سياسة

فضائح‮ ‬الفساد‮.. ‬ملفات‮ ‬مسكوت‮ ‬عنها‮ ‬وأخرى‮ ‬طـُويت‮ ‬على‮ ‬المقاس‮!‬

السردين‮ ‬يدفع‮ ‬الثمن‮ ‬قبل‮ ‬حوت‮ ‬القرش

باتت ممتلكات واستثمارات بعض الوجوه البارزة في الدولة، من الذين لا يزالون يزاولون مهامهم، أو أولئك الذين أحيلوا على التقاعد أو همّشوا تزكم أنوف الجزائريين، بسبب رائحة الشبهات التي تنبعث منها، وأصبح الجزائريون يدركون من يملك هذا المصنع، ولفائدة من يعمل مالك الشركة‮ ‬الفلانية،‮ ‬ومع‮ ‬ذلك‮ ‬لم‮ ‬تتحرك‮ ‬الجهات‮ ‬المخولة‮ ‬لمحاسبة‮ ‬هذا‮ ‬المسؤول‮ ‬أو‮ ‬ذاك‮.‬

يمكن لأي فضولي أن يستقل سيارة “تاكسي” في العاصمة وضواحيها، ليسمع من سائقها معلومات مثيرة عن ممتلكات نافذين في مختلف مؤسسات الدولة، فهذا يملك فندقا من خمسة نجوم، وذاك يملك مصنعا لـ… وآخر يحوز على شركة، ورابع يحتكر استيراد ماركة معينة، ومع ذلك لم نسمع يوما‮ ‬أن‮ ‬يد‮ ‬العدالة‮ ‬امتدت‮ ‬إلى‮ ‬هؤلاء‮. ‬

السياق التاريخي لتطور منظومة الأجور في الجزائر، يؤكد أنه من الاستحالة بمكان أن تكون الأجرة الشهرية لأي مسؤول كان مهما علا منصبه طريقا للثراء، أو منفذا للاغتناء الشرعي، ما يعني أنه من سابع المستحيلات أن يملك هؤلاء ما يملكونه حاليا ولو عمّروا في مناصبهم “ألف‮ ‬سنة‮ ‬مما‮ ‬تعدّون‮”.‬

الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، حوكم وأدين بتهمة تحويل أموال عامة إلى وظائف وهمية لأعوان سياسيين حينما كان رئيسا لبلدية باريس بين عامي 1977 و1995، بالرغم من أن هذه الأموال لم يستفذ منها هو شخصيا، وإنما استعملت في استحداث مناصب لبعض المحسوبين عليه من السياسيين‮.‬

أما في الجزائر، فتولي المسؤولية أيا كانت المؤسسة التي ينتمي إليها، يعني الاقتراب من دائرة النافذين الذين لا تتورع العدالة في الاقتراب منهم، كما يعني البقاء في المنصب أطول مدة ممكنة، ضمانة حقيقية لحماية نفسه من أية مساءلة قانونية، أو أن يقع تحت طائلة العبارة‮ ‬التي‮ ‬يخشاها‮ ‬الجميع‮ “‬من‮ ‬أين‮ ‬لك‮ ‬هذا‮”.‬

بداية تكريس منظومة الفساد في الجزائر، بدأت عندما رفع الرئيس الراحل هواري بومدين، عبارة “لا يمكن المزج بين الثروة والثورة، ويجب أن ينتهي عصر “نحكموا العصا من الوسط”، في إشارة منه إلى بداية تشكل ثروات هائلة إلى درجة أنه قال بالحرف الواحد، أن أسعد يوم في حياته‮ ‬هو‮ ‬اليوم‮ ‬الذي‮ ‬نزع‮ ‬فيه‮ ‬مدير‮ ‬الأمن‮ ‬الوطني،‮ ‬ومدير‮ ‬الدرك‮ ‬الوطني‮ ‬من‮ ‬منصبيهما‮ ‬في‮ ‬العام‮ ‬1977‮. ‬

ولعل فضيحة التنازل عن الممتلكات التابعة لوزارة الشؤون الخارجية، لكبار مسؤولي الدولة بالدينار الرمزي في بداية الألفية الثالثة، تعتبر مظهرا من مظاهر تعميم وتقنين الفساد على مستويات وفئات معيّنة، وإلا لماذا لم يشمل التنازل مواطنين بسطاء، وربما كانوا هم الأحق بالاستفادة‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬أزمة‮ ‬السكن‮ ‬التي‮ ‬تنخر‮ ‬البلاد،‮ ‬لأن‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬المستفيدين‮ ‬من‮ ‬تلك‮ ‬العقارات‮ ‬بأموال‮ ‬بخسة،‮ ‬لم‮ ‬يلبث‮ ‬أن‮ ‬باعوها‮ ‬بعشرات‮ ‬الملايير‮. ‬

وحتى قضية الخليفة، التي سميت “فضيحة القرن”، عوقب فيها المتورطون الصغار، وترك “الحوت” الكبير حرا طليقا يتمتع بأموال الشعب التي نهبت من بنوك المجمّع المنهار، أما القضايا الأخرى المرتبطة بالفضيحة الأم، على غرار قضية “الخليفة للطيران”، التي لا تقل بشاعة عن “الخليفة‮ ‬بنك‮”‬،‮ ‬فقد‮ ‬بقي‮ ‬ملفها‮ ‬حبيس‮ ‬أدراج‮ ‬محكمة‮ ‬الجنايات‮ ‬بالبليدة،‮ ‬ولا‮ ‬ندري‮ ‬إن‮ ‬كان‮ ‬سيفتح‮ ‬أم‮ ‬أنه‮ ‬طوي‮ ‬وإلى‮ ‬الأبد‮.‬

الأبشع من كل ذلك، هو أن تتحول قضايا الفساد إلى مجرد حرب لتصفية الحسابات السياسية بين العصب داخل النظام، فقضية الخليفة برزت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2004، كما ربط متابعون بين التسريبات الإعلامية التي تفجّرت في وجه وزير الطاقة والمناجم السابق، شكيب‮ ‬خليل،‮ ‬وبين‮ ‬الانتخابات‮ ‬الرئاسية‮ ‬المرتقبة‮ ‬العام‮ ‬المقبل،‮ ‬ولعل‮ ‬هذا‮ ‬مؤشر‮ ‬على‮ ‬أن‮ ‬العدالة‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬يوما‮ ‬مستقلة‮ ‬عن‮ ‬مراكز‮ ‬صناعة‮ ‬القرار‮ ‬في‮ ‬الدولة،‮ ‬وهذا‮ ‬من‮ ‬أسوأ‮ ‬ما‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يكون‮.‬
محمد‮ ‬مسلم

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/184157.html

كلمات مفتاحية