مقالات

سفاراتنا.. مصاريف ضخمة، سبات عميق، وتصنيف بعد كمبوديا!ع.بلقاسم مسعودي

في إحدى سفرياتي خارج البلد، التقيت مع سائح ياباني يتكلم اللّغة الانجليزية بطلاقة وبلكنة يابانبة، لكنة، أضافت إليها مسحة خاصة، فبعد أن تعرفنا على بعضنا البعض، صرنا نتجول مع بعض طيلة تلك الفترة، وسرد عليّ ، كيف شيّدوا بلدا متطورا من تحت الأنقاض ، مع انعدام الموارد الطبيعية ولا مداخيل متنوعة، وعندما حلّت لحظة توديعه، دعوته إلى زيارتي في الجزائر، وأكدت له أنه ، سيحظى بكل الترحاب والتكفل التام.

في عجالة،عدّدت له ما تزخر به الجزائر من مواقع وآثار، ومناظر، وطبيعة صحراوية، وبعد أن شكرني على الدعوة، فاجأني بابتسامته ،وفتح حقيبته، ممسكا بدليله السياحي ، وقال لي : لا أظن أنني سأزور بلدك يا صديقي ، فقلت له لماذا ! فقال لي : بلدكم فيه خطر، ومن أقل البلدان أمنا ومصنف، بعد دولة كمبوديا! فسألته من أين لك بهذه المعلومات، فرّد عليّ : عندما نريد أن نسافر إلى بلد ما ، نتوجه إلى مكتب خاص بوزارة الخارجية، طلبا لمعلومات كافية عن ذلك البلد، فيتم تزويدنا بدليل مفصل، وعندها، فتح صفحة خاصة بتصنيف البلدان، وأشار بإصبعه ، أنظر أين تصنيف الجزائر، فهي ليست أمنة، وهاهي دولة كمبوديا المعروفة بمجازر الخمير الحمر، التي ذهب ضحيتها ما يربو عن 2 مليون قتيل،إلى جانب وجود عصابات الجريمة المنظمة، مصنفة على أنها أكثر أمنا من بلدكم! فأصبت بالدهشة، ورديت عليه، لو قلت لي هذا في فترة التسعينيات، لتقبلت الأمر، لكن أن يكون هذا، بعد تعافي الجزائر، وخروجها من النفق، فهذا غير مقبول ولا أساس له من الصحة، مما زاد في إلحاحي له على زيارتي ، وسوف يفاجأ مما سيري،وليس الخبر كالعيان، كما يقول المثل، بيد أنني مازلت أنتظر زيارته إلى يومنا هذا.

هذه الحادثة، شغلتني كثيرا، وأقضت مضجعي، حتى رجوعي إلى أرض الوطن، وقلت في نفسي، أما كان على سفارتنا أن تعمل جاهدة ، لتعطي الصورة الحقيقية لبلدي ، وهي الهيئات التي تستهلك الملايير بالعملة الصعبة، دون أن تقدم شيئا ، ولو حملات دعائية للبلد الذي تمثله وتستهلك أمواله!

وعن السفارات دائما، حدثني أحد المسؤولين، أنه وفي إطار اتفاقية بين التلفزيون الجزائري، ونظيره الألماني، لإنجاز حصص مشتركة، فإن ألمانيا تمنحنا تأشيرة لمدة عام ، في المقابل تمنح سفارتنا بألمانيا إلى نظرائنا ، تأشيرة لمدة أربعة أيام!!

الأمر الذي دعاني إلى إلقاء نظرة عن دور سفارتنا منذ عقود، وكيف أنها أصبحت مجرد هياكل بدون روح، يقتصر عملها على تنظيم زيارات الوفود القادمة إلى الجزائر،أو زيارات مسؤولينا إلى الدول الأجنبية، وتوفير المكاتب للجالية عند كل موعد انتخابي، ومنح التأشيرة للأجانب الوافدين إلينا، وبمدة قصيرة جدا،للذين بيننا وبينهم تعاون ، وتبادلات، فما بالك التي تمنح للسياح! فهل بهذه الطريقة ننعش قطاعي السياحة والاستثمار؟؟

وعند عودتي إلى تاريخ الدبلوماسية ، تبين لي كمتتبع للأحداث ،أنه ومنذ سبعينيات القرن الماضي ، لم يسمع الرأي العام في الجزائر، عن ما تقدمه سفاراتنا من نشاط في الخارج، وهي التي تنفق عليها الدولة أمولا طائلة بالعملة الصعبة، وتعيش عيش الرفاه والراحة التامة ، بما أنها في سبات عميق، منحرفة عن مهامها الرئيسة ، ودورها الكبير في جلب الاستثمار، وتشجيع السياحة ، هذه الأخيرة التي تعتبر المصدر الرئيس لاقتصاديات الكثير من الدول سواء التي لا تملك البترول، أو التي تعتمد في اقتصادها بنسبة 98 بالمائة على البترول مثل بلدي المفدى.

عندما يقرأ أحدنا عن النشاطات الدبلوماسية لسفارتنا في فترة السبعينيات، يتملكه العجب، وينتابه الاعتزاز والفخر، وهذا بشهادات دول كبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية، والهند وباكستان، وإيران والعراق، وأغلب الدول الإفريقية، التي كانت تعتبر الجزائر مكة الضعفاء!

