مقالات

فَسَااااااااااااااادٌ..قِفْ ! قلم: أحمد بلقمري

جاء في خطاب للرّئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بتاريخ 29 ماي 1999 ما يلي: ” إنّ الدّولة مريضة معتلة، إنّها مريضة في إدارتها، مريضة بممارسة المحاباة، مريضة بالمحسوبية و التعسّف بالنّفوذ و السّلطة، و عدم جدوى الطّعون و التظلّمات، مريضة بالامتيازات التي لا رقيب عليها و لا حسيب، مريضة بتبذير الموارد و نهبها بلا ناه و لا رادع، كلّها أعراض أضعفت الرّوح المدنية لدى الأفراد و الجماعات، و أبعدت القدرات، و هجّرت الكفاءات، و نفّرت أصحاب الضمائر الحيّة و الاستقامة، و حالت بينهم و بين الإسهام في تدبير الشؤون العامة، و شوّهت مفهوم الدّولة و غاية الخدمة العمومية ما بعده تشويه..”. ما الذّي تغيّر بعد أربعة عشر سنة من حكم الرّئيس بوتفليقة؟، هل تصدّعت آليات الحكم الرّشيد أكثر من ذي قبل؟، و هل ما تزال النزاعات داخل الطبقة الحاكمة و جوقة المصالح و النظام ككل تُضعف مؤسسات الدولة و تتجه بها إلى الاضمحلال و النهاية؟، هل خرج الفساد عن نطاق السيطرة و لم يعد من الممكن وقف إهدار الموارد العامة؟، هل أدّى هذا الوضع إلى حالة اللا استقرار و شيوع ثقافة الإفلات من العقاب؟. الجواب بكلّ تأكيد، نعم.. للأسف، لا يزال الحال على ما كان عليه قبل أربعة عشر سنة، بل صار أكثر تعفّنا و تمييعا بحيث أصبح من الصّعوبة بمكان اتّخاذ إجراءات صارمة من طرف صنّاع القرار حيال هذه المعضلة التي تهدّد بزوال الدّولة؛ إنّ إعادة الأمور إلى نصابها، و العمل على مكافحة الفساد بكلّ أنواعه يتطلّب مزيدا من الشفافية و توسيع نطاق المساءلة بدأً بالمسؤولين المطالبين بالحذر من الوقوع في دائرة استغلال السّلطة و النّفوذ، و وصولا إلى المواطنين البسطاء المطالبين هم أيضا بعدم الوقوع في المحظور، و المشاركة من جهتهم في مكافحة الفساد و التبليغ عن كلّ الحوادث التي يتمّ رصدها. إنّ رصد و ضخ مبالغ مالية كبيرة لإحقاق التنمية في الجزائر في وقت شهدت فيه الحكومات المتلاحقة عجزا ذريعا في تطبيق الآليات القانونية لمكافحة الفساد جعل الجزائر تواصل سقوطها نحو المجهول، خاصة و أنّ الأموال بقيت عرضة للنهب و الاختلاس في غياب المساءلة للهيئات العامة و تعزيز النزاهة، و تشديد الرقابة على الإنفاق العمومي، و كذا تفعيل برنامج العمل الوطني في مجال الحكامة ممّا يقلّص من فجوة التسيّب و حالة اللاشفافية. إنّه من غير المعقول بلوغ درجة الإنفاق العمومي مبالغ فلكية منذ سنة 1999 و إلى غاية 2009 دون تحقيق إقلاع تنموي حقيقي، و يكفي أن نذكّر بأنّ الجزائر ضخّت أكثر من 500 مليار دولار في الفترة الممتدة ما بين سنة 2009 و نهاية سنة 2013 قيمة برنامج التنمية الخماسي في الجزائر (في وقت تشير فيه مؤشرات مدركات الفساد لسنة 2012 إلى احتلال الجزائر المرتبة 105 من بين 176 دولة) لنعلم حجم الكارثة و قصّة الغرق. لا يمكننا الاستمرار في الهرب نحو الأمام و إخفاقات الإستراتيجية السياسية الاقتصادية و الاجتماعية تحيط بنا من كلّ جانب؛ إنّ تقوقع الجزائر في ذيل الترتيب في كلّ التقارير التي تعدّها المنظمات التابعة للأمم المتحدّة أو المنظمات غير الحكومية(آخرها تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول تكنولوجيا الّإعلام و الاتصال أين احتلت الجزائر المرتبة 131 من بين 144 دولة) يدعونا إلى الاعتراف بالفشل و تحكيم العقل قبل الرّيع لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووضع حدّ لدوّامة الاختلال التي وجدنا فيها أنفسنا بعد دوّامة الاحتلال. إننّا لن نتقدّم دون إشراك كلّ القوى الحيّة في بناء الدّولة العصرنيّة، علينا أن نتخلّص من عقيدة الغموض و الذّاتية، و نتجه نحو المستقبل، تغذّي الرّغبة والأمل حلمنا في غد واعد و مشرق.