مقالات

جنرالات ما بعد الربيع العربي؟ عبد العالي رزاقي

هل محكوم على الشعوب التي انتفضت على طغاتها أن تسلم مصيرها للجنرالات؟ وهل محكوم على ثورات الربيع العربي أن تهرب إلى الثكنات؟

رئيس بمرتبة جنرال

لم تغير السلطات المصرية دستور مرسي وإنما أدخلت عليه تعديلات حتى يبقى القرار بيد العسكر مدى الحياة إذ ينص على أن المجلس العسكري هو الذي يعين وزير الدفاع ولا يجيز عزل الرئيس إذا انتفض الشعب عليه، فهل جاء الدستور لحماية الرئيس المصري الجديد الفريق عبد الفتاح سعيد حسين السيسي المولود في 19 نوفمبر 1954 بـ”الجمالية” بمحافظة القاهرة أم لحماية المؤسسة العسكرية؟

عندما أصدر الرئيس المعزول محمد مرسي في 12 أوت 2012 قرارا بترقية السيسي من رتبة لواء إلى رتبة فريق أول وتعيينه وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة أطاح به في 03 جويلية 2013 في انقلاب عسكري وادعى بأن الهدف ليس الرئاسة ولكنه اختار 26 مارس 2014 ليعلن ترشحه لرئاسة مصر وصار اليوم رئيسا لها.

الغريب أنه يضع في مكتبه صورتي ياسر عرفات وجمال عبد الناصر ويحاول استغلال “الخطاب الديني” لإثارة عواطف عامة الشعب المصري ويقود حربا عشواء ضد “الاخوان المسلمين” وكل من يحمل شعار”لا للانقلاب”، متهما الرئيس المصري السابق محمد مرسي بالتخابر مع “حماس”، وهذه أول مرة تقوم فيها المخابرات بمراقبة هاتف الرئيس، والأغرب أنه لا يتهمه بالتخابر مع إسرائيل أو دولة أجنبية أخرى.

السيسي هو الوجه الآخر للإخوان المسلمين الذين تعهدوا بعدم الترشح للرئاسيات ولكنهم نكثوا عهدهم مثلما تعهد السيسي بعدم الترشح للرئاسيات لكنه بمجرد ما وجد “أهليْ الفن والإعلام” يسوقون صورته سارع إلى الترشح.

المفارقة أن وسائل الإعلام حاولت تشويه صورة وبرنامج حمدين صباحي الذي ينافسه في رئاسيات محسومة مسبقا وصورت السيسي كبطل قومي قاد انقلابا تجاوز عدد ضحاياه لغاية انتخابه رئيسا 1500 قتيل ومئات الآلاف من الجرحى وآلاف المحكوم عليهم بالإعدام لأنهم تظاهروا احتجاجا على الانقلاب.

الحرب بالوكالة على إسلاميي ليبيا

إذا كان الفريق عبد الفتاح السيسي قد حصل على آخر ترقياته من أمريكا فكذلك الجنرال الليبي خليفة بلقاسم حفتر المولود في 01 جانفي 1949 ببنغازي حصل هو الآخر على ترقيته إلى رتبة جنرال بعد أن قضى 20 سنة في أمريكا، ويقال إنه بعد احتلاله للتشاد عام 1987 تخلى عنه القذافي فأسر فتدخلت أمريكا وأخرجته من التشاد مع الجيش الذي كان معه.

وفي 21 جوان 1988 أنشأ “جيش ليبيا” للقيام بانقلاب على القذافي بدعم أمريكي، وعاد إلى ليبيا خلال ثورة 17 فيفري 2011 وشرع في تشكيل جيش جديد بهدف استئصال “إسلاميي” ليبيا الذين حرروا طرابلس من كتائب القذافي.

يختلف الجنرال حفتر عن الجنرال السيسي في أنه يملك نظرية وتصورا للتغيير صدرت عام 1995 في كتاب له بعنوان “رؤية سياسية للتغيير بالقوة”، وقد بدأ بتنفيذها في 12 فيفري 2014، ويوم 16 ماي أطلق عليها اسم معركة “الكرامة”، واختتمها ببيان يوم الاربعاء 21 ماي على الساعة 09 ليلا أعلن فيه مثلما أعلن السيسي تحويل السلطة إلى القضاء وحل البرلمان، وإذا كان السيسي قد نجح في مشروعه فالفضل يعود إلى القضاء المصري فإن الجنرال حفتر هو الآخر نجح في مشروعه المدعم أمريكيا لكنه فشل في إيجاد من يدعمه من المنتخبين.

أوجه الالتقاء

مشكلة حفتر هي مع التيار الاسلامي والإعلان الدستوري الذي ينص في مادته الأولى على أن “ليبيا دولة ديمقراطية مستقلة، الشعب مصدر السلطات، وعاصمتها طرابلس، دينها الإسلام والشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وتكفل الدولة لغير المسلمين حرية القيام بشعائرهم الدينية، واللغة الرسمية هي اللغة العربية مع ضمان الحقوق اللغوية والثقافية للأمازيغ والتبو والطوارق وكل مكونات المجتمع الليبي” ويضم هذا الإعلان 37 مادة والذي وقعه المجلس الدستوري في 03 /08 /2011 .

السيسي جاء عبر الانقلاب على الشرعية الشعبية ولم تباركه دولة واحدة باستثناء السعودية والخليج، أما حفتر فقد جاء بالدعوة إلى دولة مدنية وأنه لا يفكر في الترشح للرئاسيات، وأمريكا مرتاحة لما يقوم به الجنرال الليبي ولكنها غير مرتاحة لما يقوم به الجنرال المصري.

مثلما حملت فئات مصرية صور السيسي حملت فئات ليبية صور حفتر، وإذا كان السيسي قد اعتدى على المتظاهرين بقوة السلاح فإن حفتر استهدف المليشيات التي وصفها بالاسلامية، ومثلما يحظى السيسي بدعم من “أصحاب القرار” يحظى حفتر أيضا بدعم من دبلوماسيين ليبيين وفي مقدمتهم ممثل ليبيا في الأمم المتحدة، وبعض القبائل.

السيسي أصبح رئيسا برتبة فريق أول سعيا إلى استئصال الفكر الإخواني المصري لكن حفتر بقي يقاوم ما يسمى بـ”الجماعات المسلحة” وهدفه توقيف الانتخابات التشريعية الليبية المقررة يوم 25 جوان 2014 حتى لا يتمكن الاسلاميون من الاستيلاء على السلطة.

والحقيقة أن الربيع العربي الذي حرر الشعوب من الخوف ما تزال عليه علامات استفهام كبيرة خاصة بعد اغتيال السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنس الذي يمثل فكر أوباما الداعي إلى دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط بالرغم من ادعاء الكيان الصهيوني بأنه “الدولة الوحيدة” التي تمارس الديمقراطية، والإبقاء على التحقيق مفتوحا لمعرفة الجهة التي تقف وراء اغتياله هناك محاولات من الجنرال حفتر لمحاربة “أنصار الشريعة” لأن التقارير التي قدمها للأمريكيين حملت اتهامات لهذا التيار غير أن التحقيقات ما تزال جارية لأن ما وقع بعد هذا الاغتيال يكشف أن المستفيد من الطعن في الربيع العربي هم الجنرالات المتقاعدون ورجال المخابرات الذين ما زالوا جزءا من صناع القرار في الوطن العربي.
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/205784.html

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق