سياسة

سلال يطنب في التنكيت ولغته تثير الجدل

الخطاب السياسي للوزير الأول بين الترحيب والاستهجان
سلال يطنب في التنكيت ولغته تثير الجدل
بومدين الاستثناء وبوضياف اقترب من الشعب وبوتفليقة تبنى التهجين
كشف الوزير الأول، عبد المالك سلال، منذ توليه رئاسة الحكومة، خطابا سياسيا جديدا تراوح بين التنكيت والميل إلى الدعابة، وهي لغة مغايرة تماما لما تعوّد عليه الجزائريون طيلة خمسة عقود من عمر الجزائر المستقلة، كانت فيها “لغة الخشب” والحدة والصرامة الوسيلة الوحيدة للتواصل بين المسؤول السياسي والشعب.
تشابهت لغة الخطاب السياسي للمسؤولين المتعاقبين على حكم الجزائر منذ الاستقلال، ولو أنها تباينت في بعض المراحل إلا أنها تميزت كلها بالصرامة، فالرئيس الأول للجزائر المستقلة، الراحل بن بلة، تبنى هذا الأسلوب غير أنه كان يعاب عليه في الوقت نفسه عدم تحكمه في اللغة العربية، لكن هذا لم يكن مشكلة بالنسبة للجزائريين وقتها، على اعتبار أن البلاد خرجت لتوها من الاستعمار وكان ضربا من الخيال تحكم مسؤول سامٍ في اللغة العربية.
أما خليفته الرئيس الراحل هواري بومدين، فقد كسب حب الجزائريين، وكانت خطاباته التي أبدى فيها تحكما في اللغة العربية وبلاغة في الحديث مصدر فخر للشعب، رغم صرامته وحدته وهيبته الكبيرة، فقد كان خطيبا بامتياز وكسب لقب الزعيم لهذه الاعتبارات.
وانقلبت الآية مع من تلاه على سدة الحكم، الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، فبعد وفاة “الزعيم” أظهر الشاذلي لغة مغايرة تماما، كانت لغة خشب بالتأكيد، والأخطاء فيها كانت بالجملة، وهو ما فتح المجال للجزائريين للتنكيت على مدى عشريتين.
لكن سرعان ما استعاد الجزائريون من جديد الخطاب الثوري القوي والقريب من الشعب في نفس الوقت، بتولي الراحل محمد بوضياف الرئاسة، فقد اختصر سي الطيب الوطني المسافات بينه وبين الجزائريين بتبنيه لغة الحركة الوطنية البسيطة والمهذبة، وهذا ما أكسبه ثقة الشعب، خاصة أن الجزائر وقتها كانت تمر بمرحلة حساسة.
وعاد الجزائريون من جديد إلى الخطاب الرسمي الحاد والصارم في عهد الرئيس الأسبق اليمين زروال القادم من المؤسسة العسكرية، ورغم أن خطابه كان رسميا جدا إلا أنه لم يلق نصيبا كبيرا من النقد، بحكم الظروف الحرجة التي كانت تمر بها البلاد.
أما الرئيس بوتفليقة، فكان أول من فتح المجال لـ”تهجين” الخطاب السياسي الذي كان مزيجا بين اللغة العربية والعامية وحتى الفرنسية، رغم تحكم السي عبد القادر المالي في أبجديات اللغتين، فقد تخلى عن الخطاب الرسمي وهذا ما فتح المجال للتحول الجذري في الخطاب الرسمي، فكثيرا ما كان بوتفليقة يخرج عن النص في خرجاته ليفتح المجال للتنكيت والدعابة.
وقد تكرس هذا الأسلوب مع الوزير الأول عبد المالك سلال وهو وزير للموارد المائية وأبدع فيه أكثر منذ توليه رئاسة الحكومة، وأظهر في خرجاته الميدانية براعة في “التنكيت” لم يجاره فيها أحد ممن تبوأوا مركزه، ومن كثرتها يمكن أن تجمع في “قاموس” خاص به، ولعل أكثرها تميزا ورسوخا في الأذهان ما ذكره في خرجته الأخيرة في تيارت عندما وصف وزيرة الثقافة في حكومته بـ”الروجية” أي الشقراء بلغتنا العامية “المفرنسة”.
وذهب سلال أبعد من ذلك في الزيارة نفسها، عندما وصف الوالي بـ”اليهودي” وهو يستمع إلى ممثل المجتمع المدني من دائرة السوڤر، عندما أخذ يشتكي أن الوالي لم يمنح سكان دائرته النصيب الكافي من السكنات، ولو أنّ كلمته مرت مرور الكرام إلا على الوالي المسكين الذي يقال إنه هضم “الدعابة الثقيلة” على مضض بالتأكيد.
ولم يسلم من “تنكيت” وزيرنا “الكول جدا” حتى الأجانب، فالعثمانيون أيضا كان لهم نصيب في ذلك عندما خاطب مدير مشروع في غرب البلاد وهدده بتأليب أردوغان عليه ودعاه إلى الكف عن تناول الحلوى التركية إن كان يكثر من أكلها والالتفات إلى مشروعه.
أما في شرق البلاد فكان لمؤسسة تركية مكلفة بمشروع سكني نصيبها أيضا، إذ دعا مسؤولها إلى تسليم مشروع جيد وليس بقلاوة. وبما أنه معروف عن الوزير الأول عشقه للبقلاوة، طلب من سيدة أتت تشكو تأخر تسليم السكنات في قسنطينة رغم أنها جاهزة منذ مدة، وصفة البقلاوة.
ولأن هذا الخطاب موجه في الأساس إلى الاستهلاك الشعبي فقط، استوقفنا بعضهم لاستقاء آرائهم في الموضوع، فكانت بين مرحب ومستهجن. فـ”محمد.م” الطالب الجامعي في الإعلام الآلي بجامعة باب الزوار، يرى أنه أسلوب يناسب المرحلة الجديدة، فلغة الخشب ليس لها مكان لدى الجيل الجديد.
وواصل محدثنا يقول: “هذا الأسلوب يختصر المسافة بين المسؤول والمواطن، علينا أن نستفيد من تجربة الغرب في هذا، انظروا إلى الرئيس أوباما كيف يخاطب شعبه حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تخلو خطاباته من المزاح والدعابة”.
وهو نفس ما ذهب إليه إلياس، صاحب مقهى أنترت، مردفا: “ليس في الأمر مشكلة، إنها طريقة ذكية للتقرب من الشعب رغم أن بوتفليقة سبقه إليها، ولو أن سلال تفوق عليه بدرجات في التنكيت. الحقيقة.. تعبنا من اللغة الرسمية”.
لكن لم يكن هذا رأي العم بشير، وهو متعلم متقاعد، الذي علق على الموضوع: “لكل مقام مقال، ولغة سلال لا تليق بمسؤول سام في مركزه، حتى وإن كان المسؤول مطالبا بالتقرب من الشعب فبالتأكيد ليس بهذه الطريقة”.
واتفق معه “مصطفى.م” صاحب مكتبة، هذا الأخير ذهب أبعد من ذلك: “المسؤول مطالب بأن يحتفظ بهيبته، هو يمثل الدولة وعليه أن يلتزم بخطاب رسمي ولغة مهذبة وأن لا ينزل بلغته إلى منزلة وليد الحومة”.
لأن لغة وزيرنا الأول تصنع الجدل، حملنا الموضوع إلى أهل الاختصاص لاستقاء آرائهم،
فأجمعوا على أن لغته لا ترقى إلى استعمالها من قبل شخصية في مركزه.

مصطفى ماضي: لغة سلال مخجلة
– يرى مصطفى ماضي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر، أن لغة سلال سوقية وبأنه نطق بكلمات “خطيرة” على حد تعبيره، لا تأتي إلا على لسان المُهمشين.
وأضاف محدثنا: “هذا مخجل جدا في طبقتنا السياسية، والغريب هنا أن الوزير الأول من الجيل الجديد وهو خريج المدرسة الوطنية للإدارة التي يفترض أنها تخرج أشخاصا ذوي كفاءة علمية ولغوية، لكن الواقع يقول غير ذلك فهي تخرج أشخاصا وكأنهم أميون، وهم لا يتكلمون لغة الشعب رغم أنها جميلة وبسيطة”.
وذهب ماضي أبعد من ذلك عندما وصف الطبقة السياسية في الجزائر بـ”العڤونة” تفتقد إلى لغة التواصل، فإما أن تتكلم بلغة فرنسية لا يفهما الشعب، أو بلغة عربية لا يجيدها المسؤول، مواصلا: “نحن نفتقد إلى لغة دارجة مهذبة يفهمها الجميع بخلاف أغلب الدول العربية التي يخاطب فيه المسؤولون المواطنين بالعامية المهذبة”.
ويرى ماضي أن المسؤول الوحيد الذي نجح في مخاطبة الشعب بلغة بسيطة مفهومة هو الراحل بوضياف الذي كان يعتمد في خطاباته على لغة الحركة الوطنية.

ناصر جابي: لغة سلال شعبوية وغير مقبولة تماما
– ولم يختلف المختص في علم الاجتماع ناصر جابي فيما ذهب إليه ماضي، فهو يعتقد أن لغة سلال شعبوية وغير مقبولة تماما “فيما على السياسي الناجح أن يقدم خطابا أكثر رقيا”.
وأضاف جابي أننا لم ننتبه للغة سلال سابقا، فهو متعود على الحديث بها داخل الاجتماعات المغلقة قبل أن يتبوأ الوزارة، ولأن اللغة العربية بالنسبة لمسؤولينا هي لغة شفهية فيما اللغة الفرنسية هي لغة المكتوب، يلجأ إلى لغة الشارع في خطابه لأنه في الأساس لا يجيد اللغة العربية.
ولا يعتبر جابي أن لغة سلال خرجت عن المألوف، لأن السياسي في بلادنا في الأساس لا يجيد الكلام مع المواطن، لأنه لم يتمرّس على ذلك في الحركة الطلابية أثناء تكوينه مثلا، ولهذا يتحوّل هؤلاء إلى “مسخرة” في الحملات الانتخابية، وأبرز محدثنا في السياق: “على المواطن أن يفكك خطاب المسؤول السياسي عند سماعه لأنه يقول شيئا ويقصد شيئا آخر”.
وعاد جابي إلى المسؤولين السابقين الذين يعرف عنهم جهلهم لأبجديات اللغة العربية وافتقادهم لأدوات التواصل مع المواطنين، على غرار الرئيس الأسبق الراحل أحمد بن بلة ومن بعده الشاذلي بن جديد، دون نسيان خرجات وزير الداخلية السابق يزيد زرهوني، فيما يؤكد جابي ما ذهب إليه ماضي بأن الراحل بوضياف وحده كان يتكلم لغة بسيطة، هي لغة الحركة الوطنية.

وزير سابق: كلام ممثل رئيسنا سوقي
– رغم اقتناعهم بأن أسلوب ممثل رئيس الجمهورية في الحديث لا يرقى إلى مستوى مركزه، لكن عبثا حاولنا إقناع المسؤولين والوزراء، حتى السابقين منهم، بالخوض في الموضوع، ومن بين هؤلاء وزير سابق وافق على الحديث بعد أن أخذ منا أغلظ الأيمان بأن لا نكشف عن اسمه.
قال محدثنا إنه لمس في حديث إلى وزراء في حكومة سلال استهجانهم للغة مسؤولهم الأول، أما بالنسبة إليه، فهو يرى بأنه لا يحترم المواطنين وألفاظه سوقية ويعتمد على كلام الشارع والمقاهي، الأمر الذي لا يناسب موقعه كرئيس حكومة، مردفا: “عندما يتحدث الوزير الأول بكلام الشارع تسقط الجمهورية في الحضيض”.

كمال بوشامة: البساطة لا تعني لغة الشارع
– من جهته، ورغم رفضه التعليق على لغة الوزير الأول، إلا أن الوزير والسفير الأسبق، كمال بوشامة، يعتقد بأن لغة المسؤول السياسي يجب أن تكون سهلة وبسيطة ومفهومة من طرف الجميع، لكن جريئة وصريحة في الوقت نفسه، تكشف عن المحاسن والأخطاء أيضا في جمل مفيدة وكلام موزون. وأردف محدثنا قائلا في نفس السياق: “لا يجب أن تكون لغة معلقات لا يفهمها الجميع، يكفي فقط أن تكون بسيطة، لكن البساطة لا تعني لغة الشارع”.
الجزائر: سلمى حراز

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • لغة المداعبة لا تعني التهريج …..
    و الألفاظ المستعملة في خرجاته الخطابية تنقص من هيبة المنصب (و لا أتكلّم عن الرجل) أكثر مما تخدم المقصود و الأمثلة على ذلك كثيرة: (مرميطة…دومينو… شاتية تتزوجي بيه …. اليهودي … الروجية ….).

    أما التواصل بين المسؤول الجزائري و المواطن …. فحبله مقطوع منذ زمان