مقالات

مسيرة ثورة ومسار نظام “جهوي”؟ عبد العالي رزاقي

يقدم محمد العربي ولد خليفة قراءة جديدة للثورة الجزائرية في كتابه الموسوم بـ”ثورة التحرير والتحولات على الساحة الجهوية والدولية” انطلاقا من القول بأن “أهم مميزاتها أنها لم تخضع لأية وصاية إيديولوجية وبقيت على الحياد”، موضحا بأنها التزمت بالموقف نفسه “من الأحزاب العابرة للحدود سواء أكانت تحمل شعار القومية أم الإسلام أم العلمانية، ولذلك حصلت الثورة على مكان الريادة في حركة التحرر العالمي وكانت آخر ملحمة شعبية أجمعت على تأييدها الشعوب والدول العربية والإسلامية من الأحرار في العالم ومؤيدون في القارات الخمس” فهل كان الثوار الأحياء من قادتها في مستوى هذه الثورة أم استخدموها لخدمة مصالحهم السلطوية؟ .

.

هل الجهوية حالة سياسية؟

عندما سئل عبد الحفيظ بوصوف حافظ أسرار الثورة عن سر تعيينه الراحل هواري بومدين نائبا له على الولاية الخامسة أجاب بأنه “شاهده وهو ينزل الأسلحة من باخرة دينا دون كلل وبانضباط” وأنه استنطقه فوجده أهلا للمسؤولية لكن أصحاب الألسنة الطويلة يقولون بأنهما من منطقة واحدة هي ميلة موضحين بأن أصل عائلة محمد بوخروبة من فرجيوة وأن سكان قالمة يطلقون عليهم “أهل فرجيوة”.

الحقيقة التي لا تتعرض لها المصادر التاريخية لأن الولاية الخامسة (غرب الجزائر) هي الولاية الوحيدة التي كان مقر قيادتها بوجدة عكس بقية الولايات التي كانت قياداتها في داخل الوطن، وينقل المقربون من بوتفليقة أنه عندما زار السجناء الخمسة بباريس ربت على كتفه أحمد بن بلة بعد رفض بوضياف وآيت أحمد الانقلاب على الحكومة المؤقتة قائلا : “نحن من جهة واحدة” فهل كان يقصد أنهما من المغرب؟.

يختصر أحد أطباء الثورة جغرافية أهل السياسة بالقول: “أهلها في الشرق يريدون الحكم والرئاسة وأهلها في الوسط لهم المال والخساسة وأهلها في الغر لهم القصبة والطاسة أما أهلها في الجنوب فهم أهل شعر وفراسة”، ويقول العارفون بالشأن التاريخي للثورة أن يوسف الخطيب وزير خارجية المغرب هو الذي وقع تكليفا بمهمة لعبد العزيز بو تفليقة بعد منحه جواز سفر مغربي كعضو في ديوان الخارجية فهل كان ملك المغرب يدرك مضمون الزيارة أم أن قادة الأركان كانوا ينسقون مع المغرب؟.

يشترك العقيد هواري بومدين مع الزعيم أحمد بن بلة فيما يسميه بعض المؤرخين المعاصرين بـ”الانتقام” فالعقيد بومدين متابع من حكومة بن يوسف بن خدة والزعيم بن بلة تعرض لـ “إهانة” من قبل العقيد صالح بوبنيدر الذي صرّح في حوار منشور في مجلة منبر أكتوبر أن فرنسا أنقذت الثورة باختطافها – الزعماء الخمسة” فهل اعتماد بومدين على الضباط المنحدرين من الجيش الفرنسي كان يقصد به إبعاد قادة الثورة عن المؤسسة العسكرية لينفرد بالقرار؟.

في الوقت الذي كانت فيه قيادة الثورة تتصارع حول من يتولى قيادة البلاد بعد استرجاع السيادة كانت فرنسا تخطط لرهن مستقبل الجزائر لديها، فبعد التوقيع على اتفاقيات إيفيان تشكلت هيئة تنفيذية مؤقتة تتولى المسؤولية خلال فترة انتقالية تبدأ في حدود منتصف نهار 19 مارس 1962 وتدوم ستة أشهر تشرف على الاستفتاء وتسيير الشأن العام يرأسها عبد الرحمن فارس أحد المقربين من الجنرال شارل ديغول له صفة ” جزائري مسلم” وينوب عنه فرنسي مسيحي، وتضم هذه الحكومة خمسة ممثلين عن فرنسا وخمسة ممثلين عن الحكومة الجزائرية المؤقتة، مأساة الجزائر بدأت مع هذه الحكومة التي وضعت تحت تصرفها قوة عسكرية تقدر بـ 45 ألف عسكري من المجندين في الجيش الفرنسي ومن الاحتياطيين ممن أدوا الخدمة الوطنية تحت العلم الفرنسي وأطلق على هؤلاء العسكر اسم “قوة محلية” وهم وفق الاتفاق: “جزائريون لا ينتمون إلى الحكومة الفرنسية ولا إلى الجنود الجزائريين” لكن الكثير منهم كانوا في خدمة فرنسا لأنهم ابعدوا المجاهدين عن الثكنات العسكرية.

وانتهى دور الحكومة المؤقتة بعد الاستفتاء على حق تقرير المصير الذي جرى يوم الفاتح جويليه 1962م وكان مصحوبا بالاعتراف الرسمي لفرنسا باستقلال الجزائر يوم 3 جويليه من العام نفسه الذي أدى إلى انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة يوم 8 من الشهر نفسه لتصبح الدولة رقم 109 في الأمم المتحدة، ومع ذلك فقد اختار المرحوم أحمد بن بلة يوم 5 جويليه 1962م عيدا وطنيا رسميا بالرغم من أنه يمثل يوم توقيع الداي حسين على وثيقة تسليم الجزائر إلى فرنسا.

.

سقوط الزعيمين

عندما استخف الزعيم مصالي الحاج بحماس الشباب لتحرير الجزائر كانت مجموعة 22 قد انتخبت محمد بوضياف ومراد ديدوش وكريم بلقاسم ومصطفى بن بوالعيد ومحمد العربي بن مهيدي ورابح بيطاط لتحديد موعد انطلاق الثورة وانتهى دور الزعامة حتى أن فرنسا حين حاولت إعادة الاعتبار لها بدعوة مصالي الحاج للتحاور معها رد عليها بدعوتها إلى التفاوض مع حملة السلاح.

أسس جماعة وجدة مجلسا وطنيا تأسيسيا من 120 عضوا لكتابة الدستور لكن بن بلة فاجأهم من سينما المارينيون” _باب الواد- بدستوره فرد عليه فرحات عباس رئيس المجلس قائلا: “إن بن بلة عهّر دستور الجزائر في قاعة سينما”، وفي 1964م انعقد مؤتمر حزب جبهة التحرير فأصبح للجزائر حزب يعرفه أصحابه بأنه”تنظيم طلائعي لبناء المجتمع الاشتراكي”، وجبهة تحرير وطني يعرفها المؤسسون لها بأنها ” تنظيم من المجاهدين من أجل الجهاد في سبيل استرجاع السيادة الوطنية وفقا لبيان أول نوفمبر”، ولا أبيح سرا إذا قلت أن فرانسوا ميتيران الذي أعدم الثوار بالمشانق أخذ تمويل حملته الرئاسية من الأمانة العامة لحزب جبهة التحرير مثلما أخذ ساركوزي تمويل حملته من الحكومة واليوم صارت الجزائر رهن مستشفى تابع لمن أصيبوا برصاص المجاهدين، وهناك قبر نابليون بونابرت ومن ماتوا من أجل فرنسا ومن يتجول في حدائق المستشفى يصدم بشعارات تدعو إلى الهدوء واحترام من ضحوا من أجب فرنسا؟.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/170219.html

كلمات مفتاحية