سياسة

الأجوبة الغائبة في ترشح بن فليس لرئاسة الجزائر: توفيق رباحي

ما لم تحدث معجزة سياسية أو من أي نوع آخر، عبد العزيز بوتفليقة هو الرئيس المقبل للجزائر.. حتى ولو من على كرسي متحرك ورغما عن أنف الجزائريين. فالرجل لم يترك محيطه يورط البلد في كل هذا الوحل الاقتصادي والمالي، والتصحر السياسي والثقافي، ليغادر كرسيه فيأتي من يفتح ملفات تقود فضائحها للسجن ويحفظ التاريخ صفحاتها النتنة. كما لا يوجد ما يدل على أن الرئيس الحالي تنازل عن تصميمه على أن يموت رئيسا.
رغم ذلك يصر المرشح الأزلي علي بن فليس على الترشح للانتخابات الرئاسية التي من المفروض أن تجري منتصف نيسان (إبريل) المقبل. يبدو بن فليس مصمما على خوض الانتخابات وواثقا من الفوز بها مثلما كان حاله في انتخابات 2004 التي كانت نتائجها كارثية عليه وعلى من ساندوه في مستويات عليا، إذ دفع بعضهم الثمن باهظا (انتقاما) على يد بوتفليقة ومحيطه.
ما الذي يدفع بن فليس الى إعادة الكرّة وتجربة 2004 ماثلة بقوة في الأذهان لا يتورع محبوه ومنتقدوه عن استحضارها في كل لحظة؟ ومن أين يستمد ثقته؟
لسوء حظ الجزائر، بسكانها الـ38 مليونا، أن القحط السياسي الذي سببه نظام الحكم وتوّجهُ بوتفليقة منذ 1999، لم يترك للجزائريين خيارات تـُذكر من الرجال. منذ 20 سنة أو أكثر، كلما حلت انتخابات رئاسية أو ضاق الأمر أو جرى حديث عن بدائل سياسية في أعلى مناصب المسؤولية، اتجهت الأنظار إلى حفنة من االمخَلـّصينب: مولود حمروش، علي بن فليس، سيد أحمد غزالي، أحمد بن بيتور (حديثا) ثم أرانب عرجاء اسمها لويزة حنون وفوزي رباعين وعلي بوعشة وغيرهم.
القاسم المشترك الأول بين هؤلاء االمخَلـّصينب أنهم جميعا أبناء نظام الحكم، يحسبون حسابه في حركاتهم وسكناتهم، والثاني أنهم جميعا اقتربوا في العمر من السبعين أو تجاوزوها.
عودة إلى بن فليس. ثقة الرجل وإصراره دفعاه إلى تشكيل فريقه الانتخابي واختيار مقر رئيسي تدار منه الحملة الانتخابية وربما يـُعلن منه اسم رئيس الجزائر الجديد وتنطلق منه الاحتفالات.
في المنطق النظري للسياسة الجزائرية يبدو هذا حلما جميلا. لكنه في الواقع ليس كذلك على الإطلاق.
وعليه، يقوم بن فليس بما يقوم به ويستمد ثقته من الآتي:
ـ إما أنه اطمأن الى أن الرئيس بوتفليقة لن يترشح، والاسباب عديدة، منها ما هو مرتبط بالطبيعة وسنن الحياة كالعمر (يزحف نحو الثمانين)، والصحة (عليل لا يقوى على الوقوف). ومنها ما هو واقعي وسياسي مثل أن امكتوبهب انتهى مع الذين جاؤوا به في 1999 ثم اختلف معهم وتصالح فاختلف وتصالح ولا أحد يعرف الآن هل هو صلح أم خلاف. وعليه فالسيد بن فليس هو البديل باعتباره أفضل الموجود، أو الأقل سوءا، وصاحب خبرة سياسية وسابقة انتخابية (رئاسية)، وصاحب طموح لا يبدو أنه يتراجع.. والأهم صاحب ثقة في بعض أوساط دوائر الحكم وبالذات المؤسسة الأمنية وقيادة الجيش، وهما الناخب الأول والوحيد في الجزائر، فزكياه: إذهب فأنت الرئيس المقبل.
الاطمئنان هنا مصدره االناخب الوحيدب لأنه الأدرى والأقرب والأوثق في هذه المواقف والأقدر على حسمها.
وحتى على افتراض صحة هذا الاحتمال، لا يمكن أن يكون البديل هكذا ببساطة.. أي شخص يحمل طموحا وبرنامجا، ولو كان اسمه بن فليس، مسموحا له أن يصبح رئيسا. هناك الأهم: تزكية نظام الحكم وتوافقه عليه. فهل ‘تخلى’ أركان هذا النظام عن بوتفليقة. وإذا كان الجواب نعم، هل توافق على تزكية بن فليس؟
لكن.. ألم يكن هذا ‘الناخب الوحيد’ هو ذاته الذي قدم ضمانات مشابهة للسيد بن فليس في انتخابات 2004 فخاضها بثقة انتهت بكارثة؟
آنذاك قيل له، وبحسب أكثر من مصدر، أن خلاف المؤسسة الأمنية مع بوتفليقة بلغ مبلغه وأنها تتبنى مرشحا بديلا عنه وجدته في بن فليس. صدّق الرجل ودخلت اعتبارات أخرى منها الجهوية والشللية، فزادته ثقة في الفوز. لكن شيئا ما حدث في منتصف الطريق غيـّر اتجاه الريح ففاز بوتفليقة ونال بن فليس هزيمة شنعاء لم يجرؤ على انتقادها أو انتقاد من تسببوا فيها وقادوه إليها.
ـ أو أن بن فليس لا يكترث لبوتفليقة والاحتمالات القوية بانحياز الإدارة والمال إليه بكل ما أوتيا من سطوة، منطلقا (بن فليس) من أن االناخب الوحيدب منحه ضمانات عن أن الانتخابات ستكون حرة ونزيهة والرئيس الحالي مرشح فيها كغيره من المرشحين.
لكن.. ألم يمنحه ‘الناخب الوحيد’ ضمانات مماثلة في 2004؟
الجزائر لا تعرف تنظيم انتخابات حرة ونظيفة حتى لو أرادت، فكيف الوثوق بوعود عن أنها ستكون كذلك، مهما كان مصدر هذه الوعود؟
باستثناء صحة الرئيس التي تدهورت، لم يتغيّر الشيء الكثير منذ 2004، فلماذا وكيف يغامر بن فليس بخوض انتخابات قد تكون مذلّة له أخرى؟
يبدو بوتفليقة في 2013 أقوى منه في أية انتخابات سابقة، فقد قلـّم أجنحة جهاز المخابرات وضمّ قيادة الأركان إلى صفه وطرّز الجهاز البيروقراطي على مقاسه.. فمن الذي سيحول بينه وبين رغباته الرئاسية؟
أجوبة غائبة لأسئلة مشروعة تحيط بترشح بن فليس وثقته الزائدة. لا بد أن الرجل يعلم ما لا يعلم غيره، وهنا واجبه يلزمه بمصارحة الناس، خاصة مؤيديه الذين كلّفتهم تجربة 2004 الكثير. وإما أنه والذين من حوله لم يتعلموا من قساوة درس 2004. وإما أن الرجل مدرك لكل شيء لكنه لا يهتم لشيء وعينه لا ترى غير كرسي الرئاسة مهما كانت الكلفة والتفاصيل.

‘ كاتب وصحافي جزائري
http://www.alquds.co.uk/?p=114291

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • ce benslis qu’ecequ’il a fait pour l’algerie pendant ces 10 dernieres annees et maintenant il revient de nouveau je suis sur que c’est la drs qui l’a ramener de nouveau allahoma adhrib adhalimina bidhalimin wa akhridjna min beynihim salimin