سياسة

مصر واستنساخ النموذج الجزائري

شئنا أم أبينا فإن مصر تعد واسطة العقد بالنسبة للأمة العربية من الرباط الى بغداد، مصر التي قدمت دروسا في الذود عن حياض الأمة من محيطها الى خليجها، مصر دخلت هذه الايام في نفق مظلم يكاد بصيص النور ينعدم فيه مما ينبئ لا قدر الله بطول ليل حالك قد يطول فجره.
لحساب من ولمصلحة من سيكون انهيار مصر دولة وشعبا، لا شك أن المستفيد الأول هم أعداء الأمة العربية الظاهرون وعلى رأسهم اسرائيل والأخفياء منهم وقد يكونون من بني جلدتنا ويتكلمون لغتنا.
الشارع المصري الهائج المائج بين معارض للرئيس المنتخب ديمقراطيا والمعترف بأخطائه السياسية والمستعد للتوبة منها وبين موالين له أعلنوا ولائهم المطلق لمحمد مرسي وأعطوه ‘البيعة’ على النصرة دون كلل او ملل وبين هاذين اللاعبين الأساسيين بالساحة المصرية تحول الحَكَمُ ونعني به الجيش الى عنصر ثالث في المعادلة المتشابكة أصلا بإعطائه مهلة للمعارضة والرئاسة على حد سواء بحسم أمورهم عاجلا والا فأصحاب البزة والبندقية سيحسمون الموقف لصالح الحفاظ على سلامة شعب مصرها وأمنها القومي؟ !
لا شك أن الجيش المصري اعطى دروسا للأعداء قبل الأصدقاء في كيفية الحفاظ على مصالح مصر والأمة العربية جمعاء، لكن الخوف كل الخوف أن تتحول المؤسسة العسكرية تحت ضغط الشارع المعارض والموال للرئيس الى طرف ثالث يتخذها موقفا داعما لأحدهما وهنا مكمن الخلل، وما يدعو لطرح هذه التساؤلات المخيفة تسارع الاحداث وتواليها وارتفاع حالة الاحتقان يوما بعد يوم بمدن مصر كلها.
الجيش اعلن موقفه صراحة، الرئيس محمد مرسي التقى بالرجل الأول بالمؤسسة العسكرية وأبلغه عدم رضا الرئاسة على بيان الجيش،المعارضة ممثلة بحركة ‘تمرد’ باركت خطوة الجيش والموالين للرئاسة اعتبروها تجاوزا لصلاحيات المؤسسة العسكرية الدستورية، كل هذه التجاذبات تذكرنا بما مرت به الجزائر خلال سنوات التسعينات أين أقدم العسكر الجزائري على توقيف المسار الانتخابي الذي أعطى الأغلبية لجبهة الانقاذ الاسلامية المنحلة وعجلت برحيل الرئيس الشاذلي بن جديد في خطوة اعتبرها البعض إقالة وأصر الرئيس الراحل على انها استقالة وعلّق عنها طرف ثالث بأنها طلاق بالتراضي بين الرئيس الجزائري والمؤسسة العسكرية وقتها، وكانت النتيجة دمار وخراب وقتل دون بهوية ودون هوية وأصبحت الدولة الجزائرية مهددة بالانهيار لو لا رحمة الله وحكمة ثلة من رجالها.
السناريو الجزائري، إن أعيد استنساخه بمصر فقد يكون الحلقة التي سترمي بالبلد في هوة سحيقة، يصعب على من يدعون اليوم الى المليونيات المكررة الخروج منها، وما يدفعنا لدق ناقوس الخطر هو أن الشعب المصري عكس شقيقه الجزائري، شعب مصر به نحل وملل قد تكون وقودا لنار الفتنة والحرب الأهلية، وهذا ما لا نتمناه لمصر العروبة والاباء ويبقى الأمل في المؤسسة العسكرية المطالبة اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن تحمي كيان الدولة وسلامة الشعب بمختلف توجهاته وأيديولوجياته وتبقى مصر الدولة والشعب فوق المعارضين والموالين ونافخي الكير من بقايا النظام السابق على حد سواء.
عقد الأمة العربية بدأ بالاندثار منذ انخرط العرب في مكائد ومصائد نصبت لإخوانهم العرب والمستفيد الأول هو الكيان الصهيوني الذي نفخ أو قد ينفخ مستقبلا في نار الفتنة المشتعلة بمصر، لأن زرع الفتن والحروب الأهلية كما يحدث بسورية وقد يحدث بمصر لا قدر الله من جهة وتفكك وضعف العراق وليبيا واثارة القلاقل في تونس والجزائر من جهة أخرى، يصب كله في مصلحة هذا الكيان الذي لا يستقوي الا بخراب ديارنا وسفك دمائنا وتمزيق وحدتنا واضعاف مقدرات الأمة المدنية والعسكرية.
ندعو ونتمنى من أعماق قلوبنا أن تبقى واسطة العقد وأقصد بها مصر، سالمة تسمك وتستمسك بما تبقى من حبات العقد العربي القابل للاندثار في أي لحظة.

الصحافي حميد بن عطية – الجزائر
http://www.alquds.co.uk/?p=62312

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • قراءة في الأزمة المصرية
    مقدمة:
    لقد تابعت ما حدث ويحدث في مصر باهتمام وتأسّف، بل وبِغضب شديد رغم أنني كنت أتوقع ما حدث إلى حد كبير. وقد لاحظْت أنّ ردود فعل الحركات الإسلامية والمعارضات العربية عموما والجزائرية خصوصا قد اتّسمت بالسطحية والسذاجة، ونسيان الماضي وعدم معرفة الواقع وتقدير موازين القوى فيه، فنظرَتْ إلى الامور بطريقة نمطية كالتي ما فتئت تفسِّر بها كل شيء،والتي أدّت بكل التجارب إلى الفشل الذريع، من السودان إلى الجزائر ثم افغانستان والآن مصر…. ورغم ذلك فإن الحركات الإسلاميّة تُعلّق دائما فشلها على فزّاعة خصومها لوحدهم دون أن تُقيِّم سلبِياتها وإيجابِياتها بطريقة موضوعيّة.
    إن الإخوان المسلمين ونظرا لسلوكهم المُتكبِّر والمُتعالي على الشعوب، وتوهُّمِهم أنّهم هم الحركة الأم والباقي لا قيمة له، ونظرا لعقلية الاستحواذ على كل شيء، سقطوا سقوطا حرا مُجرَّد أن وصلوا…وبسبب هذه العقلية لم يفهموا أنه في مرحلة الثورة ينبغي أن يُدار البلد بطريقة توافقية تصالحية حتى تُبْنى مؤسسات الدولة بكل أبناء الوطن دون إقصاء كمرحلة انتقالية، ثم بعدها نرجع إلى الشرعية الشعبية والدستورية وعندها تتنافس الاحزاب والتيارات …. ولكنهم أقصوا الجميع واصطدموا مع الجميع… فعاداهم الإعلام ورجال الفن والاقتصاد والمؤسسات الأمنية و وجد بقايا النظام السابق فرصتهم للعودة والانتقام، وحرَضوا عليهم الجماهير فحدث ما حدث….وقد كان ذلك نتيجة طبيعيّة للمسار الذي سلكوه…والعجيب في الأمر رَدّة فعل أبناء الحركات الإسلامية الجزائرية، الغير إخوانية، الذين فاجئهم ما حدث في مصر، رغم أنّ الأجواء التي واكبت وصول الإخوان إلى الحكم في مصر تكاد تتطابق مع تلك التي واكبت فوز الفيس في الدور الأوّل سنة 92، فالإخوان سلكوا نفس السلوك الذي لامُوا عليه الفيس آنذاك. وهذا يدُلّ على أنّ قيادات الفيس لم تُراجِع خُطاها ولم تَتعلّم من الأخطاء…. تمنّيت لو أنَ الجيش الجزائري — سنة 92– قام بنفس التَصرف الذي قام به الجيش المصري سنة 2013، فأوقف المسار الانتخابي ولم يسجن قيادة الفيس ولم يحل الحزب ولم يقتل الناس! إن الفرق بين قيادات الجيشين شاسع…فقيادة الجيش الجزائري استئصاليه، تكره الإسلام واللغة والوطن…. أما قيادة الجيش المصري فهي فاسدة طبعا، ولكنّها لا تكره الدين ولا اللغة عموما…وعندما أسمع الإخوان يتكلمون عن الأحداث في مصر أتعجَب من تناقضاتهم، فهل يظنون أننا أغبياء أم أن ذاكرتنا قصيرة؟ … عندما داست دبابات الجيش الجزائري اختِيار الشعب الجزائري سنة92، وقف الإخوان مع العساكر وصرح ممثلهم– نحناح — على الملأ وقال***لقد خرجت الدبابة لكي تُحافظ على الديمقراطية***!!!.ونحن نعرف أن هذا كان موقف مكتب الإرشاد ولم يكن موقفه…فلماذا لا يقولون الآن، كذلك، لقد خرجت الدبابة لكي تدافع عن الديمقراطية في مصر؟ الجواب معروف …هؤلاء حاقدون على الفيس،لأنّ الفيس، الغير إخواني، وصل إلى السلطة قبلهم، وهم يظنون أنهم أولى وأعلم بالإسلام من غيرهم وبالتالي فلا يحق لأي فصيل إسلامي أن يصل إلى السلطة غيرهم…ولأنّ الشعب الجزائري لم يَنتخِب عليهم أرادو أن يعاقبوه على اختياره، فباركوا انقلاب العساكر بالضبط كما فعل حزب النور السلفي في مصر الآن.

    الإخوان وسياسة الكيل بمكيالين: الجزائر 1992 … سوريا 2011… مصر 2013 نماذج:
    بعدما داست دبابات الجيش الجزائري اختيار الشعب في جانفي 92، شعر بعض الشباب المتحمِّس بالظُّلم ودُفِعوا إلى رفع السلاح دِفاعا عن أنفُسهم– بغض النظر عن أنني موافق على ذلك أم لا –، فاتهمهم الإخوان بالعنف والتسرع والجهل والسذاجة والتعصب …وقالوا لهم لا يجوز رفع السلاح ضد جيش مسلم…. وجاءت الأزمة السورية فرفع السوريون السلاح وعسكروا الاحتجاجات فقال لنا الإخوان هذا دفاع عن النفس ومن حقنا أن نُسقِط النظام بالقوة !!!! وأفتى لهم القرضاوي بذلك وكل من يدور في فلك الإخوان، وباركت لهم أمريكا أعمالهم …ونسوا أو تناسوا أنّهم وقفوا مع الجلاد عندما تعرّض الشعب الجزائري إلى نفس ما تعرّض له الشعب السوري! وهاهم اليوم يَصِفون حزب النور السلفي المصري بالخائن بسبب وقوفه إلى جانب العساكر، رغم أنه إتّبع سُنّتهم التي سنّوها، عندما وقف ذِراعهم في الجزائر مع العساكر…. فلماذا يلومونه اليوم؟ ما لفرق بين ما حدث في الجزائر سنة 92 وما حدث في مصر سنة 2013؟؟ …حرام على الفيس حلال على الإخوان !!!

    الإخوان يعيدون نفس أخطاء الفيس التي انتقدوه بسببها !!!:
    عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بانتخابات 92، لا مها الكثيرون على خِطابها المتشنِّج وتسرُّعِها وعدم تصرّفها بحكمة وتروٍّ، وعدم محاولتها طمأنة الآخرين، ممّا ألّب عليها الرّاي العام بتحريض من الإعلام وكانت جماعة الإخوان المسلمين من بين الناقدين لتصرّفات الفيس هذه.
    ومرّت الأعوام ووصل الإخوان إلى السلطة في مصر…فأعادوا نفس أخطاء الفيس التي لاموه عليها !!! استحوذوا على السلطة وأقصوا الجميع واصطدموا مع الكل، وبدأوا يُنَصِّبون الموالين لهم في مختلف مفاصل الدولة وكأنّهم في عُجالة من أمرهم …وكانت القُطرة التي أفاضت الكأس اجتماع ملعب القاهرة الذي خُصِّص لمناصرة المعارضة السورية، حيث اجتمع في مصر كل دعاة التّحريض على العنف وأفْتَوا بجواز الجهاد في سوريا، وأعلن مرسي غلق السفارة السورية في القاهرة وقطع العلاقات مع سوريا، مما استفزّ الجيش والحركات القومية وأخاف المسيحيين من دعوات الجهاد في سوريا. وفسّر البعض ذلك على أنّه إرضاء للجماعات الجهادية وتقديم أوراق اعتماد لأمريكا حتى تحمي الإخوان من مظاهرات 30 يونيو– التي كانت تُطالِب بانتخابات رئاسية مُسبقة – ومن العساكر. وراح بعض المُحللين السياسيين يتساءلون:لماذا تمّ غلق سفارة سوريا ولم تُغلَق سفارة إسرائيل وبورما التي أبادت المسلمين؟؟؟؟لماذا لم يحاول مرسي أن يقوم بدور الوسيط بين النظام السوري والمعارضة لإيقاف نزيف الدم في سوريا؟؟ لماذا قزّم دور مصر حتى أصبحت تقودها مشيخة قطر التي تحتوي على أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة؟؟؟
    مع الأسف إنّ النُّخب العربية و الإسلامية لم تفهم بعد أنَّ الدول الغربية غيّرت من استراتيجياتها لنهب ثرواتنا،ولم تعُد تعتمد على التدخل العسكري المباشر، لأنّ ذلك مُكْلِفا ماديا وبشريا …وأصبحت تأْخُذ بتعليمات ونصائح هنري كيسينغر وبرنار لويس وجوزف ماي الناصحة بإشعال الاقتتال الطائفي والمذهبي، وساعدها على ذلك قنوات البتر ودولار(الجزيرة و العربية) ومشايخ الخليج وعلماء الملوك والأمراء…وبهذه الطريقة نُكَفّر بعضنا بعضا، ونقتل بعضنا بعضا، ونُدمّر بيوتنا بأيدينا فنضعف و تذهب ريحنا …لقد بدأت بوادر حرب طائفية في المنطقة التي إنْ اندلعت – لا سمح الله — سوف تأكل اليابس والأخضر، وقد كان الإخوان من أدواتها…وقد أظهر هؤلاء تعطشا عجيبا للسُّلطة وتمسكا بها ولأجل ذلك تحالفوا مع أمريكا و الغرب ….وهاهو نموذجهم التركي خير دليل على ذلك. فتركيا حليف استراتيجي لأمريكا و عضو في الحلف الأطلسي و مُشارِكةً في احتلال أفغانستان، و تربطها علاقات وثيقة بالدولة الصهيونية ..أمّا الواصلون الجدد فلقد ارتموا في حضن الغرب ظنا منهم أن أمريكا هي من تُبقي في السلطة من تشاء و تَعزِل من تشاء…وراحت حركة النهضة التونسية ترفض قانون تجريم التطبيع مع الصهاينة حتى لا تستفزّ الغرب …كما راح مرسي يكتب رسالة للمجرم بيريز يخاطبه فيها ب ***صديقي العزيز ***أمّا حكام المغرب فقد استدعوا صهيونيا لحضور مؤتمرهم في الرباط ….هذا كله تقديم لأوراق اعتماد لأمريكا حتى تُبارِك بقائهم في الحكم…فهل أسْقطَت الشّعوب الأنظمة السابقة لكي تحُل محلها أنظمة ترتمي هي الأخرى في حضن الغرب؟؟؟؟

    هل كان بإمكان الإخوان تفادي ذلك؟
    لقد حصل الإخوان على فرصة لا تُعوض، ولكنهم أضاعوها بسبب استعلائهم ونقص تجربتهم وعدم محاولتهم التعلم من أخطاء غيرهم، والخطأ في قراءة موازين القوى الدولية فاعتمدوا على أمريكا، ظنا منهم أنها لا تزال القوة الوحيدة في العالم وفي المنطقة.. .ولو أنهم أنجزوا دستورا توافقيا وأشركوا غيرهم معهم في السلطة، لنجحوا نجاحا باهرا، وأعطونا نموذجا يُحتذى به وقصّروا لنا الطريق نحن في الجزائر، بحيث اننا سنسحب فزاعة الإسلاميين من تحت أقدام النظام الجزائري الفاسد حتى لا يسْتعمِلها ضد أصحاب هذا المشروع…. إنّ عقلية الإقصاء التي انتهجها الإخوان هي التي سَهّلت مهمة تأليب الناس عليهم، ومن الطبيعي أن يثور عليهم شباب التيارات الأخرى، والذين قالوا لقد شاركنا في إسقاط نظام مبارك وسرق الإخوان منا ثورتنا !!! وأنا أُوافقهم على ذلك. أماّ كلام الإخوان عن الشرعية الشعبية والدستورية فهو كلام عبثيّ…. الشرعية الشعبية تتغيّر ومزاج الناس يتغيّر…. إنّ الذين انتخبوا مرسي ليسوا الإخوان وحدهم، وهؤلاء غيّروا رأيهم ولعِب الإعلام المضاد دورا محوريا في ذلك إذ عمل على بلورة قاعدة شعبيّة عريضة ضدهم، وانظمّ إليهم الذين صَوّتوا لشفيق والذين قاطعوا الانتخابات أي حوالي 12 مليون أو أكثر. فأيّ شرعية شعبية بقيت لمرسي ؟؟ وكانت أمام مرسي فرصة لتفادي ما حدث بالدعوة إلى استفتاء شعبي على بقائه أو رحيله، وحسب بعض الجرائد، فإن العساكر طلبوا منه ذلك ولكن الجماعة والمُرشِد رفضوا وتعنّتوا، لِعِلْمِهم أنّ نتيجة الاستفتاء سوف لن تكون لصالحهم. إنّ التشبّث بما يسمى الشرعية الشعبية مَضْيعة للوقت ونُكران للواقع الجديد، كما أنّ مصر في مرحلة ثورية، وهذه المرحلة ينبغي أن تُدار بطريقة توافقية وليس بطريقة كلاسيكية كما فعل الإخوان. أما دعوتَهم المعارضة الدخول في انتخابات برلمانية فلا تستقيم، لأنّ المعارضة لا تعترف أصلا بالدستور، فكيف نطلب منها أن تُوافق على انتخابات تحت دستورٍ لا تعترف به؟؟ وكلنا يعرف أنّ مكتب الإرشاد هو من يدير الحكم في مصر وليس مرسي، فهل انتخب الشعب المصري مرسي أم انتخب المرشد محمد بديع؟؟

    موقف الإدارة الأمريكية مما يجري في مصر:
    إنّ المُدقّق في موقف الإدارة الأمريكية ممّا يجري في مصر يلاحظ أنّ إدارة أوباما كانت مرتبكةً. فمن جهة تربطها علاقة وطيدة مع الجيش المصري ومن جهة أُخرى وجدت أنّ جماعة الإخوان المسلمين هي الضّامن لمصالحها وأنّ مصر تُعتَبرحَجَرُ الزاوية في مشروع أمريكا المسمى الشرق الأوسط الجديد… ولذلك يُزعِجها عدم الاستقرار في مصر لأنّ ذلك سيقضي على هذا الحلم الأمريكي !!! وهذا ما جعلها تُمسِك العصى من الوسط وتحُث على التعايش بين الإخوان والعساكر…وقد عابت على الإخوان سُوء إدارتهم للبلد وعدم إشراك غيرهم في السلطة … وحسب تصوّري فإنّ واشنطن ترى أنّ الإخوان يخدمون مشروعها في سوريا وإيران بتأجيج العنف المذهبي ومحاصرتهما وعزلهما شعبيا — وهذا ما فشل في تنفيذه النظام السابق إذ لا شعبية له — حتى إذا اضطرت لضرب إيران تجد بجانبها كتلة سُنيّة كبيرة …كما أنّ أمريكا ترى أنّ الإخوان قد يساعدونها على فرض تسوية ما في الملف الصهيوني الفلسطيني باعتبار أنّ حماس تنتمي إلى تنظيم الإخوان وقد تمّ سحبها من محور سوريا – إيران إلى محور تركيا- قطر- مصر، مما يُسهِّل عملية التسوية التي كانت ستنتهي بهدنة طويلة المدى، وتتكفل قطر بالجانب الاقتصادي في غزة، أما مصر وحماس فيضمنان عدم تدفُّق السلاح إلى غزة وبالتالي عدم إطلاق الصواريخ على الصهاينة، في المقابل تُساعد أمريكا الإخوان على الوصول إلى السلطة في سوريا والأردن و هكذا يكتمل الطوق…. كما أنّ أمريكا سوف تُقلِّم أظافر الجيش المصري كما فعلت مع الجيش التركي حتى يصبح خاضعا لحكم الإخوان…يبدو أنّ هذا هو المخطّط ولكن ….

    المعركة في سوريا قلبت المعادلة !:
    لقد راهنت أمريكا لمدة سنتين على تغيير النظام في سوريا، وإخضاع المنطقة لمشروعها المتصهين ومحاصرة روسيا والصين وإيران. وقد استعملت في ذلك كل أدوات الترغيب والترهيب…ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي سفن أمريكا !!!! فأدواتها فشلت، والنظام السوري لم يسقط، وروسيا لم تتراجع والجماعات المسلحة تتلاحق هزائمها. ودخول حزب الله في المعركة أخرج إسرائيل من المعادلة،وأفشل مخطط سنتين كان يهدف إلى خنق حزب الله من خلال قطع التواصل الجغرافي بينه وبين النظام السوري وبالتالي قطع إمداده بالسلاح، لكي تنقَض عليه لاحقا إسرائيل من الجنوب والجماعات المسلحة من الشمال والشرق… وسقط إعلان النظام السوري بتزويد المقاومة في لبنان بسلاح استراتيجي وفتْح جبهة الجولان في وجه المقاومة الشعبية السورية واللبنانية والفلسطينية، كالصاعقة على الغرب والصهاينة !! وتأكّدت إسرائيل أنّ المعادلة قد تغيّرت، فعوض أن تُحارِب حزب الله في جنوب لبنان، هذه المرة سوف تُفْتح ضدها جبهتان، واحدة من جنوب لبنان والأخرى من الجولان وبسلاح نوعيّ. فطار نتانياهو إلى موسكو يطلب من بوتن أنْ يضغط على الأسد لكي يوقف تهديداته، مؤكدا له أنّ الصهاينة لن يتدخلوا في سوريا بطريقة مباشرة مرة أخرى. وأيقنت أمريكا أنّ حلم تغيير النظام في سوريا قد انتهى. وهي الآن تعمل على إطالة النزاع المسلح لتدمير الدولة السورية وإضعافها. ولكن أدوات أمريكا الذين استعملتهم (أر دوغان، مشايخ قطر، الإخوان والسعودية – التي تقدمت المشهد مؤخرا-) قد فشلوا بعد أن ورطتهم حتى النخاع ولم يعد بإمكانهم التراجع. وبما أنّ أمريكا قد غيرت أهدافها في سوريا كان لا بد لها وأن تقلم أظافر هؤلاء حتى يتأقلموا مع أهدافها الجديدة أو أن تزيحهم لأنهم لم يعودوا يصلحون للقيام بالدور الجديد… وهذا ما حدث في قطر، حيث أُرغِم الأمير السابق على التنازل لابنه، وأرغِم اردوغان على التقوقع بسبب أحداث ميدان تقسيم وأخيرا في مصر وافقت أمريكا على ما قام به الجيش مع بعض التحفظات……وهذا ينسجم تماما مع طبيعة الإدارة الأمريكية التي لخصها سياسي أمريكي بقوله: عندما تفشل سياسة الولايات المتحدة في منطقة ما، وتسقط رهاناتها فإن ذلك يدفعها للتعامل مع الأقوياء !!!!

