مقالات

أما آن لهاته النخب أن تستيقظ من حلمها وتتوقف عن خربشاتها؟

عجيب هو أمر النخب الجزائرية… لما جاءت أحداث مالي وتيغنتورين أصيب الجميع بالهلوسة,هلوسة الوطنية,هلوسة الإشادة بالجيش,هلوسة الإرهاب والمرتزقة ثم لاشيء, لقد كانت عبارة عن نار إشتعلت بسرعة ثم خمدت بسرعة كذلك.
أسابيع بعدها أختطف عدة أطفال وقتل الطفلان هارون وإبراهيم,فقامت قيامتنا وبكينا وصرخنا وطالبنا بإعدام القتلة ثم لا شيء,لقد كانت عبارة عن نار إشتعلت بسرعة ثم خمدت بسرعة كذلك.

أسابيع أخرى, وقال لنا الإيطاليون بأن وزيركم السابق وأحد رجالات الرئيس قد نهب وشكب ثم هرب,قامت قيامتنا بدون المرور عبر البرزخ,أقمنا الدنيا ولم نقعدها,وفجأة إكتشفنا أن عائلة الرئيس وقبيلة الرئيس وشركاء الرئيس كلهم شركاء في نهب وتهديم الوطن ولابد أن يغادروا ويرحلوا…

ظهرت المقالات وتعددت التحليلات والتصريحات,فر شكيب وفتح النائب العام ملف سونطراك 2 ليضيفه إلى أرشيف ملفات النهب الأخرى ,وكفى المؤمنين شر القتال. ولم ينقشع غبار الفساد حتى أعطانا الطبيب فياغرا مرض الرئيس, لتهيج الأقلام والأصوات من جديد,الرئيس مريض وذهب إلى أمنا فرنسا ليعالج ثم يعود ليستمر في مشوار بناء جزائر الإزدهار,وأما الخلافة فالكلام عليها الآن غير أخلاقي وهو سخافة, وقال الأخ السعيد بأن مرض الرئيس وأمور الحكم والسلطان ليس من شأن العبيد ,سيبقى في فرنسا كما شاء فهو في وطنه لأننا أصبحنا من جديد بلدا واحدا من الدانكيرك إلى الهقار وذلك بعد عدوان ذلك الأعور بلمختار!

وزاد السلال بأنه لا يكذب وأن الرئيس في أحسن حال وقريبا سيعود وأن الإستقرار سيسود. وختم الأمر سيدهم هولاند وجاء بالخبر اليقين وأكد بأن الإنتخابات ستجرى في اليوم الموعود, وأن المؤسسات الحاكمة لازالت قوية وشديدة المفعول ولايشكك في ذلك الا المهبول المخبول.وأن الساسي بعد اليوم ليس مجبورا على تقديم الولاء والطاعة و تقبيل يدي, وله أن يقبل يد عاملنا الجديد على مقاطعة جزائرستان!

وتسآل الخبراء في عجب كيف للجزائر أن تُحكم بالأشباح ؟ كيف يغيب الرئيس والكل مرتاح؟ رؤساء يزورون, ومبعوثو الرئيس يتجولون, وتلاميذ البكالوريا يغشون,وأصحاب الغنائم كالعادة من المغارة يعتلفون ويغرفون,وكتاب الرأي في مرض الرئيس وخلافة الرئيس يجتهدون ويخربشون….

عجيب هو أمر النخب الجزائرية تعتلف من الريع وتحلم بتغيير النظام,أستاذ جامعي أو مدير معهد ليس له أي ورقة أو بحث علمي نشره في مجلة علمية ومع ذلك يطمح ليصبح بروفيسورا ,يأخذ منحة للبحث في جامعة أجنبية وتذكرة مدفوعة من خزينة الدولة ثم يذهب ليتنزه ويتسوق ويعود بشنطة كبيرة ولا بحث علمي ولاهم يحزنون.

كم أستاذا جامعيا أوطالبا أو رئيس حزب رأيناهم ضربوا وسجنوا لمشاركتهم في إحتجاج شعبي؟كم منهم منخرطين في أعمال تطوعية أو جوارية أو خيرية؟ هل نتوقع من الخباز والجزار والبناء إسقاط النظام أو تغييره,بينما النخب تحلم وتنتظر في سكن أو زيادة أجر ومنحة؟ وكم من رئيس حزب ناضل من أجل حقوق الشعب وتظاهر وضرب وسجن ليكتسب شرعية الترشح وشرعية تمثيل الشعب؟

كم صحافي أو باحث عسكر في مستشفى مصطفى باشا وتحمل خطر السجن ونبش عن الحقائق والأرقام ليجري بحث شامل عن الوضعية الكارثية للصحة؟ النضال والعمل الجواري والخيري الميداني هو من يكون النخب القادرة على القيادة ويقربهم من الشعب وليس الخربشة والنباح عبر الفضائيات. عجيب هو أمر النخب الجزائرية…

ألم تعرف نخب الجزائر بعد بأن مثل أحداث مالي وتيغنتورين ستعود لأن شؤون السياسة والسيادة أصبحت في أيدي المعتلفين؟ وأن إختطاف وإغتصاب وقتل الأطفال سوف يستمر لأن الشعب مريض والعدالة سخرت لحماية نظام النهب,وأصبح القضاة مجرد موظفين لذى السلطة التنفيذية والدوائر الإستعلاماتية؟,والسطو على الخزينة أصبح مشرعا بقوانين ومراسيم…وأن خلافة الرئيس محسومة, ولو أن السباق سيخوضه رؤساء حكومات سابقين وعدد من الأرانب والخرانق يجري تسمينهم لليوم الموعود,وسنرى قريبا ,حين يتبين الخيط الأبيض من الأسود لمرض الرئيس,كيف أن الآفة والراندو سيستأنفون التزكية والتطبيل لمرشح الإجماع..

على النخب الحرة أن تناضل وتنضم إلى المضربين والمحتجين في مواقعهم وجبهاتهم,على الأكادميين أن يركزوا على كشف الألف وألف عيب في طرق تسيير السياسة والإقتصاد…

يجب أن نطرد الجبن والإنتهازية من عقولنا وقلوبنا,يجب البحث والتفكير في كيفية إرغام السلطة على إعادة كتابة قانون الإنتخاب برمته,طرق الترشح وطرق الإقتراع, لأن أي إنتخبات حرة ونزيهة ستجلب أخبار غير سارة لبني نهب وهذا مايتجنبون وقوعه. فلا فائدة من التكهن بمرض الرئيس وعهدة جديدة للرئيس ومن هو الأصلح لخلافة الرئيس,فكلها مهلكات تؤدي إلى بقاء الفسدة المتموقعون على باب مغارة علي بابا يحمون غنائمهم ومستعدون لإبادة نصف الرعية من أجل ذلك. ربما أغلب الأشخاص الذين رفضوا الإختيار الشعبي سنة 1992 رحلوا عن مقعد القيادة الآن, لكن ورثتهم ومنهم الرئيس بوتفليقة وجهازه لا زالوا يرفضون أي حكم ديمقراطي حقيقي,إسلامي أو يساري,ينهي تموقعهم ومراقبتهم للثروة الوطنية والتي حولوها إلى غنائم قابلة للتقسيم,ولهذا فلا حل للجزائر إلا بإعادة الكرة إلى ملعب ممارسة السياسة في إطار حماية مصالح الوطن وبكل حرية للجميع,أو ليس هذا هو معنى الإستقلال؟. كفانا حلما ووهما بأن السلطة جادة في الإصلاح والتغيير,على كل محب خير لهذا الوطن أن يبحث في أنجع الطرق لتغيير نظام الحكم برمته, بكل الطرق النضالية الحضارية, وبطريقة تضمن مغادرة الذئب ولا تفني القطيع! وبطبيعة الحال فإن قيادة هكذا نضال أصبحت هي المهمة المستعجلة للنخب الوطنية الجزائرية الآن.

أحسن بوشة