سياسة

مخططات و مشاريع وهمية قتلت الصناعة في الجزائر

مخططات وهمية وملايير في مهب الريح
هكذا قتلوا الصناعة في الجزائر
في أوج تطبيق السياسات الصناعية في الجزائر، برزت مقولة نسبت إلى الرئيس هواري بومدين بعد تأميم قطاع المحروقات في 1971، مفادها أن الجزائر ستخرج بشكل كامل من دائرة التخلف وستصبح يابان الوطن العربي. وكانت الجزائر حينها قد سخّرت مواردها لبناء قاعدة صناعية كانت تمثّل أكثر من 15 في المائة من الناتج المحلي الخام مع نهاية السبعينيات، وعوض أن تواصل الجزائر في مسار تطوير قاعدتها الصناعية لضمان إحلال الواردات، عرفت تطورا معاكسا لتصبح فيه الصناعة مع سنوات 2000 أضعف القطاعات في إنتاج الثروة، وتظل الجزائر بعد 44 سنة من تأميم المحروقات رهينة الريع النفطي وتغطي نسبة حوالي 70 في المائة من حاجياتها عن طريق الاستيراد.

حكومة تستنجد بإنتاج وطني قضت عليه
خوصصة “تمار” أغلقت 250 مؤسسة عمومية خلال 5 سنوات
أكثر من 70 بالمائة من احتياجات الجزائريين مستوردة من الضفة الأخرى

تتناقض الحكومة مع نفسها، في محاولة لتغليط الرأي العام، عندما تؤكد أن التقليص من فاتورة الاستيراد، يتوقف على تطوير الإنتاج الوطني والنهوض به، متناسية ما فعلته بالمصانع والشركات الوطنية التي أغلقت أبوابها جراء سياسة الخوصصة التي اعتمدتها الحكومة في عهد وزير المساهمات الأسبق، عبد الحميد تمار، والتي ارتكزت أساسا على التخلي عن النسيج الصناعي الجزائري مقابل الدينار الرمزي. بالمقابل، أدت السياسات الاقتصادية المتعاقبة، بعد أن أغلقت العديد من المؤسسات الوطنية أبوابها، في ارتفاع معدل تغطية الواردات لاحتياجات الجزائريين، إلى أكثر من 70 بالمائة. وأكدت مصادر حكومية موثوقة، أن سياسة الخوصصة التي تم اعتمادها من سنة 2000 إلى غاية 2005 من طرف الوزير الأسبق للمساهمات وترقية الاستثمار، تسببت في غلق أكثر من 200 مؤسسة عمومية كانت تنشط في مختلف القطاعات الاستراتيجية، بعد أن فشلت عمليات خوصصتها، ليتم غلقها.
وأوضحت نفس المصادر، أن مستوى الإنتاج الوطني الحالي، يبقى بعيدا عن تحقيق الاكتفاء الذاتي للجزائريين، الذي يتم ضمانه بنسبة 80 بالمائة من السلع والبضائع المستوردة، مما جعل فاتورة الاستيراد ترتفع إلى مستويات تعدت الخطوط الحمراء خلال السنوات الأخيرة، بعد أن تم القضاء على جزء كبير من الإنتاج الوطني، لتبلغ قيمة نفقات الجزائر على وارداتها ما يقارب 60 مليار دولار، بالنسبة لبلد تتراجع مداخيله من العملة الصعبة من سنة إلى أخرى، بعد انهيار أسعار البترول إلى مستويات تحت 60 دولارا للبرميل.
من جهة أخرى، أكدت ذات المصادر، أن حوالي 80 بالمائة من فاتورة الاستيراد، تم إنفاقها على استيراد بودرة الحليب والحبوب، خاصة منها القمح، إلى جانب الزيوت النباتية وغيرها من المواد الأساسية التي لا يمكن للجزائريين الاستغناء عن استهلاكها، مما يعني، حسب ذات المصادر، أن أكثر من 70 بالمائة من احتياجات الجزائريين تستورد من الخارج.
وأصرّت ذات المصادر، على ضرورة تنظيم عمليات الاستيراد والقضاء على الاحتكار الذي تمارسه مجموعة من المستوردين، يتحكمون في الأسعار بالأسواق الداخلية.

الصناعة تراجعت من 15 في المائة في الثمانينيات إلى 5 في المائة حاليا
المؤسسات الجزائرية تستورد 70 في المائة من موادها الأولية

بعد الزخم الكبير لاستراتيجيات التصنيع والصناعات المصنّعة خلال السبعينيات، عرفت الجزائر انتكاسة كبيرة لسياسات التصنيع التي تجلّت أساسا في البقاء في دائرة التبعية للريع النفطي وتوزيع ناتج موارده، واحتفاء جزء من النسيج الصناعي الجزائري. وأبرز مؤشر لواقع زوال مظاهر التصنيع في الجزائر هو انخفاض حصة الصناعة من 15 في المائة خلال الثمانينيات إلى 5 في المائة طوال سنوات 2000 إلى الآن رغم الموارد المالية التي كانت تضخ في القطاع الاقتصادي، والذي يوجّه جزء كبير منه للاستيراد.
ووفقا للتقديرات الإحصائية، فإن المؤسسات الجزائرية سواء عمومية أو خاصة تبقى مرتبطة أساسا بالخارج، من خلال استيراد المواد الأولية والمدخّلات التي تدخل في الإنتاج. وتتراوح نسبة هذه التبعية ما بين 60 إلى 70 في المائة،
وهذا العامل يؤثر سلبا في إنتاج المؤسسات التي عادة ما تعاني من انقطاع في المخزون ومن تذبذب في التزود بهذه المواد ومن تقلبات الأسعار التي تؤثر على السياسات التسويقية وسياسات الأسعار. وفي غياب استراتيجية صناعية واضحة المعالم تتسم بالاستقرار والثبات وفي ظل التغيير المستمر للقوانين والتشريعات، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في الوصول إلى تجسيد سياسات إحلال واردات وتغطية جزء كبير من حاجيات السوق الجزائري، فضلا عن العجز الواضح في الانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد المنتج.
وتكشف أرقام نمو الصناعة في الجزائر، قصور السياسات المعتمدة والأخطاء الجسيمة المرتكبة التي جعلت من هذا القطاع مجالا لتجريب نماذج اقتصادية تبيّن عدم مطابقتها للواقع. فبعد الصناعة المصنّعة التي اعتمدت على مقاربات جيرار ديستان دوبورنيس وفرانسوا بورو وتبني مخططات النمو والمجمعات الصناعية الكبرى، تم اعتماد سياسات إعادة الهيكلة وتجزئة المؤسسات الكبرى، ليتم الانتقال إلى مسار الخوصصة بنتائجها الكارثية، فتوقيف الخوصصة واعتماد صناديق المساهمة وشركات التسيير والمساهمة، فالمجمعات الصناعية وكل هذه الوصفات لم تخرج الصناعة الجزائرية من تأخرها، بل ساهمت في اختفاء جزء من النسيج الصناعي وتطور معتبر للواردات التي تضاعفت بأكثر من 49 مليار دولارأ ما بين 2000 و2014، حيث قدّرت الواردات الجزائرية بـ 9.173 مليار دولار سنة 2000، مقابل 58.330 مليار دولار في 2014 و54.852 مليار دولار في 2013.
وتجدر الإشارة أن الواردات الجزائرية كانت تقدّر بـ 1.22 مليار دولار في 1971 و1.49 مليار دولار في 1972 و2.24 مليار دولار في 1973، في الفترة التي كانت فيه الجزائر تعتمد تدابير تقنين وتأطير عمليات التجارة الخارجية التي كانت خاضعة لهيمنة واحتكار الدولة، في وقت عرفت فيه الجزائر مع التسعينيات تحريرا للتجارة الخارجية.
وقد تركّز الجدل في الجزائر لفترة زمنية حول الاقتصاد المسير واقتصاد السوق، دون أن يتم الحسم في جوهر الإشكالية التي ظلت قائمة هو الانتقال من اقتصاد ريعي مبني على المحروقات وإيراداتها إلى اقتصاد منتج واقتصاد معرفة، وبعد 50 سنة لم تحل الجزائر هذه الإشكالية، كما لم يتم حلها رغم اعتماد منذ 2001 مخطط دعم إنعاش ودعم للنمو رصد له إلى غاية 2015 حوالي 800 مليار دولار بمقاربة “كينزية” كانت تهدف إلى دعم الطلب وتدعيمه وتوفير الأسواق للمؤسسات الجزائرية، وصولا إلى بناء اقتصاد متنوع خارج نطاق المحروقات. ولكن النتيجة ظلت دون تغيير ونصيب المؤسسات الجزائرية عمومية وخاصة لا ترق لمستوى ومعدلات ما تم إنفاقه، حيث تم ضخ 53.73 مليار دولار كقروض موجهة للاقتصاد في 2013 وأكثر من 55 مليار دولار في 2014 جزء كبير منها موجّهة لعمليات التجارة الخارجية.