    هل ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري، وما الفرق بين 25 يناير و30 يونيو(جوان)؟
    في الحقيقة من الصعب إعطاء تسمية دقيقة لما حدث في مصر…فهو يختلف عن الانقلابات العسكرية الكلاسيكية، لأن الجيش لم يستلم السلطة بطريقة مباشرة في 30 جوان…كما أنّ الانقلابات العسكرية تأتي مفاجِئة ولا يُعْرف لها وقت … وعليه فأنا أسَمِّي ما حدث نِصْف انقلاب ونِصْف ثورة شعبية، و هو نفس ما حدث في 25 يناير بعد الإطاحة بمبارك. والفرق بين 25 يناير و30 جوان يكمن في انتماءات المتظاهرين. ففي 25 يناير كان المتظاهرون ينتمون إلى كل التيارات باستثناء مناضلي النظام السابق، أمّا الآن فالمتظاهرون والمعارضون ينتمون إلى كل التيارات باستثناء الإخوان والجماعة الإسلامية. أنا شخصيا لست مع حكم العساكر، فالجيش مهمته حماية الوطن لا التدخل في السياسة. وبما أنّ الطبقة السياسية في مصر فشلت في إيجاد حل توافقي لكيفية إدارة البلد في المرحلة الانتقالية، يرى البعض أنّ مصر كانت سائرة إلى الفوضى، فكان لابد للجيش أن يتشاور مع القامات الدينية ومُمثلي المجتمع المدني للخروج بخارطة طريق تُجنِّب مصر الانزلاق إلى ما لا يُحْمد عقباه. وقد سمعت أحد مشايخ الأزهريصرح قائلا*** لقد اضطُرِرْنا لمساندة ما فعله الجيش حفاظا على الوطن وحقنا للدماء وقد دفعنا مفسدة كبرى بأخرى صغرى***. ومهما تباينت التفسيرات، فأنا أرى أن ما قام به الشعب المصري هو إيجابي…إذ لم يعد بإمكان أي رئيس أن يبقى في الحكم رغما عن إرادة الشعب، حتى وإن دفعه الإعلام لذلك…. فإذا كان هذا الشعب قابل للتضليل فلماذا لا يُنوّره أصحاب المشروع الإسلامي ويضلله غيرهم؟؟؟ كما أن الشعوب المغفلة — والشعب المصري ليس كذلك — علينا أن نوَّعَّيها قبل أن نحكمها.
    وما حدث أخيرا في مصر، يجعلنا نُعِيد قراءتنا لما حدث حقا منذ سنتين في كل من تونس ومصر… هل كانت ثورات حقيقية أم انقلاب مُغلّف؟ وما صِحة التقارير الإخبارية، آنذاك، التي كشفت أنّ الإدارة الأمريكية طلبت من الجيشين التونسي والمصري أن يُقِيلا كل من زين العابدين بن علي وحسني مبارك، قبل أنْ تتحوّل الاحتجاجات الشعبية إلى ثورة شعبية حقيقية؟

    ما لحل في مصر وأين تتجه الأمور؟
    إنّ مطلب الإخوان بعودة مرسي إلى سُدة الرئاسة لن يتحقق …ولم يبق أمامهم إلا أن يستفيقوا من الصدمة ويقرؤوا الواقع كما هو، ويتوجّهوا إلى المصالحة والحوار والتوافق مع كل أبناء الوطن، لكي يُخرِجوا مصر من محنتها وتعود إلى ريادة وقيادة الأمة العربية والإسلامية. وحسب تقديري، فإنّ المظاهرات والاعتصامات في مصر قد تطول بعض الوقت، وتنتهي بمصالحة وطنيّة دون إقصاء لأحد، ومن ثم يتوافق المصريون على تعديل الدستور تليه انتخابات برلمانية ثم رئاسية. أما الجماعات الجهادية فقد بدأت عمليات قتل أفراد الجيش والشرطة في سيناء وغيرها وهؤلاء هم قِلّة وستتعامل معهم القوى الأمنية بالسلاح مع الأسف.

    وأخيرا، أتمنى أن تنضج النُّخب والمعارضات الوطنية في الدول العربية، وتُراجع مواقفها وأهدافها واستراتيجياتها وتحالفاتها. إنّ سياسة الإقصاء، والانتقام، والاستحواذ، وكل شيء أو لا شيء، لم تعد تُجدي بل تؤدي إلى الدمار. علينا أن نُقرّر ماذا نريد…هل نريد أنْ نبني دولة وطنية مدنية أم دولة دينية؟ وماذا نقصد بالدولة الإسلامية؟ وعلينا أنْ نفتح حوارا ونقاشا جادّين مع التيارات الجهادية لكي نتوصل إلى رؤية مشتركة لطريقة وآليات ممارسة الحكم، حتى نُجنِّب بلداننا الدمار، خاصة وأنّ الغرب أصبح الآن يُركّز ويَستعمل هؤلاء لتنفيذ مشاريعه وتدميرنا من الداخل. وتجربتي كل من أفغانستان وسوريا تشهدان على ذلك.