سياسة

دستور “سرّي” للجزائر

توقيت عرضه فجّر الطبقة السياسية

يرى بعض السياسيين أنه من الخطأ تعديل الدستور قبل 5 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية، وتدعو أحزاب المعارضة إلى تأجيل البتّ في المشروع إلى ما بعد الرئاسيات لتحرير الرئيس المقبل، ويرافع الموالون للرئيس من أنصار العهدة الرابعة بأن الظرف مناسب للتعديل لتعزيز السلطة القائمة ومواجهة التحديات المحيطة بالبلاد. هذه المواقف السياسية المتباعدة المطروحة حتى قبل الكشف عن وثيقة محتوى التعديل الدستوري الذي جرى تجهيزه في “سرية تامة” من طرف لجنة تقنية، تؤشر إلى أن “الإجماع أو التوافق” غائب عن مشروع يقتضي نجاحه تحقيق التفاف، على الأقل، الطبقة السياسية حوله. وبين داعم للتعديل وبين متحفّظ ورافض ومتزلف، النقاش مغيب حول أهم ملف يخص مستقبل البلاد ويجعل من الدستور والرئاسيات ملفين أحدهما يضرب الآخر.

الأحزاب اختلفت حول محتواه وموعد عرضه للمصادقة

لا توافق حول تعديل الدستور

يثير مشروع التعديل الدستوري مخاوف الطبقة السياسية، خصوصا أحزاب المعارضة، ليس فقط من باب السرية المحيطة بمحتويات المشروع الذي بادر به رئيس الجمهورية، وإنما أيضا لموعد تمريره للمصادقة قبل أشهر فقط من نهاية عهدة للرئيس بوتفليقة المريض وعدم وضوح الرؤية حول الانتخابات الرئاسية.

وتجمع الطبقة السياسية بموالاتها ومعارضتها على ضرورة أن يكون الدستور على مقاس بلد وليس شخصا، وأن يكون دائما وليس مؤقتا ومعرّضا للتعديل مع أول رئيس جديد للبلاد. وضمن هذا التوجه ترى الكثير من الأحزاب أن الظرف غير مناسب لتعديل الدستور بالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي قد تفرز رئيسا جديدا، خصوصا في ظل استمرار مرض الرئيس بوتفليقة، قد يجد أمامه دستورا “خيط” لغيره. ويكون هذا الوضع وراء ما ذهب إليه وزير الاتصال السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة، محمد السعيد، الذي قال إن “تعديل الدستور يتم في الوقت الضائع، ودون جدوى سياسية”، معلنا في هذا الصدد “قلنا في 2008 إنه من الخطأ السياسي أن يتم تعديل الدستور قبل ستة أو خمسة أشهر من الانتخابات، الرئيس بوتفليقة يكرر الآن نفس الوضع، عندما يقرر تعديل الدستور بشكل متأخر قبل خمسة أشهر من الانتخابات، لقد كان لديه متسع من الوقت لتعديل الدستور لكنه لم يفعل ذلك”. وإذا كان وزير الاتصال السابق يرى أن الظرف غير ملائم، فإن حزب العمال له نظرة معاكسة، حيث يعتبر “أننا أمام مرحلة مفصلية ومناسبة لتعديل الدستور لفتح البلاد للجمهورية الثانية وتكون مناسبة حقيقية لتأسيس مسار صحيح يتم فيه إشراك الشعب في الخيارات وقول كلمته”، لكنه يشترط ضرورة أن تكون متبوعة بدستور جديد وانتخابات برلمانية مسبقة حقيقية ونزيهة”. والمسألة بالنسبة لرئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، بأن “نفس الأشخاص الذين وضعوا هذا الدستور هم من يريدون تعديله”، مبرزا أن حركته “تريد معارضة هذا الأمر وتطالب بدستور للجزائر وليس لفئة أو مجموعة”، في إشارة إلى أن حمس تستشرف بأن التعديل الدستوري لن يدعم المسار الديمقراطي والحريات بقدر ما يهدف لحماية السلطة القائمة.

ومن الأحزاب المساندة للسلطة، برر الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري، بلقاسم ساحلي، دعم حزبه للتعديل الدستوري واستحداث منصب نائب الرئيس بأنه “يتماشى ومطالب الحزب منذ سنة 2011 لكون الحزب”، مثلما قال، “يعتبر هذه التعديلات عاملا للاستقرار وترسيخ التعددية وإرساء النظام الجمهوري والديمقراطية وكذا الانتقال من نظام رئاسي إلى نظام شبه رئاسي وإعطاء صلاحيات أكثر للبرلمان لمراقبة الحكومة”.

هذه المعطيات توحي بأن “التوافق” السياسي غائب حول مشروع يوصف بـ “أسمى قوانين الجمهورية”، الذي يفترض نجاحه الحصول على أكبر إجماع في أوساط الطبقة السياسية والمواطنين، وهي الحلقة المفقودة في مشروع الرئيس بوتفليقة، حتى قبل الكشف عن محتوياته. فهل يمرر التعديل الدستوري بنفس الطريقة القيصرية التي قام بها بوتفليقة في 2008؟ أم أن المعطيات وخصوصا برودة الشارع قد تدفع لمراجعة الحسابات؟

الجزائر: ح. سليمان

بعد أن حقق رغبتين بتعديله في 2008

دستور بوتفليقة يتحول إلى لغز!

يمثل الدستور وتعديله قصة غريبة في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يقول، منذ 1999، إن دستور البلاد لا يعجبه وأنه يعتزم إدخال تعديلات جوهرية عليه. لكن هذه العزيمة تدوم منذ أكثر من 14 سنة، ولم ينفّذ بوتفليقة بعد التغيير الذي يريد، ما يوحي بأنه لا يملك رؤية واضحة لشكل الوثيقة التي يبحث عنها.

في خطاب افتتاح السنة القضائية الذي ألقاه في 28 أكتوبر 2008، قال الرئيس: “لقد أعلنت من قبل أنني لن أتردد في التوجه مباشرة إلى الشعب لاستفتائه بشأن مشروع تعديل الدستور، إلا أنه على ضوء التجربة المعيشة منذ سنوات، ومعاينة تداخل السلطات في ممارستها لمهامها من حين إلى آخر، فقد برزت ضرورة إدخال تصحيحات مستعجلة على بعض أحكام الدستور لضمان المزيد من التحكم في تسيير شؤون الدولة”.

وذكر أيضا كمبرر للاحتكام إلى البرلمان بدل الاستفتاء ليضيف لنفسه عهدة ثالثة: “نظرا للالتزامات المستعجلة والتحديات الراهنة، فقد ارتأيت إجراء تعديلات جزئية محدودة ليست بذلك العمق ولا بذلك الحجم ولا بتلك الصيغة التي كنت أنوي القيام بها، التي تتطلب اللجوء إلى الشعب، فقد فضلت اللجوء إلى الإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور.

وإذا تم استبعاد فكرة التعديل الدستوري عن طريق الاستفتاء إلى حين، فإن هذا لا يعني التخلي عنها”.

وبعد خمس سنوات إلا تسعة أيام من هذا الخطاب، سيتجه بوتفليقة إلى تعديل آخر للدستور دون المرور على الاستفتاء (هذا ما هو مرجح بالنظر لضغط الآجال القانونية المرتبطة باستدعاء الهيئة الناخبة تحسبا لرئاسيات أفريل 2014، والمنتظرة في 9 جانفي المقبل)، ما يعني أن “الالتزامات المستعجلة والتحديات الراهنة التي تحدث عنها”، كانت غطاء استعان به سابع رؤساء الجزائر ليحقق رغبتين من خلال تعديل 2008. الأولى وهي الأهم، إلغاء المانع الدستوري الذي يحول دون استمراره في الحكم، أما الثانية فهي الهيمنة على ما بقي من سلطات وصلاحيات كانت بيد رئيس الحكومة، بتحويله إلى وزير أول يؤدي دور ساعي البريد بين الرئيس والوزراء الذين يطبقون ما يسمى “برنامج الرئيس” مهما كان انتماؤهم الحزبي. وبذلك فقد هزّ الرئيس النظام في العمق بأن جعل السلطة التنفيذية برأس واحد، ولم يجر”تصحيحات مستعجلة” كما زعم في ذلك الخطاب، وكان عليه أن يتوجه إلى الاستفتاء، حسب متمرسين في القانون الدستوري الذين يقولون إن تعديل 2008 لم يكن دستوريا لأن صاحبه اكتفى بتمريره على البرلمان.

والثابت في تعديل الدستور الذي يدور في خلد الرئيس منذ 14 سنة، أن صاحب المبادرة لم يأخذ في الحسبان حالته الصحية عندما أعلن عنه من جديد في خطاب 15 أفريل 2011. فالرئيس ومن يشاركونه القرار السياسي، يعلمون جيدا أنه يعاني من هشاشة بدنية منذ 2005 وهي وضعية قد تخلط الحسابات المتعلقة بموعد 2014، رغم عدم وجود أي شك في أن بوتفليقة يرفض أن يتزحزح عن الكرسي.

الجزائر: حميد يس

حوار

بن عبد السلام عضو مجموعة الـ14 لـ”الخبر”

السلطة تعدّ دستورا على المقاس

تطالب مجموعة الأحزاب الـ14 بتأجيل التعديل الدستوري إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، على أي أساس بنيتم هذا الموقف؟

يتطلب وضع دستور جديد أو إجراء تعديل دستوري نقاشا ووقتا وهيئة وطنية ذات تمثيل واسع تتولى الصياغة، ويجب أن يكون هذا النص لصالح الدولة الجزائرية والمجموعة الوطنية ويترجم تطلعات الجزائريين، وللأسف ما يجري حاليا هو عكس ذلك، لأننا أمام مشروع تعديل دستوري على مقاس الأشخاص خدمة لأغراض تخص السلطة وحدها، وترتبط بأجندة خاصة بها، لمعالجة اختلالات داخلية لها، في أفق الانتخابات الرئاسية لسنة 2014. ولهذا، نحن في مجموعة الـ14 نرفض أي تعديل قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

هناك غموض شديد يحيط بخطط السلطة لتعديل الدستور الحالي؟ هل تتوقعون أن يتم بنفس طريقتي التعديلين السابقين في 2002 و2008؟

إذا لم ترفع الأصوات الرافضة للاستهانة بالطبقة السياسية، لا يوجد أفضل للسلطة من البرلمان الحالي الذي هو ثمرة تزوير مفضوح في الانتخابات التشريعية في ماي 2012 وفي الانتخابات المحلية وعملية التجديد النصفي في ديسمبر من نفس السنة، فهذا البرلمان وضع أساسا لتمرير التعديل الدستوري.

دعوتم السلطة للحوار مع المعارضة، هل تعتقدون أن السلطة العاجزة عن التحكم في تناقضاتها والمنشغلة بتسوية صراعاتها الداخلية ستنزل للاستماع إليكم؟

السلطة تعمل منذ ربع قرن تقريبا بمنطق “تغنانت تخسارت” وترفض العمل للتوصل إلى حلول، وهو ما عطل إيجاد علاج للمشاكل القائمة وجعل آفاق حلها قاتمة جدا، ومع ذلك نحن متمسكون بطرحنا بأن الجزائر في حاجة لبلورة مشروع وطني متفق عليه، وهذا يتم عبر حوار وطني جاد، على أن يتم طرح كل المسائل بكل موضوعية وصدق وجرأة وواقعية، وليس على شاكلة صندوق بريد بن صالح (لجنة المشاورات بين ماي وجوان2011) أو مونولوغ سلال (المشاورات السياسية في 2012).

ما هي البدائل المطروحة لدى المعارضة أمام إمعان السلطة في التفرد بالقرار، كما تقولون؟

على أمل أن تراجع السلطة نفسها، هناك واجب يجب أن تؤديه المعارضة خدمة للجزائر لأنها مطالبة بأن تبلور مشروعا وتعبئ قواها لفرض المشروع الوطني الطموح، وعليها أن تتولى قيادة الشعب الجزائري إلى التغيير السلمي الهادئ والحضاري ولأن هذا الواقع الذي نعيشه غير مقبول تماما، وإذا فشلت المعارضة فهي تتحمل المسؤولية أيضا.

الجزائر: حاوره جمال. ف

الدكتور صويلح بوجمعة برلماني ومتخصص في القانون الدستوري لـ”الخبر”

تعديل الدستور إصلاح ثقيل يتطلب وقتا ومشاورات واسعة

هناك صمت للسلطة وغموض شديد يحيط بتعديل الدستور، والإشارة الوحيدة التي صدرت كانت بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء في 29 سبتمبر الماضي حول ضرورة الاستعداد للاستحقاقات القادمة، إلى ماذا يعزى هذا في رأيكم؟

السلطة صامتة لأنها تدير دفة الحكم وبيدها، وبالتالي فهي تقدّر الأمور وتحدد الموقف والموعد المناسب للتحرك، ومن غير المعقول أن تنتظر المعارضة من السلطة هدايا أي أن تهيئ لها الظروف من أجل التداول، عليها أن تنشط وتضغط إذا كانت لديها وسائل ضغط والتجنيد للاستحقاقات القادمة والتقدم بفرسانها، أما تعديل الدستور فهو مسألة تقنية سياسية وتحتاج إلى المزيد من الوقت.

المعارضة تشكو إقصاءها من صياغة الدستور وتطالب بتأجيله إلى موعد لاحق، ألا تعتقد أنها محقة وخصوصا في ظل التحاليل التي تقول بأن التعديل الدستوري المنتظر الإعلان عنه، يخضع لحسابات خاصة بالانتخابات الرئاسية المقبلة أكثر مما يتعلق بإعادة تنظيم السلطات وشكل نظام الحكم؟

قضية تعديل الدستور تقنية وسياسية وتحتاج إلى المزيد من الوقت والقيام باستشارة واسعة وتبادل الآراء حول ما يصلح للمجتمع للسنوات المقبلة، ويمكن وصفها بالإصلاح الثقيل وبالتالي فهي تحتاج للتريث وعدم ربطها بالاستحقاقات المقبلة، أي الانتخابات الرئاسية.

الدستور الحالي يتيح تمرير التعديل عبر البرلمان وعبر الاستفتاء، في تصوركم ما هو السيناريو الأنسب لهذه العملية، علما أن هناك من يرى أن الرئيس بوتفليقة يريد استفتاء شعبيا لتأكيد شرعيته كما فعل في سبتمبر 1999 و2005؟

لا أرى علاقة بين استفتاءي سنة 1999 و2005 وهاجس تكريس شرعية الرئيس بوتفليقة في الحكم. وبخصوص تعديل الدستور، هناك فرضيتان، إذا كان هناك تعديل محدود يتناسب مع منصب نائب الرئيس وتعزيز صلاحية البرلمان وحصول حزب الأغلبية على منصب الوزير الأول، فأتوقع أن يمر عبر غرفتي البرلمان كما تم في عام 2002 وفي 2008، أما اللجوء إلى تعديل عميق وشامل فهذا يتطلب وقتا أطول ومشاورات أوسع.

هناك اختلالات في بناء نظام الحكم في الجزائر، مع طغيان لشخص الرئيس على القرار، أيهما الأنسب لمنظومة القرار في الجزائر في رأيك: النظام الرئاسي أو البرلماني أو شبه الرئاسي؟

نظام الحكم في الجزائر، نظام رئاسي بصلاحيات واسعة للرئيس، بل إنه يكاد يكون نظاما رئاسويا، وأعتقد أنه من الأنسب اعتماد النظام شبه الرئاسي، بما يتيح منح الأغلبية البرلمانية حق المشاركة الفعلية في القرار، عبر تعيين الوزير الأول من الأغلبية ومنحه صلاحيات فعلية.

الجزائر: حاوره جمال. ف

http://www.elkhabar.com/ar/politique/361291.html