مقالات

يوم غير مسبوق في تاريخ مصر يُقربها من سيناريو الجزائر

أعلنت الرئاسة المصرية انتهاء مرحلة الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة، التي فجرها عزل الجيش للرئيس السابق، محمد مرسي يوم 3 يوليو/ تموز الماضي، معتبرة أن تلك الجهود الخارجية لم تحقق “النتيجة المأمولة”.
عندها، تزايدت دعوات من بعض القوى والجهات الإعلامية تطالب الجيش والشرطة بفض اعتصام أنصار مرسي، في ميداني رابعة العدوية (شرقي القاهرة) ونهضة مصر (غرب العاصمة)، لاسيما وأن السلطات اعتبرت أن الاعتصامين يمثلان “تهديدا للأمن القومي للبلاد”؛ بدعوى وجود أسلحة في الميدانين وعمليات تعذيب بحق مؤيدين لعزل مرسي، وهو ما نفاه أنصاره.
وفي الأيام القليلة الماضية، تصاعدت نداءات من مؤيدين لعزل مرسي إلى وزير الدفاع، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ليستغل تفويض شعبي حصل عليه يوم 26 يوليو/ تموز الماضي، حين استجاب مصريون إلى دعوته لمن أسماهم “كل المصريين الشرفاء الأمناء” للتظاهر في الميادين؛ لمنحه ما قاله إنه “تفويض لمواجهة إرهاب محتمل”. ولم يوضح السيسي ما يقصده بـ”الإرهاب”؛ مما دفع مراقبين إلى اعتبار أن ذلك التفويض ربما يعني استخدام القوة ضد مؤيدي مرسي، الذين يعتبرون عزله “انقلابا عسكريا”، ويتمسكون بعودة ما يرونه “رئيسا شرعيا” إلى الحكم.
ومع شروق شمس اليوم الأربعاء، بدأت قوات الأمن المصرية فض اعتصامي رابعة العدوية ونهضة مصر، مستخدمة – فقط على حد تأكيدها – قنابل الغاز المسيل للدموع، فيما اكد شهود عيان استخدامها الرصاص الحي، والخرطوش (طلقات نارية بها كرات حديدية صغيرة) ما اوقع أعدادا كبيرة من القتلى والجرحى.
وسريعا، تمكنت القوات من تفريق المعتصمين في ميدان النهضة، منذ 45 يوما، في الشوارع الجانبية، والسيطرة تماما على الميدان المواجه لجامعة القاهرة.
وبحسب إحدى معتصمات “النهضة”، فإن قوات الأمن حاصرت المئات من المعتصمين داخل مبنى كلية الهندسة التابعة لجامعة القاهرة، المطل على الميدان، بينهم جرحى، حتى الساعة 08:00 مساء (18:00 رت غ) حين تم خروجهم بشكل آمن.
وعلى عكس اعتصام نهضة مصر، لم تتمكن قوات الأمن من فض اعتصام رابعة العدوية، الأكبر حشدا والقائم منذ 48 يوما، بالكامل إلا قرب الساعة 06:30 مساء بالتوقيت المحلي (16:30 ت غ).
ومع هذا الفض “الدموي”، بدأ مؤيدو مرسي سلسلة من ردود الأفعال في أرجاء مصر بدت منظمة، وربما مرتبة مسبقا. فما هي إلا ساعات قليلة، حتى تجمع قطاع من معتصمي النهضة وآخرون توافدوا، في ميدان مصطفى محمود بشارع جامعة الدول العربية (جنوب غرب القاهرة).
وأعلن هؤلاء المحتجون نقل اعتصام نهضة مصر إلى ميدان مصطفى محمود، وبعدها انضم إليهم الداعيين السلفيين الشهيرين، محمد حسان ومحمد حسين، قبل أن يفض المعتصمون هذا الاعتصام مع تواتر هجمات مجهولين – يرجح أنهم من البلطجية – (خارجون عن القانون) على الميدان، أوقعت ما لا يقل عن 19 قتيلا، بحسب شهود عيان، معلنين عن بدء اعتصام ظهر غد الخميس.
وبالتوازي، شهدت عدة كنائس، هجمات من متظاهرين غاضبين لفض الاعتصامات المؤيدة لمرسي، أغلبها في صعيد مصر.
