مقالات

شارلي إيبدو.. أسئلة هادئة وجريئة وضرورية | توفيق رباحي

الآن وقد تراجع قليلا مفعول الصدمة التي هزت فرنسا وأجزاء من العالم جراء مذبحة مجلة شارلي إيبدو، وهدأت العواطف بعض الشيء، لا ما نع من تكرار إدانة تلك الجريمة الإرهابية بحق مدنيين عزّل. لكن لا مانع، بل لا بد من نقاش هادئ وجريء حول ما حدث وما سيحدث مثله (لأن هذه الحرب مفتوحة على الأسوأ).
الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قال إن فرنسا ضُربت لأنها أرض الحريات. تكررت هذه العبارة في ذلك اليوم آلاف المرات بصيغ مختلفة. وقال إن الهجوم على هذه المطبوعة يهدف إلى إسكات الاصوات الحرة. ثم تكررت العبارة آلاف المرات في الساعات والايام التي أعقبت الهجوم.
السويد أيضا أرض الحريات ولكنها لم تُضرب. سويسرا ايضا. النمسا والمانيا وغيرهما. لوفيغارو أيضا ترمز لحرية الرأي والفكر ولم تهاجَم. لوموند كذلك، ولوباريزيان وليبراسيون وغيرها من الصحف.
هناك رمزية في الهجوم على شارلي إيبدو لا يمكن إغفالها. مثلما لا يمكن تسطيح الهجوم بعزله عن سياقه السياسي والثقافي والأمني المعقد.
فرنسا ضُربت لأنها أخفقت سياسيا وثقافيا وأمنيا تجاه مسلميها. فرنسا هي التي «حشرت» الأجانب في أحياء يقطنها عشرات الآلاف وتشكل بيئة خصبة للانحراف والتشدد. المسلمون غدوا أمراً واقعا يشكلون جزءاً رئيسيا من نسيجها الاجتماعي بعد استقروا وتناسلوا ثلاثة أو أربعة أجيال، لكن طيفا واسعا من فرنسا السياسية والثقافية والإعلامية يعتبرهم دخلاء. وهناك من يدعو لترحيلهم، كما سأشرح لاحقا.
المشتبه بهما في هجوم الأربعاء منتوج فرنسي ميلاداً وتربية ونتائج. ما ارتكباه يمثل ذروة إخفاق فرنسا وليس الإسلام والمسلمين.
وفرنسا لم تخذل المسلمين وحدهم، بل خذلت آخرين، مثل اليهود، إلى حد ما.
شارلي إيبدو ضُربت لأنها تشكل رمزاً لحرية التعبير، لكنها ضُربت أيضا لأنها لم تتوقف عن إهانة مقدسات ديانة مليار شخص حول العالم وخمسة ملايين فرنسي.
حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. عندما تنشر مطبوعة رسما لنبي الإسلام عاريا مرفوقا بعبارات غير لائقة، فهي تجاوزت خطوط الحريات الى ما هو أسوأ وأخطر. وعندما تنشر رسما لنبي الإسلام في شكل بشع وحيرة من أمره مرفوقا بعبارة: «المسلمون أتعبوا محمدا»، ثم يخاطب (النبي محمد) نفسه قائلا: «صعب جداً أن تكون محبوبا من الحمقى»… عندما تنشر رسما كهذا تكون قد خرجت عن كل حدود الحرية والاحترام. عندما تترك مطبوعة كل هموم فرنسا والعالم ولا يبقى لها غير المسلمين ونبيّهم، فهي تكون قد فتحت على نفسها باب الحقد والكراهية.. ثم الحرب كما حدث الأربعاء الماضي.
وعندما تخشى هذه المطبوعة ذاتها الاقتراب من مقدسات شعوب وديانات أخرى (المحرقة اليهودية مثلا)، فهي تكيل الحرية بمكيالين وتوغل في استفزاز أتباع ديان ومقدسات أخرى، لأن البشر لسوا حمقى بل يعرفون قياس الأشياء ببعضها.
وعندما تتعمد مطبوعة الخلط بين «داعش» والغسلام وعامة المسلمين، فلا يمكن تفسير ذلك إلا بأنه إصرار على الإساءة لهؤلاء المسلمين، لأن «داعش» ليس ولن يكون هو الإسلام.
مع الأسف، هذا هو حال شارلي إيبدو منذ سنوات. تاريخها حافل بالإساءة للرموز الدينية، للإسلام على وجه الخصوص. قد يتسامح مسلمون كثيرون ويتحملون الإهانات، لكن يكفي واحد وسط الملايين ليرتكب مذبحة. والسؤال حول مذبحة الأربعاء الماضي كان: متى، وليس هل ستقع.
قد يقول قائل إن لا شيء مقدسا أمام حرية الرأي والتعبير. جميل، ولماذا تكون المحرقة اليهودية مقدّسة؟ هناك فرق لا يحتاج الى توضيح بين أن تكون مدافعا عن حرية التعبير وبين حرية الإساءة للآخر.
ما لا يمكن إهماله أيضا، أن مذبحة الأربعاء جاءت ضمن سياق من التحريض الثقافي والإعلامي تشهده فرنسا هذه الفترة، تقوده نخبة من الكتاب والمثقفين. لا يمر يوم واحد من دون حديث (سلبي) في مختلف وسائل الإعلام عن المسلمين والأجانب.
أبرز منظري هذه الحملة الروائي ميشيل أولبيك والكاتب رينو كامو والصحفي إيريك زمور.
تقوم الحملة على شيطنة الأجانب، وبالخصوص المسلمين. وتتمحور حول رواية أولبيك «الخنوع» التي تتخيل وصول مسلم إلى رئاسة فرنسا في 1922 مع ما يصحب ذلك من اضطرابات اجتماعية. ووصلت إلى درجة حديث زمور عن ترحيل 5 ملايين مسلم فرنسي مثلما رُحّل أبناء المستعمِرين الفرنسيين من الجزائر غداة استقلالها في 1962 (مقابلة مع صحيفة كوريير دي لا سييرا الإيطالية 30 أكتوبر 2014).
عندما يُسأل بأن ذلك كان في سياق حرب، يلمح إلى أن الحرب في الطريق. زمور يصنع مجده هذه الايام من تصريحاته وكتابات تحذر من سقوط فرنسا في الفوضى (بسبب الأجانب) وتزخر برفض الآخر.
المشكلة أن هؤلاء المنظرين يجدون مساحات واسعة في وسائل الإعلام، ويُستضافون بالترحاب على مدار الايام في البرامج التلفزيونية في أوقات ذروة المشاهدة لتسلل أفكارهم في هدوء حتى تصبح مقبولة.
قبل هذا وبعده، لا شيء يبرر مذبحة كالتي حدثت. الإدانات واجبة، لكنها لن توققف الجنون.
كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي
http://www.alquds.co.uk/?p=277569

كلمات مفتاحية

3 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • إن هذه الصحيفة تستحق أكثر مما حدث لها لأنهم أرادوا أن يقنعوننا و بكل سخافة بأن سَبُّنَا و شَتْمُنَا في ما نعتبره أكبر مقدساتنا هو حرية تعبير .
    إذا أرادوا أن نتقبل منهم السب و الشتم على أنه حرية تعبير فعليهم أن يتقبلوا أن ما حدث لهم هو حرية أفعال .
    من الذي يقبل أن يهينوه بأبشع الأوصاف ثم يُقَالُ له حرية تعبير . إن كلاب الجريدة الفرنسية الذين قتلوا و هذا لأنهم أثاروا السخط عليهم يعبرون عن سعادتهم بالإنتقام حقدًا على من يكرهونه و يمارسون حقدهم هذا في كتابات يكتبونها و رسومات ساخرة مهينة.
    إذا كان الأمر كذلك فحرية الأفعال هي الأخرى يُعَبِّرْ بها الإنسان عن سعادته بالإنتقام على من يكرهه .
    إذا أردنا أن نجعل الحرية مطلقة حيث لا يحدها شيء أي يصبح الإنسان مثل الحيوان لا يقيده شيء فلا يجب أن نتعجَّبَ من ردة فعل أي غاضب لأنه يمارس حريته .
    و كلاب الجريدة الساقطة يستحقون أكثر مما حدث لهم لأنهم على اليهود يصبحون يعرفون حرية التعبير من أين تبداء و من اين تنتهي ، أما على المسلمين فحرية التعبير عتدهم مطلقة لا حد لها .
    لماذا يبقى المسلمين يشكون طيلة أعمارهم مما يقوله هذا أو ذاك و السيف أبلغ من القلم .
    لو قُطِعَتْ هذه الألْسُنْ حينما نَبَحَتْ لأول مرة لما حدث لهم ما حدث .
    تريدون حرية تعبير بالطريقة الفرنسية ( مش مشكل ) أنا الآن سأعبر عن رأي و كل ما أريده أن يقبل الناس و خصوصًا الفرنسيين ما سأقوله و يجعلوه في خانة حرية التعبير و لا يجب عليهم أن يعترضوا عن كلامي و أن يحترموه لأن هذا ( حرية التعبير ) .
    و كلامي هوا :
    {{ أنا أكره فرنسا و ما أتمناه لها هو مليار قنبلة نووية تمحو كل فرنسا من على خريطة الأرض و أن ما فعله الشقيقين هو أقل ما لحق بهم و أن الواجب هو أن يُسْحَقَ الفرنسيون عن بكرة دين ولدين أمهم و أبيهم و أتمنى المزيد و أكثر من هذه العمليات التي تدخل عليهم الألم و الهم و الغم }}
    أليست هذه حرية تعبير ؟؟ إذًا فاحترموها
    أنا هكذا خُلِقْتُ أكرهكم يا فرنسيين .
    132 سنة إحتلال لبلادي بالزي العسكري و من سنة 1962 إلى اليوم و إلى الغد كذلك إحتلال لبلادي بالزي المدني ما دام ذهب السفهاء منَّا إلى المسيرة الفرنسية و لم ينسحبوا منها و قد رُفِعَتْ فيها الرسوم ألمسيئة مرة أخرى .
    و من حرية التعبير أيضًا هو : {{ إن البهائم الذين يحكموننا أساؤوا إلينا في مدة حكمهم ( من 1962 إلى اليوم ) أكثر مما أساءت لنا فرنسا في مدة حكمها و هذا لأنهم هم تابعين لها و هي من نَصَّبَتْهُمْ علينا ، فهل تكون عندهم الرجولة أو النخوة فينسحبوا من المسيرة و هل يستطيعون فعل ذلك ؟؟؟ بالطبع لا لأن فرنسا أمرتهم بالحظور إلى المسيرة و لم تعطهم الأمر بالإنسحاب منها لذلك لا يستطيع سلال الجبان و لا الوزراء الجبناء الذين معه أن ينسحبوا من المسيرة و قد رفع الحاقدين فيها الرسومات المسيئة مرة أخرة .
    أنا عَبَّرتُ عن جزء من رأيي فإحترموا حرية التعبير .

  • إلى متى نظل نبكي على موتاهم وموتانا يسقطون بعشرات المئات؟؟ شيء مضحك أن ترى الارهابيين يحاربون الإرهاب؟؟ كان ينقصهم بوش في تلك الصورة المقززة.. لتكتمل عصابة مصاصي الدماء.. اللعنة على كل من يسيء للإسلام أو لنبيه تحت أي اسم كان.
    شكرا لك توفيق. مع تحياتي