مقالات

تراجيديا سقوط بوتفليقة من صهوة جواد الحكم !:محمد رابح

تخطي وجود الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في مستشفى المعطوبين بباريس عتبة الأربعين يوما فيه رمزية كبيرة توحي للمتبعين أن عهد الرجل مع الحكم قد توقف مع امتطائه الطائرة باتجاه فرنسا التي تنقّل فيها بين مستشفيي فال دوغراس وليزانفاليد دون أن يخرج خبر يقين بشأن حالته الصحية، والتي يُستشف أنها حال كل من يتعرض لجلطة في منتصف العقد الثامن من عمره مع كل الإرهاق الذي لحق به طول مسيرته.

الطريقة التراجيدية التي ينتهي بها عهد الرجل الذي يُعد أكثر رؤساء الجزائر بقاءا في الكرسي يدعوا للإمعان في الظروف المرافقة لركوب الرئيس بوتفليقة على صهوة جواد الحكم في ربيع 1999، في غفلة وقتها من الشرعية بعد أن غرقت الأخيرة في أنهار الدماء التي سالت غداة أحداث أكتوبر سنة 1988، إذ أن “سي عبد القادر” كما يُسميه أصحاب الحل والربط عاد من موقع قوة بعد أن فضلته ما يسمى السلطة العميقة كعلقم تتجرعه بعد رمي الرئيس السابق اليامين زروال المنشفة وبروز مترشحين من طينة طالب الإبراهيمي وحسين آيت أحمد قرروا دخول المنافسة الانتخابية حينها، قبل أن ينسحبوا مع بقية المترشحين ليتركوا حصان الإجماع يخوض السباق وحده.

ففي ظل الفراغ الذي كان ميزة أساسية طبعت عهدة بوتفليقة الأولى كان متاحا أن تكون له بصمة رئيسية في قيادة الجزائر وبناء دولة قوية انسجاما مع الشعار الذي يرفعه، لكنه فضل إرساء دعائم حكم الحاشية والمقربين عبر صناعة لوبي مالي استحوذ على مفاصل الحكم من خلال شراء الذمم وتوزيع الغنائم، وكان مفتاح التموقع ضمن تلك الدائرة هو الولاء الأعمى، فقد غابت أدنى المعايير في انتقاء الحاشية فظهر ما تسميهم “لويزة حنون” وهي أحد المدافعين عن الرئيس بتجار المخذرات وعديمي المستوى التعليمي كمقربين للسلطان يتكلمون باسمه ويدافعون عن برنامجه -الذي لا يعرف أحد فحواه- وينتفعون من الوفرة المالية التي غرقت فيها الخزينة بسبب ارتفاع أسعار البترول، وحتى البنى التحتية المشيدة مؤخرا لم تكن سوى طريقة للالتفاف ونهب المال العام. كما أنها في الحقيقة ستشكل عبئا على الاقتصاد في أي مرحلة للإصلاح نظرا لأنها لم تكن في إطار رؤية واضحة، ويكفي ذكر تكاليف صيانتها على المدى البعيد.

بالعودة إلى الظروف المرافقة لسقوط بوتفليقة من صهوة جواد الحكم فإن غرق الجزائر في بحر التمييع لا تختلف خطورته عن أنهار الدماء التي سالت في نهاية القرن الماضي، بسبب أن إعادة صناعة مشهد جديد بات يتطلب مخاضا عسيرا واستقالة طواعية للرداءة من المشهد العام حتى تُلفظ فيه كل تبعات الماضي القريب والبعيد عبر الذهاب إلى انتخابات يكون موضوعها السلطة، لتعود من خلالها الثقة بين الشعب ومنظومة الحكم التي يجب أن لا تتغذى في كل الأحوال من الشرعية الثورية ولا الأزمة الأمنية اللذان عرقلا في الماضي الإقلاع نحو بناء دولة المؤسسات.

بقي أن نشير إلى موقف بوتفليقة ذاته من مسألة الحكم والبقاء فيه وهنا أستحضر جملته الشهيرة التي قالها سنة 2000 بأنه لن يقبل أن يكون ثلاث أرباع رئيس، وفي سنة 2013 فإن صاحب القول ذاته يُعاني المرض ويعالج في مستشفى المعطوبين بفرنسا التي استعمرت الجزائر وارتكبت بحق شعبها أبشع الجرائم، فلماذا يقبل بوتفليقة يا ترى أن يكون رئيسا معطوبا اليوم وخارج البلد، ولم يقبل ربعا ناقصا في الماضي وهو داخل وطنه حسب كلامه.؟

bila.istitnaa@yahoo.com

http://www.z-dz.com/z/opinion/5298.html

كلمات مفتاحية