سياسة

إلى قصر الڤولف أو الاكتفاء بلعبة الڤولف

لم يفاجئك سباق الولاء، حين اعتلى المنصة سياسيون لا يوجد في حديثهم إلا العهدة الرابعة. قلت في نفسك ”أمر طبيعي. يعترفون بصغر حجمهم ومحدودية قدراتهم ويقرّون بأنهم وهم مجتمعون في تحالف مقدس من أجل السلطة، هم أقل وزنا من رئيس مريض”.
ضقت من تصرفات بعضهم وقلت ”حين أسمع أحدهم يقول بأن فلانا هو الرجل الوحيد القادر على تسيير المرحلة، أصاب بتفسخ ذهني.. إنها الأسطوانة التي نسمعها كل عشرية، مع جميع الرؤساء السابقين”. وكمن يريد نقل رسالة مفتوحة تخاطب ضمير الغائب، تتساءل ”هل فعلا عجزت الجزائر عن إنجاب رجالا قادرين على التسيير؟”.
من بين ميزاتك اهتمامك بالتاريخ، قرأت العديد من الكتب عن تاريخ الجزائر وتاريخ العرب والتاريخ بشكل عام. وأثرت القراءات على أسلوب تركيب مواقفك وأفكارك، فأصبحت تمزج بين التحليل والمقارنة.
لم يفاجئك سباق الولاء.. فمنذ اطلاعك على حقيقة ”مجاهدي الأيام الأخيرة”، أصبحت كما تقول ”محصنا من تأثير مخدر الشعارات”.
في تحليلك للأمور، ترى بأن الانتهازية أصبحت جواز مرور إلى التألق السياسي والاجتماعي. فأبواب السياسة تمكن من العلاقات ومن المال ومن المكانة الطبقية. قد تدخلها عاريا وترتقي لتتحول إلى أحد الأعيان. وبغير براءة تسأل ”أيوجد اليوم تشابه مع أثرياء القرون الوسطى، في سعيهم لشراء لقب يجعل منهم من طبقة النبلاء، ويحصنهم من القانون؟”.
لم يفاجئك سباق الولاء.. وآلمك أن ترى بلدك الكبير حزين في قفص الطموحات. حزنت وأنت تقرأ كلام وزير يخاطب شعبا ”لا تقلقوا، فالمخزون المالي يكفي لتغطية حاجيات الاستيراد..”.
تتألم لهذا الخطاب المفلس والضعيف.. خطاب مخدر ولا يحض على العمل، ومع ذلك، لم يفاجئك كلامه مثلما لم يفاجئك ما قرأته على لسان الوزير الأول حين ردد أسطوانة حاجة الجزائر إلى العلم والعلماء أكثر من حاجتها إلى الشعر والشعراء. فهذا الكلام يردده أكثر من لسان، منذ نصف قرن تقريبا قالها الراحل بومدين بقصر الأمم، وهو يخطب أمام الطلبة أواسط السبعينيات، قال بأن الجزائر ليست في حاجة إلى الشعر وكلام الغراميات. بل هي في حاجة إلى لغة تناسب مصانع سكيكدة وآرزيو.. أي لغة التكنولوجيا.
تتساءل ”فلماذا يتظاهرون بطلب شيء، هم عاجزون عن تحقيقه منذ عقود؟”. وتجيب بسؤال ”من هو المسؤول عن التعليم وعن التخطيط للأهداف وعن تحديد الأصناف المتخرجة. أليست الحكومات؟ فأين ما يقولون به؟ وأين أصبح التعليم؟ هل تحولت مؤسساته إلى حضانة كبيرة؟ إنهم يبكون على التكنولوجيا وعلى العلوم بشعر ركيك. فما تمكنوا من هذا ولا من ذاك.. فشلوا في نشر المعرفة وفشلوا في صياغة نظام للمناعة. فجاء وباء الجهل بأمراضه النفسية لينخر الأمة بأنواع العنف”.
عندما تتوقع بقاء الأمر على حاله، و لسنوات طويلة أخرى، تبدو كأن اليأس لبسك. تدافع عن نفسك ”اليأس رضعته يوم رأيت كيف ينحني المتعلم أمام الخوف. لقد أدركت حجم الفراغ الذي ننمو وسطه. فالشعب في عمومه تأقلم مع ما هو موجود من اعوجاج وتجاوزات ورشوة وعدم الالتزام بالانضباط في العمل، والتغيب.. أما المؤسسات فجعلت نفسها موازية للقانون”.
عندما تستمع لأخبار تمديد العهدة، تشد على عضلات وجهك، ثم ترخي جسدك على قطعة ابتسامة. تحدث نفسك مهونا الأمر ”من العار التفكير بمثل هكذا اختيار، لكن يوجد من له الكثير من الخيال في اختراع الأشياء وتربط الحاضر بالماضي. كان أول انحراف يوم الانقلاب على شرعية الحكومة المؤقتة، بحجة الحفاظ على أصالة ثورة ثم جاء الانقلاب الثاني بحجة التصحيح، ليأتي الدور على تعددية خصصت لأغراض التزيين والتزويق وكانت الحجة هي الحاجة إلى إقامة نظام ديمقراطي . ونعرف اليوم أي تعددية حصلنا عليها وأي ديمقراطية فزنا بها”.
تقول حزينا بأن التعددية أنجبت طبقة يغلب عليها الطمع وبأنها لم تكن لتكون غير ذلك، لقد تمت فطامتها على الطاعة والخوف.
تساءلت يوما عن سر صمت بعض السياسيين من ذوي الوزن في المجتمع، لم تقتنع بخوفهم من رد فعل السلطة تجاههم. ولم تقتنع بأنهم عجزوا عن مقارعتها بالأفكار. فكيف يمكن تقبل فكرة وجود ”سياسي” يعمل وفق نظرية الاشتراط المسبق؟ تقول إنهم أمام تحديات لتجاوز ضغوط المحيط السياسي والاجتماعي وعدم الاكتفاء بتسجيل حضورهم في المآتم أو بمحيط المقابر.
تؤمن بنظرية أن الطبيعة لا تقبل الفراغ ”انسحاب طرف يقابله دائما، تقدم طرفا آخر، ولو كان أقل منه شأنا”. وتشير إلى ما يجري في الأحزاب والبرلمان وكلك ثقة ترى أن ”السباق الرئاسي هو أكثر من مجرد سباق يقود المنتصر إلى قصر الڤولف، ويدفع بالخاسر إلى ممارسة لعبة الڤولف..”
فهل أنت متفائل؟
تقول إنك رضعت اليأس، وعلى الرغم من ذلك تبدو أحيانا على ملامح وجهك تقاسيم انفراج نفسي. وكمن يريد التصحيح، تقول ”هو الإيمان بالقدر.. وتمسك بخيط الأمل”.

عبد الحكيم بلبطي

hakimbelbati@yahoo.fr
http://www.elkhabar.com/ar/autres/cette_semaine/358749.html

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • الربيع الذي نريده!

    إن تغيير النظام الحاكم برمته أصبح أمرا حتميا إذا أردنا للجزائر النهوض والسير نحو التقدم والإزدهار,فالنظام الريعي الشمولي الإستبدادي أصبح يشكل أكبر حاجز أمام أي نهضة ممكنة قد تحدث في جزائر الإستقلال, وهو الآن أصبح يهدد المصالح العليا للوطن,لقد أوصلنا إلى تبعية غذائية صناعية وثقافية خطيرة ولهذا يجب إزالته من طرف الشعب بكل الطرق السلمية الممكنة, تغيير توفيق أو بوتفليقة لا يغير من الأمر شيئا,المرض هو السيسثام برمته ,السيسثام غير شرعي جاء بإنقلابات,ودون تغيير راديكالي سوف لن تكون هناك أي إصلاحات فعلية ولن تكون هناك أي ديمقراطية حقيقية .
    ولهذا فنحن أمام إختيارين, فإما الإستمرار بنظام شمولي رديء كهذا,وسنستمر في العيش على الريع لأن القوم فشلوا في خلق أي ثروة خارج قطاع المحروقات,والقوم فشلوا في حل مشاكل الإدارة والخدمات وسببوا الرداءة في أغلب القطاعات, والقوم تعودوا على ممارسة الحكم بديمقراطية مزورة مزيفة,والأخطر أن هناك أجيال كاملة تضيع والمنظومة التربوية والبحث العلمي يغرق إلى قاع البئر.
    فإذا كانت معيشة كهذه هي ليست معيشة بين الحفر, فهنيأ لنا بالإستقرار والسلم والطريق السيار إذن….لكن أي أزمة تحدث في سوق الطاقة وتقطع مصدر الريع سترسلنا إلى حرب أهلية وتعيدنا عقودا إلى الوراء.

    أما الإختيار الثاني فهو التغيير,السؤال المطروح ماهي طريقة التغيير وماهي الأدوات المتاحة لتحقيق ذلك؟,الطريقة يجب أن تكون مبنية على النضال السلمي الشرس ,وأما الأدوات فأنا ضد اللجوءإلى أي أدوات تغيير مستوردة من قطر أو من السعودية أو من الناتو لإحداث فوضى وتهديم المنشآت الموجودة بحجة محاربة النظام,والتي سميت زورا بالربيع العربي,هؤلاء كلهم أعداء أي تغيير يحقق الديمقراطية الفعلية,هل نتوقع من السعودية أن تساعد الإخوان الثوار في سوريا مثلا؟ ورغم ذلك فالمملكة تريد إسقاط الأسد الديكتاتوري وفي نفس الوقت هي عدوة لمن يحارب الأسد من إخوان وقاعدة! والنتيجة لو أزهر الربيع السوري وسقط الأسد فسيستولي أعداء السعودية على الحكم لأنهم هم القوة الضاربة.فالمعادلة فيها متغيرات خاطئة.

    إن التغيير الفضوي العنيف بأي وسيلة سيحدث فوضى وفراغ بعد سقوط الديكتاتور, وهو فراغ سيملأه المتموقعون الجدد,وستكون ديكتاتورية جديدة وهكذا…..
    أنا أدعو إلى الخروج من الحفر بالطرق وبالأدوات الآتية:
    بالثورة على أنفسنا وفسادنا وعجزنا وكسلنا وإجرامنا وبتكوين نخب في الجامعات والمعاهد …..وأدعو للتغيير بالنضال اليومي الذي يجب أن تقوده النخب الوطنية المخلصة,أستاذ ,باحث,نقابي,رئيس حزب,قاضي نزيه.
    يجب أن تكون هناك إضرابات وإحتجاجات ومواجهة القمع بالمقاومة والصبر لا بالخضوع والجبن والإنسحاب ونفسي نفسي.
    المشكل أننا جميعا إستجبنا لجزر السلطان لأننا نخاف من عصاه, وهذا يجب أن يتغير, والتغيير يجب أن يبدأ من النخب.إن إصلاح النفس ثم إصلاح المعارضة وتقويتها ويكون ذلك بتكتل النخب الوطنية مع بعضها في جبهة معارضة وطنية مخلصة وليست خائنة للشعب, تضع هدفا مشتركا لها وهو إسقاط النظام,أصبح ضرورة ملحة لإحداث التغيير المنشود.

    والخلاصة أن المشكلة معروفة وهي أننا نعيش تحت حكم نظام إستبدادي وفاسد وفاشل في نفس الوقت, وقد وصلنا إلى طريق مسدود.
    والحل هو تكتل كل القوى الوطنية من نخب وكل الشعب والنضال السلمي بكل أشكاله و بدون هوادة, لتغيير النظام وإقتلاعه من الجدور,أي الدفع إلى الإعتراف للشعب بممارسة السياسة بحرية تامة مثل ما حدث سنة 1989 تتبعها إنتخابات حرة ونزيهة لعلها تأتي بحزب يستطيع إحداث التغيير مثل ما حدث في تركيا من قبل.

    وكما قال سعد بوعقبة:الإصلاح الحقيقي والتغيير الحقيقي هو الذي يبدأ بتغيير المعارضة الحالية البائسة لمعارضة حقيقية توفر للشعب الجزائري وسيلة التغيير الفعلي وليس التغيير الذي يستبدل الفساد بفساد أسوأ منه ويستبدل رداءة برداءة أسوأ منها.. وسواء شاركت المعارضة في الانتخابات أم لم تشارك فالنتيجة واحدة وهي شرعنة البديل السيئ.!