سياسة

المريض الزوالي يدفع الثمن من صحته المرض للجميع والسكانير للمعارف وأصحاب المال

scanner

من العاصمة إلى قسنطينة إلى عنابة يعزف كثير من الأطباء سمفونية واحدة:” السكانير معطّل.. اذهبوا عند البريفي أو يمكنكم أخذ موعد في العام القادم”.. أمام هذه المعزوفة يلجأ المريض المغبون إلى العيادات الخاصة ليصطدم بالتكلفة المرتفعة والطابور والمعريفة حتى والأموال في جيبه.
”لم أتمكن من الحصول على موعد قريب لإجراء أشعة صور التردد المغناطيسي ”إي، ار، أم” فلجأت إلى الخواص ودفعت بالمقابل 18 ألف دج”. ”جبنا كل مستشفيات العاصمة لإجراء السكانير لأخي بعد حادث السيارة الذي تعرض له، وعند كل مستشفى نفاجأ بالرفض سواء لتعطل الجهاز أو لكثرة الطلب عليه.. ليحرم أخي من تشخيص المضاعفات التي تعرض لها ويفارق الحياة بسبب نزيف لم يتوقف. وأحمّل مسؤولية موته من حرمه من تشخيص إصابته رغم أنني مؤمن بأن الموت قضاء وقدر”.
هي شهادة من بين العشرات أدلى لنا بها عدد من المرضى الذين قابلناهم على مستوى مصالح الكشف بالأشعة عبر عدد من مستشفيات الجزائر العاصمة، والتي بات الفوز بموعد لإجراء أشعة من نوع السكانير أو الـ”إي. ار. ام” ضربا من الخيال. وإلا كيف نفسر تحديد مواعيد على المدى الطويل تجاوزت الأشهر لدى أغلبية المرضى، وهي المدة التي من شأن العلّة أن تتمكّن من جسم صاحبها.
من المفارقات التي وقفنا عليها ونحن نجوب مختلف مستشفيات الجزائر العاصمة خلال تحقيقنا الميداني، ما أكده لنا المشرفون على مكتب تحديد مواعيد مختلف الأشعة بمستشفيات مايو وزميرلي ومصطفى باشا والقبة وبينام، والذين تقربنا منهم على أساس أننا مرضى في حاجة لإجراء أشعة السكانير، حيث كان جواب المشرفين على المكتب على سؤالنا عن أقرب موعد بإمكاننا الفوز به لإجراء الأشعة؟ أن موعدنا يمتد لشهر جوان 2010، ولدى احتجاجنا عن طول الموعد أشاروا بيديهم لخارج المستشفى قائلين ”روحي عند البريفي، واطلبي الرونديفو اللي تحبيه”..
يحدث هذا في الوقت الذي سجلت عديد مستشفيات الجزائر العاصمة توقفا لذات الأجهزة، مما يفسر الضغط المسجل على المستشفيات التي تحوي أجهزة غير معطلة. علما أننا حاولنا معرفة سبب حرمان المريض الجزائري الاستفادة من خدمات ذات الأجهزة على مستوى عديد المؤسسات الاستشفائية، رغم أن وزارة الصحة وإصلاح المستشفيات خصصت أظرفة مالية لاقتناء ذات العتاد، إلا أنه ولا واحد من المسؤولين استطاع أن يجيبنا على هذا السؤال.
ونفس الإحباط يصاب به المريض في مدينة الجسور المعلقة؛ إذ لم تدم فرحة القسنطينيين طويلا باستقدام إدارة مستشفى قسنطينة الجامعي لجهاز سكانير جديد، بعد توقف دام قرابة الـ10 سنوات، حيث قررت الإدارة أن تكون الخدمات موجهة فقط للمرضى المقيمين بالمستشفى، والذين ينتظرون ما بين 15و30 يوما لإجراء الأشعة، ما يضطرهم للتنقل للعيادات الخاصة التي لا تقل أسعارها عن 5000 دينار للمقطع الواحد. واستغل العديد من أصحاب العيادات الخاصة انعدام جهاز سكانير بالمستشفى الجامعي ابن باديس لأكثر من 10 سنوات، والتوافد الكبير للمرضى على مستشفى قسنطينة لتكوين إمبراطورية تحت الشمس، حتى بعد اقتناء إدارة المستشفى لجهاز جديد من الولايات المتحدة الأمريكية بقيمة 8 ملايير سنتيم، والذي بدأ استغلاله منذ قرابة السنة، حيث كشف العديد من الأطباء العاملين بالمستشفى الجامعي أنهم لا يزالون يعانون الكثير من أجل إجراء فصح بالأشعة على مرضاهم، حيث قال أحدهم ”إن مصلحة السكانير ترفض عشرات الطلبات يوميا. كما أن القائمين عليها يطلبون منا توضيحات وتبريرات دقيقة لتبيان مدى أهمية إجراء هذا الفحص للمريض من عدمه”. مضيفين أنه باستثناء مصلحة الاستعجالات الجراحية، مصلحة أمراض القلب، وكذا الأعصاب التي تجري الفحوصات لمرضاها مباشرة بعد تقديم الطلب، فإن باقي المصالح الطبية مجبرة على الانتظار والتبرير من أجل تمرير مرضاها. وهو ما يدفع بآلاف المرضى الوافدين على مستشفى قسنطينة من مختلف أنحاء الشرق للتوجه إلى العيادات الخاصة؛ حيث تتراوح الأسعار هناك ما بين 5000 دينار و10 آلاف دينار للمقطع الواحد، حسب الحجم ومنطقة الجسم.
وفي صورة طبق الأصل للمعاناة اليومية للمرضى مع حلم الحصول على سكانير، تشهد العيادات الخاصة بعنابة إقبالا كبيرا من قبل المرضى لإجراء التحاليل الطبية والفحوص بالأشعة، وخاصة بجهاز ”السكانير”، حيث يخيل للمرء أثناء الدخول إلى أكثر العيادات الخاصة شهرة بالولاية، أن هذه الأخيرة تحولت إلى مستشفى عمومي، أو أنها تقدم أسعارا مخفّضة، ولكن الحقيقة غير ذلك.
اقتربنا من عدد من المرضى بإحدى العيادات الخاصة، لمعرفة دوافع هذا الإقبال الكبير عليها، رغم أنها تقدم خدماتها لقاء مبالغ مالية معتبرة، وكانت الإجابة أن معظم المرضى باتوا يتجنبون أصلا الذهاب نحو مستشفيات القطاع العام، بسبب المعاناة من تدني مستوى الخدمة العمومية، وتجارب سابقة اضطرتهم إلى قضاء ساعات طويلة في طوابير، ليقال لهم بأن الجهاز تعطل، أو أن المحاليل الطبية نفدت.
فغالبية المرضى مقتنعون بأنهم سيضيّعون وقتهم في المستشفيات العمومية، لأن الفحص بجهاز السكانير مجانا ليس متاحا لكافة المرضى، وأنهم قد يضطرون للحصول على وساطة، أو أنه سيقال لهم بأن الجهاز معطّل، ناهيك عن مساهمة الأطباء في تعزيز هذا النفور من القطاع العام، إذ يعمل كل طبيب على توجيه مرضاه نحو عيادة معيّنة لإجراء الفحوصات أو تحاليل الدم، فيما يشبه عقدا غير معلن بين الطرفين. فانتعشت أعمال المخابر والمراكز الخاصة كثيرا، وتحولت إلى ما يشبه خلايا النحل طيلة اليوم، إلى درجة أصبح فيها مستوى الخدمات متقاربا أحيانا بسبب العدد الكبير للمرضى. وقد أكدت إحدى المريضات، أن فقرها يدفعها لإجراء التحليل بمخبر مستشفى ابن سيناء، إلا أنها تضطر إلى إجراء بعضها لدى المخابر الخاصة، والتي تكلفها ما بين 1500 و3000 دج.

المصدر :الجزائر: ص . بورويلة/قسنطينة: ف. زكريا /عنابة: ب. حسينة
2009-06-15

كلمات مفتاحية