سياسة

بين الرئاسة وجهاز المخابرات صراع عُصب أكثر منه صراع بين مؤسسات !!

رغم أن حزب السلطة الأول (الأفالان)، هو الذي فتح جزء من ما يجري وراء الستار من صراع مفترض بين الرئيس وجهاز المخابرات، في سياق الرئاسيات المقبلة، غير أن تصريحات عمار سعداني لم تجد مثلما كان يراد لها، النقاش السياسي الذي كان مفترضا أن تثيره، لأن البعض رأى أنها لا تمثل رؤية الحزب العتيد، مثلما ذهب إليه أنصار بلعياط وعبادة، فيما اعتبرها البعض الآخر محاولة تضليل ليس إلا، على غرار رئيس جبهة التغيير عبد المجيد مناصرة، الذي جزم بأنه “… لا يوجد صراع حقيقي بين الرئاسة والجيش، وإلا لانهار وسقط النظام”، وكل ما هناك، حسبه، “اختلاف رؤى تصنع تدافعا لصناعة القرار”. وتكون الملفات المتعلقة بالتحقيقات حول الفساد التي باشرتها مصلحة الاستعلامات، قد خلقت هذه الحساسية بين جماعة الرئيس وبين جهاز المخابرات، خصوصا وأنها شملت مقربين من الباب العالي، وهذه الحساسية تزامنت مع قضية العهدة الرابعة من عدمها، ما اعتبر صراع عُصب أكثر منه صراع مؤسسات.

الجهاز ظل دوما في خدمة الرئاسة
قوة أي رئيس من قوة جهاز مخابراته والعكس
يرى البعض أن الرمي إلى الشارع بصراع مفترض بين الرئيس بوتفليقة وجهاز المخابرات، هو دليل على وجود أزمة داخل النظام. ويذكر آخرون، ومن بينهم الوزير الأول عبد المالك سلال، بأن المؤسسات متفقة ومنسجمة، ويحدث وأن تفتعل خلافات من أجل التضليل، فما حقيقة التراشق والجدل المحيط بالرئاسيات المقبلة بين أبناء السلطة؟
تعطي تصريحات الأمين العام للأفالان، المدافع عن العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، الانطباع بأن الرئيس يريد إنهاء دور جهاز المخابرات في صنع الرؤساء التي بدأت مع الشاذلي، مرورا بزروال، وحتى الرئيس الحالي، وهو ما يعني أن بوتفليقة يريد أن يقوم بهذه المهمة لوحده، سواء استمر في الحكم أو في ترشيح خليفته من المقربين إليه. فهل بمقدور الرئيس بوتفليقة المعروف بدهائه السياسي، أن ينجز لوحده ما عجز عن فعله كل الرؤساء السابقين، خصوصا وأن الحزب الذي يستند عليه “مهلهل” ويعيش صراعات مستديمة؟ يرى مراقبون أنه مثلما ليس بوسع جهاز المخابرات لوحده “صنع” الرئيس القادم للجزائر، بحكم وجود لاعبين آخرين داخل المؤسسة العسكرية لهم ثقلهم وبصماتهم في بلورة أي قرار، فإنه ليس أيضا بإمكان الرئيس بوتفليقة بمفرده أن يقوم بتخطي الجميع وتحييد مصادر القرار الأخرى. ويذكر في هذا السياق، المختص في القانون الدستوري السعيد بوالشعير، في كتاب له، بأنه إذا كان حكم بوتفليقة قد شهد بداية تراجع دور قيادة الجيش في الحياة السياسية منذ 2004، غير أن من يسميهم ‘’ذوي البذلة المدنية في الجيش’’، ظلوا مسيطرين على القرار السياسي إلى اليوم، فهل بإمكان مؤسسة الرئاسة أن تدخل في صدام مع مصالح المخابرات أو العكس؟
قبل إطلاق الأمين العام للأفالان مرافعته لإنهاء ما يسميه “السلطة الموازية”، برزت مصالح المخابرات بتقارير حول الفساد التي تورط فيها مقربون من الرئيس بوتفليقة، على غرار وزير الطاقة السابق شكيب خليل، وهو ما رأت فيه جماعة الرئيس بأنها تقارير لإضعاف حظوظ العهدة الرابعة، وهو ما جعل هذا الفعل يتبعه رد فعل، بعضه جرى في صمت، على غرار دعوة وزير العدل للنواب العامين وتشجيعهم على استرجاع ملفات الفساد التي حققت فيها مصلحة الاستعلامات قصد خنق التحقيقات مع حلفاء بوتفليقة، وأخرى تمت صياغته بصوت عال، كما فعل عمار سعداني في خرجاته لوسائل الإعلام الأجنبية، ما أعطى الانطباع بأن هناك عملية كسر عظام بين الرئاسة والمخابرات وسعت كل جهة منهما لإضعاف الآخر.
لكن في نظر المحامي محمد عظيمي، وهو ضابط سام متقاعد “لا أعتقد أن هناك تصادما بين الرئيس ومدير دائرة الاستعلام والأمن، وإلا لكانت اتخذت إجراءات أخرى”، مشيرا إلى أن تغييرات الرئيس على جهاز المخابرات “كانت مطروحة من قبل، غير أنه نتيجة للظروف التي كانت تمر بها البلاد صعب القيام بها”، وفي ذلك نفي لأي تصادم بين المؤسستين. ويتضح إلى غاية الآن، أن الخلاف بين بوتفليقة والمؤسسة الأمنية يخص تقارير الفساد بالدرجة الأولى، وبدرجة أقل العهدة الرابعة التي ينظر إليها داخل بعض أجنحة النظام، أنها ستجعل من الرئاسيات لعبة مغلقة وأنها تكرس “الرئاسة مدى الحياة”، وهي ملفات تهيج الأعصاب، خصوصا بين الأشخاص، لكنه يمكن إيجاد بشأنها “اتفاقات بالتوافق” بين الرئاسة والمؤسسة الأمنية، لأن قوة أي رئيس من قوة جهاز مخابراته والعكس.

سعداني عبّر عن الصراع بين الرئيس والمخابرات
بوتفليقة يفشل في استرجاع “الربع المتبقي” من سيادته
لم يكشف عمار سعداني أي سر عندما أوحى في تصريحاته بأن جهاز المخابرات يتدخل في صناعة نتائج الاستحقاقات، خاصة الانتخابات الرئاسية، التي ينبثق عنها رئيس البلاد، بعيدا عن إرادة الناخبين. ولكن أهمية ما ذكره سعداني، تكمن في أن زعيم حزب، هو بمثابة جهاز من أجهزة النظام، يطالب المخابرات بالتوقف عن أداء أحد أهم أدوارها.
حينما يقول سعداني إن بوتفليقة “عكف على بناء دولة مدنية منذ انتخابه عام 1999، أساسها احترام الحقوق”، فهو يزيّف إحدى مراحل تاريخ الجزائر، لأن سعداني نفسه يعلم جيدا أن الشخص الذي تم تقديمه على أنه “رجل الإجماع” قبل 14 سنة ونصف، لم يوافق على “الترشح” للانتخابات الرئاسية إلا بعد تفاوض جرى داخل غرف مغلقة بينه وبين النافذين في المؤسسة العسكرية وذراعها الأمني.
ولو كان بوتفليقة يؤمن بأن الانتخابات يصنعها المواطن الجزائري بصوته، لما طلب ضمانات من النافذين في الجيش والمخابرات عشية استحقاق أفريل 1999، تتيح له هامشا واسعا من الصلاحيات والسلطات في إدارة دفة الحكم. والدليل على أنه وصل إلى الرئاسة بناء على تسوية وتوافق بين رجال الحكم الفعليين، جاء على لسان بوتفليقة نفسه بعد “انتخابه”، حينما ذكر أنه لن يكون “ثلاثة أرباع رئيس”. والدليل على ذلك أيضا، أن المرشحين لتلك الانتخابات انسحبوا عشية التصويت، لما تأكدوا أن الجيش بمخابراته اختار مرشحه، هو عبد العزيز بوتفليقة. وبعض المنسحبين، مثل آيت أحمد، يعرفون النظام جيدا ويعرفون كيف يتم اختيار الرئيس. وعندما يقول سعداني إنه “لابد من تحرير الإعلام والقضاء والفعل السياسي من سيطرة المخابرات”، فهو يزيّف الحقيقة والواقع أيضا، لأن القضاء والمشهد السياسي والإعلام، خاصة العمومي منه وجزء من القطاع الخاص، كانوا دائما خاضعين للسيطرة المزدوجة لجهاز الأمن والرئاسة في فترة حكم بوتفليقة. ربما سعداني قصد بكلامه، أنه لابد من كسر سطوة المخابرات على هذه القطاعات الثالثة، لتكون خاضعة حصريا لجماعة الرئيس بوتفليقة في العهدة الرابعة، وفي هذه الحالة مكتوب على الإعلام والقضاء والفعل السياسي، أن يكونوا خاضعين للطرف الأقوى في العُصب النافذة.
ولكن أي مصداقية يمكن أن تعطى لدعوة سعداني، بانسحاب المخابرات من السياسة، وهو يدرك جيدا أن بوتفليقة لم يكن قادرا على الاستمرار في الحكم لولا دعم قطاع من الجيش والمخابرات في انتخابات 2004؟! ويعلم أيضا أن الجيش والمخابرات اختارا مرشحهما في انتخابات 2009، وهو بوتفليقة. وإذا صدّقنا سعداني وسلّمنا جدلا بأن جماعة الرئيس دفعته إلى شن حملة على المخابرات، فهو إذن تعبير عن عجز الرئيس عن تحقيق رغبة مفترضة في الاستمرار في الحكم، وتأكيد على أن “الفائز” بكرسي الرئاسة مطالب بالحصول على موافقة المخابرات. ولكن، هل يعقل أن يستفيق بوتفليقة بعد 14 سنة من الحكم، فيتأكد بأن “الربع المتبقي” من سلطته كرئيس، فشل في استرجاعه؟!

حوار

العقيد المتقاعد رمضان حملات لـ”الخبر”
سعداني لا يدرك حجم مخاطر افتعال صراع بين الرئاسة والمخابرات
تصريحات الأمين العام لجبهة التحرير، عمار سعداني، حول الصراع بين الرئيس والمخابرات… أين تصنّفها؟
في المدة الأخيرة، عمار سعداني تدخّل في قضايا وملفات لا تعنيه. كرئيس حزب سياسي، كان عليه أن يبحث عن حلول للمشكلات الداخلية لحزبه جبهة التحرير الوطني، أفضل له من أن يتدخل في شؤون المؤسسة الأمنية والعسكرية، التي لها من يتكفل بها كرئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. بالنسبة لقصة وجود صراع بين الرئاسة والمخابرات حول الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو حديث يستهدف افتعال أزمة في البلاد. الذين يتحدثون بهذا، لا يدركون حجم المخاطر التي يمكن أن يسببها هكذا أمر على أمن وسلامة البلاد، في وقت حرج وحساس تمر به الجزائر على الصعيد الإقليمي، حيث الحدود البرية ملغمة كلها، وفي وقت تتعرض فيها الجزائر إلى هجمة مغربية، أعتقد أننا في وضع صعب يستدعي الرزانة والهدوء السياسي، وليس افتعال حديث وأحاديث وقصص وهمية، توفر للخارج بيئة خصبة للتدخل في شؤوننا الداخلية.
برأيك إذن، الصراع مفتعل وليس له أي وجود برسم في الواقع؟
نعم أنا لا أخمن، أنا لا أؤمن بوجود الصراع مطلقا. كل مؤسسات الدولة تخدم مصلحة الدولة الجزائرية، وأنا استغرب كيف يحاول عمار سعداني أو غيره أن يقنعنا بوجود صراع بين الرئيس والمخابرات. كيف يحكم الرئيس بوتفليقة البلاد منذ عام 1999، ثم نسمع أخيرا أن هناك صراعا بينه وبين المخابرات! أما إذا كان المقصود من هذا الحديث مسألة التغييرات التي أقرها الرئيس بوتفليقة في بعض الهيئات العسكرية، فإنه تعديل وظيفي، مصلحة أمن الجيش مثلا أولى بها قيادة الأركان وليس المخابرات، وتمت إعادتها إلى وضعها الطبيعي. وعليه، كل ما يقال عن وجود صراع هو كلام فارغ ليس له أساس في أرض الواقع. كما أن الذين يتحدثون بهكذا صراع، ليس لديهم أدنى علم بالعلاقات الوظيفية داخل المؤسسة العسكرية.
لكن البعض يعتقد أن الصراع موجه لتعليب العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة؟
هذه الأسطوانة تعود مع كل انتخابات رئاسية. وإذا كان عمار سعداني يعتقد أن نداءه لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة الرابعة، وهذا من حقه كرجل سياسي ورئيس حزب، فأنا أعتقدـ وبحسب ما يصلني من أخبار عن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، أن الرئيس بوتفليقة الذي أدى دوره كاملا في خدمة الجزائر، سواء خلال مرحلة التحرير أو بعد الاستقلال كوزير للخارجية، أو خلال العهدات الرئاسية الثلاث التي قاد فيها البلاد منذ عام 1999، وبحالته الصحية الحالية التي قد لا تسمح له بشغل منصب الرئاسة لعهدة رابعة، الأفضل له أن يأخذ قسطا من الراحة.
الجزائر: حاوره عثمان لحياني

اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد لـ”الخبر”
الحديث عن الصراع بين الرئاسة والمخابرات عبثي
تصريحات عمار سعداني تعطي الانطباع بوجود صراع بين الرئاسة والمخابرات.. هل هذه هي الحقيقة أم جزء منها أم لا شيء من ذلك؟
المشكلة في الجزائر أن الذي يعلم لا يتكلم، والذي لا يعلم يتشدق بالحديث في قضايا وملفات لا تخصه. عندما يفتح الباب للمتسلقين والمتملقين، يصبح الأمر مشكلة. عندما يتحدث عمار سعداني عن الصراع بين الرئاسة والمخابرات، فهذا حديث عبثي. وعندما يطلق مسؤول سياسي كان على رأس البرلمان، تصريحات متشنجة تتعلق بالرئاسة والمخابرات، يحق لنا أن نسأله، أين كان ولماذا لم يعلق عندما كان في هذه المسؤولية التي كانت تتيح له الحق في استدعاء الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع حينها للرقابة على مهام وصلاحيات هذه المؤسسات الأمنية؟ ما هو واضح، أن سعداني يهرب من مشاكله التنظيمية داخل حزبه جبهة التحرير الوطني لحاجة في نفس يعقوب، لم يكن جديرا به أن يمنح لأعداء الجزائر في ظرف حساس فرصة الحديث عن أزمة مفتعلة وصراع وهمي بين الرئاسة والمخابرات.
كيف يمكن أن تقنع الرأي العام أنه ليس هناك صراع عندما يتحدث رجل كسعداني عن ذلك؟
أقل ما يمكن أن توصف بها هذه التصريحات، أنها سلوك سياسي خطير جدا على الجزائر. تصريحات سعداني مصيبة إن كان يعلم، وفضيحة إن كان لا يعلم. هل يعلم الناس أنه منذ 2010 تم إنشاء 80 فرقة شرطة قضائية و10 فرق بحث وتحري لدى الأمن الوطني، قبل أن تنشأ هذه الفرق، وهل كان يحق لنا أن نترك الفراغ، الأمن العسكري هو الذي كان يملأ الفراغ في دوائر وبلديات قريبة حتى من العاصمة التي لم تكن بها شرطة، ولاحظ أنه مع تحسين تجنيد الشباب في الشرطة والدرك وتحسين التنظيم، استرجعت هذه المصالح مهامها. أعتقد أنه كان يتعين على سعداني، كما كل المسؤولين السياسيين، تحمّل مسؤولياتهم الأخلاقية في هذه الظروف، وعدم الزج بالبلاد في أتون أزمة جديدة، ليس مطلوبا من المؤسسة العسكرية أن تتحمّل دائما تهور السياسيين.
لكن البعض يعتقد أن اقتراب الانتخابات الرئاسية، ربما تكون مبررا لهذا الصراع؟
من يتحدثون عن العهدة الرابعة يريدون البحث عمن يكون رئيس الجزائر، وليس كيف يجب أن تكون الجزائر مستقبلا، هذه طريقة خبيثة في إثارة أزمة، من خلال تشخيص الصراع وإثارة نقاش صبياني. لم أسمع نقاشا حول برامج ورؤى وتصورات عن المستقبل السياسي للبلاد، أرى فقط نقاشا فيه كثير من التملق والتسلق، لا أعتقد أن ذلك يخدم الجزائر.
الجزائر: حاوره ع. لحياني

http://www.elkhabar.com/ar/autres/mijhar/366059.html

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق