مقالات

النظام يريد إسقاط الشعب .. ! ابن خلدون

بعيدا عن تجاوزات الأنظمة، فإن الشعب مصدر كل سلطة في جل الدساتير. لهذا تعلمت الشعوب فن الهتاف والصراخ في وجه الأنظمة التي صادرت حقوقها وطالبت بإسقاطها لاسترجاع بعض من سلطة الشعب المسلوبة. صراخ يعتبره النظام وساوس نفس شعب أمارة بالسوء.

الأنظمة تغتاظ من الشعب حين يردد: الشعب يريد إسقاط النظام. لكنها تطلب من الشعب ألا يغتاظ حينما تسقط هي الشعب بتجاوزاتها التي لا تقيم لهذا الأخير اعتبارا، ولا تشركه في اتخاذ القرار، وتتجاهل مطالبه، وتعمل جاهدة على خرق الدساتير التي صاغتها.
في الجزائر كما في غيرها من البلاد العربية، يجد النظام من الأدوات المتاحة ما هو كفيل بإسقاط الشعب بصيغة من الصيغ. ألا يحسب على النظام أنه يريد إسقاط الشعب حينما ينوي تغيير الدستور خارج الإرادة الشعبية ودون استفتاء، ثم يخول بموجب ذلك الدستور لرئيس الجمهورية حق تعيين نائب له. فإذا مرض الرئيس أو حدث له مانع أو رحل يستخلفه نائبه الذي لم يختاره الشعب، ولا يجسد الإرادة الشعبية. فرضية مقلقة في بلد يعتمد التعتيم المطلق فيما يخص شؤون الرئاسة. حتى مرض الرئيس لم يعد من حق الشعب أن يعرف عنه شيئا. رغم أن مرض الرؤساء خرج من دائرة الطابوهات. وما مثال الرئيس المصري حسني مبارك حين عالج بألمانيا أو الرئيس الفنزويلي الراحل هيغو تشافيز في رحلته العلاجية إلى كوبا إلا مثالين واضحين. وإذا كانت هذه هي أحوال مؤسسة الرئاسة مع رئيس منتخب، فكيف سيكون حالها مع رئيس غير منتخب؟.
النظام وكأنه يريد إسقاط الشعب حينما وقف شاهدا على سقوط المساكن المغشوشة على رؤوس قاطنيها كما حدث في زلزال بومرداس. ورغم هذا لم يحاسب ولم يعاقب من أشرفوا على انجازها من مديرين ومهندسين إقليميين، كما لم يعاقب من أنجزوها من مقاولات ومكاتب دراسات. كما وقف متفرجا على شعب تجرفه السيول في قلب العاصمة ليقول أن ذلك قضاء وقدر. وحتى حينما يقتل الفيضان في عمق الصحراء كما حدث في بشار وإيليزي يبقى الأمر محصورا في دائرة الابتلاء من الله.
النظام أراد إسقاط الشعب حين كرس دولة الفساد، وترك الشعب فريسة لأنياب مافيا المال والأعمال من أمثال الخليفة دون أن يتم تعويض المتضررين. والفاعلون الحقيقيون الظاهرين والمستترين لم يتم محاسبتهم لحد الساعة.
النظام أراد إسقاط الشعب حينما تمكن الفاسدون أن يفلتوا من المحاسبة بالهروب من البلاد. حيث اخذوا معهم الأموال التي نهبوها. دون أن يتمكن النظام من القبض عليهم أو استرجاع شكارة بها كمشة دنانير. وما قضية سونطراك والوزير شكيب خليل إلا واحدة ومثال صارخ. فالدولة التي تعجز عن توجيه الاتهام للغول وتوجهه للمهبول هي دولة فاسدة. والدولة التي تضبط من سرق دينارا وتعمى عمن سرق قنطارا دولة عاجزة. وقضايا الخليفة بأسمائها الثقيلة، والطريق السيار المتهم فيها الأمين العام للوزارة، وتبديد 2100 مليار من البنك الوطني الجزائري لعاشوري عبد الرحمن، هي بضعة قضايا من أصل 30.000 قضية فساد في الجزائر من بينها 17000 معروضة على العدالة بحسب المنتدى الدولي لمكافحة الفساد وحماية الحقوق الأساسية، وهو منظمة دولية غير حكومية. وقد يعتقد الشعب أن النظام يريد إسقاطه حين يعلم أن 3000 ملف من قضايا الفساد الكبرى التي لم تعرض على العدالة طالها حريق مشبوه بأرشيف مصلحة الضبطية القضائية بأمن ولاية الجزائر. وهو الأرشيف الذي يعتبر العلبة السوداء لدوائر الفساد في الجزائر. وقد جاء الحريق أياما بعد اغتيال العقيد التونسي، مما يطرح أكثر من علامة استفهام.
والنظام وكأني به يريد إسقاط الشعب حين يتزامن تفجير أخطر ملفات الفساد من قبل العدالة مع سرقة ملفات يخشى أن تكون متعلقة بقضايا فساد من مجلس قضاء الجزائر، ليليها في غضون أسبوع إحراق مجلس قضاء وهران، ويسجل ذلك في خانة الصدفة.
النظام أراد إسقاط الشعب حينما لم يضع الرجل المناسب في المكان المناسب. وقد سبق لي أن كتبت عن مأساة عالم الفيزياء النووية الدكتور لمين مرير الذي ألقى بنفسه من أعلى جسر بقسنطينة في ذكرى يوم العلم لعام 2001 أو البروفيسور آسيا بريرش التي أصيبت بالجنون وهي التي عرض عليها الراحل الشادلي بن جديد منصب وزيرة. في المقابل نجد جحافل من الجهال يتربعون على كراسي المسؤولية. إن بلدا يعادل عدد جامعاته عدد ولاياته لا يجب أن يسير برؤساء بلديات أميين، ورؤساء دوائر لم يدخلوا الجامعة، وولاة حاصلون على الكفاءة من جامعة التكوين المتواصل، وقس على ذلك في كل القطاعات.
النظام أراد إسقاط الشعب حين سمح بتزوير الانتخابات ونصب أراذل القوم ممثلين لهذا الشعب. حتى طغى منطق الشكارة على حياتنا السياسية. ورغم هذا لم تتحرك لا الطبقة السياسية ولا القضاء لردع هذه الممارسة المقيتة.
النظام أراد إسقاط الشعب حين لا يجد مرضى هذا الشعب سريرا أو دواء بالمستشفى، وحين لا يتقاضى بعض متقاعديه الحد الأدنى للأجور، وحين يعمل خريجو جامعاته بأجر الشبكة الاجتماعية وعقود ما قبل التشغيل التي لا تنتهي بالتثبيت في المنصب، وحين يثور شبابه في أغنى ولاية بترولية بحثا عن العمل، وحين لا يحس الشعب بالتوزيع العادل للثروة الوطنية. ورغم هذا هناك حل بعيدا عن الثورة والثورة المضادة، وهو أن يرحل عنا الفاسدون .. وبلا ثورة.

بقلم: ابن خلدون
k.hamadi@hotmail.fr

http://www.el-hakaek.com/index.php/%D8%A3%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%85/6048-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A5%D8%B3%D9%82%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8.html

كلمات مفتاحية