مقالات

أنا..عين صالح !

لا يمكن التعامل مع ما وقع في عين صالح والمناطق المجاورة لها في الجنوب، من اعتصامات واحتجاجات سلمية وخروج مستمر إلى الشارع، بعيدا عن دائرة “الانبهار”، وخارج سياق “التفاخر”..، فسكان عين صالح، منحونا وفي ظرف زمني وجيز ما عجزنا عن فهمه سنوات طويلة، منحونا درسا مباشرا في الوطنية، وكيفية الخروج إلى الشارع سلميا للمطالبة بحق مشروع، ليس مرتبطا هذه المرة، لا بالبطون ولا بالأرجل ولا حتى بالأجور؟ !!
قد تكون هذه من المرات النادرة جدا، التي نشاهد فيها جزائريين يخرجون إلى الشارع، ليس دفاعا عن “كروشهم” ولا عن “عروشهم” ولا نواديهم الكروية، ولا عن فريقهم الوطني لكرة القدم..
الجزائريون ليسوا شعبا “مكراشا” وان أرادت السلطة حصرهم في ذلك، وليسوا شعبا “جاهلا” مثلما تريد بعض النخب اختزال صورتهم منذ سنوات، كما ليسوا أداة في يد الخارج، وهي تهمة سخيفة جدا، بات الواحد يشفق على من يطلقها ويروجها سياسيا وإعلاميا أكثر من لومه على ذلك أو نقده بشدة، فمن يعتقد أن هؤلاء المواطنين في الشارع، يسهل جذبهم لسيناريوهات تضر بمصلحة البلاد والعباد، أو تحقيقا لتغيير يأتي من الخارج، فهو إنسان معقد نفسيا ومريض فكريا، كما يعدّ عميلا للخارج أكثر من غيره، لأنه ومن كثرة “رخصه” توهّم أن الجميع قابل للبيع في هذا البلد؟ !
“ملحمة عين صالح” وعلى مدار أيام قليلة، بدأت بالاحتجاج سلميا ثم انتهت بالتضامن بين عدد من الولايات، والاعتصام في ساحة واحدة بالمنطقة، هزّت تلك المؤسسات التي اعتقد البعض أنها ومن شدة تغولها لم يعد يهمها أحد، ودفع هذا الحراك “المبارك” أكبر رأس في الحكومة للاعتذار رسميا والاعتراف، بحالة الشلل الرسمي والبكم الحكومي، وبأن السلطة اتخذت قرارا فرديا لم تلجأ فيه للشعب، وقد أخطأت..
خرجوا جميعا لقولها والاعتراف بها رسميا، رغم أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اتخاذ قرار فردي، بل إن للسلطة والحكومات المتعاقبة تاريخ طويل من القرارات الفردية التي لا ترى في الشعب سوى كما مهملا، تستعين به أيام الانتخابات وفقط، دون أن يكون له وجود أو حضور في بقية الفصول..
الاعتصام في عين صالح، يعد صفعة قوية، حصل بموجبها السكان الرافضون لاستغلال الغاز الصخري هناك على حقهم في المواطنة، والواقع أن عددا كبيرا منهم خرجوا للشارع، ليس رفضا لاستغلال هذه المادة وحسب، بل إن كثيرا منهم يوافق على كونها ثروة لابد من التفكير فيها كبديل، لكنهم خرجوا ليتحرروا من كونهم أنصاف أو أرباع مواطنين، هم ليسوا كما مهملا، أو رقما مجهولا في المنطقة، بل لابد على من يريد اقتحامها أو اتخاذ قرار مهم ومصيري فيها أن يرجع إليهم…
في عين صالح يوجد “شعب” وفي بقية الوطن، هنالك “سلطة وفقط”؟ !
ما حدث في عين صالح طيلة الأيام الماضية ليس تعرية للسلطة ولا للحكومة فقط، لكنه تعرية أيضا للنخب السياسية والحزبية التي عجزت على ملاحقة هذا التطور الكبير في سلوك المواطنة، وقد أثبت الجميع في ساحة الاعتصام أنهم أقوى بكثير من كل الشعارات التي يرددها هؤلاء أو أولئك في القاعات والصالونات المكيفة..لم يخرج السكان هناك للانتقال الديمقراطي، ولا للتداول على السلطة أو الضغط في سبيل تحقيق الديمقراطية على طريقة سعيد سعدي وعلي جدي، كما لم يخرجوا دفاعا عن بوتفليقة ولا عن نظامه..أو عن سلال وحكومته…ولا عن ولد خليفة وبرلمانه..ولا عن الهامل وشرطته، ولكنهم خرجوا بحثا عن المواطنة، دفاعا عن الشرف، تضامنا مع آدميتهم التي استمدوها من حق الأرض عليهم..
ما حدث في عين صالح هو سلوك حضاري نتمناه معديا لبقية المناطق، حتى يعرف الجزائريون جميعا أن سلوك الاحتجاج ليس سيئا جدا، ولا مقرونا بحقوق البطن والجيب والكرة فقط، لكنه في الأصل دفاع عن الوجود الإنساني، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون؟
قادة بن عمار
http://www.elhayat.net/article14207.html

كلمات مفتاحية