مقالات

عودة بوتفليقة في رمضان ولعبة سياسية طي الكتمان

بعد ثمانين يوما من الغياب، يعود الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة إلى أرض الوطن، لكن خبر العودة جاء جد مقتضب من خلال الوكالة الرسمية للأنباء، وفي جو يملأه التكتم، ولقد أكدت الوكالة الجزائرية للأنباء أن بوتفليقة سيستهلك وقتا آخر في الراحة والاستجمام لاسترداد عافيته..
وبالرغم أن الطبقة السياسية مالت نحو الهدوء بعد تلك العاصفة التي أثيرت في الأسابيع الأولى على أعمدة وسائل الإعلام، فإننا ننتظر تعاليق وردود أفعال جديدة من الأحزاب والشخصيات السياسية التي ستطالب بمعرفة الحقيقة كاملة حول صحة الرئيس وقدرته على مواصلة أدائه في الحكم.. ولقد جاءت العودة في ظل شهر يحمل لدى الجزائريين دلالة الرمزية في الامساك عن الكلام الصاخب.. لكن من جانب آخر، فإن هذا الشهر يذكرنا بطقوس سياسية أخرى أنشأها بوتفليقة أيام حكمه السابق، وتتمثل في تلك الجلسات اليومية والمرهقة التي كان يشرف عليها في مساءلة كل وزير عن قطاعه وتتدارس خطة كل مشروع وسياسة، والملفت للنظر، أن الصمت يكاد يكون مطبقا الذي أصبح يرين على الساحة السياسية، ولم يعد في الواجهة من لاعب إلا شخص واحد، وهو الوزير الأول عبد المالك سلال الذي فيما يبدو قد ضحكت أو بدأت تضحك له الأيام والأقدار، من حيث لم يكن ينتظر، أنه يعيش لحظة تمرس مكثفة على ممارسة الحكم، وعلى تصريف شؤون الدولة من خلال انتقالاته وزياراته المكوكية حتى في شهر رمضان الذي يتحول فيه النشاط العام والخاص لدى المسؤولين الجزائريين، وعموم الجزائريين إلى درجة الصفر والركود… إن كل هذا الصمت واللاحراك هو مفيد لعبد المالك سلال إذا صدقت بعض الأنباء التي تفيد أن ثمة دوائر في الحكم صاحبة النفوذ والتأثير في صناعة القرار تراهن عليه كخليفة محتمل للرئيس بوتفليقة.. وذلك تفاديا لكل مفاجأة مثيرة لخلط الحسابات من جديد في إدارة الحكم وتوازناته والإصرار على تحقيق استمرارية النظام الذي تمكن خلال كل هذه العقود الصاخبة التي تخللتها اضطرابات وتحديات شتى من الحفاظ على نفسه والبقاء على قيد الحياة، بل واستعادة الكثير من الحياة الذي كان يبدو أنه بصدد إضاعتها وهدرها.. فلقد تمكن النظام من إنقاذ نفسه من سطورة الإسلاميين، واستعادة عافيته بعد فترة دامية وإعادة بناء سلطته وسيطرته من جديد خلال العقد الأخير من حكم بوتفليقة… وإذا ما صدقنا الأنباء التي تقول إن بوتفليقة انتهى في نهاية المطاف باقتراح سلال ليكون خليفته في حالة ما إذا لم يتقدم هو إلى عهدة رابعة، وذلك ضمن الحلف المقدس الذي أبرم بينه وبين الطرف العتيد في النظام ليمضيا معا، اليد في اليد في ممارسة الحكم. وبالرغم المحاولات التي كادت تخرب هذا العقد بين الرئيس والنواة الصلبة داخل النظام، فإن ما يبدو في الظاهر، أن النظام مصمم على الذهاب إلى أقصى خطته، بعد أن شعر أنه أصبح المتحكم في قواعد اللعبة أمام هشاشة وتمزق صف المعارضة، فالإسلاميون أصبحوا قبائل وطوائف وشيعا، والديموقراطيون تلاشى جمعهم وتفرقت كلمتهم، والوطنيون تعددوا ليتبددوا ولم يخرجوا في نهاية المطاف من دار الطاعة برغم الشغب الذي راحوا يصمون به الآذان في أحايين كثيرة… والشخصيات التي كثيرا ما ترددت أسماؤها في الصالونات وتناقلت أصداءها القنصليات والدوائر السياسية والمالية، لا تزال تنتظر اللحظة المعجزة التي تمكنها من الإعلان عن نفسها كحاملة لمشروع القطيعة… إن هذه الهشاشة ذات الوجه المتعدد التي آل إليها الوضع السياسي العام، يعتقد عدد من المراقبين هي التي ستجعل من الرئاسيات القادمة أو التحضير لها، تدخل ضمن الروتين الذي تعود عليه الجزائريون خلال العشرية الأخيرة، لكن ذلك لا يعني أن القدرية هي التي أصبحت المهيمنة والمسيطرة لدى البعض الآخر من المراقبين.. فعناصر المفاجأة تكمن وتنشط وتحتفظ بقوتها الضاربة حيث يبدو السكون مهيمنا والاعتداد بالنفس عند أصحاب من يعتقدون أن بيدهم سلطة الحل والربط طاغيا..
احميدة عياشي
http://www.djazairnews.info/national/42-2009-03-26-18-31-37/58760-2013-07-16-17-03-08.html

كلمات مفتاحية