ودعت الجماعة الإسلامية، إحدى القوى الداعمة لمرسي، من أسمتهم “الغاضبين من أبناء الشعب المصري من اعتداء قوات أمن الانقلاب على رابعة العدوية والنهضة” إلى “ألا يعتدوا على أحد من المسيحيين أو دور عبادتهم”. واعتبر الأزهر أن “الاعتداء على الكنائس حرام شرعا”، و”اعتداء على الإسلام قبل أن يكون اعتداء على المسيحيين؛ لأنه يشوه صورة الإسلام ومبادئه”.
كما تعرض 14 مركز شرطة لاعتداءات في محافظات الجيزة (المتاخمة للعاصمة)، والمنيا، وبني سويف، والقاهرة، والإسكندرية، والشرقية، والفيوم، وشمال سيناء، وأسوان (أقصى جنوبي مصر).
وحمَّلت وزارة الداخلية قيادات جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها مرسي، المسؤولية عن الاعتداء على مراكز الشرطة، قائلة إن القيادات أصدرت تعليمات لأنصارها بمهاجمة أقسام الشرطة. بينما تتهم جماعة الإخوان النظام الحاكم الحالي بجر البلاد إلى حرب أهلية عبر الاعتداء على معتصمين “سلميين” في رابعة العدوية ونهضة مصر.
فيما خرجت عدة مظاهرات ومسيرات في عدد من المحافظات، وأغلق المحتجون عدة مقار حكومية ومحاكم؛ احتجاجا على سقوط قتلى في فض الاعتصامين وتحول عدد كبير من هذه المسيرات إلى اشتباكات دامية مع قوات الأمن في العديد من المحافظات، في أجواء ذكرت الكثير من المصريين بالأوضاع الأمنية يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011، خلال الثورة التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك.
وبينما، قال “التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب”، المؤيد لمرسي، إنه أحصى 2600 قتيل في فض اعتصام رابعة العدوية، أعلنت وزارة الصحة المصرية عن ارتفاع ضحايا اشتباكات اليوم في القاهرة وبقية المحافظات المضطربة إلى 149 قتيل و1403 جريح حتى الساعة 16:30 “ت غ”.
وفي بلد اقتصاده شبه منهار، تكبدت البورصة المصرية خسائر بنحو 5.8 مليار جنيه، لدى إغلاق تعاملات اليوم الأربعاء.
ومحاولةً السيطرة على الأوضاع المضطربة بشكل غير مسبوق في أرجاء البلاد، أعلنت السلطات المصرية حالة الطوارئ لمدة شهر، فضلا عن حظر تجول يوميا من الساعة 07:00 مساء بالتوقيت المحلي (17:00 ت غ) إلى الساعة 06:00 (04:00 ت غ) في 14 محافظة، هي: القاهرة والجيزة والإسكندرية (شمال) والفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط وقنا وسوهاج (جنوب)، شمال سيناء وجنوب سيناء والسويس والإسماعيلية (شرق) والبحيرة (دلتا النيل).
ووسط إدانات داخلية وخارجية لفض قوات الأمن اعتصام مؤيدي مرسي بالقوة، وما تبعه من أعمال عنف، تصاعدت تحذيرات الكثيرين، بينهم وزير العدل المصري الأسبق، أحمد مكي، من اتجاه مصر بقوة نحو سيناريو الجزائر، حيث ألغى الجيش نتيجة الانتخابات البرلمانية؛ التي فازت بها “جبهة الإسلامية للإنقاذ” مطلع تسعينات القرن الماضي؛ مما فجر معارك دموية بين الجيش وجماعات مسلحة، أسقطت حوالي مائة ألف قتيل على مدى نحو عشر سنوات.
وفي سياق الرفض لفض الاعتصامات بالقوة، فاجأ محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري المؤقت للعلاقات الخارجية، الجميع باستقالته على خلفية رفضه لهذا النهج، وهي الاستقالة التي اعتبرها مايكل هيدسون، استاذ العلاقات الدولية بجامعة جورج تاون الأمريكية، أنها “ستكون أكبر معضلة تواجه القيادة العسكرية لأنها ستعكس خطأها في عدم الاستجابة لدعوات أشهر الوجوه الليبرالية في مصر على مدار شهر نحو الوصول إلى حل سلمي بين جميع الأطرف”.

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق