الحركة الوطنية تاريخ

فرحات عباس: حصان “طروادة” الثورة الجزائرية للدكتور رابح بلعيد

مقدمة
يهدف هذا البحث إلى إجراء تحليل عميق للأفكار السياسية ل “فرحات عباس”· لقد التحق هذا الرجل بالثورة الجزائرية في 22 أفريل 1956 بعدما حاول ولمدة سنتين أن يمنع هذه الثورة من أن تصبح حقيقة تاريخية·
وبالاعتماد على التحليل الموضوعي لتلك الأفكار التي تحمل في ثناياها الكثير من اللبس والغموض·يمكن الإجابة على السؤال التالي: هل انضم “فرحات عباس” إلى الثورة الجزائرية لأنه تخلى فعلا عن أفكاره الاندماجية والإصلاحية؟ أم أن انضمامه إليها كان بهدف منعها من مواصلة مسارها التاريخي المستنبط من القيم المعنوية والثقافية والروحية للشعب الجزائري؟·
وفيما يتعلق بالمنهج المتبع في هذه الورقة، فقد اعتمدت على الأسلوب التحليلي في محاولة لإيجاد جواب منطقي للتساؤلات السابقة الذكر، ومن أجل ذلك تم تبني منهجا مبنيا على الفكرة التي تجعل لكل حركة إنسانية آثارا ناتجة عن سبب سابق ومن هنا يمكن تقصي جذورها في أغوار الماضي البعيد وعلى هذا النحو حاول الباحث ربط الماضي بالحاضر لإعادة المشاكل الآنية إلى مسبباتها البعيدة في الماضي قدر المستطاع·
الدوافع الحقيقية لانضمام “فرحات عباس” إلى الثورة الجزائرية

تعتبر سنة 1931 بداية المشوار السياسي الطويل والمثير في نفس الوقت للسيد “فرحات عباس” حيث ورد في كتابه المشهور “الشاب الجزائري” الذي يعد أول عمل له قوله: “الجزائر أرض فرنسية ونحن فرنسيون”إلا أن هذه العبارة لم تثر الاهتمام المطلوب لذا عاد وكتب في مجلة الوفاق “L’ENTENTE” بتاريخ 27 فيفري 1936 مقاله المطول بعنوان: “فرنسا هي أنا” LA FRANCE “‘EST MOI”: “لو أنني اكتشفت الأمة الجزائرية لكنت مجاهدا وطنيا ولما كنت أخجل من وطنيتي، وكأنها جريمة، إن الرجال الذين ماتوا في سبيل المثل الأعلى الوطني يحبهم الناس ويمجدونهم كل يوم وليست حياتي أفضل منهم، ومع ذلك فلن أموت من أجل الوطن الجزائري لأن هذا الوطن لا وجود له ولم أكتشف هذا الوطن”!·لقد بحثت في التاريخ وسألت الأحياء والأموات وزرت القبور فلم يحدثني أحد عن هذا الوطن، ولقد استمر السيد “فرحات عباس” في إقناع كل من أراد أن يسمعه بأنه ليس وطنيا متعصبا، فقال على سبيل المثال في شهر جويلية 1946 لمحرر جريدة” القناص” FRANC-TIREUR السيد “فورييه” ” FOURRIER” أننا، أنا وأصدقائي لا نريد بأي ثمن أن نضر برسالة التمدين التي تتولاها فرنسا في شمال إفريقيا”

ويؤكد السيد “فرحات عباس” بأنه “لا يوافق على انضمام الجزائر للجامعة العربية، لأن صحراء ليبيا عقبة أشق في اجتيازها من البحر المتوسط” كما أكد للسيد “رانكوريل” ” RENCUREL” في 23 أوت 1946 “بأنه هو وأصدقاؤه مخلصون لفرنسا ولا يريدون أن ينسحب العلم الفرنسي من الجزائر”

إن الرأي الاندماجي الذي عبر عنه السيد “فرحات عباس” من 1931 ـ 1954، أفكاره معروفة ومدونة ولا يمكن محوها من التاريخ·
ولكن محاولات بعض الشخصيات الوطنية والأجنبية من خلال الملتقى الذي نظمته جامعة “فرحات عباس” بسطيف في الأسبوع الأول من شهر ماي 1999، حيث قارنوا مع الأسف الشديد التاريخ بالضفدعة التي تترك مسافة كبيرة وهي تقفز من نقطة إلى أخرى إلى الأمام فمحاولات هؤلاء الباحثين ومعهم بعض الصحف الجزائرية الناطقة بالفرنسية تجاهلوا حياة فرحات الاندماجية ووصفوه بأنه مدافع عنيد عن الأمة الجزائرية·
وبعض الصحف المفرنسة ذهبت إلى حد وصفه بأنه أبو الحركة الوطنية بغير منازع في حين تجاهلت تماما “مصالي الحاج” الأب الحقيقي للحركة الوطنية بل وللثورة الجزائرية نفسها·

أعتقد أن الوقت قد حان لإظهار الحقائق أمام أعين وضمير الجيل الصاعد ووضع كل واحد من الرجلين في المكان المناسب له كما أن التاريخ الموضوعي ليس صفحة بيضاء أو سوداء فقط· لقد حاولت في هذا البحث المتواضع الذي جعلته في متناول القارئ تحت عنوان السيد “فرحات عباس” “حصان طروادة الثورة الجزائرية” أن نعطي للقارئ صورة شاملة عن دور “فرحات عباس” في الثورة الجزائرية·

وقد تنازعت حياة “فرحات عباس” السياسية الحافلة بالقلاقل والعواصف عقيدتان متكاملتان: العقيدة الأولى تكمن في أنه حاول طول حياته أن يتنصل من أصالته ويلبس الثوب الفرنسي، أما العقيدة الثانية تكمن كما قال الكاتب الفرنسي “مارسيل براين” ” Marcel Brian”في تخوفه من اندلاع الثورة المسلحة في الجزائر أو بالأصح إنها المشكلة التي كانت تزعجه وكان يشعر بها ولكنه لم يكن يؤمن بها، ولقد كافح طوال حياته دون جدوى من أجل أن يقنع الحكومة الفرنسية بأن تعمل على منع اندلاع تلك الثورة، ولم يكن في وسع أية حكومة أن تتبع نصائح ذلك الصيدلي

إذا كان “فرحات عباس” قد ابتعد بالفعل شيئا ما عن فلسفته الاندماجية منذ مقاله المشهور والمثير للجدل: “فرنسا، هي أنا” فإنما ذلك قد جرى بمنهاجه السياسي، وليس نتيجة لأنواع الذل والمهانة التي ابتلاه بها المستعمرون الفرنسيون، والناطقون بلسانهم، أمثال “فرانسو كويليسي” ” Francois Quilici” و”مورينو” ” Morinaud “، و”كوتولي” ” Cuttoli ” ، وغيرهم إن القصد بذلك هو أن السياسة الصارمة التي يبدو أن “فرحات عباس” قد اتبعها تجاه “الوطن الأم ـ أي فرنسا” منذ عام 1943 وبعده، وقد تميزت بالتهديدات الجوفاء كقوله: “إذا بقيت نداءاتنا دون استجابة، فسوف تتجه الجزائر إلى ناحية أخرى” ·

إنها في الواقع سياسة تهدف إلى تعنيف رجال السياسة الفرنسيين بدلا من أن تكون تحولا سياسيا حقيقيا، ذلك لأنه كما تراءى ل “فرحات عباس”: أن الشعب الجزائري هب للحرب في أول نوفمبر عام 1954 لأن رجال السياسة والمشرعين الفرنسيين قد فشلوا في ترويض المستوطنين الأوروبيين الجشعين، ولأنهم لم ينتزعوا منهم الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الضرورية، وقد بقي “فرحات عباس” إلى عام 1954 متشبثا بأفكاره السياسية القديمة، ويتضح ذلك من مقاله الصحفي التالي الذي ألح فيه بإصرار أن هدف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري العام ” UDMA ما يزال يتمثل في” الحصول التدريجي على الشخصية السياسية الجزائرية، ومن حق الجزائر أن تكون لها حكومة تتمتع بالحكم الذاتي والاتحاد مع الشعب الفرنسي، مصدر السلام والرخاء لبلدنا” وقد كانت ل “فرحات عباس”، قبل أول نوفمبر 1954، فرصة أكثر ملاءمة له لأن يستيقظ من غفوته ويخفف من حكم التاريخ الذي صدر ضده حتى ذلك الحين، وهو حكم قاس لا محالة· وكان في وسعه أن يفعل ذلك بأن يدافع عن نفسه ويبين بأنه غير مذنب، على أساس أن فكره السياسي -لو أنه فكر-، نابع من اعتقاده السياسي الذي تمكن من عقله طوال 124 سنة من عمليات تاريخية واجتماعية لا مناص منها· ومع ذلك، فالتاريخ، مهما كان كريما في بعض الأحيان، فليس في وسعه، ولا يجوز له ابتداء من الأول من نوفمبر 1954 أن يصفح عن “فرحات عباس” للموقف العدائي الذي اتبعه حيال الثورة الجزائرية الناشئة حديثا· وتتحدث الخطبة التي ألقاها أمام “الجمعية الجزائرية” في 26 من نوفمبر 1954 عن نفسها: “هل لابد لي أن أضيف أن حركتنا تقوم على هذه الخطة الشرعية؟ معنى ذلك أن وجود فرنسا ليس هو موضوع الخلاف· وقد ذكرت ذلك في بداية بياني؛ وأؤكده هنا· وفي وسعي أن أمضي إلى أبعد من ذلك وأقول إن الجمهورية الفرنسية الديمقراطية تبقى معنا، بين ظهرانينا، وهذا هو السلام والأمن المكفولان للجميع، ويمثل لبلدنا الرخاء الأكيد”

وللإشارة أن “فرحات عباس” قد ألقى الخطبة المذكورة في فترة ألقت فيها الشرطة الفرنسية، وسلطة الردع العسكرية الفرنسية القبض على مئات الأفراد الجزائريين الذين هلك الكثير منهم في سجونهم نتيجة ما كانوا يطلقون عليه التعذيب الحديث الفائق· و “فرحات عباس” الذي استمرت تلاحقه أفكاره مثيرة كفكرة “التحرر بالتطور، والقانون وبالعلم” انزعج بشدة من قيام الثورة الجزائرية، لدرجة أنه أضاف المزيد من الحماس والجهد على نشاطاته المضادة للثورة التي كان يمارسها بالفعل في محاولته الفاشلة لإنقاذ مشروع بلوم ـ فيوليت المنهار· فبالإضافة إلى قضائه قرابة سنتين في الجزائر، وهو يدق مع غيره من رجال السياسة ” أجراس الإنذار بالخطر لإعاقة ما لا يمكن إصلاحه” فإنه سافر مرارا إلى باريس من 1954إلى 1956· وفي غضون زياراته “للمدينة الخالدة” في شهري أفريل وأوت عام 1955 أتيحت له، فرصة لقاء بعض رجال السياسة الفرنسيين البارزين مثل “منديس فرانس” MENDES France “ـ و”جي موليه” ” GUY MOLLET”و”إدجار فور” ” EDGAR FAURE” و”بورجس مانوري”” BOURGES MANOURY “”وروبير لاكوست”” ROBERT LACOSTE” و”جاك سوستل”” JACQUE SOUSTELLE·” وكان السياسي الفرنسي، الوحيد الذي رفض مقابلة “فرحات عباس” هو الجنرال” ديغول” ” DE GAULLE”الذي كان يحتقر “فرحات عباس”، مع أنه كان يقدر ما كان “فرحات عباس” يحاول أن يفعله من أجل فرنسا· ذلك أن “ديغول” “DE GAULLE” وهو فرنسي “كريم الأصل”، كان يحترم الفلاحين الجزائريين البسطاء الذين ظلوا مرتبطين ببيئتهم الاجتماعية أكثر مما يحترم الجزائريين المتغربين مثل “فرحات عباس” الذي كان يريد أن يصير فرنسيا·

إن ما كان يقوله “فرحات عباس” لرجال السياسة الفرنسيين الذين قابلهم في باريس، وبخاصة “جاك سوستيل” الذين “ارتبط معهم بعلاقات شبيهة بالصداقة” هو أن في وسعهم القضاء على الثورة الجزائرية وهي في مهدها، إن هم أنجزوا قبل فوات الأوان بعض الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية السخية· ويؤكد هذه الحقيقية “جان لاكوتير” ” JEAN LA COUTURE “الذي يعتبر واحد من أنصار “فرحات عباس” “إن ما كان يقول، آنئذ السيد عباس لمحدثيه الباريسيين، لم يكن يتضمن ضرورة التعامل مع جبهة التحرير الوطني FLN، أو ضرورة الاعتراف باستقلال الجزائر، أو ضرورة الإسراع في سحب الجنود الفرنسيين من الجزائر: أنه كان يطلب بدلا من النصوص الخاصة بدعم المجهود الحربي، إعداد، وإقرار نصوص تؤكد المساواة التامة بين المجتمعات الأوروبية، والإسلامية في الجزائر، كان يؤكد أن تحقيق مثل هذا النظام يمكن أن ينهى، أو يعطي صفة أخرى للثورة، بل ربما أيضا أن يسوي لفترة طويلة مشكلة مستقبل الجزائر” ومع ذلك لابد من القول بأن “فرحات عباس” الذي كان في الواقع واحدا من أولئك السياسيين الذين لا يتقدمون خطوة، دون أن يستوثق من أن في وسعه أن يتراجع إلى الخلف إذا تبين له أن الطريق محفوف بالمخاطر، ومن ثم فإنه قرر من البداية أن يتبع منهجا ذا وجهين حيال الثورة الجزائرية· وما نعنيه بهذا هو أن “فرحات عباس” قرر أن يموه اتجاهه المضاد للثورة عن طريق التبرع بالقليل من الفرنكات والأسبرين من صيدليته في سطيف لجبهة التحرير الوطنية، وتبنى “فرحات عباس” هذا الاتجاه، مع أنه كان مقتنعا بأن الثورة الجزائرية التي وصفها بأنها “عملية انتحارية” سوف تنتهي كما انتهى الحدث الدموي المأساوي في 8 ماي 1945· وكانت السلطات الفرنسية، وبخاصة الحاكم العام للجزائر، السيد “جاك سوستل”” Jacques Soustelle “على علم تام بالدور السياسي المزدوج الذي يتبعه “فرحات عباس”، وكانت هذه السلطات تؤيد هذا الدور وتشجعه، بكيفية مباشرة أو غير مباشرة لكي يواصل هذا الدور السياسي المزدوج، ويتبين ذلك من القبض في 7 ديسمير 1955 على الطالب الجزائري الشاب “محمد اعمارة” الذي تصادف في تلك الآونة أنه كان يتجول في سيارته في شوارع مدينة الجزائر، ومعه اثنان من الركاب المبرزين في المقعد الخلفي،”ولاحظ السيد “مارتينيز” ” MARTINEZ”
أن “هذا الشاب كان معه أوراق مشبوهة للغاية تثبت بكيفية لا جدال فيها انتماءه للجبهة”

إن النشاطات المضادة للثورة، المقنعة بالكاد، التي يمارسها “فرحات عباس”، لا حاجة بنا للقول بأنها أزعجت جبهة التحرير الوطني؛ ومع ذلك، وعلى الرغم من أن مثل هذه النشاطات المضادة للثورة كانت إلى حد بعيد أكثر خطورة من النشاطات المضادة للثورة التي نسبتها الجبهة ل” “مصالي الحاج””، فإن قادة الثورة الجزائرية كانوا بالأحرى أكثر بطئا في اتهام “فرحات عباس”· ولم يكن السبب في هذا أن الأخير كان يتبرع بالقليل من المال لجبهة التحرير الوطني، ولكن لأنه كان يعتبر من قبل أشخاص مثل “بن بلة” و”عبان رمضان” أنه أقدر “المفاوضين” الذين يمكنهم أن يقدموه إذا قررت السلطات الفرنسية أن تحسم النزاع بين فرنسا والجزائر عن طريق التفاوض”ومن وجهة النظر الفرنسية، فإن “أوراق اعتماد الرجل “صحيحة بالنظر إلى فلسفته السياسية، وبالنسبة إلى تصور جبهة التحرير الوطني فإنه “لا أهمية لما أكده “فرحات عباس” من قبل، صراحة، من أنه: لا توجد أمة جزائرية”· ومع ذلك فإن جبهة التحرير الوطني لم يكن لها في نهاية المطاف خيار سوى أن تحذر ضد “فرحات عباس” لأنها لا تستطيع أن تستمر في تجاهل نشاطاته ضد الثورة، وأن تعلن في الوقت نفسه أن ” “مصالي الحاج”” “خائن” لقضية الثورة الجزائرية· وعلى ذلك، ولمنع “فرحات عباس” من عقد صفقة مع “جاك سوستيل” JACQUES SOUSTELLE حاكم الجزائر العام، فقد مارس وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة كل ما في وسعه من ضغوط على” أحمد بيوض” ممثل “الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري” في القاهرة لحمله على إصدار البيان التالي: “إن وفد “الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري” الدائم في الشرق الأوسط يرفض عقد أية مفاوضات بين ممثلي الجمهورية الفرنسية وبين السيد “فرحات عباس” الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري”

وفي جويلية 1955، شجب وفد جبهة التحرير الوطني نفسه ما أسماه النشاطات “السياسية القانونية” التي تمارسها في الجزائر حركات الإصلاح الديني والسياسي· فقد لاحظ وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة أن “جهودا عديدة قد بذلت في القاهرة لتوسيع هذا الوفد ليشمل ممثلي جمعية العلماء المسلمين”، ومنظمة الإصلاح للاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري · واستمرت هاتان المنظمتان تمارسان نشاطات قانونية في الجزائر مع بعض الموالين ل “مصالي الحاج”· وفشلت كل المحاولات التي بذلت في هذا الإتجاه، بسبب أن هؤلاء الشخصيات، من اللاجئين في القاهرة، قبلت صيغة “جبهة التحرير الوطني للقاهرة بصفة شخصية وليس كممثلين عن منظمتهم في الجزائر”

واتبعت جبهة التحرير الوطنية الإعلان السابق ذكره، بالتحذير الصارم عن طريق الوريقة التالية: “تدور شائعات، تتأكد كل يوم بخصوص محادثات سرية تجري بين “سوستيل” و “فرحات عباس”، والرائد مونتاي MONTEIL (رئيس المجلس العسكري للحاكم)، “كيوان”، ومندوب وزارة الداخلية ومصالي، وتأمل الإدارة الاستعمارية، بوساطة عباس، و”كيوان” و”مصالي” إيقاف حركة جيش التحرير الوطني في مقابل بضعة إصلاحات سياسية، و في هذا خطأ جسيم، فجيش التحرير الوطني لا يعترف لأي إنسان بالحق في أن يتكلم باسمه، بل في وسع قادة جبهة التحرير الوطنية، في داخل الجزائر وخارجها أن يتكلموا باسم جيش التحرير” ·
هذه الوريقة المذكورة التي طبعت على ما يبدو في القاهرة ووزعت في جميع أنحاء الجزائر في شهر جويلية عام 1955، أعقبها بعد شهر واحد هجوم قوي من جانب جيش التحرير الوطني (في 20 من أوت 1955) ضد القوات الفرنسية، والخونة الجزائريين المحليين· وردت القوات الفرنسية على هذا الهجوم بردع شديد القسوة حتى إن الحركة الوطنية الجزائرية مضت إلى حد مقارنته بالحدث الدموي الذي جرى في 8 ماي 1945 كما تبين الوريقة الآتية:
تصريح خاص بالجريمة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في الجزائر يوم 20 أوت
سوف يظل يوم 20 أوت مطبوعا في الضمير العالمي الذي سوف يتذكر من الآن فصاعدا تلك الهمجية، ويدين الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية من جانب الاستعمار الفرنسي· ويعرف العالم كله أنه منذ الأول من شهر نوفمبر، لم يكفوا أبدا في نضالهم عن احترام الشخصية الإنسانية وقوانين الحرب، ويعرف العالم أن المقاتلين، في نضالهم التحريري لم يهاجموا البتة المدنيين، من شيوخ، ونساء، وأطفال، بل كانوا يستهدفون بذلك قوى الشر، التي تحاول عن طريق صحيفة عنصرية الحط من دور الوطنيين بتشويه الحقائق·
ففي يوم 20 أوت شن الوطنيون حملة عامة ضد أهداف استراتيجية للاستعمار الفرنسي· وعندما حققوا غرضهم، انسحبوا، وعندها قامت قوات الردع بهجوم على السكان المدنيين العزل· وعلى مدى أربعة أيام لم يتوقف إطلاق الرصاص في قسنطينة، وسكيكدة، وعنابة، وعزابة، والميلة، وقالمة، وزيغود يوسف، وواد زناتي، والقل، وهيليوبوليس، وعين الشرشار، وستوار، والعاليا، والفجاج، وسيدي زين· ويستمر إطلاق النار طوال أربعة أيام كانت الشاحنات تنقل جزائريين، لتلقيهم على قارعة الطريق، يرموا بطلقات الرصاص، وعلى مدى أربعة أيام، كانت كل مجموعة من الجزائريين والجزائريات يبدون للأنظار يقتلون رميا بالرصاص، وقد كانت ثمة اثنتا عشرة قرية، وعشرين دوارا، دكت دكا، بشاغليها، وهم داخل مساكنهم· وانتهت المذبحة بعشرة ألاف قتيل·
وقد حاولت الصحافة الفرنسية أن تؤكد “همجية الثوار”، هذا الإجراء التسويفي استخدم إبان حرب الهند الصينية، هذه “الفضائح” التي قد يرتكبها جزائريون، كان من الممكن أن تتخذ معنى آخر لو أخذنا في اعتبارنا وجود “فلاقة” (محاربين أوروبيين) في تلك المواقع (تصريح ناجم من الأخطار، السيد بيلاي Bellay) وهكذا تتجدد مذبحة 8 مايو1945 ، في حين اتبع المقاتلون دائما صراعهم في سبيل الكرامة· وتقع على الحكومة، في هذه المذابح، مسؤولية كاملة أما حركة التحرير الجزائرية، وهي على وعي بواجباتها فإنها:
ـ تنحني باحترام أمام ضحايا الاستعمار، دون تمييز·
ـ تنادي الضمير العالمي، وتهيب به أن يشهد الإبادة الجماعية هذه (إبادة الجنس)
ـ تحذر الشعب الفرنسي من الحملات المتتابعة التي تشنها الصحافة المرتشية·
ـ تلح على الأمم المتحدة، وأعضائها، على الضرورة العاجلة بإيفاد لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة إلى الجزائر·
ـ تهيب بالشعب الجزائري أن يواصل نضاله في سبيل سيادة جزائرية بتأسيس حركة التحرير الجزائرية”
وفي أثناء هجوم جيش التحرير الوطني الذي كان المقصود منه أن يتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لنفي سلطان المغرب محمد بن يوسف، اغتيل عباس علاوة ابن أخ “فرحات عباس” أو أعدم، كما قال البعض· ولا حاجة بنا للقول بأن الصحافة الفرنسية سارعت بالإشارة إلى أن جبهة التحرير الوطني هي التي قتلت عباس علاوة، وحاولت اغتيال بلحاج سعيد شريف معاون “فرحات عباس” وصديقه الحميم· وذكرت جبهة التحرير الوطني، التي بادرت بدحض تلك الاتهامات التي وجهتها إليها الصحافة الفرنسية “بأنها تؤكد أن “عباس علاوة”، و”شريف بلحاج سعيد” لم يقتلا ويجرحا، على التوالي، بفعل جيش التحرير الوطني” · لقد كان لموت “عباس علاوة”، كما يتصور المرء، أثر عميق في نفس “فرحات عباس”، ومع ذلك فقد فضل أن يتجاهل الدعاية الفرنسية، ويدعو أتباعه، بدلا من ذلك، من مستشارين بلديين، وعموميين، ومستشاري الاتحاد الفرنسي، وأعضاء في مجلس الشيوخ، ومندوبين إلى الجمعية التشريعية الجزائرية أن يستقيلوا من مناصبهم· أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي استمرت مرتبطة بخطة “فرحات عباس” السياسية، فإنها سرعان ما انضمت خلفه· وكانت تعتبره بمثابة “بارومتر” السياسة الجزائرية· وقد طالب زعماء “العلماء”، على سبيل المثال، في اجتماعهم في 7 جانفي 1956 الحكومة الفرنسية أن تعترف رسميا، ودون مواربة، بالوجود الحر للأمة، وبشخصيتها الذاتية، وحكومتها الوطنية، وجمعيتها التشريعية ذات السيادة” وحتى النواب الـ 61 في الجمعية التشريعية الجزائرية، والمعروفين بجماعة الـ 61 لم يكن في وسعهم أن يظلوا غير مكترثين بالقرار السياسي الخطير المفاجيء الذي اتخذه “فرحات عباس”، وإن تيقن الزعيمان الرئيسيان لجماعة الـ “61”، وهما دكتور “بن جلول” وبن “بوأحمد” من أن “فرحات عباس” لم يكن جديراً به بأن يتخذ مثل هذا القرار السياسي الخطير لو لم يكن قد اشتم أمرا شديد الأهمية، فإنهما صرحا لأول مرة بفكرة القومية الجزائرية، وهددا في الوقت نفسه بمقاطعة الانتخابات المحلية الوشيكة (في جانفي 1956) إن لم تستجب الحكومة الفرنسية لمطالبهما· وإذ راح “فرحات عباس” يرقص مثل الفلاقة (ثوار شمال إفريقيا ضد فرنسا) مثله مثل فراشة مرتبكة وهائجة تدور حول مصباح، فإنه قرر في جانفي 1956 أن “يطوي أكمام قميصه” ويصير”نصف ثائر”، وأكد أنه ليس بذاته “مفاوضا ذا قيمة” فإنه أخبر المراسل الخاص لمجلة L’Action الأسبوعية التونسية أنه “لا صفة لي لأن أتناقش مع فرنسا” وإذا كان التصريح المذكور يصلح لأي غرض، فإنه يصلح لأن يذكر المراقبين السياسيين السذج بألا يصدقوا بأن في “وسع الفهد أن يغير رقطه”، خلافا لطبيعته· ذلك أن “فرحات عباس” ما كاد يبدي التصريح السابق ذكره حتى عاد إلى باريس يدق طبوله السياسية نفسها، وما كان لديه أن يعرضه هذه المرة على رجال السياسة الفرنسيين، وبخاصة السيد فرانسوا مورياك FRANCOIS MAURIAC الذي تناول العشاء (أو الغداء) معه في الأسبوع الثاني من فيفري عام 1956 هو ما يأتي :”إنني مضطر لأن أؤكد أن الأهالي المسلمين، منذ أحداث 6 فيفري في الجزائر يعتبرون أنفسهم متضامنين أكثر فأكثر مع الثوار الفلاقة·· ولكن إذا اقترحت الحكومة الفرنسية قبل الربيع الحلول المعقولة، لا يكون الأوان قد فات، ويحتمل أن يعود الهدوء·حالا”
وعلى ما يبدو فإن “فرحات عباس” يريد أن يقول بأن الطريقة الوحيدة التي تستطيع بها حكومة السيد “جي موليه” GUY MOLLET الذي التقى به في أواخر شهر فيفري 1956 أن تسحق الثورة الجزائرية، وتعيد الهدوء إلى الجزائر هو أن تنتزع إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية هامة من المستوطنين الفرنسيين الذين اتهمهم بتدمير “العمل الكلي الذي أنجزته فرنسا” في الجزائر·
لقد أصبح “فرحات عباس” الآن واثقا من أن السيد “جي موليه” ” GUY MOLLET “لم تكن له الشجاعة اللازمة لمواجهة المستوطنين الفرنسيين، فعاد من فرنسا إلى الجزائر، ثم رجع إلى باريس في شهر أفريل عام 1956لكي يلعب “لعبة فرحات ماريين” كما يقول جان لاكوتير jean la ·couture
وهذه المرة صاح المستوطنون الفرنسيون أن “فرحات عباس” قد ذهب إلى باريس ليعقد صفقة مع الحكومة الفرنسية على حسابهم، وعلى حساب “الوجود الفرنسي” في الجزائر· والحقيقة أن “فرحات عباس” الذي اعتزم وقتئذ أن ينضم إلى جبهة التحرير الوطنية، قد ذهب إلى باريس فقط ليودع أصدقاءه الليبراليين أي دعاة رسالة التمدين قبل أن يواصل رحلته إلى القاهرة لينضم إلى “زعماء الثورة”·
وكان “فرحات عباس” وزوجته الفرنسية المزوَدَان بجوازات سفر فرنسية قد غادرا باريس إلى القاهرة بعلم الحكومة الفرنسية نفسها· هذه الواقعة دفعت الصحيفة “التروتسكية “LA VERITE” لأن تلاحظ أن “عباس”، و”كيوان” و”فرانسيس”، الذين وصلوا إلى القاهرة قادمين من باريس، أو من الجزائر عن طريق الخطوط الجوية النظامية كان معهم، على ما يبدو اتفاق مع الحكومة الفرنسية”
وأثار وصول “فرحات عباس” المفاجئ إلى القاهرة في 22 أفريل 1956، كما تقول صحيفة “المانشستر جارديان” “اضطرابا في الجزائر واعتقد المستوطنون الفرنسيون وأنصارهم في باريس، لو شئنا أن نؤكد ذلك، أن حكومة “جي موليه” GUY MOLLET قد أوفدت “فرحات عباس” إلى القاهرة بقصد التحري عن إمكانية عقد اتفاق لوقف إطلاق النار مع “زعماء الثورة” الجزائريين في القاهرة·
وعلى ذلك، وبعكس الآراء التي تقول أن “فرحات عباس” انضم إلى جبهة التحرير الوطنية في ماي 1955، فإن هذا الأخير، كما لاحظ “إيف كورير YVES COURRIERE”، “انتظر سنة ونصف السنة للحاق بالقاهرة، بعد أن وهن عزمه، وتأكد له بعد مضي ثلاثين سنة في كفاح من أجل أن يكون فرنسيا، أن المستوطنين الفرنسيين لن يسمحوا له بذلك أبدا”
ولابد لنا، ولو من قبيل التسجيل، أن نذكر أنه بينما استغرق الأمر أكثر من سنة ونصف السنة لكي يقر عزم “فرحات عباس” أن ينضم إلى الثورة الجزائرية، فقد استغرق الأمر أقل من 24 ساعة لكي يحل حزبه (الاتحاد الشعبي الجزائري) ويغلق صيدليته في سطيف، وأن يتطوع في الجيش الفرنسي حين أعلنت فرنسا الحرب على ألمانيا في أول سبتمبر 1939· ونؤكد أن زعماء جبهة التحرير الوطني في القاهرة قد ارتاحوا أخيرا عندما صار معهم “محادث قدير” مثل “فرحات عباس”·
ولم تكن الآراء التي أبداها قادة جبهة التحرير الوطنية الذين اندفعوا إلى مطار القاهرة لاستقبال “فرحات عباس”، لم تكن مقبولة من البطل “الريفي” الأمير عبد الكريم الخطابي الذي لاحظ بلهجة حزينة أن “هناك مؤامرات كبيرة في الوقت الحاضر، ولا يستحق أولئك الذين يعملون من أجل الحصول على مراكز مرتفعة أي احترام
ولم يكن لدى “فرحات عباس” ما يكفي من الوقت للتعرف على مدينة القاهرة حين اعتبرته جبهة التحرير الوطني بمثابة “حلال العقد”، وتم إيفاده في مهمة إلى أمريكا اللاتينية، مع “عبد الرحمن كيوان” العضو البارز السابق في اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية·
كان الهدف من تلك المهمة التي بدأت في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر عام 1956 هو بالطبع مقاومة الحملة الدعائية المنظمة التي قامت بها الحكومة الفرنسية تعزيزا لسياستها في الجزائر· والواقع أن “فرحات عباس”، و”كيوان” زارا نفس المدن التي زارها الدبلوماسيان الفرنسيان السيد “باي”” PAYE” والسيد” ريفيه” ” RIVET”وقد لاحظ “جيل جيفور” ” GILLES GEVOR أن “الرجال الأربعة” إذا كانوا متعارفين منذ زمن بعيد، فليس من المستبعد أن يتقابلوا”
ويبدو أن “فرحات عباس” و”كيوان” كانا يستمتعان كثيرا بمهمتهما، إذ نجدهما في غضون ذلك الشهر، شهر أكتوبر عام 1956 يقفزان هنا وهناك، في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية· نجدهما في 12أكتوبر في ليما عاصمة بيرو وفي 14أكتوبر في لاپاز (بوليفيا)، وفي 15، 16أكتوبر عادا إلى (بيرو)، وفي 23 أكتوبر في “كيتو” (عاصمة إكوادور)، وفي 24 أكتوبر في “بوجوتا” (عاصمة كلومبيا)، وفي 31 أكتوبر في بنما، إلخ· ويتبين من الخطاب ، الذي أرسله “كيوان” من ليما إلى وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة أن “فرحات عباس” كان بالفعل في أوج نشاطاته في نطاق جبهة التحرير الوطني، ويتصرف باعتباره القائد الحقيقي للثورة الجزائرية·
وحدث عندما كان “فرحات عباس” و”كيوان” في ليما (عاصمة بيرو) أن اختطف الجيش الفرنسي في الهواء، في 22 أكتوبر 1956 الطائرة التي كانت تنقل قادة جبهة التحرير الوطني الأربعة وهم في طريقهم من المغرب إلى تونس· والواقع أن ما فعلته السلطات الفرنسية حين اعتقلت “بن بلة” وزملاءه هو أن تزيل واحدا من العقبات السياسية الرئيسية التي كانت تواجه ارتقاء “فرحات عباس” إلى أعلى منصب سياسي في الثورة الجزائرية· وكان من أثر حادث 22 أكتوبر 1956، كما يقول “جين لا كوتير”” JEAN LACOUTURE أن أعطى “فرحات عباس” وأصدقاءه الأقربين” مزيدا من الثقل في نطاق التنظيم الثوري”
وتمثل وفاة “عبان رمضان” في أواخر شهر ديسمبر عام 1957 العامل التاريخي الحاسم الثاني الذي ساعد “فرحات عباس” أن يتحدى التاريخ ويصبح واحدا من أهم قادة الثورة الجزائرية· ونؤكد أنه بفضل “بن بلة” و”عبان” رمضان استطاع “فرحات عباس” ورفاقه الجزائريين المتغربين أن يتوغلوا في داخل كيان الثورة الجزائرية لأن كلا من “بن بيلا” و”عبان رمضان” كانا يعتبران “فرحات عباس” ورفاقه الجزائريين المتغربين بمثابة عناصر سياسية هامة يمكنها أن تعزز أوضاعهما السياسية في الثورة الجزائرية· فعلى سبيل المثال عين “بن بلة” في أفريل 1956 “فرحات عباس” الناطق بلسان وفد جبهة التحرير الوطني في القاهرة، كما قرر عبان رمضان بدوره أن يفتح، أثناء مؤتمر الصومام، صفوف جبهة التحرير للمتغربين الجزائريين، وأن يعين في الوقت نفسه قائدهم “فرحات عباس” عضوا في أول مجلس وطني للثورة الجزائرية·
ولم يكن الأمر في الواقع عسيرا بالنسبة للجزائريين المتغربين الذين التحقوا بجبهة التحرير الوطني كنوع من التقنيين السياسيين ليصبحوا بعد حين خبراء ومنظرين في الثورة الجزائرية· فإن أول شيء فعله أشخاص مثل بوصوف، وكريم بلقاسم، وبن طوبال، وعمر أوعمران، وغيرهم عندما تركوا وحداتهم في جيش التحرير الوطني في الجزائر، واستقروا في المغرب وتونس هم أنهم أنشأوا أجهزتهم البيروقراطية الخاصة بهم تتكون أساسا من “جزائريين متغربين أكفاء” أي محامين، وصحفيين، وموظفين

