سياسة

إعلان تجاري للسيمفونية الرابعة

اختلطت الأمور على الوزير الأول سلال. لم يعد يفرق بين وظيفتي أن يكون منسقا للحكومة أو مديرا لحملة رئاسية. تكررت الزيارات وتعددت الوعود، وهو يقسم بأن ما يقوم به لا علاقة له بالرابعة. يريدها حملة لنفي الحملة. وفي النهاية، تكون مكاسبها سابقة عن فوائد الحملة الرسمية. يقال بأن آلة الدعاية المصورة تحضر لبث حصاد عهدات الرئيس، عبر الشاشات. ودون شك، ستعيد ما ينشره سلال.. السكن والشغل بالملايين، والدخل بالملايير. هي طريقة الوزير الأول أو هي وظيفته، إذا ما التزمنا بالخط المتبع من قبل جل من سبقه في المنصب. فهو وطاقمه ملتزمون باتباع وجهة الرياح، والالتزام برغبات الرئيس وأوامر الرئيس. وما يريده الرئيس. حين يقول الرئيس “زدت في الأجور” يرددون.. “زاد في الأجور”. وعندما يقول الرئيس “بفضلي أصبحتم تدخلون بيوتكم بعد السادسة مساء”، يرددون.. “بفضله ندخل بيوتنا بعد السادسة مساء”. يقول “سأنجز مسجدا أعظم بأكثر من مليار يورو”. يرددون “يا جدك، رايح يبني مسجد بأكثر من مليار يورو”. يقال بأن الجزائر محظوظة، فقد ارتفعت أسعار النفط منذ بداية أعوام ألفين، وجاء المطر بعد الجفاف، وتراجع الإرهاب إلى حدوده الدنيا. فطيلة عهد الرئيس زروال، لم تدخل الخزينة 50 مليار دولار، مع ما صاحبها من خنق مارسه صندوق النقد الدولي، وتقتيل وصل إلى ارتكاب مجازر بشعة على أبواب العاصمة. وكان الحظ مع خليفته، لأنه سيحصل على نفس الـ50 مليارا في 5 أو 6 أشهر فقط، وليس في خمس سنين.. إن جوهر ما تعاني منه الجزائر لا يتعلق بالفقر أو بقلة الإمكانات البشرية أو بوفرة المال. فالتحدي، هو كيف نجعل من الحبة ثمرة.. وكيف نجعل من البلد ثروة سياحية تلد 12 أو 15 مليار دولار سنويا.. عندما “يلعب” أرباب الدعاية الرسمية بالأرقام، يتفادون التوقف أمام هذا الوحش الكاسح الكاسر لكل حيلة. هذا الوحش الذي يتحدى الرؤساء وحكوماتهم. وحش صمد في وجه كل الهزات.. ذهبوا وبقي هو كالشاهد، مذكرا بالتاريخ القريب، وساخرا من الحاضر، ولا تبرز على ملامحه علامات الشك في المستقبل. وحش يذكرنا بعجز كل البرامج عن ترويضه، ولو لشهر في السنة. هذا الوحش هو رقم يمثل نسبة مئوية، تغطي عورة اقتصاد دولة، لم تتخلص لأكثر من ثلاثة عقود من حقيقة أن “97 بالمائة من الدخل يأتي من بيع المحروقات”. وما تبقى (من 3 بالمائة) يمثل معظمه دخل بيع مشتقات المحروقات.. هو رقم يحكي عن جمود الحركة وتوقف النمو. رقم يبرهن على إهمال العقل، والاعتماد على المحروقات. فمن هو المرشح القادر على خدمة الجزائر؟ من هو القادر على وقف وحش الـ97، وجعله يصغر متراجعا إلى 79 بالمائة؟ هل هناك “واحد قادر عليها”، حتى يكون أهلا لها وخلال عهدة واحدة؟ السر لا تأتي عليه الخطب، ولو تعلقت بالمعلقات السبع لشعراء صناديد. السر يكشفه الحكم الراشد، القادر على التعامل مع المجتمع وفق قواعد الاحترام المتبادل.. لكن عندما أرى بأن الحكم يعمل بالكابح، وهو يقود المجتمع، أفهم بأنه لا يريد فك قيود عقيدة الهيمنة. فهو من يقرر، يحتفل أم لا يحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد. وهو من يمنع جمعية وطنية من تنظيم تظاهرات تتناول ملفات الرشوة. ويشجع على سلك نهج “تخوين” وتجريح كل من يرفع صوتا يخالف صوت الحكم أو يطالبه بحساب.. قد يكون الوزير الأول بارعا إلى حد ما في قيادة جوق السيمفونية الرابعة، لكنه لا يملك أن يجعل كل الآذان تستحسن نغمة الإيقاعات. إن ما يمكن تسجيله على سنوات بوتفليقة، إلى جانب الإنجازات، أن النظام بقي وفيا لغريزة الاحتواء. ابتلع أجزاء واسعة من المعارضة، وجرها أمامه في صفوف. مهمتها؟ في الحقيقة تعددت المهام، وأخطرها زرع الشك وسط المعارضة. فكل طرف يرتاب في الآخر. فأصبحت تلك هي مشكلتهم الأولى، التي تسبق نضالهم ضد السلطة في سبيل رفع الهيمنة على الحياة المدنية. كما جر من الإعلام، ومن الجامعة، ومن المسجد والزاوية ومن المدرسة، ما يؤدي إلى المساهمة في إطالة عمر الهيمنة. يقول سلال بأن الرئيس سمح للمعارضة بالعمل.. فمن يسمح للآخر، القانون أم..الذي يؤتمن على احترامه؟
عبد الحكيم بلبطي

http://www.elkhabar.com/ar/autres/cette_semaine/373887.html