مقالات

الحكم الفاسد‮ ‬يواصل تسيير الفساد بالفساد…!!

في‮ ‬انتظار الانتقال من التشخيص إلى التأسيس
الحكم الفاسد‮ ‬يواصل تسيير الفساد بالفساد…!!

عبد المومن حميدو
حاول بوتفليقة طوال العهدات المتوالية إيهام نفسه، وإيهام الرأي العام بإمكانية النجاح في المزاوجة بين البقاء في الحكم واحترام القيم الديمقراطية، ولكنه فشل فشلا ذريعا في البرهنة على قدراته في التوفيق بين تكريس المسار الديمقراطي من جهة، وتثبيت الوضع القائم من جهة أخرى.
رغم الانتقادات والتحذيرات والاحتجاجات، اختار بوتفليقة طريق ديمقراطية الواجهة، وتمثلت معالم هذا الطريق في:
ـ العبث المتكرر بالدستور باسم المراجعة والتعديل.
ـ صيغة الانتخابات الرئاسية التعددية بمرشح واحد.
ـ صيغة التحالف الرئاسي بين الوطني والديمقراطي والإسلامي الهادف إلى تجريف وتزييف وتتفيه العمل السياسي.
كان هذا الخيار أنانيا، وكانت تكلفته باهظة جدا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ومع ذلك لم يحقق الهدف المتوخى وهو ضمان السلم والاستقرار، بل لم يضمن حتى التوازن السياسي المرجو بين أجنحة النظام المتصارعة بعد اندلاع، حوادث “الزيت والسكر ” انهار التوافق الوهمي، وبدا التحالف الصوري يتفكك، وتمردت الصحافة المدجنة، وعجزت أحزاب ديمقراطية الزينة على استيعاب حركة الشارع، تماما مثل ما يحدث هذه الأيام في منطقة الجنوب.
منذ الإعلان عن إصلاحات سياسية واقتصادية جديدة، أي منذ سنتين وسياق الانهيار المتواصل للتوافقات الوهمية يزداد انتشارا وسرعة، من حركة مجتمع السلم إلى جبهة التحرير مرورا بالتجمع الوطني الديمقراطي، غير أن منطق التدمير هذا لم يفاجئ الملاحظين الذين يعرفون جيدا طبيعة نظام الحكم وخصائصه وآليات تمديد عمره، فقوى التدمير المتصارعة على المناصب والحقائب، وعلى المنافع والامتيازات، لا يمكن أن تساهم في البناء الديمقراطي، والصراخ المنطلق من الأوداج المنتفخة للمستفيدين من الأوضاع السائدة لا يحجب الحقائق، ولا يلفت الانتباه إلى أشياء أخرى غير سوناطراك، وسونلغاز، وسوناطروا وهلم جرا.
واحدة بعد أخرى تنقطع الصلات الواهية التي كانت تربط زمر النظام داخل السلطة وخارجها، لأن كل عنصر من عناصر هذا النظـام كان يقاول لحسابه الخاص محاولا استغلال حليفه الظرفي من أجل البقاء في دائرة المنافع والامتيازات، وها هي الدوائر قد بدأت فعلا تدور على كل الفاسدين والمفسدين، سواء الذين أفسدوا الحياة السياسية وتركوا الجزائر تدور في الفراغ، أو الذين أهدروا المال العام وأضاعوا على الجزائريين فرصة الدخول في تجربة تنموية حقيقية… ففي الوقت الذي كان ثلاثي التحالف البائس يعتقد أن وصول كل منهم إلى قيادة حزبه سيمهد له طريق التقرب أكثر من بوتفليقة للتعبير عن استعداده للعب الدور المطلوب في أفق الرئاسيات القادمة كان بوتفليقة يفكر في طرق أخرى، وفي أدوات أخرى، وفي قيادات أخرى لإدارة مرحلة التحضير للاستحقاق الرئاسي القادم، من دون أن يعلن للأوباش عن نواياه وأهدافه، لأنه يعتبر مؤيديه وأنصاره مجرد أجراء وليسوا رفقاء ولا شركاء.
والغريب في الأمر أن بعض صغار الانتهازيين من أكلة الفتات داخل أحزاب التحالف المنتهي الصلاحية، يعتقدون أن بوتفليقة سيتحرك لحلحلة أوضاع هذه الأحزاب خارج الضوابط والحسابات التي تحكم تحركاته وممارساته وسلوكاته والتي ترتبط قبل كل شيء بالاستحقاق الرئاسي، فكل المؤشرات توحي بأن بوتفليقة مستعد للذهاب في ما يراه يخدم استراتيجيته الانتخابية إلى أبعد مما يتصور بلخادم وعبادة، وأويحيى، وقيدوم، وبوجرة ومناصره وكل الكومبارس السياسي المشارك في تزييف وعي المواطن بحقيقة الأوضاع السائدة.
المشكلة أن كل طرف ضبط مواقفه وفق حساباته وطموحاته الشخصية، ولكن قواعد اللعبة السياسية لا يمكن أن تنضبط إلا في إطار دولة القانون، وحين يقبل أطراف الصراع على السلطة التنافس في إطار دولة الفساد، فهذا يعني أن الجميع ليس مقتنعا، ولا مؤهلا للمساهمة في معركة إرساء دولة القانون لمحاربة الفساد المتفشي، والمفارقة المأساوية أن كل الأطراف متفقة على التشخيص، ولكنها عاجزة عن التأسيس، كلها متفقة على أن طبيعة نظام الحكم تؤدي حتما إلى إذلال المواطن، والاستهتار بوعيه، والمخاطرة بمستقبله، والتلاعب بمقدراته، وأن تغيير شخص بشخص لا يفيد في تغيير الوضع السائد، ولكن حين يتعلق الأمر بضرورة الانتقال من مرحلة التشخيص إلى مرحلة التأسيس لدولة التداول الديمقراطي على السلطة، واحترام حقوق الإنسان، وضمان حرية الفكر والتعبير إلى غير ذلك من أسس دولة القانون، حين يتعلق الأمر بهذا تبرز قدرات التدمير وشل المبادرات، لدى كل طرف، وتتوارى قدرات البناء والتأسيس ثم يقبل كل مترشح خوض الانتخابات في أجواء تشكك في حياد الإدارة، واستقلالية القضاء، وأموال الحملة الانتخابية.
المشكلة أن كل طرف من الأطراف المتصارعة على السلطة أو على الترقب للسلطة يعرف حقيقة نفسه، وحقيقة وزنه، ويلعب على نقاط ضعف الآخرين، فكل طرف يملك القدرة على الانتقاد، والشتم، والتشهير، بل وعلى تدمير الطرف الآخر، ولكنه لا يملك أفكارا، ولا برامج ولا تصورات تختلف عن أفكار وبرامج وتصورات الأطراف الأخرى، ذلك أن الجميع ينتمون إلى نفس المدرسة، مدرسة التدمير والمناورات والمؤامرات.
في إطار تكريس دولة الفساد، وحكم الفساد للفساد بالفساد يدور الصراع اليوم في إأفق رئاسيات 2014، ومن ينتظر هذا الموعد وفي ذهنه أن الأمور سوف تتغير بعد الرئاسيات القادمة فهو واهم، فصراع الضعفاء والتعساء، والبؤساء هذا، لا يمكن أن يسفر عن نتائج مغايرة للصراعات المماثلة، وفي انتظار الانتقال من التشخيص إلى التأسيس تبقى مطاحن المناورات والمؤامرات تدور داخل أروقة الانقلابات في أجواء تشبه أجواء الانتخابات، ومن لم يصدق فليتأمل في الأسلوب، وفي التوقيت وفي الآليات التي تقترحها السلطة على المواطنين لمراجعة الدستور.

http://echahedonline.com/ar/permalink/16430.html

كلمات مفتاحية