سياسة

صــــراع بارونــــات العملــــة الصعبــــة يُلهــب ”السكــــوار”

سوق العملة..المعضلة التي كشفـت عجز الحكومات المتعاقبة

الجزائر: مصطفى بسطامي / الجزائر: محمد الفاتح خوخي / الجزائر: سمية يوسفي /
يكشف التعامل مع سوق العملة الموازي عجز الحكومات المتعاقبة عن إيجاد البدائل والحلول العملية، حيث سمحت هذه الأخيرة بتناميها وتطورها إلى حد أضحت بديلا وملجأ للمواطن البسيط والمتعامل الاقتصادي، في ظل غياب دور البنوك ومكاتب الصرف. ومن الواضح أن العمليات الظرفية لردع هذا السوق
لن تشكل حلا في واقع معقد ومتشعب، بل ستساهم في تحويل السوق الموازي إلى سوق أسود فحسب.
تجّار العُملة بسوق “السكوار” يتحدّون الحُكومة
”أنتـــــــم زبائنـــــنا يـــــــــا مسؤولـــــــين”!
بيــــــع ”الأورو” و”البونـــــدا” يتواصــــل بالهــــاتف وفي ســــلالم وأقبيـــــة العمـــــارات
بدا شارع عبان رمضان بالعاصمة هادئا أمس، بعد مداهمة رجال الأمن لـ”تجار” سوق العملة الموازي، واعتقال الكثير منهم، ومُصادرة الأموال التي كانوا يحملونها، حيث لا تعثر على أيّ شاب يستظهر الدينار و«الأورو” على حافة الطريق، فهل اختفى السوق نهائيا؟! لا، فقد واصل الكثير من الباعة المتاجرة بالعملة الصعبة بالهاتف وفي الأقبية والسلالم.
انتقلنا إلى شارع عبان رمضان في حدود الساعة الحادية عشرة، لكي نقف على حالة السوق بعد الحملة التي شنتها مصالح الأمن أول أمس، حيث كان بعض الشباب منتشرين هنا وهناك، ينتظرون زبائنهم بشكل عادي ولكن بحذر شديد. تقمصنا دور الزبون واقتربنا من شاب كان مُتكئا على سيارة مركونة، سألناه: ”راك خدّام؟”، فأومأ برأسه أن نعم بعد تردد، فقلنا له إن لدينا 50 أورو فقط، فقال إنه مستعد لأن يعطينا 7 آلاف دينار، وما إن أبدينا استغرابنا حتى تعذّر بالحملة التي شنتها مصالح الأمن، وأنه ”يُغامر ببقائه في المكان وعليه حقّ أن يعرض أقل ثمن”، وشرح نفس المصدر أن ”العملة الصعبة ارتفعت وينتظر أن ترتفع أكثر في الأيام المقبلة”.
رفضنا عرض الشاب ووعدناه بالعودة، غير أننا اتجهنا إلى الشارع المحاذي وهو شارع الحرية، حيث اصطف الكثير من الشباب، أغلبهم تعرض للاعتقال وصودرت أموالهم، بعضهم توقف عن العمل بعدما فرغت يداه من العملة الصعبة، فيما بقي آخرون يتعاملون بالهاتف النقال. وانتقد الشباب المتجمعون في الحي ذاته الحملة التي شنتها مصالح الأمن عليهم، حيث قالوا إنهم ”ليسوا مهربين ولا مبيضي أموال” وإنهم يشتغلون طلبا لـ«الخبزة” فقط! يقول محمد (41 سنة) إنه يشتغل في السوق منذ أكثر من 10 سنوات، وأنه ”لا يملك قصورا ولا سيارات فاخرة مثلما يروج له البعض”، مفيدا بأن مصالح الأمن اعتقلته صباح أمس وصادرت كل أمواله المقدرة بـ28 مليون بين الدينار والأورو، على أن يمثل على القضاء قريبا.
غير أن محمد أكد أنه ”لن يتوقف عن هذه المهنة، وأنه سيتعامل مع زبائنه بالهاتف”، لأنه ”لا يملك مصدر رزق آخر”. وعما إذا كان يعمل لحسابه الخاص أو لأطراف آخرين، أفاد محمد بأنه ”يعمل بأمواله الخاصة”، نافيا أن يكون بعض المسؤولين هم من يُسيرون هذه السوق، لكنه أكد، بالمقابل، أن جميع المسؤولين يشترون العملة الصعبة من هذه السوق متسائلا: ”من هذا الذي يتعامل اليوم مع البنوك؟ الجميع يأتي إلى هنا، الوزير والقاضي والشرطي والفقير والغني”. من جهته، قال مراد (23 سنة) إنه تعرض للاعتقال مثل حوالي 70 شابا آخرين أول أمس الأحد، موضحا أن المواطنين الذين كانوا يشترون تعرضوا أيضا للاعتقال، ووجدوا أنفسهم جميعا في مركز الشرطة بشارع عميروش في العاصمة، للاستماع إلى أقوالهم قبل تحويلهم إلى العدالة. واعترف المتحدث لـ”الخبر” بأنه ”يتعامل بشكل غير قانوني”، غير أنه أوضح أنه في ظل ”انعدام البدائل لا يمكن أن تتوقف هذه السوق”، متسائلا عن مصير آلاف المواطنين الذين اعتادوا أن يشتروا العملة الصعبة من هذه السوق الموازية، خاصة مع اقتراب مواسم العمرة والحج وموسم الاصطياف، حيث يكثر في هذه الفترات الطلب على العملة الصعبة. وأضاف المتحدث نفسه أنه يتذكر أن مصالح الأمن قامت بحملة مشابهة سنة 2002 و«تعرضت خلالها للاعتقال، لكن لم نكن نبيع بشكل علني، على الأقل لا نستظهر النقود على حافة الطريق”. وأوضح أنه على الدولة أن تضع البدائل للسوق، أن تقننها قبل أن تهاجمها.