وكان من السهل أيضا على هؤلاء الناصحين الجزائريين المتغربين اللامعين أن يحولوا عناصر جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني، مثل “بوصوف”، و”كريم بلقاسم” وأمثالهما إلى عناصر بورجوازية، وكل ما عليهم أن يفعلوه لتهذيبهم ليصبحوا سياسيين أكفاء من الدرجة الأولى هو إقناعهم بأن في وسع أي إنسان أن يتحكم في فن السياسة، حتى أشخاص مثل “عمار أوعمران”، بشرط أن يتبعوا بعض “أنواع السلوك الحضاري” البسيطة، مثل اكتساب ذوق سليم لملابس أنيقة، وسترات للسهرة ـ والأسلوب الصحيح لإمساك الشوكة والسكينة عند تناول الغداء مع بعض الأصدقاء، أو الضيوف الأجانب في أماكن عامة، إلخ، وكان نتيجة مثل هذا السلوك المتحضر “هو إضفاء عقلية “براغمتية” (ذرائعية) عادية على قادة جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني في الخارج، بفضلها يكتسبون فكرة مفادها أن البيروقراطيين المتغربين الجزائريين أمر لا مناص منه لنجاح الثورة الجزائرية أكثر من جماهير الشعب الجزائري·

ولا حاجة بنا إلى القول بأن أسلوب الحياة الجديدة المهذبة التي تبناها زعماء جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني “المتحضرين” حديثا إنما أدى فقط إلى أن تسوء العلاقة المضطربة بالفعل بين الأخيرين وبين العناصر الداخلية في الثورة الجزائرية على اعتبار أن المحارب الجزائري العادي الذي لا تتكون وجبات طعامه من أكثر من رغيف جاف من خبز الشعير، والذي كان فضلا عن ذلك مضطرا في نضاله اليومي مع الأعداء القساة القلوب، أن ينام في الحقول الجرداء أو في كهوف الجبال الجزائرية الوعرة، هذا المحارب يعرف من خلال تجربته اليومية أن مقومات الروح التي أشعلت الثورة الجزائرية، وأبقت لهيبها مشتعلا، هذه المقومات تتكون من التضحيات الثقيلة التي يقدمها الفلاحون الجزائريون في صورة دماء، وعرق، ودموع·

والحقيقة أن المحارب الجزائري العادي الذي لم يسمع غالبا عن “ماوتسي تونج” MAO- TSE- TUNG، يعرف دون أن يخبره أحد أن “الثورة ليست “مأدبة عشاء” ، وليست بدلة وأناقة إنما هي نضال مستمر·
إن ما جعل المحارب الجزائري العادي يشعر بمزيد من السخط هو فكرة أن رجلا مثل “فرحات عباس” الذي يشرب من آن إلى آخر كأسا مع العدو يمثل مصدراً مفيداً للثورة الجزائرية رغم كونه كما يقول “مصطفى الأشرف” “قريب جدا من الفكر السياسي الفرنسي”· ومع ذلك فمهما كان احتجاج قادة جبهة التحرير داخل الجزائر، فإنه لم يمثل تهديد لقادة جبهة وجيش التحرير الوطني المقيمين في الخارج طالما بقى هؤلاء القادة في الداخل، والخطر الذي هدد بتقويض الوضع المربح الذي يشغله رجال مثل “بوصوف” و”كريم بلقاسم” و”عمار اوعمران” و”محمود الشريف” و”بن طوبال” وغيرهم من ضباط وقادة جيش وجبهة التحرير الوطني الذين غادروا الجزائر لسبب أو لآخر واستقروا في المغرب وفي تونس ، جاء من ضباط جيش التحرير وقادة جبهة التحرير الذين غادروا الجزائر والتحقوا برفاقهم في المغرب وتونس ومع ذلك فإن هذا الخطر كان ظاهريا أكثر منه واقعيا· ولأن هؤلاء كانوا من البشر فإنهم لم يكونوا معصومين من التأثير المادي· وما نعنيه بذلك هو أنه لم يكن من العسير على “بوصوف” و”كريم بلقاسم”، و”بن طوبال” وغيرهم من قادة جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني المتمركزين في تونس والمغرب، أن يقضوا على تأثير أولئك الذين يمثلون تهديدا لقيادتهم، وذلك بأن يجردوهم من روحهم الثورية، أي بأن “يمدنوهم” بنفس الطريقة التي تمدنوا هم بها بفضل الجزائريين المتغربين· وهكذا كان يعامل قادة جبهة التحرير في الخارج، القادة العسكريين في الداخل عندما تحتمهم الظروف للالتحاق بالخارج وخاصة إلى تونس، والمغرب لأسباب مختلفة، إذ يعامل هؤلاء القادة العسكريين وخاصة الذين يمثلون خطرا عليهم في نظر قادة جبهة التحرير في الخارج، يعاملون معاملة حسنة لكسب ودهم حيث يستفيدون من منح شهرية، وإسكانهم في فيلات فاخرة أو شقق مزودة بوسائل الراحة الحديثة بما فيها الخدم· في حين أن العناصر الأقل خطرا كانوا يتلقون إلى جانب رواتبهم الشهرية نقودا كافية لتسلية أنفسهم “كما ينبغي”·

إن المنحة السخية التي قدمها رجال مثل “بوصوف”، و”كريم بلقاسم”، و”بن طوبال” ومرشدوهم من الجزائريين المتغربين لعناصر جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني الذين استمروا يتدفقون بالمئات من الجزائر إلى تونس والمغرب، تمثل مع ذلك جرعة من “السلوك المتحضر” لا تكاد تكفي لأن تمحو من عقول تلك العناصر الذكرى الأليمة لضروب المعاناة البشرية والبدنية التي فرضها الأعداء على الشعب الجزائري الذي شاركهم حياتهم· كان من الضروري إذن لبيروقراطي جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني أن يقدموا لعناصر جيش التحرير الوطني، وجبهة التحرير الوطني الذين كانوا يصلون
تباعا من الجزائر إلى الغرب وتونس جرعة إضافية من “ضروب السلوك المتحضرة”، قوية بدرجة كافية لمحو مشاعرهم المضطربة·

ولكي ندرك جوهر “الجرعة الإضافية” من “السلوكيات المتحضرة” التي كان بيروقراطيو جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني في الخارج يأملون أن “يروضوا” ويذلوا بها روح عناصر جيش، وجبهة التحرير الوطني عندما يصلون إلى تونس والمغرب، لابد أن نضع نصب أعيننا أن كل بلد تكتسب شهرته الدولية أساسا من خلال الأشياء التي تتفوق بها على سائر البلاد·

فاسكتلندا على سبيل المثال معروفة ب”الويسكي الأسكتلندي”، والولايات المتحدة الأمريكية معروفة بأفلام هوليود، في حين تعرف البرازيل برقصة السمبا، والبن، وعندما نأتي إلى فرنسا، نجد أنها تتفوق في شيئين: الخمر اللذيذ، والنساء الجميلات المغريات· هذان العنصران اللذان يتمازجان بصورة رائعة لهما تأثير قوي على عقول معظم الناس فتجعلهم يشعرون بعكس النظرية التي تقرر أنه لا يوجد فردوس على وجه الأرض·

وليس ثمة أسلحة استعملتها فرنسا ضد المجتمع الجزائري التقليدي طوال احتلالها الجزائر كانت أكثر تدميرا، من الوجهة الأخلاقية والاجتماعية، من الخمر والجنس· وهكذا فإن هذين العنصرين يمثلان المقومات الرئيسية للسلاح السياسي والاجتماعي التي استعملها الجزائريون المتغربون بقيادة “عباس فرحات” على أمل “غسل مخ” قادة جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني الجهلاء في نظرهم، ومنع الثورة الجزائرية، نتيجة لذلك من مواصلة مسيرتها الطبيعية، من الوجهة التاريخية·

وليس من المبالغة في شيء القول بأن المومسات الفرنسيات المتعطرات اللائي اصطدن في غضون السنوات 1956 ـ 1962 قادة جيش التحرير الوطني الكبار بمزيد من الحماس يفوق الحماس الذي أبداه العقيد “بيجار” BIGEARD وجنود المظلات التابعين له في محاولاتهم للقضاء على المقاومة الشرسة التي تبديها وحدات جيش التحرير الوطني، والفلاحون الجزائريون العزل من السلاح من خلفها·

ولما كان كبار قادة جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطنية المتمركزون في تونس والمغرب، يفشون كل ما يعلمونه تحت تأثير الخمر وسحر الفتيات الفرنسيات الجميلات بالإضافة إلى أنهم كانوا يبقون أبواب فيلاتهم ومساكنهم الفاخرة مفتوحة على مصراعيها للشخصيات الأوروبية المرموقة، وبخاصة الصحفيين الفرنسيين، وما يسمون بالسياسيين الأحرار متفتحي الأذهان، كل ذلك جعل قسم المخابرات الفرنسي بمثابة “رئيس الطهاة” في “مطبخ” جبهة التحرير الوطني السياسي·ويجب القول أن الخطر الحقيقي الذي كان يهدد الثورة الجزائرية لم يكن مصدره المخابرات العسكرية بقدر ما كان من ديغول نفسه فما يميز هذا السياسي المحنك هو قدرته على اختيار الكلمة المناسبة في الوقت المناسب. ولقد اختار ما يسمى “سياسة القوة الثالثة” -التي سنتطرق إليها فيما بعد- في وقت كانت الثورة الجزائرية في أدنى مستوياتها، إن لم نقل معرضة لخطر الانسحاق، نتيجة لما يسمى بأساليب التهدئة التي كانت تمثل في الواقع إجراءات القمع القاسية مثل نظام التقسيم التربيعي”أو “المناطق المحظورة”، والضغط المعنوي، وقنابل النابالم، والتعذيب، والإعدام بلا محاكمة·

وقد كانت إجراءات القمع هذه موجهة ضد الجماهير الجزائرية وبالأخص ضد الفلاحين الجزائريين الذين يشكلون بمعنى الكلمة الأوردة الوداجية للثورة الجزائرية كانت معززة بالحواجز الكهربائية التي ابتدأ بناؤها في 1957 على طول الحدود الجزائرية الشرقية والغربية· هذه المشروعات الكهربائية الشديدة التعقيد كانت في أغلب أنحائها تخضع لتحكم الرادار وتفصل الجزائر جغرافيا عن الدولتين المجاورتين لها (المغرب وتونس) من أجل أن تركز فرنسا كل قوتها ضد الثورة الجزائرية·

وكان الجسر الكهربائي المذكور، وبالأخص “خط موريس” LA LIGNE MORICE، والذي قارنه أحد زعماء جبهة التحرير الوطني بخط ماجينو MAGINOT، قد تبين أنه شديد الخطورة لدرجة أنه يقسم جيش التحرير الوطني إلى فيلقين، أو بالأصح إلى وحدات خارجية وداخلية· والواقع أن ما فعلته الحكومة الفرنسية ببناء مثل هذه المشروعات الكهربية، الشبيهة بالجحيم البشري ليس فقط لاجبار الآلاف من الفلاحين الجزائريين أن يفروا من ديارهم، ويلجأوا إلى المغرب وتونس، ولكن لأن يعزلوا وحدات جيش التحرير الوطني الداخلية عن بقية العالم، وأن يحرموهم نتيجة لذلك من خطوط تموينهم عبر تونس والمغرب، ومعنى كل هذا هو أن وحدات جيش التحرير الوطني الداخلية (التي استمرت قوتها تضعف مع تواصل الحرب) وجدت نفسها مضطرة لأن تواجه قوة الجيش الفرنسي التي كانت تدعمه منظمة حلف شمال الأطلنطي N.A.T.O بالقليل من الأسلحة الخفيفة التي وصلت إليها قبل بناء الحواجز الكهربائية·

أما الصعوبات التي واجهت وحدات جيش التحرير الوطني في الخارج والتي كانت قوتها تنمو بسرعة، بالاضافة إلى مشكلة اللاجئين الجزائريين التي تسحق القلوب والتي استمرت تزعج كلا من بيروقراطي جبهة التحرير الوطني ومضيفهم المغاربة والتونسيين فقد كانت هذه الصعوبات لا تقل فداحة، ولو أن هؤلاء كانوا في حالة مادية أفضل من حالة أفراد وحدات جيش التحريرالوطني في الداخل، ويعزى مصدر هذه الصعوبات أولا إلى النتائج السياسية والعسكرية الخطيرة المترتبة على الحجة التي اخترعها بورقيبة، الذي نجح فيها باقناع بيروقراطي جبهة التحرير الوطني بأن مواجهة الخطر الذي يواجه حينئذ الثورة الجزائرية يتمثل في ديبلوماسية فحواها، أنه إذا كان لجبهة التحرير الوطني من جهة الحق في أن تمارس ضغوطا عسكرية وسياسية على الحكومة الفرنسية لكي تقنعها بأن الحل الوحيد لمشكلة الجزائر يكمن في التفاوض، فإن عليها من جهة أخرى أن تمنع قادة جيش التحريرالوطني المتحمسين في الخارج من الاندفاع، والخروج عن السيطرة، وتوسيع الحرب إلى تونس والمغرب·

ويجب على جبهة التحرير الوطني، فوق كل شيء أن تقاوم أي إغراء يؤدي إلى إذلال الجيش الفرنسي عن طريق نكسة خطيرة، ذلك لأنه ليس ثمة سياسي فرنسي، حتى ديغول DE GAULLE نفسه يستطيع أن يمنع الجنرالات الفرنسيين المهزومين المحبطين من توسيع الحرب إلى ما وراء حدود الجزائر· وتواصل الحجة قولها بأن اتساع الحرب لابد أن يعرض كل من المغرب وتونس لخطر عسكري كبير، ويحرم، نتيجة لذلك جبهة التحريرالوطني، وجيش التحرير الوطني من قواعدهما الخلفية في البلدين

والمضمون الواضح هنا هو أن على جبهة التحرير الوطني أن تمنع الوحدات الخارجية لجيش التحرير الوطني من شن هجوم شامل على الحواجز الكهربائية بالاعتماد على أسلحة نارية وأوتوماتية صغيرة، وبازوكات، ومدافع هاون (مورتار) خفيفة، وكماشات عالية الجهد·

وعلى ذلك فإن وحدات جيش التحرير الوطني الخارجية وجدت نفسها مضطرة للهجوم على الحواجز الكهربائية شديدة التعقيد بمثل هذه الأسلحة الخفيفة، ومن ثم فقدت المئات من الرجال في كل مرة حاولت فيها أن تمضي لمساعدة وحدات جيش التحرير الوطني داخل الجزائر.

وغني عن القول أنه رغم الصعوبات التي واجهت بيروقراطيو جبهة التحرير فإنهم قرروا –كما تبين الوثيقة الملحقة أدناه- بتاريخ 19 سبتمبر 1958 تكوين الحكومة الجزائرية المؤقتة (GPRA)
إعلان
باسم الشعب الجزائري
لجنة التنسيق والتنفيذ، بتفويض من سلطات المجلس الوطني للثورة الجزائرية (قرار في 28 أوت 1957) قرر تشكيل حكومة مؤقتة للجمهورية الجزائرية كما يأتي:
ـ رئيس مجلس الوزراء: فرحات عباس
ـ نائب رئيس الوزراء، ووزير القوى المسلحة: بلقاسم كريم
ـ نائب الرئيس: أحمد بن بلة
ـ وزراء الدولة: حسين آيت أحمد، رابح بيطاط، محمد بوضياف، محمد خضير
ـ وزير الخارجية: د· محمد أمين دباغين
ـ وزير الداخلية: لخضر بن طوبال
ـ وزير التسليح والذخيرة: محمود شريف
ـ وزير العلاقات العامة، والمواصلات: عبد الحفيظ بوصوف
ـ وزير شؤون شمال افريقيا: عبد الحميد مهري
ـ وزير المالية والإقتصاد: د· أحمد فرنسيس
ـ وزير الإعلام: محمد يزيد
ـ وزير الشؤون الإجتماعية: بن خدة بن يوسف
ـ وزير الثقافة: أحمد توفيق المدني
وزراء دولة: لامين خان، عمر أوصديق، مصطفى استامبولي
الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية مسؤولة أمام المجلس الوطني للثورة الجزائرية·
وتباشر عملها في يوم الجمعة 19 من سبتمبر عام 1958 في الساعة الثالثة عشرة، بتوقيت الجزائر·

وكما يبين البيان المذكور أعلاه لم يكن الرجل الذي أصبح، تحدياً التاريخ، والمنطق الإنساني، رئيس وزراء الهيئة المشار إليها سوى فرحات عباس· كانت حياة هذا الرجل السياسية، وكفاحه حتى عام 1956، مكرسة لمهمة إنكار وجود الجزائر بمثابة كينونة قومية، كما ذكر في مقاله المشهور “فرنسا هي أنا!” وكان فرحات عباس هو الذي قرأ تصريح 19سبتمبر 1958
ورأى الصحفيون العرب والأجانب الذين شقوا طريقهم إلى مكتب دكتور لامين دباغين الذي أصبح وزير خارجية الحكومة الجديدة، رأوا كما يبدو هذا التصريح على أنه مجرد موضوع جيد صالح للنشر· ومن جهة أخرى نظر المجاهدون الجزائريون، بما فيهم المؤلف إلى حدث 19 سبتمبر 1958 على أنه حدث تاريخي رائع· والواقع شعرنا بأننا فخورون بأنفسنا وبثورتنا، لأنه و بالرغم من المشكلات الهائلة العسكرية، والسياسية والاقتصادية التي كان على الحكومة المؤقتة أن تواجهها، فإن الثورة الجزائرية تطورت في عام 1958 من كفاح وطني محلي إلى كفاح عالمي قوي وحاسم، شمل من جهة الشعوب التي تحررت حديثا، وشعوب آسيا وأفريقيا التي لم تزل تحت نير الاستعمار، ومن جهة أخرى ظل العالم الغربي يعتقد بأن نضال الشعب الجزائري كان في جوهره نضالا ضد المصالح المعنوية والثقافية الحيوية للحضارة الغربية، هذا الرأي يردده السيد البير سارو ALBERT SARRAUT، رئيس مجلس الاتحاد الفرنسي الذي صرح في أفريل 1956 بأن “الكفاح ضد الحضارة الغربية قد بدأ؛ وتزودنا أحداث الجزائر بالوصف “المأساوي”· بل إن السيد روجيه دوشيه ROGER DUCHET كان أكثر وضوحا وصراحة إذ يقول: “يجب أن تبقى الجزائر في نطاق الجمهورية الفرنسية، لأن فرنسا وحدها··· في وسعها أن تجنب الغرب واحدة من أخطر الهزائم”

ويقول الجنرال بوفر BAUFFRE الذي استدل بالتهديد الشيوعي لأوروبا، والمساعدة المعنوية والعسكرية التي تقدمها مصر للثورة الجزائرية، محذرا بدوره أنه “لو فشلت فرنسا في كفاحها ضد الثوار، فإن أوربا الغربية كلها سوف تسقط”ومهما كانت الثورة الجزائرية قوية، فإنها تحتوي، للأسف على عدد من المتناقضات الموروثـة، وبدلا من أن تكون نظاما ديناميكيا يقوده رجال ثوريون متحمسون، فقد كشفت الحكومة الجزائرية المؤقتة عن نفسها بعد تشكيلها بقليل بأنها هيئة بيروقراطية فاسدة يقودها مجموعة من الرجال الطموحين مع “عصابات” منظمة خاصة لحماية وتعزيز قواتهم السياسية في نطاق الثورة الجزائرية· ومع ذلك فالخطر الحقيقي على هذه الثورة لم يأت من رجال مثل كريم بلقاسم، وبوصوف، وبن طوبال، وإنما أتى من فرحات عباس الذي كان يقودهم بيده وكأنهم جماعة من الأطفال إن كون فرحات عباس قد فشل، دون أي خطأ منه، في أن يمنع الشعب الجزائري من رفع السلاح ضد مستغليه لا يعني بأية حال أنه فشل تماما في مهمته، لأنه هو وأتباعه أصبحوا الآن في وضع فريد ليحون دون حدوث ثورة أول نوفمبر 1954 من تحقيق أهدافها طبقا للقيم الروحية للشعب الجزائري· فما كان على فرحات عباس أن يفعله لكي يشوه الطبيعة المعنوية والثقافية والروحية للثورة الجزائرية إلا أن ملأ وزارات ومصالح الحكومة المؤقتة بالجزائريين المتغربين التابعين له· ولاحظ شارل هنري فافرو CHARLES HENRI FAVROD قائلا: “يشغل كل المحامين مكاتب تقريبا·· في مكاتب الجزائر··· وظائف إدارية في مختلف وزارات ومصالح الحكومة المؤقتة، في القاهرة، وفي تونس والرباط، بالإضافة إلى وفود جبهة التحرير الوطني في الخارج” ·

وإذا تصرف فرحات عباس تصرف البيروقراطيين المخلصين، فإنه قرر هو ووزراؤه في 3 أكتوبر 1958 أن يصدر العديد من القرارات المتعلقة بالعفو العام عن كل أولئك المعتقلين في الأماكن الانضباطية التابعة لجبهة التحرير الوطني، وجيش التحرير الوطني، باستثناء أولئك الذين حوكموا أو أدينوا بسبب الخيانة أو التعاون مع العدو” والشيء الذي لم توفق القرارات المشار إليها أن تعنيه هو أن “الأماكن الانضباطية” لم تكن مجرد مراكز اعتقال، ولكنها كانت “زنزانات في سجون” قذرة، ومعسكرات اعتقال سيئة السمعة، أقامها بيروقراطيو جبهة التحرير الوطني في المغرب وفي تونس لسجن المئات من المجاهدين الجزائريين، ذلك لأنه لم يكن بإمكان البيروقراطيين المشار إليهم شراء ضمير كل جزائري يعارض سياستهم، كما أن مالية جبهة التحرير الوطني لم تكن من الضخامة بحيث تتيح لبوصوف، وابن طوبال، وكريم بلقاسم، ومؤيديهم المتغربين أن يرشوا كل عناصر جيش التحرير الوطني وجبهة التحرير الوطني الذين تدفقوا بالمئات من الجزائر إلى تونس والمغرب طوال الحرب· مثل هذه “الزنزانات” ومعسكرات الاعتقال ترمز ـ إذا كان لنا أن نؤكد ذلك ـ إلى سيادة “الإرهاب” الذي أطلق عنانه بيروقراطيو جبهة التحرير الوطني وحكومة جمهورية الجزائر المؤقتة ضد العناصر المتمردة في قلب الثورة الجزائرية في المغرب وبالأخص في تونس.

ومن بين العديد من المجاهدين الذين هلكوا إبان سياسة إرهاب جبهة التحرير والحكومة المؤقتة الذي استمر من 1958 إلى 1962 نذكر عميرة علاوة وإعدام العقيد محمد العموري ورفاقه –الذين سنعرض إلى قضيتهم لاحقاً- وهي الحوادث التي ألقت بظلال سوداء قاتمة على الثورة الجزائرية.

أن المخابرات الفرنسية قبل ما يسمى المكتب الثاني “2eme Bureau ” أصبحت أكثر اهتماماً بالثورة الجزائرية بعد تكوين الحكومة الجزائرية المؤقتة.
إن القضية الجاسوسية المتعلقة بالتنصت الهاتفي والمعروفة بشبكة ” ماجنتا” “Réseau Magenta” تتحدث عن نفسها. “من بين الخمسة عشر شخصا الذين قبضت عليهم السلطات التونسية ،في 2 فيفري 1959، بشأن ما سمي شبكة ماجينتا، اثنان من الجزائريين،جويلات وعلي ديرا، وكان المتآمرون الذين تخصصوا في مراقبة جبهة التحرير الوطني في تونس قد اتهموا بأنهم استخدموا مجموعة من أجهزة استماع معقدة لإيصال وزارة البريد، والتليفون والتلغراف التونسية بالسفارة الفرنسية وقد انتحر أحد المتآمرين، وهو السيد جوندولو GONDOLOفي السجن قبل إطلاق سراح 12 من زملائه بقليل، في 9 أكتوبر 1959. وتعقد هذا الحدث الدبلوماسي بالمشكلة التي نشأت من مسألة ما إذا كان الجاسوسان الجزائريان من المواطنين الفرنسيين أو الجزائريين. أما جبهة التحرير الوطني التي ارتفع صوتها دفاعا عن كرامته، فإنها تذرعت، على سبيل المثال بأنه لابد من محاكمة الاثنين في محاكمها الخاصة، على أساس أنهما مواطنين الجزائر. أما الحكومة التونسية التي سلمت الرجلين أولا لجبهة التحرير الوطنية فإنها سرعان ما غيرت رأيها، واستردت الجاسوسين وسلمتهما للحكومة الفرنسية التي أصرت بنفس القوة على أنهما مواطنان فرنسيان، ومن ثم يجب تسليمهم إلى السلطات الفرنسية في تونس.

أن الجنرال ديغول الذي وصفه تشرشل (Churchill)– ساخراً- بجان دارك(Joan of Arc) فرنسا المعاصرة قد اعتلى سدة السلطة للمرة الثانية في 13/05/1958 ثم راحة –لفرحة أنصاره وحزن معارضيه-يؤدي مهمته الشاقة من أجل إيجاد حل نهائي لقضية الجزائر التي أثقلت كاهل فرنسا سياسياً واقتصادياً ومعنوياً. والواقع إنه حينما وصل إلى السلطة قد تبلورت في ذهنه تماماً فكرة واضحة عن الحل الشامل للمشكلة الجزائرية الشائكة ممثلاً في مصطلح “القوة الثالثة ” (La Troisième Force) المثير للجدل والذي ظهر في صيف 1959

كان ديغول من خلال هذا السلاح السياسي الفعال يبتغي إضعاف الثورة الجزئارية وتدميرها وفي الوقت نفسه إرغام المستوطنين الجشعين الذين يمثلون الاستعمار التقليدي على تسليم مهام الحكم في الجزائر تدريجياً إلى الطبقة المتغربة التي كان يعتقد – مصيباً في ذلك- أنها تستطيع على خلفية ثقافتها الغربية العميقة المحافظة على مصالح فرنسا المادية والمعنوية في الجزائر وإنمائها أفضل مما يمكن أن يفعله المستوطنون.
لقد وصل ديغول إلى تلك النتيجة المنطقية ليس فقط لأنه كان يرى منذ البداية استحالة التعايش السلمي بين المستوطنين والطبقة المتعربة ما بقي المستوطنون في الحكم ولكن لأنه كان يعتقد أيضاً إنه حتى لو نجحت فرنسا – سياسياً وعسكرياً- في تكسير إرادة الشعب الجزائري فإن هذا الأخير سوف ينهض لا محالة بعد عقد أو عقدين كما فتأ يفعل منذ 1830.
معنى ما سبق إنه نظراً لقدرة المتغربين الجزائريين على السيطرة بفاعلية على الشعب الجزائري بأحسن مما كان عليه المستوطنون فقد ترسخ الاعتقاد لدى ديغول من أجل ذلك بأفضليتهم في تولي زمام القيادة والسلطة في الجزائر
ولنحلل إذن الوسائل السياسية التي كان ديغول يرجو من خلالها تحقيق سياسة القوة الثالثة.

إن ما يعنيه هذا المصطلح في مفهومه العام هو إنشاء قوة سياسية ثالثة في مواجهة كل من المستوطنين الفرنسيين الذين كانوا يريدون أن تندمج أرض الجزائر بالكامل مع فرنسا،دون أهلها الأصليين ” العرب”وجبهة التحرير الوطني التي كانت تطالب بالاستقلال . وكانت القوة الثالثة تمثل في الواقع قطاعا صغيرا من سكان الجزائر، يشمل الجزائريين المتغربين الذين رفضوا الانضمام لجبهة التحرير الوطني، والعاملين الجزائريين المدنيين الذين دربتهم الإدارة الاستعمارية طوال مختلف مرحل الثورة الجزائرية، و “الدمى الإقطاعية” ومع ذلك، فرغم قلة عددهم، فإن عناصر هذه القوة الثالثة كانت تمثل قوة سياسية هامة بالنسبة لقوتهم الشخصية وكانوا يمثلون في الواقع المقومات المستقبلية للجهاز البيروقراطي القوي الذي كان يستهدف التحكم في مصير الشعب الجزائري
كان ديغول يأمل في تحقيق السياسة المذكورة من خلال عدد من العملاء الجزائريين أمثال السبد قارة، عبد الرحمن فارس، علي معلم، الشريف بن حليس(عضو مجلس الشيوخ الفرنسي) الذي كان له ابن أخ يحتل منصباً كبيراً في صفوف جبهة التحرير والحكومة المؤقتة والذي قال عنه السيد “Edward Roermond” :” كان لشريف بن حبيلس مكانته المهيأة في ذلك الوقت وكان على علم بكل الوسائط ومتى انتشرت أي إشاعة داخل جبهة التحرير الوطني كان على علم بها …” ثم أضاف قائلاً :” …أن بن حبيلس كان على ثقة جديدة بما يسمى سياسة القوة الثالثة لدرجة اقتناعه بأن في وسعها أن تؤدي إلى جذب قسم كبير من قادة جبهة التحرير الوطني إلى سياسة ديغول”DE GAULLE”
وقد كان على “إدوار رويرمون” EDOUARD ROERMOND لو تحرى الدقة أن يكتشف أن فرحات عباس رئيس الحكومة المؤقتة هو الذي شجع الشريف بن حبيلس على القيام بذلك الدور السياسي الخطير.
فبينما كانت الحكومة المؤقتة منهمكة في صراع مرير في محاولتها منع ديغول من بث الاحباط في وسط جيش التحرير و مناضلي جبهة التحرير، كان السيد فرحات عباس يحاول كما جاء في مذكرات محمد حربي “أن يجعل القوة الثالثة، كواقع سياسي داخل جبهة التحرير· ولقد قام بالتنسيق مع أحمد فرنسيس سريا بتشجيع السيناتور بن حبيلس للقيام بمهمة تحقيق القوة الثالثة بدون علم الحكومة المؤقتة، دون أن يدرك حقيقة الخطر الذي سيوضع فيه·

وبمجرد ما بلغ هذا الخبر إلى الثلاثي الحاكم (بوصوف، بن طوبال، كريم بلقاسم) أمروا فدرالية جبهة التحرير بفرنسا بالقيام بمهمة التصفية الجسدية لبن حبيلس”
أن النقطة المهمة التي يجب أن نلاحظها هنا هي، إنه بينما يعتبر معظم الجزائريين الدور الشنيع الذي قام به فرحات عباس في محاولته لمساعدة ديغول تحقيق غايته الكبرى بمثابة خيانة عظمة فإن فرحات عباس يعتقد من جهته إنه لم يرتكب أي خطأ باعتناقه فكرة ” القوة الثالثة” بل يعتقد فوق ذلك إن ما قام به رفقة أحمد فرنسيس هو من صلب الوطنية !!. ولكن كيف استطاع فرحات عباس أن يحول دوره المشبوه ويجعل منه تصرفاً وطنياً؟
أن فرحات عباس الذي ظل مقتنعاً حتى بعد انضمامه إلى جبهة التحرير في 1956 بأنه ليس بمقدور الشعب الجزائري أن يهزم- عسكرياً- دولة أوربية عظمى مثل فرنسا ، أعتقد جازماً أن السبيل الوحيد لوضع حداً للبؤس السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي فرضه المستوطنون الأنانيون منذ 1830، هو مساعدة ديغول في تجسيد سياسته المتمثلة في إنشاء القوة الثالثة؛ ذلك إنه (فرحات عباس ) كان يعتقد – وقد كان على صواب- أن ديغول بحنكته وهيبته هو الوحيد الذي بإمكانه أن يتصدى لأطفال فرنسا المشاغبين (أي المستوطنين) وقد كان فرحات عباس بتوجيه ذلك يشبع رغبة دفينة في داخله لإرواء غليله من المستوطنين الذين منعوه والمتغربين الآخرين من أن يصبحوا فرنسيين مثلهم.

ويجب القول هنا أن المرحوم د/ لمين دباغين كان على علم بالخطة الجهنمية التي دبرها كل من “فرحات عباس” وأحمد فرنسيس وعاجزاً في الوقت نفسه عن توقيفها ، لأنه وجد نفسه معزولاً من طرف زملائه في الحكومة المؤقتة الذين اتهموه بالعمالة لمصر. ولكنه رغم عزلته تلك ويأسه استطاع قبل أن يغادر إلى الأقصر بأيام قليلة أن يعين عميرة علاوة مساعداً لأبراهيم كابوية رئيس بعثة الحكومة المؤقتة في بيروت. لم يمر وقت طويل بعد التحاقه بمنصبه حتى اكتشف بأن هناك اتصالات مريبة بين ممثلي الحكومة المؤقتة والسفارة الفرنسية في بيروت. وهكذا ما كاد الدكتور دباغين يصل إلى الأقصر حتى أرسل “فرحات عباس” برقية مستعجلة إلى بيروت يدعو فيها عميرة علاوة إلى الرجوع فوراً إلى القاهرة. وكان “فرحات عباس” قد تسلم مهام وزارة الخارجية بالنيابة من الدكتور دباغين الذي اشترط عليه وهو يسلمها إياه أن لا يمس أو يغير أي موظف في الوزارة حتى يقرر المجلس الوطني للثورة الجزائرية مصيره (أي مصير د/ دباغين). ورغم وعده بذلك فقد نكث به واستدعى كما رأينا عمارة علاوة إلى القاهرة.

عندما عاد عمارة علاوة من بيروت لم يذهب إلى لقاء “فرحات عباس” في نفس اليوم، لأنه ربما أدرك أن هذا الأخير وجماعته قد علموا بما كشفه من أسرارهم وهو ما يعني طبعاً اقتراب ساعته.
لم يتضح لكاتب هذه السطور والذي يكن احتراماً كبيرا لنضال المرحوم عميرة علاوة؛ هل أن هذا الأخير ذهب طوعاً إلى مقر الحكومة المؤقتة في ” غاردن سيتي” بالقاهرة أم أنهم تمكنوا من العثور عليه في مدينة كبيرة كالقاهرة وأخذوه عنوةً؟! ذلك أنني عندما وصلت أمام مقر الحكومة في حدود الساعة الحادية عشر صباحاً من يوم 10 فيفري 1959 علمت أن عمارة علاوة الذي قالوا أن سقط من الطابق الرابع قد مات في الحال، ولم يبق له من آثر سوى آثار من بركة دم أمام المبنى.

لما علم د/ دباغين بأمر الوفاة المأسوية لعلاوة قطع إجازته في الأقصر وعاد إلى القاهرة، حيث راح يلح على تكوين لجنة تحقيق في أسبابها، لأنه كان على يقين من أنها لم تكن انتحاراً، كما كان يدعي “فرحات عباس” وجماعته الذين استغلوا قضية الانقلاب الفاشل الذي خطط له العقيد محمد العموري والرائد مصطفى لكحل.

وكأن حادثة اغتيال عميرة علاوة المأساوية لم تلق بما يكفي من سواد قاتم على الثورة الجزائرية، حتى اهتز كيانها مرة أخرى بسبب إعدام العقيد العموري وثلاثة من رفاقه في إطار ما أسماه بعض المؤرخين
” مؤامرة العموري”
وحتى نتمكن من الاحاطة بملابسات هذه القضية، يستحسن أن نتطرق إلى وجهة نظر فرحات عباس ثم وجهة نظر الدكتور محمد حربي.

ولتكن البداية بفرحات عباس. الذي كان وقتئذ رئيس وزراء الحكومة المؤقتة الجزائرية، إذ يقول هذا الأخير “إن العقيد لعموري الذي حكم أمام محكمة عسكرية في 21 ديسمبر 1958 أعدم بعد ذلك بأشهر قليلة لأنه أعد” في ليلة 14 إلى 15نوفمبر 1958، مع العديد من رفاقه انقلابا ضد الحكومة المؤقتة لصالح حكومة جديدة كان يأمل في أن يرأسها· وقد أبلغ عنه مناضل شاب اسمه غرام عمار من أم البواقي” وقد شهد الأخير أمام المحكمة العسكرية أن هدف القائمين بالانقلاب سيء الحظ هو “قلب النظام الحالي، وسحق عناصر القبائل وإقامة حكومة أخرى يكونون أعضاءها كما ادعوا بأن قادة الثورة داخل الجزائر معهم، وأنهم كانوا يعتمدون على مساندة تامة للمنطقتين الأولى والثانية للعقيد عميروش بالولاية الثالثة”وأصر غرام الذي ادعى أن دكتور لمين دباغين كان على علم بما يدبره العقيد العموري، وما قاله الأخير: “اعلموا أيضا أن ابن طوبال هو الذي أعدم زيغود يوسف لكي يحل محله، ومما يؤسف له أن يكون في حكومتنا مثل هذا الوزير”·

والجدير بالذكر أن “فرحات عباس” مضى إلى حد اتهام الحكومة المصرية، ولو بطريق غير مباشر، بأنها خلف الانقلاب الذي دبره العقيد لعموري ورفاقه .
كان الدكتور محمد حربي في بحثه القيم ذي العنوان الملفت للانتباه:” مؤامرة لعموري” أكثر وضوحاً مما سبق له كتابته في مؤلفه ” جبهة التحرير : السراب والحقيقة”؛ ففي ذلك البحث لم يتمكن – فحسب- من أن يضع أمام القارئ المحضر الكامل لجلسة محاكمة العقيد العموري ورفاقه بل أنه نجح إلى حد ما في أن يضيف إلى التاريخ نكهة قوية من علم الاجتماع بهدف استجلاء الدوافع الخفية الكامنة وراء التفكير في حبك خيوط تلك ” المؤامرة” بحيث أرجعها إلى خلفية العموري الاجتماعية؛ فهو يعتقد – وهو نسبياً على صواب- أن شخصية العموري قد ساهمت في تشكيلها التقاليد والأعراف السائدة في القبيلة التي كان ينتمي إليها في منطقة الأوراس، والتي يميزها طابع العلاقات الصراعية والخلافات المستفحلة بين مختلف القبائل.
كما أنه بفضل تلك الطبيعة الوعرة وصفة التمرد التي يتصف بها الفرد العادي في الأوراس، استطاعت هذه المنطقة مثلها في ذلك مثل منطقة القبائل أن تصمد خلال الأسابيع الأولى من عمر الثورة الجزائرية في وجه قوة الجيش الفرنسي ومن ورائه حلف الشمال الأطلسي. وهي نفس الفكرة التي يقول بها ويؤيدها الدكتور لمين دباغين؛ ففي كل مرة زرته فيها ببيته بالقبة والعلمة، وحتى عندما تفضل بزيارتي في بيتي بباتنة، كان يكرر دائماً أنه لولا شجاعة سكان الأوراس ومنطقة القبائل وصمودهم لتمكن الجيش الفرنسي من سحق الثورة قبل أن تسنح الفرصة الكاملة للشعب الجزائري لمؤازرتها.

ذلك أنه وخلافاً لسكان الريف الذين كانوا يعانون شظف العيش وقساوة الطبيعة، فإن سكان المدن كانوا سياسياً واجتماعياً ناعمين وماديين لدرجة أن لم يكن بإمكانهم الصمود أمام سياسة القمع المتوحشة التي انتهجها فرنسا ضد الشعب الجزائري الأعزل في الأسابيع الأولى من الثورة. وكان مما جعل ذلك القمع أشد وحشية ودموية ان وزير الداخلية ” فرانسوا ميتران” في حكومة ” مانديس فرانس” قد صرح في 05 نوفمبر 1954 قائلاً: ” الجزائر هي فرنسا من فلاندر إلى الكونغو لها قانون واحد ومجلس نيابي واحد، وبذلك فهي أمة واحدة، هذا هو دستورنا وتلك هي إرداتنا” ثم أضاف في 07 نوفمبر قائلاً:” أن المفاوضات الوحيدة هي الحرب” كما أمر القادة الميدانين باستعمال كل سلاح ممكن ضد الشعب الجزائري، بما فيه سلاح النبالم المحرم دولياً.

لقد تبنى د/ محمد حربي – أن كان لي أن أؤكد الأمر- المنهج التاريخي والاجتماعي المناسب في محاولته تحليل الأسباب الاجتماعية التي دفعت العقيد محمد العموري ورفاقه إلى القيام بتلك المغامرة السياسية المهلكة التي وصفها حربي بالمؤامرة.

أننا نعتقد أن كان باستطاعة د/ محمد حربي أن يجعل بحثه أكثر قوة وقيمة لو أنه أشار إلى أن الجيش الفرنسي حينما نزل في سيدي فرج بتاريخ 14 جوان 1830، قد وجد نظام العروش حقيقة اجتماعية قائمة كانت لها آثارها السلبية الظاهرة على واقع المجتمع الجزائري، غير أن الفرنسيين أضافوا إليها مكونات وعناصر أخرى قاتلة تخدم نظريتهم الاستعمارية :” فرق تسد”.

والواقع أن الحكام الفرنسيين في الجزائر أصبحوا مبهورين بذلك النمط الاجتماعي القبلي، حتى أنهم بذلوا جهداً ووقتاً كبيراً لتحليل جوهر تلك الآلية الاجتماعية المعقدة، من أجل تحويلها –كما قلنا- إلى سلاح اجتماعي فتاك.

والأهم منن هذا أن حكام فرنسا في الجزائر وقد أدركوا حتى قبل ثورة نوفمبر حتمية مغادرتهم الجزائر عاجلاً أو آجلاً، لم ينسوا أن يتركوا لخلفائهم (من جبهة التحرير) ذلك الرصيد المعرفي المهم الذي اكتسبوه من دراستهم وتطبيقهم لسلاح القبيلة والجهوية القاتل.

وهكذا يمكن القول إن النهاية المأسوية للعقيد العموري ورفاقه إن دلت على شيء فإنها تدل على أن خلفاء الحكام الفرنسيين ، أي قادة جبهة التحرير قد أثبتوا استحقاقهم لقب التلاميذ النجباء لأنهم نجحوا في تطوير سياسة الجهوية إلى سلاح أشد فتكاً مما كان عليه في يد الفرنسيين طيلة 132 سنة.

ما نعنيه هنا هو أن هذه السياسة (سياسة الجهوية) التي تبعتها جبهة التحرير أثناء الثورة وبعدها، كانت من بين الأسباب الرئيسة وراء محاولة الانقلاب.

يبدو أن الدكتور محمد حربي كان مهتماً بالتاريخ حتى وهو يتابع دراسته في فرنسا. وقد استطاع –بعد أن أصبح إطاراً في جبهة التحرير الوطني أن يجمع عدداً لا بأس به من الوثائق والمراجع الخاصة بالثورة الجزائرية، غير أن أهم تلك الوثائق وأكثرها حساسية قد أتيحت له فرصة الإطلاع عليها وتحصيلها عندما كان أمينا عاماً لوزارة الحربية التابعة لكريم بلقاسم (أقوى شخص في الحكومة المؤقتة). وبفضل تلك الوثائق تمكن من إعطائنا صورة واضحة عن القضية التي أسماها ” مؤامرة العموري” لذا يستحسن أن نتركه –هو نفسه- يبين للقارئ ملابسات ذلك الانقلاب الفاشل منذ اللحظة الأولى التي تبلورت فيها فكرته بالقاهرة بعلم ومساعدة المخابرات المصرية، إلى أن تم كشفه واعتقال مدبريه في تونس.

والواقع أنه من الصعوبة بمكان فهم فصول تلك المؤامرة دون أن نأخذ في الاعتبار أنه بينما كان منفذوها جزائريين، فإن مبتكريها والذين منعوها من أن تصبح حقيقة واقعة لم يكونوا جزائريين، بمعنى أنه حينما حاول العموري تنفيذ انقلابه الفاشل فإن الثورة الجزائرية كانت قد تحولت إلى كفاح مسلح وطني محض، إلى معترك وساحة لصراع إيديولوجي بين العالم الغربي بقيادة فرنسا والعالم العربي الإسلامي بقيادة مصر.
والآن؛ إذا ما حللنا بعناية طبيعة ذلك الصراع الإيديولوجي الدولي، فإننا نجد إن الفاعلين الرئيسيين أي مصر وفرنسا أو بالأصح عبد الناصر وديغول كانا يريدان التأثير على الثورة الجزائرية وتوجيهها الوجهة التي تخدم مصالح كلً منهما الحيوية في الجزائر.

فإذا ما أخذنا ديغول، فسوف نجد إنه كان مطمئناً للغاية لأن حكام الجزائر المستقبليين أي بيروقراطيي جبهة التحرير والحكومة المؤقتة سوف يتولون حماية مصالح فرنسا في الجزائر كرد منهم لجميل الوطن الأم عليهم. ولكن الأمر بالنسبة لعبد الناصر لم يكن كذلك، لأن هذا الأخير الذي وضع كل أماله في مزياني مسعود (أحمد بن بلة )الذي جعل منه بفضل المخابرات والأعلام المصريين رمزاً وقائداً للثورة الجزائرية، أكتشف- لأسفه- بعد عملية الاختطاف المثيرة التي وقعت في السماء بتاريخ 22 أكتوبر 1956 إن المتغربين الجزائريين بزعامة فرحات عباس الذين أصبحوا المسيطر بدون منازع على الثورة الجزائرية لم يعودوا يخفون إعجابهم بالوطن الأم فرنسا أو يعيروا أدنى اهتمام لشعارات عبد الناصر القومية.

ولكي يمنع عبد الناصر وفتحي الذيب بيروقراطيي جبهة التحرير والحكومة المؤقتة بزعامة فرحات عباس من التغيير الكلي للمرجعية الأصلية للثورة الجزائرية لم يجد أمامه من خيار إلا محاولة صنع مسعود مزياني ثاني وهكذا ظهرت إلى الوجود تلك المغامرة المنحوسة بقيادة العموري ومصطفى لكحل.

وهكذا نضجت الفكرة في ذهن العقيد لعموري والرائد مصطفى لكحل ورفقائهما، وفي اعتقادهم أن لا الحكومة المؤقتة ولا بورقيبة ولا حتى الفرنسيين كانوا على علم بخطتهم، وقاموا بوضع اللمسات الأخيرة عليها، والأمل يحدوهم لتوسيع رقعة الكفاح المسلح إلى كل من تونس والمغرب لإنقاذ حياة الآلاف من الجزائريين، بل ولإنقاذ الثورة الجزائرية نفسها، معتقدين أيضاً أنهم على وشك إحداث تغيير جذري في الثورة وفي مصير شعوب شمال إفريقيا بأسرها. ولقد قرروا أنه لضمان نجاح خطتهم، يجب أن يناقشوها مع أصدقائهم المصريين قبل مغادرتهم القاهرة إلى تونس حيث كان بانتظارهما بقية أعضاء المجموعة.

وحسب د/ حربي فإن الرجلين قد عقدا ثلاثة اجتماعات في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر 1958 مع فتحي الديب وبعدها :” قرر العموري الالتحاق بالحدود الجزائرية التونسية رغم الحظر المفروض عليه من طرف الحكومة المؤقتة، غادر القاهرة مرفوقاً بمصطفى لكحل”.

ثم ذهب حربي يقول بأن الرجلين ما كادا يبدآن الاجتماع برفقائهما ويقرروا “جدول الأعمال حتى توقف النقاش بسبب تدخل الحرس القومي التونسي، لإلقاء القبض على المتآمرين بعدما أبلغ عمر قرام الحكومة المؤقتة بالاجتماع، وقد تواصلت التوقيفات بمساعدة الحرس القومي التونسي من 12 إلى 14 نوفمبر.إن الرائد بلهوشات الذي استطاع أن يفلت من القبضة بصحبة صالح سوفي الذي كان مسؤولاً على الحدود، حاول تنظيم مقاومة المنشقين، غير أن القوات التي حاول استنفارها ب ” تجروين” ضد الحرس القومي التونسي لم تتبعه عندما أبلغها صالح سوفي (واسمه الحقيقي بن ديدي) أن السلطات التونسية قد تحركت بطلب من الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وقد اغتنمت القوات المذكورة هذه الفرصة لإلقاء القبض على عدد من الضباط من غير المتآمرين، ومنهم النقيب علي منجلي من الولاية الثانية، كما استولت على الأرشيف، أما مصطفى لكحل فلم يمنعه إلقاء القبض عليه من طرف الشرطة التونسية من الفرار من أماكن استنطاقه ليلجأ إلى أقارب سلموه إلى بو صوف الذي سبق له وأن كانت له معه العديد من المقابلات بالقاهرة”.

والغريب في الأمر أن عبد الحفيظ بوصوف رئيس جهاز مكافحة التجسس في الثورة الجزائرية والمنافس العنيد لكريم بلقاسم، والذي شجع العقيد العموري ومصطفى لكحل على القيام بتلك المغامرة القاتلة، هو نفسه الذي وشى بهما بعد أن اتضح له أن الخطة كانت على وشك أن تكتشفها جهات استخبارتية أخرى في الحكومة المؤقتة. والأهم من هذا أن رجاله شاركوا رجال لخضر بن طوبال وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة في التحقيقات مع العموري وجماعته بأساليب تعذيب رهيبة لا تختلف عن تلك التي مارسها الجنرالات الفرنسيين أمثال ” ماسو” و” بيجار” ضد المجاهدين والمجاهدات الجزائريين كبن مهيدي وجميلة بوحيرد وغيرهما داخل الجزائر.

وبفضل أساليب التحقيق الخاصة تمكن رجال بو صوف وبن طوبال ان ينتزعوا من العقيد العموري والرائد مصطفى لكحل ورفقائهما أسماء العشرات من المجاهدين المتورطين معهم كما تمكنوا أيضاً من الحصول على معلومات هامة تخص الدور الذي قام به عبد الناصر والعقيد فتحي الذيب وقد كتب حربي يقول: ” كشفت التحقيقات التي أجريت في أوساط المتآمران، عن خيوط المؤامرة التي امتدت إلى مختلف الوحدات القتالية، كما كشفت طورت المخابرات المصرية فيها. ويبدو أن العموري ولكحل قد اعترفا- لكن في أي ظروف- باستقبالهم من طرف جمال عبد الناصر، مما دفع الحكومة المؤقتة إلى طلب مقابلة الرئيس المصري بخصوص المسألة غير أنها ظلت في انتظار تلبية الطلب عدة شهور دون جدوى، وهكذا توجهت إلى الرئيس السوري السابق شكري القوتلي، الذي اقنع الرئيس المصري باستقبال لخضر بن طوبال ووزير الاتصالات العامة عبد الحفيظ بوصوف… وقد اقترحوا على الرئيس إنشاء لجنة مختلطة جزائرية مصرية للاطلاع على محضر الاستنطاقات وتسجيلاتها. وبروي بن طوبال أن ” الرد الوحيد الذي تلقياه من عبد الناصر لم يتعد قوله إنه كانت هناك مبالغة في القضية. هذا ما قال لنا، ولم يتفوه بكلمة غير ذلك”

إن المعلومات الهامة التي حصل عليها المحققون حول الدور الخطير الذي قام به عبد الناصر أعطت الحكومة المؤقتة أو بالأصح فرحات عباس وتلاميذه المتغربين الجزائريين الحجة الذهبية التي كانوا ينتظرونها لقطع كل العلاقات والخيوط الواهنة أصلاً التي كانت تربط – سياسياً ومعنوياً وروحياً- الثورة الجزائرية بالعالم العربي الإسلامي

ولقد وضح محمد حربي هذه الحقيقة قائلاً ” بناءاً على ذلك عمدت الحكومة المؤقتة إلى استخلاص نتائج الأزمة معبرة عن احتجاجها من خلال تحويل مقرها من القاهرة إلى تونس. منذ ذلك الحين قرر الجزائريون أن يقودوا سياستهم الخارجية بكل سيادة رافضين كل وساطة دبلوماسية من أي طرف كان سواء كانت تونس أو المغرب أو مصر”.

إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح هو : كيف استطاعت الحكومة المؤقتة إفشال الانقلاب الذي خطط له العموري ورفاقه، رغم كونه مدعماً معنوياً ومادياً من طرف المخابرات المصرية؟ ناهيك عن أن هناك المئات من مناضلي جبهة التحرير وجنود جيش التحرير داخل الجزائر وخارجها ممن يتعاطفون مع مدبري الانقلاب؟ وجوابه أن المخابرات الغربية وخاصة الفرنسية منها لم تكن غافلة عندما كان عبد الناصر وفتحي الذيب و العموري يخططون للانقلاب والأهم من هذا أن الحبيب بورقيبة الذي أحيط علماً بشأنه (الانقلاب) كان في غاية السعادة وهو يمد يد المساعدة إلى أصدقائه خاصة وهو يعلم أن خطة الانقلاب كانت بمساعدة كل من مصر والأمير عبد الكريم الخطابي، وبالأخص عدوه اللدود صالح بن يوسف وزير العدل التونسي السابق، والذي ظل على ادعائه بأنه الأمين العام الشرعي للحزب الدستوري الجديد رغم وجوده في منفاه بمصر.

الشيء المهم الذي يجب أن نلاحظه هنا هو أن بو الصوف الذي شجع في البداية (كما أخبرني بذلك فتحي الذيب بنفسه في 1986 ) العقيد لعموري ومصطفى لكحل لم يستطيع -فقط- أن يفلت ويخلص نفسه من القضية كما تخرج الشعرة من العجين، بل الأهم من ذلك إنه نجح رغم المعارضة الشديدة التي أبداها كريم بلقاسم في تعيين العقيد هوراي بومدين على رأس المحكمة التي أنشئت بموجب قرار من الحكومة المؤقتة والصادر في 20/01/1959.

ولقد أصدرت تلك المحكمة التي انتهت جلستها في 28 /02/1959 أربعة أحكام بالإعدام وتسعة أحكام بالسجن لمدد مختلفة، حيث حكمت بالإعدام على كل من محمد العموري وسعدي بوجمعة المدعو مصطفى لكحل ومحمد عواشرية وأحمد نواورية، الذين نفذ فيهم الحكم رمياً بالرصاص بتاريخ
 16/03/1959 في منطقة الكاف بحضور حاكمها والمدعي العام التونسي.

“ما كادت جلسة المحاكمة تنتهي، وينطق فيها الحكم في 28 فيفري 1959 حتى وجدت الثورة الجزائرية نفسها في أتون خطر عظيم يمكن أن يدمرها بسبب تلك الأحكام القاسية التي أحبطت معنويات إطارات وجنود جيش التحرير. مما دفع ببعضهم إلى التمرد على قادتهم والفرار من وحداتهم المختلفة. ولكن يجب القول أن الضباط الجزائريين في الجيش الفرنسي الذين فروا منه بخطة مدبرة من طرف كريم بلقاسم ووزير الدفاع الفرنسي وانضموا إلى جيش التحرير بداية 1958، قد لعبوا الدور الأهم في احباط معنويات الجنود وشل إرادتهم، ولقد حللت موضوع هؤلاء الضباط بشكل وافي في رسالة الماجستير التي ناقشتها في 1976.

تلك إذن وباختصار وقائع المحاكمة الشائنة برئاسة العقيد هواري بومدين والتي وصفها د/ محمد حربي ب” مؤامرة العموري” .

وفي هذا السياق نرى ضرورة وضع المحضر الكامل الخاص لجلسة المحاكمة كملحق بهذا البحث، حتى نعطي صورة واضحة عن أحد الجوانب الجزئية والمأساوية لثورة نوفمبر التي اخترقتها فرنسا حتى قبل أن تنطلق.
لقد استولت علي الحيرة والارتباك وأنا أقرأ محضر الجلسة وأعيد قراءته مرة بعد مرة ، حيث وجدت نفسي غير قادر على رفع بصري عن الكلمات الآتية التي استعملتها المحكمة لتبرير أحكامها القاسية وهي:
” قرار المحكمة باسم الشعب الجزائري-باسم الثورة- باسم جيش التحرير الوطني- باسم الشهداء”

وهنا يجب القول أن الكلمة الأخيرة هي التي هزت كياني وأثارت القشعريرة في أوصالي، ولمعت في ذهني حينها وبسرعة البرق تلك الصور التي بثتها التلفزة الجزائرية يوم 24 أكتوبر 1984؛ صور سبعة عشر صندوقاً خشياً صغيراً ملفوفاً بالعلم الجزائري على أكتاف جنود بزيهم الرسمي الخاص وقد كان كل صندوق يحمل –طبعاً- رفات الجزائريين الذين قتلتهم عصابات جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة خارج الجزائر وكذلك رفات من قتلوا في الجزائر بعد الاستقلال.

وحسب ما جاء في العدد الخاص لمجلة المجاهد الصادر بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على اندلاع ثورة نوفمبر، فإن قرار إعادة دفن تلك الرفات دفناً رسمياً بمقبرة العالية بالعاصمة مع بقية إخوانهم الشهداء، قد اتخذه الشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بناءاً على توصيات اللجنة الخاصة التي تشكلت لهذا الغرض، وقد حمل هذا القرار العفو وإعادة الاعتبار لأولئك الرجال على أنهم شهداء.

ولقد وجدت نفسي وأنا أحاول أن أمسك في ذهني بتلك الصور حتى لا تفلت مني، وكأنني أدمدم بكلمات غير مفهومة. ولم يتبين لي ما كنت أردد بين وبين نفسي: هل يعقل أن يعدم الشهداء الشهداء. أن صور الصناديق السبعة عشر قد عمقت في نفسي الألم كما عمقت في الوقت نفسه صعوبة الأجابة عن السؤال التالي:

كيف لهؤلاء الذين قتلتهم جبهة التحرير بتهمة الخيانة أن يعادوا ويدفنوا كشهداء جنبًا إلى جنب مع إخوانهم الشهداء أيضاً الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الجزائر؟ وهذا السؤال أيضاً الذي لم أجد له جواباً استدعى بدوره أسئلة أخرى حساسة ومثيرة للقلق من بينها: إذا كان أولئك الرجال شهداء فعلاً (ومن بينهم العموري ورفاقه الثلاثة) كيف أصدرت المحكمة العسكرية أحكاماً بإدانتهم وإعدامهم باسم الشهداء؟

وإذا كانوا شهداء فعلاً، فعلى الذين حكموا بإعدامهم وقضوا على حياتهم أن يتحملوا مسؤليتهم أمام الله ثم أمام القانون.
إننا نعتقد أن الذين نصبوا تلك المحكمة وأن قادة جبهة التحرير والحكومة المؤقتة من ورائهم، ليس لهم الحق لا أخلاقياً ولا سياسياً أن ينسبوا ما اقترفته أيديهم إلى الثورة الجزائرية أو أن يدعوا بأنهم لم يتصرفوا بصفاتهم الشخصية كأفراد ففي سابقة تاريخية بعد الحرب العالمية الثانية وأثناء انعقاد محكمة نونمبرغ، أدين النازيون وحكم على بعضهم بالإعدام، ولم تقبل في ذلك ادعاءاتهم بأنهم تصرفوا باسم الدولة الألمانية، بل حملتهم المسؤولية الشخصية على أفعالهم كأفراد لا كممثلي دولة.

إنه رغم ما ادعاه “فرحات عباس” بخصوص الوفاة الغامضة للمرحوم علاوة عمارة، وما ذكره محمد حربي بشأن إعدام العقيد العموري ورفاقه، فإن ذلك لا يلقي ضوء الحقيقة على الجوانب المأسوية في الثورة الجزائرية. ولكننا نعتقد أن التاريخ كفيل بكشف ما بقي من غموض، وبإظهار وجه الحقيقة كاملاً.

ونترك الأمر إذا للتاريخ فهو وحده يستطيع أن يوضح لنا الدوافع الخفية وراء اغتيال عميرة علاوة والأسباب الحقيقة التي كانت وراء الانقلاب الفاشل الذي حاول العقيد العموري ورفاقه أن يقوموا به·

وفضلا عن ذلك، يمكن القول بأن المؤرخين سيتفقون مع بعضهم البعض في نهاية المطاف على أن قرار “فرحات عباس” بالانضمام إلى الثورة الجزائرية والصراع الدموي الداخلي الذي عانت منه الثورة ونتج عنه التصفية الجسدية لقادة عظام للثورة الجزائرية أمثال: عميرة عليوة، العقيد محمد العموري، الرائد مصطفى لكحل، العقيد أحمد نواره، الرائد محمد عواشرية وغيرهم من المناضلين الشرفاء، هو جزء لا يتجزأ من المؤامرة التاريخية والاجتماعية التي حيكت من طرف الاستعمار الفرنسي ضد القيم المعنوية والثقافية والروحية للشعب الجزائري·

ولا يمكن فهم جوهر تلك المؤامرة التاريخية والاجتماعية إلا إذا أخذنا في الحسبان أن الاستعمار الغربي بشكل عام سواء ما مارسته فرنسا أو بريطانيا، أو أي قوة غربية أخرى له وجهان متميزان غايتهما واحدة باستعمال وسيلتين مختلفتين ومتضاربتين في آن واحد من أجل الوصول إلى هيمنة العالم الغربي على الدول النامية·

وإذا أخذنا هذه الحقيقة في الحسبان مع إجراء تحليل موضوعي للوسيلتين المختلفتين اللتين استعملهما الاستعمار الغربي وتتخذان وجهين هما: الاستعمار التقليدي ودعاة رسالة التمدين، أي الاستعمار الجديد، ومن خلال هذا الطرح يمكن الوصول إلى حقيقة لا يمكن أن يختلف عليها اثنان وهي: أن الوجه الأخير للاستعمار يعتبر أخطر بكثير من الوجه الأول، فالاستعمار التقليدي يعتمد على الفكرة التي مفادها أن احتلال الشعوب ونهب ثرواتها المادية و إبادتها في بعض الأحيان هي الوسيلة المثلى لتحقيق والحفاظ على مصالح الدول الغربية·

أما الاستعمار الجديد فينطلق من معطيات مفادها أن العالم الغربي يتواجد في موقع جغرافي وديموغرافي واقتصادي لا يحسد عليه إذا ما قورن بموقع العالم الثالث، لا يستطيع حماية حدوده الترابية والحفاظ على مصالحه المادية إلا بتكوين طبقة اجتماعية من الشعوب المحتلة موالية فكرا وثقافة وسلوكا للقيم الغربية، ومامن شك في أن هذا ما كان يجول في خاطر المؤرخ الفرنسي بيلسييه دو رينو PELLISSIER DE REYNAUD حيث قال “إن المصالح المعنوية المسيحية ومصالح العالم المتقدم هي التي تمثل في الجزائر روح المشروع، أما المزايا المادية التي يمكن الحصول عليها فإنها تأتي بعد ذلك” وما يريد أن يقوله السيد بيلسييه PELLISSIER هو أن مصالح فرنسا المعنوية والمادية في الجزائر لايمكن الحفاظ عليها إلا من خلال تكوين طبقة اجتماعية متغربة فريدة من المجتمع التقليدي الجزائري، ويجب القول إن السيد بيلسييه PELLISSIER لم يدرك حينئذ بأن الطبقة المتغربة الجزائرية أصبح لزاما عليها أن تمر تاريخيا واجتماعيا بثلاث مراحل:

ـ المرحلة الأولى: وقد امتدت من حوالي 1900 إلى 1938 ويمكن تسميتها بمرحلة الاندماج، ذلك أن المتغربين الجزائريين، الذين ظهروا في نهاية القرن التاسع عشر كطبقة سياسية ضاغطة، حاولوا بمساعدة الليبراليين والكاثوليك الفرنسيين أن يدمروا القيم الحضارية للشعب الجزائري، والتي تمثل كما يعتقد المتغربون الجزائريون، عقبة أمام اندماج الشعب الجزائري فيما يسمى بالأم (فرنسا)!·

وقد لقيت سياسة الاندماج هذه فشلا ذريعا حينما رفض البرلمان الفرنسي سنة 1938 الموافقة على مشروع بلوم ـ فيولييت BLUM – VIOLETTE الذي تبناه دعاة رسالة التمدين في محاولة منهم لإدماج الشعب الجزائري في المجتمع الفرنسي· وقد جاء رفض البرلمان الفرنسي لهذا المشروع كنتيجة مباشرة للمعارضة الشرسة سياسيا ومعنويا والتي قام بها كل من المستوطنين الفرنسيين والحركة الوطنية الجزائرية الحقيقية بقيادة “مصالي الحاج” ضد نظرية الاندماج·

لقد عارض المستوطنون نظرية الاندماج لأنهم يخشون إذا ما أصبح الجزائريون مواطنين فرنسيين فسوف يفقدون الامتيازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي كانوا يتمتعون بها في الجزائر، أما “مصالي الحاج” وأتباعه فقد عارضوا بدورهم نظرية الاندماج نظرا لما تنطوي عليه من مخاطر تتمثل في تحطيم وتذويب القيم الروحية والثقافة للشعب الجزائري، لقد أدرك “مصالي الحاج” وأتباعه في حزب الشعب بأنه بدون الحفاظ على تلك القيم فإن وجود الشعب الجزائري وحياته تصبح بلا معنى·

ـ أما المرحلة الثانية: فقد دامت من 1938 إلى 1954 حيث لم يحوّل الفشل الذريع لنظرية الاندماج، المتغربين الجزائريين إلى وطنيين متحمسين لجزائريتهم وقيمهم الحضارية بل بالعكس، فقد استمر هؤلاء بقيادة “فرحات عباس” أثناء هذه الفترة بتسخير كل جهودهم السياسية والمعنوية للوقوف ضد الحركة الوطنية الأصيلة بزعامة “مصالي الحاج” بتنظيم وقيادة الشعب الجزائري لحمل السلاح ضد القهر الفرنسي·
لقد انصبت جهود المتغربيين الجزائريين على الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال محاولتهم إقناع السياسيين الفرنسيين بانتزاع مثل هذه الإصلاحات من المستوطنين الجشعين، ظنا منهم بأنه بهذه الكيفية يستطيعون منع الشعب الجزائري بقيادة “مصالي الحاج” من القيام بالكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي·

إن فشل المتغربين الجزائريين في إقناع السياسيين الفرنسيين بنزع الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من المستوطنين الأنانيين التي كانوا يظنون بأنها كافية لمنع قيام الثورة الجزائرية المرتقبة، لا تعني أنهم (المتغربون الجزائريون) فشلوا في مهمتهم هذه، وإنما تمكن هؤلاء وبمساعدة عمدة الجزائر السيد جاك شوفالييه Jacques Chevallier أن يجلبوا إلى صفوفهم عناصر هامة من اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية التي حطمت هذا الحزب ومنعت “مصالي الحاج” من أن يقود الكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي، وبذلك نستطيع القول في ضوء الحقائق السابقة ذكرها، بأن ثورة أول نوفمبر 1954، التي تمثل حتمية تاريخية اندلعت بدون رأس·

ـ أما المرحلة الثالثة: فقد دامت من 1954 إلى 1962، وهنا يمكن أن يتساءل المرئ عن موقف المتغربين الجزائريين تجاه الثورة الجزائرية التي حاولوا بكل ما أوتوا من قوة منعها من الانطلاقة كما سبق وأن أشرنا·
في الواقع وأمام المتغيرات السريعة لم يجد هؤلاء المتغربين وبعض الليبراليين الفرنسيين بدا إلا الانضمام لتلك الثورة وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي اعتمدوا عليها من أجل منعها من مسيرتها الحقيقية وفقا للقيم الروحية للشعب الجزائري·

لقد انضم “فرحات عباس” ومئات المتغربين الجزائريين إلى الثورة الجزائرية طبقا للمؤامرة الدنيئة السياسية والاجتماعية التي نسج خيوطها دعاة رسالة التمدين ضد الشعب الجزائري ومقوماته·

الخاتمة

الخلاصة التي انتهت إليها هذه الدراسة أن الجزائر خرجت من حرب التحرير الوطني سنة 1962 تعاني نتيجة المؤامرة السياسية والاجتماعية الدنيئة التي حاكها دعاة رسالة التمدين ضد القيم المعنوية والروحية والثقافية للشعب الجزائري من جرحين عميقين أحدهما مادي والآخر معنوي:
أما الجرح الأول: فيرجع إلى الاستغلال المادي الذي عانى منه الشعب الجزائري في الفترة من 1830 ـ 1962 وبنوع خاص إلى أعباء الثورة الجزائرية التي دامت سبع سنوات شرسة دامية وهذا الجرح على وشك الاندمال·
أما الجرح الثاني: الذي نتج عن الظروف التاريخية والاجتماعية المعقدة الحاسمة التي كان من شأنها أن أوجدت طبقة اجتماعية متفرنسة فيزداد عمقا بقدر اندمال الجرح الأول·
ومهما يكن من الأمر· فإنه لا يمكن إدراك جوهر الأزمة (اللعنة) الاجتماعية والتاريخية والثقافية التي تعاني منها الجزائر اليوم إلا من خلال التحليل الموضوعي لتلك الظروف الاجتماعية والتاريخية·· الخ·

Ferhat Abbas; De La colonie vers la province Le jeune Algérien, p. 92
Collet Claude, Jean Henry; le mouvement national algériens textes 1912 – 1954 p65- 67
انظر الملحق رقم01
Journal d’ Egypte 9 Juillet 1946
Paris presse 24 août 1946
“كيف يمكن للمرء أن يصير ديغوليا؟” N°43،6 ANNEE،MAI 1961 la Nation Socialiste ، MARCEL BRIAN
انظر الملحق رقم 01
المقصود هنا الاصطدام الشفوي الساخن الذي دار بين ممثلي المستوطنين الفرنسيين و “فرحات عباس” وجماعته في مجلس الأمة الفرنسي في 23 أوت 1946 حينما حاولوا الآخرين، تقديم ما يسمى مشروع جمهورية جزائرية مرتبطة بفرنسا، انظر جان لاكوتير , Jean Lacouture « Cinq Hommes Et La France » P 299-301.
المرجع السابق ص 308
الجمهورية الجزائرية في 3 سبتمبر 1955 ، ذكرها جان لاكوتير LA COUTURE JEAN المرجع السابق ص307
 شارل هنري فافرو CHARLES HENRI FAVROD،”الثورة الجزائرية” “La Révolutions Algérienne “ص:169
، NOUS ALGERIENS، JACQUES CHEVALLIER ص47
JEAN LACOUTURE، المرجع السابق، ص 315
المرجع السابق صفحة 313
Jean Lacouture  المرجع السابق ص: 309من بين أولئك الذين يعتقدون أن فرحات عباس قد لفظ عبارة “عملية انتحارية”
كما أورد ذلك مورلان، باران،مارتينيز, Histoire De L’organisation De L’arme Secrete Morland Barange, Martinez قصة تنظيم الجيش السر ، صفحات 55ــ56 وفي رأي المؤلفين الأخيرين،أن الوثائق التي وجدت مع الشاب اعمارة تتضمن قائمة بالتبرعات لجبهة التحرير الوطني،ومن ضمنها تبرعات صيدلي سطيف ” فرحات عباس”،وتقدر بحوالي مليون نقداً ، وثلاثين ألف فرنك أدوية . ولكن على الرغم من هذه الأدلة الدامغة ، فإن “فرحات عباس”، ودكتور أحمد فرنسيس الذين اعتقلا مع الشاب اعمارة،أطلق سراحهم للحال بأمر جاك سوستيل Soustelle Jacques حاكم الجزائر العام
“المفاوض المشهور”Tunisienne L’action العدد 35في 16 يناير 1956، تلاحظ هذه المجلة أن ؛عقلية“فرحات عباس”معروفة لدى الفرنسيين ، ومن المعروف أن السيد سوسيتل SOUSTELLE JACQUES كان على علم بهذه العقلية، ثم أن نشرات جبهة التحرير الوطنية التي تهاجم صراحة“مصالي الحاج”عدو“فرحات عباس” القديم لا تبدي أي انتقاد لحزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري UDMAويمكن تفسير هذا الإغفال بأنه دلالة على نوع من الود والتعاطف بين جبهة التحرير و “فرحات عباس”.
جان ماري غارو JEAN MARIE GARAUD “مناورة فرحات عباس” “La Manœuvre de Ferhat abbas ” ، LE FIGARO 27 أفريل1956
لا مفاوضات مع القوميين الجزائريين أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري،LA PRESSE DE TUNISIE في19 من مايو1955.فرنسيس وكوليت جينسون FRANCIS et COLETTE JEANSON, L’ALGERIE HORS LA LOIS, P 335
المقاومة الجزائرية وجبهة التحرير الجزائرية جويلية 1955، إن فكرة أن أتباع “مصالي الحاج” كانوا شبيهين بالاتحاد الديمقراطي  للبيان الجزائري UDMA، وجمعية العلماء المسلمين الجزائرية القائمين بنشاطات سياسية وقانونية في الجزائر، هذه الفكرة تمثل أكذب وأشرس بيان يمكن أن تصدره جبهة التحرير الوطنية
فرنسيس وكوليت جينسون FRANCIS ET COLETTE JEANSON, , المرجع السابق P 335
وزعت من طرف الحركة الجزائرية الوطنية MNA شهر أوت
المجلة الفرنسية: LE BULLETIN DE PARIS AFRIQUE DU NORD أوت 1955 (العدد 98) أكدت في مقالها بعنوان أن السيد عباس علاوة أعدم على أنه خائن TERRE DE FEU.
فرنسيس وكوليت جينسون  FRANCIS ET COLETTE JEASON المرجع السابق ص 332
أعقب وفاة عباس علاوة بعد ستة أشهر، موت زوج أخت “فرحات عباس” باش آغا عبد المؤمن الذي اغتاله “إرهابي” حسب تعبير L’EXPRESS  في 16فيفري 1956
انظر الملحق رقم 02
انظر جريدة Le Monde في 22من مارس 1956
مجلة L’Action Tunisienne  “المحادث الشهير” في 16من جانفي 195 ، العدد  35، وفي عدد المجلة بتاريخ 30 أفريل 1956، ادعت أن الحديث مع“فرحات عباس”جرى في3 جانفي،وليس في 11 جانفي كما ذكرت LEMONDEفي 27يناير1956. والجدير بالذكر أن صحيفة L’EXPRESS في30جانفي1956أبدت أن “فرحات عباس”قال:يجب الاعتراف بالقومية الجزائرية
المقصود بذلك هو الموقف الجاف العدواني الذي استقبل به المستوطنون الفرنسيون رئيس الوزراء الفرنسي جي موليه MOLLET  GUY إبان زيارته الجزائر في 6 من فيفري 1956.
برجيت غرو BRIGITTE «GROS “في كلمتين” ” En Deux Mots” L’EXPRESSفي 20 من فبراير 1956.والتصريح الذي نسبته الكاتبة الأخيرة إلى“فرحات عباس” نقلته الصحيفة الفرنسية LIBERATEUR 18 من مارس 1956
روجيه لوترنوROGER LE TOURNEAU EVOLUTION POLITIQUE DE L AFRIQUE DU NORD1920-1961 ص. P332
جان لاكوتير JEAN LACOUTURE، المرجع السابق، ص 297
وبالنسبة لعبد الرحمن كيوان فقد وصل إلى القاهرة عن طريق مرسيليا وجنيف في 26 أفريل 1956
La Veriteعدد 424 في 28 سبتمبر 1956
المانشستر جارديان MANCHESTER GUARDIAN، في 24 من أفريل 1956
ايف كورييه YVES COURRIERE. LES FILS DE LATOUSSAINT, 399 P ، لم تمنع واقعة أن“فرحات عباس” قد أمضى قرابة سنتين قبل أن يعتزم أخيرا الانضمام للثورة الجزائرية، لم تمنعه من خداع الشعب الجزائري، بأنه ادعى على عكس الواقع،أنه قد ألقى بثقله، وثقل حزبه خلف الثورة الجزائرية مند اندلاعها. والواقع أنه ليس هناك ما هو أكثر خداعا من البيان الآتي الذي ظهر في مؤلفه ليل الإستعمار ص230 –231 بالنسبة لحزبنا، لم تحدث في أول نوفمبر 1954 أية مشاكل جديدة”لقد كنا على استعداد في الموعد، ولقد بادرنا بالرد على إعلان جبهة التحرير الوطني التي استطاعت أن تجمع كل أبناء فلاحينا وكل أبناء شعبنا” أضاف“فرحات عباس” في حاشية بيانه ، وكأنها لم تكن وافية  بالغرض أن اللجنة المركزية للاتحاد الديقراطي للبيان الجزائري اجتمعت في أول وثاني نوفمبر عام 1954 في مدينة الجزائر، 2 شارع  ARAGOفي مقر جريدتنا LA REPUBLIQUE ALGERIENNE، وما أن علمت اللجنة بالأحداث، حتى قررت في الحال، وبالإجماع مساعدة الثورة بكل الوسائل
DANS LE PANIER DESCRABES  LE FIGARO في 7 من مايو 1956
وجيل جيفور GILLES GEVORهو واحد من أولئك المستوطنين الفرنسيين الفضوليين في الجزائر، وكان يزود قادة الثورة الجزائرية من حين إلى آخر ببعض المعلومات عن الأحوال في الجزائر، وكان يوقع على الخطابات التي كان يرسلها إلى القاهرة GILLESGEVOR , LETTRE D’ALGER BP-589, ALGER R.P
انظر الملحق 03
الزعماء الجزائريين، الأربعة هم (أحمد بن بلة، محمد خيضر، محمد بوضياف وآيت أحمدحسين)، أما مصطفى الأشرف الذي اعتقل معهم كان برفقتهم ككاتب..
جان لاكوتير JEAN LA COUTURE، المرجع السابق،ص 318
إن الحجة المضحكة الخطيرة التي أبداها زعماء الـلجنة الثورية للوحدة والعمل، وفيما بعد زعماء جبهة التحرير الوطني في الخارج في محاولتهم لتبرير عزمهم على قبول الجزائريين المتغربين في الثورة الجزائرية تتمثل فيما يأتي: فتحت جبهة التحرير الوطني  أبوابها للجزائريين  المتعلمين تعليما فرنسيا لسببين: أولهما أن الجزائريين المتغربين قبلوا بجبهة التحرير الوطني لأنهم يمثلون بفضل خلفيتهم التعليمية  الغربية جهازا إداريا قيما للغاية مطلوبا للأداء العام والطبيعي للثورة،والسبب الثاني هو أن جبهة التحرير الوطني لم يكن لها بديل سوى أن تغري“فرحات عباس” وأنصاره للانضمام لصفوفه . ذلك أن هذه الطريقة الوحيدة التي يتسنى لها بها أن تمنع السلطات الفرنسية و“مصالي الحاج”و”حركته الوطنية الجزائرية” من استخدامهم لأغراضهم السياسية. وأشار مؤلفو هذه  الحجة إلى أن الخوف الذي يعبر عنه بعض العناصر الثورية من ناحية الجزائريين المتغربين على أنه يمثل خطرا محتملا للثورة، هذا الخوف لا أساس له، ليس لأن هؤلاء الآخرين يمكن أن يظلوا بسهولة تحت سيطرة جبهة التحرير الوطني، ولكن أيضا لأنه، أنفسهم لا يميلون للخروج عن سيطرة الجبهة بسبب رغبتهم الحقيقية لأن يتركوا ماضيهم الإصلاحي المظلم خلف ظهورهم.
انظر أدنى صفحة 16
يتذكر مؤلف هذا البحث بوضوح الحديث الذي جرى له مع عمار عمران عندما التقى به لأول مرة بالقاهرة قبل تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة في 19 سبتمبر 1958 ببضعة أسابيع ، وكان أول ما قاله هذا الزعيم من زعماء جبهة التحرير الوطني الذي يبدو أن الجزائريين المتغربين عانوا بعض صعوبات في تحويله إلى سياسي مهذب )” إنك تتكلم الإنجليزي أريدك أن تأتي وتعمل مع ، لأني أريد أن أهين الصحفيين الأجانب بالإنجليزي ، ولا أعرف كيف أفعل ذلك”
قادة جبهة التحرير الوطني الذين سارعوا بإنكار وجود أي نزاع بين عناصر الثورة الجزائري ، في الداخل وفي الخارج ، خرجوا عن سبيلهم ليؤكدا لمؤيديهم أن النزاع المزعوم ي داخل الثورة الجزائرية لا وجود له إلا تحت قلم المشنعين بالثورة أنظر المجاهد في أول نوفمبر 195 ، لعدد 11.)
اقتباسات من الرئيس ماوتسي تونج MAO- TSE-TUNG QUOTATIONS FROM CHAIRMAN MAO TSE- ص 11.
كان“فرحات عباس”الذي اشتهر بأنه سياسي لبق كان عنده بعض أشياء مشتركة مع من كانوا يسمون الليبراليون الانسانيون في القرن الثامن عش ، والذي حكي عنهم أنهم لم ينرددوا في وسطأشد المعارك الدموية أن يطلبوا التوقف عن القتال لكي يجتمعوا مع الأعداء ويربوا نخب تحية للروح الإنسانية وإن صحت ذاكرة هذا المؤلف فإن 24ساعة بل تكوين لحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية برئاسة السيد فرحات عباس ”،أتى هذا الأخير لزيارة الدكتور أحمد فرنسيس ـ المكتب الذي كنت أشاركه فيه. إن لته إلى نيويورك كانت ناجحة للغاية وإنه اجتمع بشخصية فرنسية كبيرة وشرب معه كوكتيل لأنه لم يرد أن يشعره بأن قادة الثورة الجزائرية كلهم من المتطرفين العنيدين ، كما كانت الصحافة الفرنسية تصوره ، أما الدكتور فرانسيس الذي كان دون شك مسرورا بسماع هذه الأنباء الطيبة فإنه حذر مع ذلك فرحات عباس ” بأن يكون حذر ، وهمس له بذلك بينما كان ينظر جانبا إلى المؤلف “لسنا وحيدين”
مصطفى الأشرف “القومية الجزائرية تتجه إلى الوحدة”.  مجلة les temps modernes   العدد 125 ،جوان 1956. ص 1840
نظام التقسيم التربيعي Quadrillage Systemأو “المناطق المحظورة تمثل الشيء نفسه، إذا تتبعنا تقسيم الجزائر، وبخاصة المناطق الريفية إلى مئات من معسكرات الاعتقال المعروفة. وكان ما تصبو إليه فرنسا من خلال هذه المعسكرات،هو بالطبع عزل الفلاحين الجزائريين عن جيش التحرير الوطني، ونتيجة لذلك حرمان الثورة الجزائرية من دعائمها الشعبية والمادية، وتكشف المصادرالرسمية التي نشرتها الحكومة الجزائرية في كتيب بلا تاريخ بعنوان الجزائر1830- 1964 ص62
 أن في عام 1960 كان هناك مليونان من الجزائريين يعيشون فيما يسمى “معسكرات الاعتقال، معسكرات الموت البطئ” وحتى في فرنسا نفسها، كان هناك تبعا للبيان المحافظ الذي نشر في صحيفة LE MONDE  ـ 25 24 جانفي 1960. 16000جزائريمعتقلين فيما كانت الحكومة الفرنسية تسميها “معسكرات الاعتقال الاداري
إن الجرائم البشعة التي ارتكبها الجيش الفرنسي ضد الشعب الجزائري بوسائل مثل التعذيب، والاعدام بلا محاكمة، وحتى بممارسات فعلية مقصودة ممارسات الإبادة الجماعية قد سجلها وفضحها كثير من الفرنسيين العاديين والشخصيات الأدبية مثل جان بول سارتر JEAN PAUL SARTRE، ورونيه كابتين RENE CAPTAIN، و سيرقان شرابي JJ.SERVAN ….SCHREIBER  إلخ، بحيث لا ضرورة لنا لأن نعرضها هاهنا
المرجع إلى محمود شريف، انظر المجاهد العدد 11، في أول نوفمبر 1957
وتبعا للتقرير المحافظ الذي أجرته مجلة TIME MAGAZINE  في 31 من أكتوبر 1960 كانت قوة وحدات جيش التحرير الوطني في الداخل عام 1960 تقدر بحوالي 7600 رجل. وقرر المصدر  نفسه أن جيش التحرير الوطني كان عنده 26000 رجل خارج التراب الجزائري على أهبة الاستعداد للحرب 18000 في  تونس، 8000 في المغرب
وكان قسم كبير من وحدات جيش التحرير الوطني الخارجية، والتي استمرت قوتها تنمو كما ذكرنا  مكونا من المحاربين  الجزائريين الذين كانوا يتدفقون عبر الحدود الجزائرية للعلاج الطبي، والجزائريين الشبان القادرين الذين كانوا يعيشون من قبل في  المغرب وفي تونس
تبعا للخطاب الدوري Ref/A/111  الحكومة المؤقتة لجمهورية الجزائر في 18 من أكتوبر 1958، كان هناك في المجموع 500000 لاجيء جزائري؛ 300000 في تونس،  والباقي في المغرب
ولا حاجة بنا إلى القول بأن الغارة الجوية التي شنها في 8 فيفري 1958 السلاح الجوي الفرنسي، وهي غارة عنيفة ولا  معنى لها، شنها على قرية ساقية سيدي يوسف التونسية العزلاء، إنما أدت إلى تقوية خوف بورقيبة من أن يمد الجيش الفرنسي  الحرب إلى بلده. ووصف الجيش الفرنسي هذه الغارة الجوية التي تركت ثمانين قتيلا وأكثر من مائة جريح بأنها مجرد “مطاردة ساخنة
انظر الملحق رقم 01
FIGARO في 26 من أفريل 1956
LE MONDE في 31 من ديسمبر 1960
LE MONDE  في 19 من مايو 1956
لقد اعتقد قادة الولاية مثل بوصوف، وكريم بلقاسم، وبن طوبال ومحمود شريف الذين أصبحوا وزراء تبعا لتصريح الحكومة  المؤقتة الجمهورية الجزائر في 19 من سبتمبر 1958 أنهم رؤساء الثورة الجزائرية بلا جدال، في حين أن هذه الثورة كان يقودها في  الواقع فنيون “تقنيون”جزائريون متغربون وعلى رأسهم فرحات عباس وقد لمح الأخير في كتابه تشريح الثورة إلا أنه كرس  قدرا كبيرا من وقته لمهمة منع كريم بلقاسم، وبوصوف، ومحمود شريف، وبن طوبال من أن يقتل بعضهم بعضا، فقد لاحظ  فرحات عباس في مؤلفه :تشريح ثورة AUTOPSIE D’UNE GUERRE أنه استطاع أن يحافظ على الوفاق ومنع الوزراء من المشاجرة.ص 280
شارل هنري فافرو CHARLES HENRI FAVROD  القادة الجزائريون يكلمون صحفيا محايدا. FRANCE OBSERVATEUR  في 27 من أوت 1959
الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية Circul/1115، صدر في القاهرة في 3 من أكتوبر 1958
ومن المعروف جيدا أن الكهف في الفندق الصغير الكائن بشارع لاسويس في تونس كان يستخدمه ابن طوبال ورجاله  مركزا صغيرا للاستجواب.
المرجع في ذلك إلى عبد الملك بن حبيلس، العضو البارز في اللجنة المركزية لحزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية  والذي دمر مع بقية المركزيين  الحزب المذكور
“? La Troisième force est-elle possible” (03 Octobre 1959) France OBSERVATEUR EDOUARD ROERMOND
محمد حربي Une vie debout, mémoires politiques tome 1: 1945 – 1962, p.265.
كان شريف بن حبيلس الذي قتله بعيار ناري في وسط مدينة فيشي VICHY  في 29 أوت عام 1959. فدائي جزائري  شاب، ثاني خائن جزائري  مشهور  أعدمته جبهة التحرير الوطني وكان أولهم علي شيكال الذي قتل في كولومب   COLOMBES  بعيار ناري في 26 ماي 1957 بيد فدائي  جزائري  شاب، يدعى بن صدوق
و لقد ذكرت خطئا صحيفة Le Monde (10 جانفي 1960) بأن العقيد العموري المحكوم عليه بالإعدام قد خنق في السجن.
“فرحات عباس”، Autopsie D’une Guerre ، P 247
  المرجع السابق، ص 248
“فرحات عباس”، Autopsie D’une Guerre ، P 247
المرجع السابق، لاحظ  “فرحات عباس”  المرجع نفسه أنا أتساءل هل عندهم موافقة الأمن العسكري بالقاهرة

” مقاطع من تصريحات متتالية لأعضاء الحكومة الفرنسية (1954-1962)”” ملفات وثائقية” عدد 24 نصوص أساسية جبهة التحرير الوطني 1954-1962. جانفي 1976. نشر وزارة الإعلام و الثقافة ص:77
نفس المرجع
محمد حربي( مؤامرة العموري) (مجلة نقد خريف/شتاء 2001 العدد 14/15) ص:18/19.
ولقد رأى المؤلف الرائد مصطفى الأكحل قبل أن يسافر إلى تونس ببضعة أسابيع، وكان يشكو بمرارة إلى المؤلف،  وأخبره بأنه يشعر أنه أهين من قبل العقيد  محمود شريف الذي تجرأ على مصادرة جواز سفره، وقد قيل إن الأخير أعاد جواز  السفر إلى الرائد مصطفى الأكحل ليغريه بالسفر إلى تونس حتى  يتسنى  للعقيد محمود شريف أن يتخلص منه هو ورفاقه
المرجع السابق ص:19 و لقد أخبر العقيد فتحي  ديب  هذا المؤلف في 22 أفريل 1986 في المقابلة التي أجراتها معه في منزله بمصر الجديدة أن معه خطابا يثبت أن بوصوف  شجع العقيد لعموري ومعاونيه  أن يشنوا  انقلابا ضد الحكومة الجزائرية المؤقتة.  وادعى العقيد فتحي ديب  فيما بعد أن بوصوف  أبلغ عن العقيد  لعموري  ومعاونية حين  اكتشف أمرهم  والسؤال الذي يطرح  نفسه في هذه النقطة هو أنه  إذا كان العقيد فتحي الديب معه بالفعل  نسخة  من خطاب  بوصوف  كما ادعى، فلماذا لم ينشره مع باقي المستندات في مؤلفه “عبد الناصر والثورة الجزائرية
أوردها محمد حربي (عن بن طوبال من مذكراته الغير منشورة) “مؤامرة العموري” مجلة الدراسات والنقد الاجتماعي خريف/ شتاء 2001 ص:20.
المرجع السابق ص:20
ولقد أخبر الأمير عبد الكريم الخطابي، هذا المؤلف في عام 1960 أنه أعطى الرائد مصطفى الأكحل مائة جنيه مصري  قبل أن يغادر القاهرة  إلى تونس.  والمؤلف الذي وعد الأمير عبد الكريم الخطابي بأنه لن يكشف عما أخبره، يشعر بأنه لم يعد  ملزما بهذا الوعد لأن الأمير لم يعد على قيد الحياة
 العقيد فتحي  ديب  أخبر هذا المؤلف في 22 أفريل 1986 أن معه خطابا يثبت أن بوصوف شجع العقيد لعموري ومعاونيه  أن يشنوا  انقلابا ضد الحكومة الجزائرية المؤقتة، وادعى العقيد فتحي ديب فيما بعد أن بوصوف أبلغ عن العقيد لعموري ومعاونية حين  اكتشف أمرهم والسؤال الذي يطرح في هذه النقطة هو أنه إذا كان العقيد فتحي ديب معه بالفعل نسخة من خطاب بوصوف  كما ادعى، فلماذا لم ينشره مع باقي المستندات في مؤلفه “عبد الناصر والثورة الجزائرية
وتبعا لقول  “فرحات عباس” في مؤلفه  “AUTOPSIED’UNE GUERREص249، فإن الأمن العسكري التونسي لعب دورا  حاسما في إحباط  الانقلاب  الفاشل الذي دبره الكولونيل لعموري ورفاقه.
أنظر الملحق رقم 04
مجلة المجاهد 02 نوفمبر 1984 العدد 1265 ص:10/11.
مع الإشارة أن المرحوم عمارة علاوة لم يكن في ضمن من شملهم العفو، وبقي مدفوناً في مصر.
PELLISSIER DE REYNAUD. ANNALES ALGERIENNES . (VOL.3) P.31

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • السلان عليكم ورحمة الله
    تحية طيبة وبعد،
    شكرا لكم على نشر هذا الموضوع، لكن نرجو منكم حذفه كلية أو نشر مقتطفات منه فقط، باعتبار أنه نشر دون تصريح من صاحبه، وابقاؤكم عليه يعيق نشر أعمال المجاهد الدكتور رابح بلعيد عليه رحمة الله ويقف عقبة في طريقه