مقالات

قصص التغيير الإبجابي نحو الأفضل! | أحسن بوشة

يقول المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي بأن عوامل الحضارة تتركب من الإنسان والأرض والزمن وبتوظيف هاته العوامل, إنطلاقا من الأية الكريمة ”إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” التي كثيرا ما إستشهد بها هذا المفكر الكبير.
فكرت في مالك بن نبي وأنا أقر تبجح الحكومة برفع الفوائد عن قروض الشباب على مستوى الجنوب, ثم على مستوى الوطن,ترى هل ستأتي هاته القروض بفوائد على الإقتصاد الوطني,أم ستتحول إلى مجرد غنائم إستعملت لشراء السلم الإجتماعي والسكوت عن السرقات والخيانات الكبرى التي يمارسها فسدة بني نهب؟
وهنا أورد بعض القصص الحقيقية حول التغيير الحقيقي حينما تكون النية والإرادة الحسنة متوفرتان.

*القصة الأولى من الهند:

في 17 أكتوبر سنة 2007 توفى داشرات مانجي وهو رجل هندي عن عمر يناهز 78 سنة,هذا الرجل الأعجوبة حقق معجزة في العزيمة والإرادة بمطرقة وفأس وسواعده وسواعد زوجته؟!
كانت عائلة داشرات تسكن قرية معزولة عن المدينة و عن الطريق العام بجبل صغير علوه 100 متر,وللوصول إلى المدينة وبيع منتجاتهم كان على سكان قريته قطع مسافة 50 كلم عوض8 كلم لو لم يكن ذلك الجبل موجودا.
طلبوا من البلدية شق طريق خلال الجبل لتقريب المسافة غير أن البلدية لم يكن لها المال لفعل ذلك,كان القرويون يأخذون الطريق الطويل وأحيانا يتسلقون الجبل للوصول إلى الجهة الأخرى,ذات يوم سقطت زوجة داشرات وهي تتسلق الجبل وتكسر رجلها,فما كان منه إلا أخذ قرار التصرف!
أخذ صاحبنا الفأس والمطرقة وقضى 22 سنة لوحده يشق الجبل,وكانت زوجته تساعده في إزاحة التراب والحجر….18 متر عرضا(أوسع من طرقات الوزير غول!) و 100 مترا عمقا وكيلومتر طولا,وحرر القرية بفأسه وفك العزلة عنها ,وقربها من المدينة بمسافة أربعين كلم, وأصبح القرويون يبيعون منتوجاتهم بسهولة.
هاته الثقافة, ثقافة الإرادة والتحذي وتغيير ما بالنفس موجودة في ديننا ونسمع الأيات في خطب الجمعة وفي التلفزيون ولكننا نعجز عن تطبيقها,هاته الثقافة هي ما نحتاجه لإحداث التغيير ولبناء حضارة.

*أما القصة الثانية فهي من ماليزيا:

حيث لجأت إحدى المحافظات الغابية إلى طلب قرض من مؤسسة تمويل كويتية وذلك لتشجير الأراضي بالأشجار المستخدمة في صناعة الخشب حسب توجهات الطلب العالمي,وغرست آلاف الهكتارات من الأراضي المهملة وبعد عقد من الزمن جاءت النتائج وتحولت المنطقة إلى مصدر للخشب وتحولت معها حياة السكان المحليين,تحصلوا على الشغل ومعه زادت مداخلهم وزاد طلبهم الإستهلاكي فأنعشوا قطاعات أخرى,مليزيا اليوم تربح قرابة عشرة ملايير دولار من الخشب فقط مع العلم أنها إستقلت سنة 1957.
ونفس الشيء يحدث في أرياف البرازيل وأندونيسيا وغيرها.

*وقصة عمي أعلي من جيجل…

عمي أعلي شيخ في أواخر السبعينيات من عمره,أراد أن يساعد أبنائه في بناء بيت ريفي, لكن المشكل الذي واجهه هو أن القطعة الأرضية التي أراد أن يبني فوقها البيت تبعد مئات الأمتار عن الطريق فكيف ستصله مواد البناء إلى مكان البناء؟
البلدية لم تستطيع أن تنجز مسلك أو طريق إلى ذلك المكان الموجود في طرف الغابة ,رغم وجود مالا يقل عن عشرة أشخاص من المستفيدين بإعانة الدولة لتشييد بيوت ريفية في تلك المنطقة…عمي علي فعل نفس الشيء الذي فعله الرجل الهندي داشرات,أحضر فأسا وبدأ في شق مسلك غابي طوله 200متر وعرضه 3 أمتار للوصول إلى الطريق العام,ساعدته زوجته وإبنه,إستغرق الأمر شهرين وكان الزمن صيفا وتصادف ذلك مع شهر الصيام, وصبر عمي علي وعائلته وأنجزوا المسلك وأصبح الثراكتور يستطيع الوصول إلى مكان البناء,في الشتاء الماضي توفى عمي علي رحمه الله بعد أن أكمل بناء البيت وزوج إبنه,واليوم يستفيد حوالي عشرة من الشباب من طريق عمي علي لنقل مواد البناء لتشييد بيوتهم….عمي علي كان من جيل الثورة الذي ساهم في تغيير واقع الإستعمار إلى إستقلال, وعلى جيل اليوم أن يتعلم من هؤلاء الرجال لأخذ الأمر بإيديهم وتغيير واقعهم نحو الأفضل.

*الخلاصة: أن الشباب هو العنصر الفاعل في المجتمع وهو من يستطيع التغيير,على الذين يتحصلون على قروض من المال العام أن يتحملوا مسؤولياتهم,فهاته الأموال ليست غنيمة حرب للهدر والتبذير, بل هي أمانة وفرصة لإحداث التغيير في حياتهم وحياة أسرهم ومجتمعهم نحو الأفضل,لينظروا إلى القصص التي أوردتها هنا وكيف أن الإرادة تحدث التغيير حقا,إنه وعد الله لمن يريد أن يغير ما بنفسه.
أما إذا وضعت هاته الأموال في غير موضعها وضيعت فهي أمانة في عنق سلطة الرقابة أو الدولة,وفي عنق أكليها كذلك..وهي خيانة للأجيال كذلك.
لو وضع الخليفة أو عاشور عبد الرحمن أو بعض الوزراء الذين أستفادوا من ملايير الخزينة قروضهم في مشاريع إنتاجية, لوظفوا الآلاف, ولقلصوا من تبعيتنا الغذائية وغيرها, ولمشينا خطوة في الإتجاه الصحيح