العملية تمت في سرية تامة
حجز أكثر من مليار سنتيم في مداهمة ”السكوار”
خلفت عملية المداهمة التي قامت بها مصالح أمن ولاية الجزائر، أول أمس الأحد، على تجار العملة الصعبة بساحة السكوار، حجز مبلغ مالي بالعملة الوطنية تجاوز المليار سنتيم، بالإضافة إلى آلاف الدولارات والجنيهات الإسترلينية والأورو.
العملية التي تمت في حدود الحادية عشرة صباحا خلفت صدمة، خصوصا أنها كانت مفاجأة من العيار الثقيل، إذ لم يسبق أن تجرأت الشرطة على اقتحام البورصة السوداء نظرا للنفوذ الذي يتمتع به بارونات العملة وكذا نوعية زبائنهم الذين هم في غالبيتهم أبناء مسؤولين ووزراء نافذين في الدولة، في وقت اعتبر من يعرفون خبايا السكوار أن العملية التي تمت أول أمس لم تمس بـ«التجار الكبار”، رغم أنها تمت في سرية تامة، حتى أن أعوان الشرطة لم يعلموا من قبل حتى لا يتم إخطار التجار.

300 ألف أورو المحجوزة بالمطار أفاضت الكأس
صــــراع بارونــــات العملــــة الصعبــــة يُلهــب ”السكــــوار”
خلفت مداهمة قوات الشرطة لساحة بور سعيد ”السكوار”، بورصة العملة الصعبة في الجزائر، تساؤلات عدة عن أسباب ودوافع تحرك مصالح الأمن في هذا الوقت بالذات، وهي التي سكتت لعقود من الزمن على التجار غير الشرعيين للعملة، رغم أن المكان يبعد بمئات أمتار فقط عن مقر المديرية العامة للأمن الوطني.
علمت ”الخبر” أن صراعا احتدم بين بارونات العملة الصعبة على مستوى ”السكوار” منذ أشهر، بسبب اختلاف المصالح خاصة بعد الارتفاع الجنوني للعملة الأوروبية، لتستمر الحرب الباردة التي استعمل فيها المسموح والممنوع، إلى غاية الـ31 من مارس المنصرم، لما أوقفت مصالح الجمارك على مستوى مطار هواري بومدين الدولي تاجر عملة جزائري بحوزته 302 ألف أورو و10 آلاف جنيه إسترليني كان متوجها بها نحو تركيا، وهي العملية التي جاءت بعد مكالمة هاتفية مجهولة قبل وصول ”المهرب” إلى المطار بساعات. وكشفت التحقيقات الأولية عن تورط جمركي ومسؤولين في شرطة الحدود في تسهيل الطريق للتاجر المزدوج الجنسية ”جزائرية / فرنسية”، والذي ظل يخرج العملة لمدة فاقت العامين وبمبالغ وصلت إلى ملايين الأورو، من الجزائر إلى اسطنبول ومن ثم إلى مدينة بوردو الفرنسية.
الحادثة لم تمر مرور الكرام على شركاء المهرب الذي تكبد خسائر فادحة قاربت الخمسة ملايير سنتيم، وكردة فعل منه أبلغ مصالح الأمن عن وجود صفقة ستسلم بين أحد التجار والزبائن، تم إثرها تنفيذ مداهمة أول أمس، علما أن المعني متواجد حاليا بسجن الحراش رفقة العون الجمركي وكل المتورطين في القضية.
تجار الأورو ينسحبون والمحلات المشبوهة
في العاصمة تغلق أبوابها
مباشرة بعد مداهمة مصالح الأمن لسوق ”السكوار” انتشر الخبر، ما جعل أغلب محلات تصريف العملة التي تشتغل بطريقة غير قانونية تحت غطاء نشاطات أخرى تغلق أبوابها، فيما عمد أصحابها إلى إخفاء العملة الصعبة بإخراجها من المحلات، كما حصل في سيدي يحي وبلكور وحيدرة وبئر خادم، فيما امتنع الغالبية منهم عن التعامل حتى مع زبائنهم الموثوق فيهم، خوفا من تكرار السيناريو معهم.

أسعار العملة مرشحة للارتفاع بعد مطاردة بائعي ”الدوفيز”
الحكومــــــة تعاقــــــب الجزائريــــــين وتفــــرض عليهـــــم منحـــــــة سياحيــــــة مهينــــــــــة بـ130 أورو
من ســـوق مـــوازٍ إلى ســـوق ســوداء للتســـتر على تحركــــات بارونــــات التهريــب
تظن الحكومة بقرارها المفاجئ، أول أمس، بالشروع في حملة لمطاردة بائعي ”الدوفيز”، انطلاقا من أكبر الأسواق الموازية للعملة بساحة ”السكوار بور سعيد” في العاصمة، أنها أحسنت فعلا وأن توقيف تهريب العملة سينطلق من هذه النقطة، غير أن ما رأته الحكومة بديلا، هذه المرة، لدرء إخفاقها في تسيير سوق العملة بفتح مكاتب الصيرفة والرفع من المنحة السياحية، جاء ككل مرة ليعاقب الجزائريين الذين حكمت عليهم بالاكتفاء بمنحة مهينة سنويا تقدر بـ130 أورو، لا تكفي لقضاء يوم واحد خارج الديار. بالمقابل، سيدفع قرار الحكومة إلى تحويل السوق الموازي إلى سوق سوداء، سيستمر بارونات التهريب في استغلالها، والتي ستخلو من الطلبات الصغيرة الخاصة بالمواطنين. وتبقى الحكومة تلعب دور رجل الإطفاء الذي يسارع، في كل مرة، إلى إيجاد حلول سهلة، للقضاء على ظواهر عمرت لسنوات، مثل الأسواق الموازية للعملة، لتتشعب هذه الظواهر وتزداد خطورتها على الاقتصاد الوطني، ضاربة بذلك عرض الحائط انعكاساتها المستقبلية السلبية على قيمة الدينار الجزائري، بعد الارتفاع المحسوس الذي من المتوقع أن تسجله أسعار صرف العملات الأجنبية، في حال تعميم غلق أسواق موازية أخرى، حيث من الممكن أن تتراوح الزيادة بين 15 إلى 20 بالمائة.وأكدت مصادر من قطاع المالية أن قرار غلق الأسواق الموازية، جاء ”عشوائيا ودون دراسة”، حيث كان يتعين على الحكومة اتخاذ إجراءات كان من المفروض أن تتماشى وقرارها المتعلق بمطاردة بائعي ”الدوفيز”، مثل الرفع من المنحة السياحية إلى جانب فتح مكاتب الصرف، حيث وعد بنك الجزائر بإعادة النظر في هوامش الربح المتعلقة بممارسة هذا النشاط، إلى جانب مراجعة سياسات الصرف التي تتسم بالكثير من الجمود. في الإطار ذاته، قالت المصادر ذاتها إن قرار الحكومة المتعلق بالقضاء على الأسواق الموازية للعملة، وإن تأكد أنه ليس ظرفيا، ستكون تبعاته سلبية على المواطن الجزائري، خاصة أنه تزامن وفترات العطل وموسم الحج وعمرة شهر رمضان.
http://www.elkhabar.com/press/article/13345/%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%83%D8%B4%D9%81%D9%80%D8%AA-%D8%B9%D8%AC%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%82%D8%A8%D8%A9/

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق