مقالات

كان يامكان في ديار بني نهب: دسائس الخلافة ومرض السلطان! | أحسن بوشة

كان يا مكان في قديم الزمان,في غابة الأمان, في زينة البلدان,في جزائر مزغنة بهية الأوطان,كانت تعيش هناك أقلية ميسورة ,وياسادة,تعتلف من مراعي الحاسي الخصبة والوفيرة,ومعها كانت تعيش قطعان كبيرة, تقاسي وتتقاسم المآسي رغم سخاء الحاسي والخيرات الكثيرة,وكان يحكم الغابة ملك الملوك, فخامة الأسد,وكان له ثلاثة وزراء كبار, كبيرهم الذئب حيمود ومعه الثعلب الخادم شعيب , والأرنب أبو الهامر شيبوب .
ذات يوم مرض الملك وظن الجميع أنه هالك, فحدثت ضجة في الغابة,وفزعت الرعية لزيارته ومواساته للتخفيف من معاناته,وكثر الطامعون في خلافته خاصة زعماء تعالفه, وكان الوحيد الذي تخلف عن زيارته هو الثعلب شعيب!؟ وكان الذئب حيمود يكره الثعلب ويحسده لشدة تقربه من الملك الهمام,فقال بخبث يامولاي مالي أرى كل الرعية جاءت لتزورك إلا الثعلب خادمك شعيب,فهو غائبا وما أظنه إلا متآمرا مع أعدائك للغدر بك والإستيلاء على عرشك؟
غضب الملك لذلك غضبا شديدا,فهو مشهور بكبريائه وعلو كلمته ورأيه ولا يقبل أي غدر أوخيانة أو حتى إعتراض على قراراته,ثم إلتفت إلى الأرنب بوجرة شيبوب, وقال له لقد عهدناك وفيا, ولملكنا مخلصا وصفيا,وأنت ورعا وتقيا,فأنطلق وأبحث عن شعيب فإني أراه ماكر وللخير ناكر,وسأجازيك كالعادة بحصتك في كل الغنائم الكثيرة والخيرات الوفيرة,فأرتعد شيبوب وبسمل وحوقل حتى سال لعابه,ثم إنطلق لتوه فوق الهامر يجوب الوديان و الفيافي والطريق السيار, باحثا عن الثعلب الورع شعيب حتى وجده في زاوية من زوايا البلاد يتعبد ويتهجد,شاكيا إلى الله المتآمرين على الآفة,داعيا الخالق إلى رفع غمة الآفلان وعودتها إلى أعلى مكان ,وكان بين الإثنين مودة سابقة وشراكة وتحالف وتعالف,فسلم وجلس ليتكلم….إن كبير الوزراء حيمود قد وشى بك للملك السلطان,ولا أرى إلا العقاب والإنتقام في عيني الملك الهمام,فأنظر ماذا ترى وماذا تقدم من عذر لجلالته عند لقائك به,إني لك ناصح ولنجاتك من الهلاك طامح, ياأخي وشريكي,فهلم بنا ننطلق لزيارة جلالته وعيادته في الجزائر مدينة في قصره, قبل أن يستولي الغول وجماعته على التاج.
دخل الثعلب شعيب على الملك وهو يبتسم بمكر شديد, فرأه وهو يكاد يفترسه من الغيض,السلام على مولانا السلطان وقد أحضرت لك معي الضمان لخلودك في الكرسي الذي تعشقه يامولاي! ولقد بحثت في الغابات والوديان وفي الممالك والأوطان,يامولاي,لأجد دواءا يشفي زعيمنا السلطان,ويعالج داء الجنب وطيب الجنان!
فقام الملك منتصبا لتوه وللخبر السعيد مستعجلا سماعه, وصاح هات ماعندك ياهذا,فقال شعيب وعينه مشتاقة إلى كرسي الملك العجيب,مولاي إن دواؤك موجود بلا شك ولاريب,ولقد سألت الحكماء والكبار العظماء,وجاؤوا كلهم بالخبر اليقين….؟! دواؤك يامولاي هو قلب وزيرنا الذئب حيمود المسكين وفريقه من المتآمرين,إفترسه وتلذذ بقلبه يذهب كل ما بك من سقم وهرم ووهن مبين,وغير الدستور بما تجود به قريحة مولانا الشكور, وستركن بعدها إلى الخلود المضمون, ولن يطيب جنانك بعدها بقدرة الخالق المعبود, وسيُلغى الربيع في مملكة مولاي هذا العام وفي سائر الأعوام …
فزأر الملك العزيز بصوت يشبه الأزيز, وقال آتوني بالوزير الذئب حيمود, فأنا بالتضحية به سأضمن البقاء على ذلك الكرسي الودود, وبالطبع فأنا أطمح دوما للخلود,ونسي الملك المسكين أن حيمود ذاته يطمح إلى الكرسي نفسه ويسانده في ذلك قطيع من عتاة وأشرس الذئاب….
وزاد الملك أن أعلنوها مئتين وعشرين قنطار ذهب للآفلان ومثلها لرجالي ولباقي الأعيان من قبيلة وعرش بني زيان,وأما رعيتي من سكان الجنوب فأعمد إلى السلال وأجزل لهم العطاء ياكبير الغلمان أيه السكرتير بومرميطة أبو الغلال , وعلقوا هذا الخبر في كل مكان,وأما أنت يابوجرة ياشيبوب, فالله الغالب المعبود, واصل الرقي والغمس, وخذ ما أعطاك الصندوق ,فالأرنبة عليك هي المكتوب.
….وذعرت زوجتي لصيحتي, وقالت ما بك يارجل هل من سبب لصيحتك لقد كنت تغط في نوم عميق,إنهض وأستفيق, فلقد أيقظت وأرعبت ولدنا الودود؟ شهِّد وأستغفر الواحد المعبود!
نهضت من فراشي وأشعلت المصباح وتناولت كأس ماء, وقبل إطفاء المصباح والخلود إلى النوم من جديد, لمحت جريدة الخبر ملقاة على الأرض وعلى صفحتها الأولى عنوان عريض:العزيز وخلفه الأرانب والذئاب والثعالب,أويحيى وبلخادم وسلطاني…ونعم خلفهم المتمرد بن بيتور, هم أول المتسابقون في ماراطون المرادية! فأبتسمت وأستغربت مدى شغف الخلق وتعلقهم بالكرسي ,وتمتمت وحمدت مالك الملك الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء, وطبعا هو الذي يهب الملك لمن يشاء, وهو على كل شيء قدير,ثم إنهمكت ياسادة في الشخير,ممنيا النفس بالعودة إلى مملكة مزغنة, وفي هاته المرة متشوقا لرؤية من سيفوز بسباق المرادية المحموم, ويصبح متربعا على الكرسي الودود في اليوم المعلوم,وفي نفسي لوعة وإشتياق لمعرفة أحوال الرعية والقطعان ومن قهرهم الفقر وهم الزمان في جزائر أصبح يسيطر على ثرواتها بني نهب وبني رعيان,ولأمتع النفس كذلك بالربيع الذي قالوا أنه وفق مرسوم بنو نهب سوف لن يعود, وأن فصل الحرية والديمقراطية وحكم الشعب, في هذه البلاد, قد أصبح في خبر كان.

ملاحظة فكرة المقال مقتبسة من قصص كتاب كليلة ودمنة لعبد الله إبن المقفع