سياسة

الوضع الجزائري «الملتبس» بعد شهرين من غياب بوتفليقة

الجزائر – تكتمل، اليوم الخميس، مرور 60 يوما على غياب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن البلاد، اثر إصابته في 27 ابريل الماضي، بجلطة دماغية، ونقله للعلاج في فرنسا، ما جعل الأوضاع السياسية في هذا البلد العربي الكبير، تزداد غموضا والتباسا، وجعل معها المخاوف تتضاعف من احتمالية دخول البلاد في نفق مظلم في حال عدم اتفاق مراكز القرار ودوائر النفوذ على انتقال سلس للسلطة.

وعلى عكس الاسابيع الاولى من غياب الرئيس الجزائري عن البلاد، التي تميزت باهتمام شعبي ورسمي كبيرين بمصير الرئيس وحالته الصحية، تراجع هذا الاهتمام بشكل واضح حول الحالة الصحية للرئيس، منذ ظهوره الصامت في حالة صحية متردية، عبر التلفزيون الرسمي في 12 يونيو الجاري بعد 47 يوما كاملا عن اختفائه، ليتحول الاهتمام والحديث بشكل واضح عن مرحلة ما بعد بوتفليقة، بعد ان تبين للجميع استحالة ترشح بوتفليقة لفترة حكم رابعة، وحتمية التفكير في خليفته عبر سيناريوهات سياسية باتت اليوم الشغل الشاغل للجزائريين.

غير أن حالة من الصمت والترقب الكبيرين، تميز الفترة الحالية أيضا، مع تراجع في الدعوات السابقة، لتطبيق المادة 88 من الدستور القاضية بإعلان شغور منصب الرئيس بسبب عجزه الصحي، ومرد ذلك ليس فقط الصور التي أظهرها التلفزيون الجزائري لبوتفليقة، وإنما لحجم الصلاحيات الواسعة التي تظل بيد الرئيس، والرعب الذي بات يمثله شقيقه السعيد لدى العديد من الجهات التي تعتبره الحاكم الفعلي للبلاد، ومن هؤلاء مدير صحيفة «جريدتي» ضابط الاستخبارات السابق، هشانم عبود، الذي صرح أمس، بأن شقيق الرئيس بات يرهب حتى جهاز الاستخبارات العسكرية نفسها، ولا يجد من يقف في وجهه.

العودة الممكنة ولكن

غير أن طول فترة غياب الرئيس بوتفليقة هذه المرة، تجاوزت بشكل كبير فترة غيابه سنة 2005، لأسباب صحية أيضاً في فرنسا حيث لم تتجاوز وقتها الاربعة أسابيع، وطول الغياب هذا يذكر بغياب الرئيس هواري بومدين سنة 1976، لأكثر من شهرين أيضاً في موسكو بغرض العلاج، الى ان عاد جثة هامدة ، ليجد الجيش نفسه حينها منخرطا في اللعبة السياسية ويقوم بتعيين الكولونيل الشاذلي بن جديد.

لكن الصور التي بثت للرئيس يوم 12 يونيو، تشير ان الخطر على حياة الرئيس قد تراجع، الا انها لا تشير الى قدرته على الاستمرار في حكم البلاد كما كان مخططا له، فالرئيس قد يعود الى الجزائر قريبا كما تقول بعض المصادر في 2 يوليو المقبل قبيل ايام من الاحتفالات المقررة بعيد الاستقلال في الخامن نفس الشهر، لكن هذه العودة اذا ما حدثت فلن تكون في أحسن الأحوال الا لاستكمال العهدة الحالية حتى ابريل 2014، ليتم بعدها نقل السلطة بطريقة طبيعية بعد انتخابات رئاسية في موعدها، لن يكون بوتفليقة احد المشاركين فيها.
وما يرجح فرضية العودة القريبة للبلاد، هو الاعلان عن انعقاد مجلس الوزراء مباشرة بعد لقاء سلال وقائد صالح مع الرئيس في مستشفى ليزانفاليد الباريسي، وهذا يستدعي حضور الرئيس، ومن المحتمل جدا ان ينعقد المجلس قبيل حلول شهر رمضان، وذلك للتوقيع على عدد كبير من القرارات والقوانين التي ظلت تنتظر منذ مدة طويلة، وعلى رأسها قانون المالية التكميلي للعام 2013، او القانون حول السمعي البصري، كما ان موعد تقليد الضباط السامين بالاوسمة كما جرت التقاليد في الجزائر، مقررة في الرابع من يوليو، وهو موعد في غاية الأهمية والحساسية وحضور الرئيس فيه أمر اكثر من ضروري.

هذا الحضور سيكون ضمن فترة استكمال العهدة الحالية التي تبقى منها بضعة اشهر فقط، إلا أنها فترة في غاية الحساسية، لما سينعقد فيها من مفاوضات وتحالفات وحسابات، تصب كلها في الرجل الذي تقبل به مختلف المؤسسات الفاعلة لخلافة بوتفيبقة وعلى رأسهم بوتفليقة نفسه، الذي يخشى مراقبوون أنه قد يكون مستهدفا بعملية المحاسبة بعد مغادرته قصر المرادية بتهم الفساد التي مست المحيطين به والرجال المقربين منه بشكل أساسي، وهو الأمر أو المعادلة التي دفعت بعض الأصوات من الأن إلى استثناء الر ئيس بوتفيلقة من المحاسبة ولو بسن قانون خالص، تفاديا لحصول انسداد في عملية الانتقال السياسي للسلطة.

السيناريوهات المتوقعة

من خلال متابعة الفعاليات السياسية وتحاليل المحللين خاصة منهم المرتبطين بالمؤسسة العسكرية والأمنية، فان أملا ضئيلا جداً يبقى لدى أنصار الرئيس في امكانية ترشحه مجددا، وهذا بصيص الأمل ما تزال أحزاب السلطة تتمسك به مثل جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي، ومعها من يدور في فلكها مثل حزب تجمع امل الجزائر لعمار غول وحزب العمال للويزة حنون والحركة الشعبية لعمارة بن يونس، الا ان الجميع يدرك ان هذه القوى لا تتحرك الا بمهماز، على الرغم من انها تدرك نهاية عهد بوتفليقة، لكنها لا تستطيع الجهر بذلك حتى يتم السماح لها.

ومرد هذا الحذر من طرف انصار الرئيس، ومجمل المؤسسات والشخصيات الرسيمة، هو إدراكهم أن بوتفليقة لم ينته تماما، وأن الصلاحيات والأوراق التي ما زالت بيده يمكنها أن تخلط كل الأوراق في آخر لحظة، خاصة وأن شقيق الرئيس يقوم الآن بحسب الكثير مقام الرئيس، في ربط الكثير من التحالفات التي تجعل من مقولة أن بوتفليقة انتهى محفوفة بالكثير من المخاطر.

بينما يتجه مجمل الحراك السياسي حاليا، نحو البحث عن بديل لبوتفليقة في خلال الفترة الفاصلة عن الموعد الرسمي للرئاسيات، وهي فترة «8 أشهر» يبدو انه اريد لها ان تكون، من مجمل الأجهزة والقوى الفاعلة داخليا وخارجيا، وقد عبر الرئيس الفرنسي صراحة عن ذلك، حتى يتسنى اما التوافق على اسم معين يمكنه خلافة الرئيس، ويحفظ مصالح القوى المختلفة او فرض اسم تختاره القوى المتحكمة باسم مرشح الإجماع كما جرت العادة دائماً في السابق.

ما يثار في الجزائر ان مؤسسة الرئاسة ومعها قيادة الأركان في الجيش يبدو انها تدعم الوزير الاول الحالي عبد المالك سلال، ليكون خليفة بوتفليقة خاصة اذا ما حصل التعديل الدستوري الموعود وتم تعيينه في منصب نائب الرئيس، غير ان جهاز الاستخبارات العسكرية صاحب النفوذ الواسع في البلاد لا يدو انه يدعم هذه الفكرة، وهو يدعم من خلال الرسائل التي يعرضها ضابط الاستخبارات السابق محمد شفيق مصباح فرضية استدعاء الرئيس السابق اليامين زروال الى الحكم مجددا ، على ان يكون رئيساً لفترة انتقالية لمدة سنتين فقط، قبل المرور الى انتخابات رئاسية مفتوحة.

وفي العموم فان النظام الجزائري المتخوف من تداعيات التغيرات الإقليمية الواسعة في المنطقة والربيع العربي، يتجه الى نوع من فتح المنافسة بين مرشحين من النظام، على غرار سلال و اويحيى وبلخادم وربما حتى مولود حمروش واحمد بن بيتور وعلي بن فليس، ذلك ان هؤلاء جميعا كانوا رؤساء حكومات سابقين، وهم بشكل او باخر من داخل النظام نفسه، وانتخاب اي اسم من هؤلاء سوف يحافظ على بنية النظام القائم وعلى مصالح العصب المتنفذة.

ويدرك الإسلاميون هذا الواقع تماماً، كما يدركون انهم المستهدف الاول من مجمل الترتيبات التي تتم حاليا في الكواليس للتحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة، ولذلك بدات القوى الاسلامية الجزائرية تطرح فكرة المرشح «الاسلامي الوطني»، اي المرشح الذي يحقق الحد الأدنى من الإجماع بين التيارين الكبيرين في الجزائر ، لإدراكهم ان اي مرشح إسلامي صرف، مهما كانت القوى الشعبية التي تسانده، لن يسمح له بالفوز كما حدث سنة 1995، حيث اكد مؤخراً زعيم الاخوان الدكتور مقري انه تم أخبارهم حينها بفوز الشيخ محفوظ نحناح، الا ان النظام طلب منهم القبول بالجنرال اليامين زروال من اجل المصلحة الوطنية!.

بالنسبة للنظام الجزائري الذي لديه حساسية كبيرة من الربيع العربي، فان الإسلاميين هم العنوان الكبير لهذا الربيع، وبالتالي لا يمكن تسليمهم الرئاسة التي تختزن مجمل الصلاحيات الدستورية في يدها، علما ان ذات النظام رفض في نهاية 1991، فوز الحبهة السلامية للإنقاذ «السلفية» بأغلبية مقاعد البرلمان، وقام الجيش بما يشبه انقلاب عسكري وأوقف المسار الانتخابي ورضي ان تدفع البلاد اكثر 250 ألف ضحية على ان لا يصل الإسلاميون للسلطة.

الخوف الان الذي يسكن الكثيرين في الجزائر، هو ان لا تتوافق المؤسسات الكبرى «الرئاسة والجيش والاستخبارات العسكرية» ومن ورائهم من اسماهم شفيق مصباح «بلطجية الاقتصاد» الذين كونوا ثروات طائلة اثناء حمكم بوتفليقة، وكانوا سببا مباسشرا في مما عرف في الجزائر بانتفاضة الزيت والسكر بداية العام 2011، وذلك على طبيعة المرحلة المقبلة، وحينها لن تكون عشرية الدم والدموع التي مرت بالبلاد في التسعينات غير مجرد لعب أطفال، مقارنة بما قد يحصل مستقبلا اذا ما حصل صدام بين مؤسسات الدولة الكبرى. هذا السيناريو تحديدا هو الذي يشكل الان كابوس الجزائريين، اما ما عداه فلا يعدو ان يكون نوعا من «التلفيق السياسي» لاستمرار الوضع القائم منذ اكثر من خمسين سنة بعناوين جديدة.

http://roayahnews.com/2013-04-20-12-05-53/2013-04-20-12-27-10/78-2012-10-11-09-54-43/88719-99999999999999999999999999.html

كلمات مفتاحية