فالجزائر هي التي أدارت أزمة الرهائن الأمريكيين في سفارة أمريكا بإيران، بقيادة المخضرمان ، المرحوم محمد الصديق بن يحي وزير الخارجية الأسبق رحمه الله، وزميله محمد الصالح دمبري حفظه الله، وتوقيف الحرب التي كانت ستندلع بين باكستان والهند،والأزمة بين تونس وليبيا، وفي تشاد ، ومالي وموريتانيا، وغيرها.

هذه النجاحات كانت بإشراف مباشر من طرف الزعيم الراحل الرجل النزيه،المشبع بالوطنية النادرة، الرئيس هواري بومدين، رحمه الله وجزاه عن الجزائر وشعبها خير الجزاء.

هذه السفارات كانت في نشاط ملفت للانتباه على المستوى العالمي، منحت للجزائري أن يتنقل عبر دول العالم مرفوع القامة، ومفتخرا ببلده، خاصة الطلبة الذين كانوا مستفيدين من منح الدراسة بالخارج.

لكن ومنذ فترة الثمانينيات، ركنت هذه الهيئات الدبلوماسية إلى سبات عميق ، وكأنها أصيبت بذبابة (تسي تسي)!فلا نكاد نسمع عنها أي نشاط، ولا ترويج لما تزخر بها الجزائر، ولا هي تتكفل بخدمات الطلاب بالخارج، وبالجالية ، ولا بإقامة تظاهرات على مستواها لجلب الاستثمار لما هذا القطاع من أهمية!

لقد حان وقت تسليط الضوء على الدور الحقيقي لهذه السفارات، التي تشكل مصاريفها عبئا كبيرا على ميزانية الدولة ، وحان الوقت لفتح تحقيقات في نفقاتها ، ووجهة تلك الأموال التي لا تستفيد منها الجزائر!

على الأقل سيتم صرف تلك الأموال في الجزائر، لتوفير مناصب شغل للشباب، مادامت عاجزة عن تمثيلنا أحسن تمثيل، أو التسويق لما تتوفر عليه البلاد، من مقومات سياحية وفرص للإستثمار.

فمتى سيتغير حال هذه الهياكل التي تعّج بالكفاءات، ولكنها مقيّدة وجامدة ، حتى تفوقت علينا البلدان المجهرية، وأصبحت تُعطينا الدروس !!؟

http://www.z-dz.com/z/opinion/5214.html

4 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • السلام عليكم .شكرا لكم على هاذا المقال .والحمد لله فشهادة .اليابانى .حقيقة نعيشها كجالية .مغتربة ونحن نعانى المر .من.سفاراتنا وسوء المعاملة واسلوب المقابلة وكانك تشحت .اوراقك الوطنية .جواز السفر .وكالة .او ادنى الحقوق .اما الرشوة فحدث ولا حرج اتعلم لماذا لان ببساطة هاؤلاء الموظفين.هم من يمثل الرداءة والمحسوبية .للاسف الشديد . هل .تعلم انه في الذكرى 50 للاستقلال كان علم بلادى فوق .سفارة الجزائر ببرلين من شدة اتساخه يبدوا منتكسا .حزنا وحسرة ااكبر من حسراتى ولقد سالت احد العاملين او النائمين هناك اذا كان ممكنا شراء علم جديد من مالى الخاص واهذاءه للسفارة .وهاذا اظعف الايمان وهل تعلم ان حتى التلفزيون .كان بالابيظ والاسود .فالواقفون والمسؤؤلون .كلهم لن استثنى منهم احذا كل يريد ان يعمر الشكارة .لا تحزن يااخى فرياح التغيير ستسحق كل من خان وطنه .واهان .وقتل وعذب وشرذ.وافسد.فدوام الحال من المحال .اما عن زيارة الاجانب الى الجزائر فهم مطلعون ولذى اصدقاء يحبون زيارة الجزائر ولاكننى اعتذر كل مرة لاننى اعلم حال بلادى .احسن من صديقك اليابانى فهو محق فمستوانا قد تدنى وصار .للاسف لا محل لنا من التصنيف.وا اسفاه على جزائرى

  • عندما يقرأ أحدنا عن النشاطات الدبلوماسية لسفارتنا في فترة السبعينيات، يتملكه العجب، وينتابه الاعتزاز والفخر، وهذا بشهادات دول كبرى، كالولايات المتحدة الأمريكية، والهند وباكستان، وإيران والعراق، وأغلب الدول الإفريقية، التي كانت تعتبر الجزائر مكة الضعفاء!
    فالجزائر هي التي أدارت أزمة الرهائن الأمريكيين في سفارة أمريكا بإيران، بقيادة المخضرمان ، المرحوم محمد الصديق بن يحي وزير الخارجية الأسبق رحمه الله، وزميله محمد الصالح دمبري حفظه الله، وتوقيف الحرب التي كانت ستندلع بين باكستان والهند،والأزمة بين تونس وليبيا، وفي تشاد ، ومالي وموريتانيا، وغيرها
    هنا مربط الفرس أخي . أما الآن فبدل ان تساعد في إخماد نار الفتنة أصبحت تصب عليها البنزين لتشتعل أكثر.

  • شكرا اخي الزيت والنار شكيب الى دارها اشى .اما حكاية الاطلال المزعومة .فما هى الى تنفاخ .ام الحقيقة فغير ذالك .اننى اعرف الجزائر جيدا من الداخل .والخارج .نحن شعب نحب من يكدب علينا .اما الحقيقة للاسف فغير ذالك .