنافسية، والحكم الراشد والعدالة والديمقراطية ومن الشعب إلى الشعب والعزة والكرامة، ولكن هل كان يتبادر إلى ذهن الجزائري يوما أن تصبح مناطق من بلاده محرمة عليه تحت مسميات المحمية، وهل كان الجزائري يفكر يوما في أن السلطة والحكم ستظل حكرا على بعض النخب المغلقة، لأنها المؤهلة دون غيرها، وأن الشاب الجزائري لا يزال في سنة 2013 تفرض عليه الإدارة البيروقراطية رخصة مجاهد لقيادة سيارة أجرة أو فتح حمّام، فإذا كان هذا الأمر مستساغا في الستينات، فما هو مغزاه في 2013. إنها مفارقات الزمن الجزائري، ونحن مقبلون على انتخابات رئاسية، وعوض أن يعيش الجزائري على وقع برامج واقعية لما سيكون عليه غد هذه البلاد، ترسم له صورة قاتمة، من خلال توالي أخبار ملفات فساد بالجملة ومفسدين لا نهاية لهم وهواجس امتعاض وسخط متنام، يضاف إلى كل ذلك طبخات سياسية تحضّر بإتقان على نار هادئة ليفرز في النهاية ما يراد أن يكون في دهاليز السياسية المغلقة، وسنشهد عمليات جس نبض، ثم سيكون ما يراد له أن يكون، وفي المحصلة سيطبق مقولة كاتب الدولة الأمريكي هنري كيسنجر ”تحكموا في النفط وستهيمنون على الأمم، وتحكموا في الغذاء، وستسيطرون على الشعب”، لكنهم لن يطبقوا ما قاله يوما الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ”إذا كنا نحب بلادنا فعلينا كذلك أن نحب مواطنينا”.

http://www.elkhabar.com/ar/autres/un_avis/329754.html

كلمات مفتاحية