مقالات

الخدمة الوطنية, عمل قومي ام وسيلة اخرى من وسائل الدعاية وتسخير الطاقات الحية للأمة لخدمة الإقطاع؟ | محمود حمانة

كثيرا ما فكرت في الكتابة حول موضوع التجنيد الإجباري,الذي يطلق عليه مغالطة مصطلح “الخدمة الوطنية”لكثرة ما قيل عنه ولكن كانت تعن لي مواضيع اخرى كنت اراها اكثر اهمية وإلحاحا ,فكنت اغفل في كل مرة في آخر لحظة عن هذه القضية التى لا تقل اهمية وخطورة عن غيرها من القضايا تأثيرا على حياة المجند ومستقبله نظرا للممارسات الغير المسؤولة والغير اخلاقية وفداحتها التى يقوم بها المسؤولون العسكريون وفظاظتهم كلما تعلق الأمر بالتعامل مع المجندين الجدد والتى حولت الثكنات العسكرية الى ما يشبه المعتقلات يتعرض فيها المجند الى ابشع انواع المعاملات واسوأها خاصة إذا كانت لا تربطه علاقة قوية بأصحاب النفوذ فيها.وهي الممارسات التى كثيرا ما ادت الى الوفاة وتسببت في عاهات مستديمة لدي ضحايا هذه الممارسات ,وكانهم يتعاملون مع الأعدا وبينهم وبين الجامعيين ثأرا قديما يحاولون تصفيته مستغلين مراكزهم واللوائح العسكرية التى تحضر على المتضرر التظلم,وذلك بسبب العقد التى يعانون منها وإخفاقهم وفشلهم في التعليم والحياة وكأن الجامعيين مسؤولون عما اصابهم.

إلا أنها تبقى تصرفا شاذا كغيره من التصرفات الاخرى التى يبرع فيها المؤول الجزائري وماساة اخرى من المآسي الاكثيرة التى تعود عليها المواطن لكثرة ما تعرض له من نكبات. وحتى وإن شكلت بعض الثكنات إستثناء بسبب وعي مسؤوليها ,وهذا نادرا ما يحدث,فإنه ثبت بما لم يعد يدع مجالا للشك بأن الثكنات التى تشكل في دول اخرى مؤسسة تعليمية تعتبر إمتدادا لهيئة التربية والتعليم والتدريب,هي مغالطة اخرى كغيرها من المغالطات الأخرى بحكم التصور السائد بداخلها والتى تعطى الإنطباع للمجند بانه مقبل على مؤسسة لإعادة التربية وليست مؤسسة طالما حلم بإلإنتماء اليها حين كان غير مدرك لحقيقة ما يدور بداخلها من خرقات سمحت لقدامى العسكر من ممارسة نزعتهم السادية ولذا,كانت صدمته كبيرة وخيبة امله فيها اكبر .

هذا الأسلوب المتطرف والبعيد كل البعد عن اخلاقيات الجيوش يوحي بأن اصحاب القرار في البلاد يسعون لتبليغ رسالة قوية لكل من يتطلع الى دور الناشط السياسي بأنهم هم السادة وسيبقون كذالك وهو ما ادلى به بالذات ذات مرة “محمد شريف مساعدية”,الأمين العام السابق لحزب” ف ل ن” حينما كان في توديع دفعة من الطلبة في طريقهم للخارج الذي قال لهم بالحرف الواحد:”انتم مسافرون وتركتمونا في الحكم وستعودون ونحن ايضا في الحكم”اي ما معناه لا مجال للتطلع للسلطة,وهو ما قصه علي احد الأساتذة قبل شهر والذي كان حينها من ضمن الدفعة المذكورة, كل شيئ في الجزائر” وطني “وفي خدمة اي طرف عدا الوطن نفسه.فالشركات “وطنية”ولكن المستفيدين منها هم الأجانب والشركات المتعددة الجنسيات والعاملين بها من ابناء الذوات الذين لا يؤدون الخدمة العسكرية,يركبون السيارات الفارهة ويقيمون في القصور الفخمة ,حتى إذا شبوا وجدوا كل الظروف مهيئة امامهم ليسيروا على خطى والديهم,في حين إذا طالب غيرهم من”الغلابة”بحقهم في العمل والسكن كان مصيرهم مواجهة قوات مكافحة….الشغب والغرف المظلمة للبوليس السياسي والعرض على المحاكم ليصبحوا من اصحاب السوابق.

كرة القدم هي الأخرى مغالطة ولكن لم تثر سخط المواطن رغم المنكرات التى ترتكب بإسمها لأن المعنيين هنا وأقصد الأنصار جلهم من الشباب الذين لا دراية لهم بالشأن السياسي وخبث النظام لا يهمهم إلا عدد الأهداف التى يسجلها هذا اللاعب او ذاك,وهي اهداف مسجلة في الحقيقة في مرمى الشباب نفسه في النهاية والتى لن يدرك مدلولاتها إلا عندما يفق على هول ما كان يسوق اليه من اكاذيب بإسم الوطنية عندما تصبح المطالبة بالعمل والسكن من الأمور الملحة لديه فلا يجدهما,ليدرك كم كان غبيا وساذجا حينما هلل وصفق لهذا اللاعب او ذاك الذي لا يهمه من الرياضة إلا مدى ما يمكن ان يجنيه من اموال على حساب شقائنا ومعاناتنا وضحية الشعارات التى ما كانت في يوم من الأيام في خدمة الصالح الوطني كما يتوهم الكثير من الذين لا يفرقون بين الوطن والسلطة ليكونوا لهذا السبب فريسة سهلة لوسائل الإعلام الموجه التى لا يقل دمارها عن اي اسلحة اخرى,بل تفوقها كون آثارها تمتد لأجيال وأجيال في حين أن السلاح قد يقتل فردا او مجموعة محدودة من الأفراد.

لأن الإحتراف في الجزائر لا يرعاه القطاع الخاص كما هو الحال في بقية الدول بل يقوم على إستنزاف الخزينة العمومية كى يتمكن الوصوليون من نهب ما امكن من اموال. وإذا عدنا الى تأسيس الخدمة الوطنية نجد أن الفكرة في حد ذاتها ليس لها ما يبررها,فلا الجزائر تواجه خطرا خارجيا محدقا بها يفرض التعبئة العامة ولا وتيرة إنجاز المشاريع الوطنية تتطلب دعما بشريا يجعل من التجنيد الإجباري امرا ملحا وواجبا قوميا كما جاء في النصوص الرسمية المثبته له بل لإعتبارات غير موضوعية ولدواع شخصية هي نفسها التى قام عليها النظام,في حين أن الأهداف الحقيقية المتوخاة من ورائها,خلافا لما ورد في عرض الأسباب في المرسوم المؤسس لها, يمكن تلخيصها فيما يلي:

1-تهيئة ثروة بشرية تكون إمتدادا وعاملا مساعدا يستند عليها النظام بحكم الأيديولوجية المشبعة بها والسائدة داخل الثكنات العسكرية والتوجيه السياسي الذي يتولاه من هم ليسوا مؤهلين لا اكاديميا ولا اخلاقيا والذين شعارهم الوحيد هو الولاء الغير المشروط للمؤسسة العسكرية وبالتالي لنظام الحكم في البلاد من دون فسح المجال لإبداء الرأي او المناقشة حتى في ابسط الأمور والذي يعتبر في العرف العسكري جرما يقع تحت طائلة القانون, القائم على مبدأ” التنفيذ ثم الإحتجاج” كما يعلم الجميع الذي يجرد المجند من شخصيته ليسهل توجيهه وفق توجهات المؤسسة العسكرية, لتحويلها فيما الى وعاء إنتخابي لصالح هذا المرشح او ذاك من الضباط السامين كما حدث مع الكولونيل الشاذلي بن جديد ,مرشح المؤسسة العسكرية,عندما كان في سباق مع غريميه آنذاك” محمد الصالح يحياوي” الذي كان يحضى بدعم حزب جبهة التحرير الوطني وعبد العزيز بوتفليقة الذي كان يراهن على ماضيه كأقرب المقربين من بومدين والتى رجحت كفة رجل الجيش والرقم الثاني في النظام خلافا لكل التوقعات لأن ما كان للمؤسسة العسكرية ان تتخل على احد ابنائها مهما كانت اٌلإعتبارات,

2-تخرج دفعات مشبعة بايديولوجية الحزب الواحد لتسخيرها في اي حملة دعائية تمهيدا لتكريس الخط السياسي الذي يتبناه النظام مثلما حصل بمناسبة التوعية السياسية الى تزامنت مع تطبيق الثورة الزراعية الذي لعب فيها الجامعيون من الذين يؤدون الخدمة العسكرية دورا حاسما في إقناع الأهالي من جهة وضمان وجود قاعدة موثوق في ولائها للنظام داخل المجتمع دفعا لأي عمل من شأنه تقويض اركانه كونها العين الساهرة التى ترصد كل حراك سياسي مناوئ له ,إذ كثيرا ما لاحظنا أن عناصرها المتنكرة لدينها ولوطنها ومجتمعها اكثر دفاعا عن السلطة من السلطة نفسها,وهو ما أهلها لتتصدر حملات المداهمة والتفتيش اثناء العشرية الدموية والتستر على اعمال القمع والقتل والتنكيل الذي تعرض له الأبرياء من بني جلدتهم,حيث كانوا يتقدمون الصفوف فيما عرف آنذاك “بالدفاع المدني”,للضحك للذقون وإستغباء الذين لهم إستعداد للوقوع في مصيدة الخطاب الرسمي القائم على الكذب والخديعة,

3-حرمان المجتمع من خدمات أولائك الذين كانوا من المفروض ان يضطلعوا بدورهم كنبراس للأمة وتوعيتها والسماح في ذات الوقت للرعاع والصعاليك من العثو فسادا في المجتمع ومضايقة الشرفاء والمخلصين والتطاول عليهم وتشويه صورتهم والتشكيك في ولائهم للوطن ومصداقيتهم للحيلولة دون قيام إجماع وطني حول مشروع قومي للتغيير وهذا كي تتسع دائرة الإجرام ويعم الفساد ضمن عمل منهجي ومدروس لتخريب المجتمع كواحد من اهم بنود الأجندة التى يحرس خونة الأمس واليوم على تنفيذها وفق رغبات المستعمر. معظم عناصر هذه الدفعات شكلوا في مطلع التسعينيات من القرن الماضي ما يسمى “بالمجتمع المدني”واجيالا من الجواسيس إستند عليها النظام في تلك السنين لتبرير السطو على الخيار الشعبي وتسترت على تجاوزاته بل واكثر من ذلك إختلقت له الأعذار وكانت المصدر الذي يستمد منه شرعية الأعمال البربرية التى راح ضحيتها المواطنين العزل في حين كان هؤلاء في الصفوف الأولى يتصدرون اعمال القمع والتنكيل ببنى جلدتهم محاباة للسلطان طمعا في عرض من الدنيا.

الخدمة الوطنية تأسست بإقتراح من العقيد”شابو” الذي هو بالمناسبة عميل من العملاء كغيره من “عصابة وجدة” التى اسالت الكثير من الحبر ولا تزال نظرا لبشاعة عناصرها وخبثهم وجهلهم.وهي بالتالي لم ولن تحقق الأهداف المزعومة من ورائها وهي خدمة التنمية الوطنية لأن المواطن نفسه الذي هو الثروة الحقيقية للأمة والمحرك الأساسي لهذه التنمية خارج دائرة إهتمام المسؤولين وفي حاجة الى إعادة التأهيل ليس بسبب الصرامة التى تتسم بها كل المؤسسات العسكرية في العالم بل جراء التجنيد العشوائ الذي قتل فيه الطموح وبسبب الصدع الفكري وألإنكسارالذي اصابه,إذ كيف يتمكن من لا يملك من الإنسان إلا الجسد,فلا مستقبل ولا كرامة, ان يكون مؤثرا ومنافسا قويا يجسد طموحات الأمة على الساحة الدولية, وهو الذي كان يظن انه بإمكانه تجسيد ما تلقاه من مبادئ خلال مشواره التعليمي الطويل؟ فلا غرابة ان نسمع بأن كل من انهى الخمة العسكرية يعود بملامح القادم من المعتقل بسبب الإنتكاسة وخيبة الأمل التى مني بها.عندما نسمع بأن دكتور في الكيمياء او الفيزياء النووية او طبيبا مختصا حول الى سباك مهمته تسليك المراحيض او في افضل الحالات نفض الغبار عن ارشيف الثكنة ,ندرك تصور الخدمة الوطنية في نظر مؤسسيها والغرض من ورائها.

محمود حمانه,موظف متقاعد-الجزائر

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • شكرا.لك على المقال المتميز .ونرجو من الله .ان يخسف بهاؤلاء. الاقطاعيين وابشر فمصالحهم تظاربت ولن .تعجبهم.القسمة من حليب البقرة التى يحلبها السعيد واتباعهم .والفرج بادن الله قريب ..وكم من ظائقة يظيق لهاالفتى ….وعند الله منها المخرج ……ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ….فرجت وكنت اظنها لا تفرج..الامام الشافعى ..رحمه الله…دمتم فى رعاية الله ..