عدد الشركات الأجنبية تراجع بـ 19 في المائة في 2013
50 في المائة من المؤسسات تنشط في الخدمات والاستيراد
يقدّر عدد المؤسسات النشطة في الجزائر بـ147.138 مؤسسة، ولم تنجح منذ سنوات في تحقيق الهدف المسطر والمعلن عنه من قبل الحكومات المتعاقبة وهي إنشاء 200 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة، في وقت عرفت فيه معدلات توقف المؤسسات عن النشاط ارتفاعا، حيث بلغ المعدل السنوي ما بين 10 آلاف إلى 20 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة ومؤسسات مصغرة.
ووفقا لإحصائيات المركز الوطني للسجل التجاري، فانه تم إقامة 810 مؤسسة أجنبية في الجزائر في 2013 مقابل 1008 في 2012، ويلاحظ أن نسبة الخدمات تمثل 31.8 في المائة مقابل 21.3 في المائة للاستيراد والتصدير، أي أن القطاعات غير الصناعية المنتجة تمثل 53 في المائة مقابل 30.1 في المائة للصناعة والبناء والأشغال العمومية ويبقى نصيب الصناعة الفعلي الأدنى. ورغم تسجيل ارتفاع لعدد المؤسسات المقيّدة في السجل التجاري بالجزائر بنسبة 159 في المائة ما بين 2006 و2013، فإن نصيب المؤسسات المنتجةالصناعية يبقى هو الأضعف مقارنة بمؤسسات الخدمات والتجارة والاستيراد والبناء والأشغال العمومية.ويلاحظ أن الجزائر بدأت بضخ موارد مالية معتبرة بعد اعتماد سياسة تصنيع، حيث تضاعف الاستثمار الصناعي مع المخطط الرباعي الأول 1970 إلى 1973 بـ 1.5 مرة، ثم بـ 2.2 مرة خلال المخطط الرباعي الثاني 1973 و1977، حينها بلغت حصة الصناعة حوالي 16 في المائة من الناتج المحلي الخام، وتواصل الأمر إلى 1985، أين ظلت الصناعة تمثل 15 في المائة من الناتج المحلي الخام، حيث كانت تحوز الجزائر على نسيج صناعي كبير ولكنه يعاني من اختلالات مع نسبة مردودية متدني وتشغيل لا يتعدى 40 إلى 45 في المائة من قدرات الإنتاج الفعلية، وبعد التسعينيات، بدأ مسار تفكيك وتراجع القطاع الصناعي، حيث تحولت الصناعة من 15 في المائة من الناتج المحلي الخام في 1985 إلى 5.5 في المائة في 2006 و5 في المائة في 2010، وظل القطاع الصناعي العمومي يعاني من تراجع النمو ومن انخفاض فائض القيمة والإنتاج، حيث تدنى فائض قيمة الصناعة خارج المحروقات ما بين 1987
و1999 من 22 في المائة إلى 13 في المائة في وقت بدأ الانتقال من الصناعة الثقيلة إلى الصناعة الخفيفة، ومن هيمنة الدولة على التجارة الخارجية إلى تحريرها. ورغم توسع حصة القطاع الخاص في العديد من فروع النشاط الصناعية، إلا أن الصناعة الجزائرية ظلت عاجزة عن تحقيق استقلالية فعلية، بل بدأت فروع نشاط تزول تقريبا بداية بفرع الجلود والنسيج تحت تأثير المنافسة الكبيرة وعدم تحديد أدوات الإنتاج وعدم مواكبة التحولات الصناعية في العالم.
وبقيت الصناعة الجزائرية تسجل نسب نمو متواضعة على العموم خارج قطاع الطاقة والبناء والأشغال العمومية التي كانت تعتمد على النفقات العمومية، بينما ظلت المؤسسات العمومية تستفيد من دعم مباشر من الدولة عبر عمليات مسح الديون وإعادة رسملة البنوك والتي لم تعط أية نتيجة إيجابية في نهاية المطاف.

زعيم بن ساسي لـ”الخبر”
20 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة أغلقت أبوابها خلال 3 سنوات
الإنتاج الوطني لا يلبي سوى 30 بالمائة من احتياجات الجزائريين
كشف رئيس المجلس الوطني الاستشاري لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، زعيم بن ساسي، عن غلق 20 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة خلال الثلاث سنوات الماضية، مؤكدا عدم قدرة الإنتاج الوطني الحالي على تغطية احتياجات الجزائريين.
وقال زعيم بن ساسي في تصريح لـ”الخبر”، أن مستوى الإنتاج الوطني الحالي لا يغطي سوى ما يتراوح بين 20 إلى 30 بالمائة من احتياجات الأسواق الداخلية، مرجعا تراجع عدد المؤسسات الوطنية إلى المشاكل المالية التي تتخبط فيها، إلى جانب تعثر إعادة تأهيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتي لم تخضع منها إلى غاية اليوم سوى 5 آلاف مؤسسة، تم الانتهاء من تشخيص وضعيتها المالية فقط من طرف الخبراء دون الانطلاق في تأهيلها. من جهة أخرى، أكد ذات المسؤول إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة في قطاعات متعددة، أهمها قطاع البناء والأشغال العمومية، إلى جانب شركات في قطاع الخدمات.
http://www.elkhabar.com/ar/economie/451487.html

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق