مقالات

“من أين يأتي الاحترام.. يا زبالة” ؟

اقترب من طاولتنا وراح يصرخ: "شفتك في قناة الجزائرية تسب وتشتم.. واش راك حاسب روحك؟ ذراري كيما أنت تسبنا وتقول علينا ..des zerosأصفار وأن البزقة خسارة فينا؟".. فكان ردي بسيطا وصريحا: "كان من المفروض أن أقول الصفر كبير عليكم.. والموت وليس البزقة خسارة فيكم".

رسالة من علي‬ ‏رحايلية‬ إلى سعد‬ ‏بوعقبة‬
من صفحة زاد دي زاد | شارع الصحافة

العزيز سعد..
تحية طيبة وبعد، أولا أعذرني أنت والسادة القراء على مستوى لغة هذه الرسالة القصيرة غير المهذبة، المكتوبة، ليس بمياه واد الحراش بل بمداد “اخمج” واد في بومباي الهندية ! وأنا معذور يا سعد، فكمواطن لم أعد أملك إلا الغضب والسخط .. ولم أعد أحسن إلا لغة الشتم والبصق والاحتقار..
تتمة لحديث “العبث وسياسة المفرغات” الذي كتبته الخميس الماضي وحديث “انه زمن البؤس والهوان”، اسمحلي أن أضيف لكلامك وسطورك هذه الأسطر”التعبانة”جدا جدا.
منذ أيام قليلة دعاني صديق قادم من وراء البحر المتوسط، لم ألتقه منذ 15سنة تقريبا، حيث سافر هو بعد أن نفض يديه من كل ما هو جزائري وبقيت أنا رغما عني غارق في الوحل”البوتفليقي/التوفيقي”.
دعاني الى عشاء في مطعم عاصمي فخم لم أدخله في حياتي ولم أكن أعلم بوجوده أصلا.. كل زبائن المطعم يشبهون بعضهم البعض شكلا ومضمونا..نفس السنحة، نفس البدلات،نفس ربطات العنق ونفس التحليقة..انهم “معلبات بشرية” نموذجية من صنع النظام النظام الجزائري، إنهم “الانتاج” الوحيد الذي يمكن يقدمه عمارة بن يونس دون خجل وبكل فخر على أنه “إنتاج جزائري” مائة بالمائة.
لم تمر عشر دقائق على وجلوسنا حتى اقترب من طاولتنا “مسؤول كبير” (هكذا يسميهم الصحفيون) من الذين طحنتهم آلة بوتفليقة خلال السنوات الماضية ورمت بهم في إحدى”المفرغات السياسية”، على حد وصفك وتعبيرك، والتي تسمى زورا وبهتانا مؤسسات الدولة.. كانت عيناه شديدتا الحمرة لا أعرف إن كان ذلك بسبب قلة النوم أو كثرة السكر أم الاثنين معا؟ وقد وقف الى جانبه خمسيني من جماعة “الدياراس” لم يكن بحاجة ليقدم نفسه، وما كان ليفعل، لأن سرعة وحركة عينيه فضحتاه.. فرجال المخابرات عيونهم لا تعمل مثل عيوننا بل تشتغل مثل آلات وكاميرات التصوير، فهو عندما ينظر إليك هو في الواقع يقوم بتصويرك وتسجيل كلامك بتقنية “أل فول أش دي” بعيون لا تكاد ترمش حتى لا تفوته أي حركة من حركاتك أو همسة من همساتك.
اقترب من طاولتنا وراح يصرخ: “شفتك في قناة الجزائرية تسب وتشتم.. واش راك حاسب روحك؟ ذراري كيما أنت تسبنا وتقول علينا ..des zerosأصفار وأن البزقة خسارة فينا؟”.. فكان ردي بسيطا وصريحا: “كان من المفروض أن أقول الصفر كبير عليكم.. والموت وليس البزقة خسارة فيكم”.

لم يصدق ما سمعت أذناه فراح يلقي محاضرة عن الأدب والتربية وقلة الاحترام ولا أعرف لماذا كلمة “احترام” بالذات، لدغتني مثل الأفعى، فقلت له متسائلا من أين يأتي الاحترام.. يا زبالة؟ هل تعرف التسمية التي أطلقها سكان سطاوالي وعين البنيان على، نادي الصنوبر الذي تختبئ فيه كالجرذ لأن أمثالك لا يمكن أن يسير في الشارع وحيدا وسط الناس؟ “فرد وهو يغمم “أعرف، أعرفك.. يسموه “المنطقة الخضراء”.. قالها بالفرنسية، في إشارة إلى المنطقة الخضراء في بغداد، فقلت معقبا: “معلوماتك قديمة جدا.. إسأل السيد الواقف إلى جنبك أكيد هو يعرف التسمية الجديدة”.. التفت إلى رفيقه وسأله ولكن الرجل الخمسيني لم يستطع أن ينطق وبدا في غاية الغضب لأنني أقحمته في هوشة لا تعنيه.. فقلت للمسؤول الكبير”المورسكل”: “لو تجلس في أي مقهى في سطوالي أو عين البنيان وما جوارهما ستسمع الناس يستعملون تسميةclub des chiens بدل(club des pins) ..لا تلوموا ‏الشعب‬ اذا وصفكم بما هو أسوء وأشنع من ذلك لأنكم أنتم المسؤولون عن ذلك ..
هل تعتقد أن هذه التسمية جاءت من الفراغ؟.. وعندما تتحدث عن الاحترام.. أنا أسألك وأرجو أن تكون صريحا وشجاعا وتقول لي من أين يأتي الاحترام وعن ماذا يجب أن نحترمكم؟ على حجم الوعود والأكاذيب والأباطيل التي سممت أجسادنا وحياتنا وسودت حاضرنا ومستقبلنا أم على الجهوية والعنصرية والمحسوبية التي زرعتوها زرعا وغرستوها غرسا وما أنجر عنها من انتشار لكوليرا التفرقة والكره والحقد، وتلوث البلد بطاعون الكفر الصريح بالوطن والوطنية؟ وبالدين وبالتاريخ وبالجغرافيا ؟
من أين يأتي الاحترام وعلى ماذا يجب أن نحترمكم؟ عن الحق الضائع أم على العدل الغائب.. على الأمن والأمان أم عن تهريب العملة وتبيض الأموال؟ أم على الاغتصاب اليومي لبنات الشعب والاختطاف اليومي لأطفال المدارس والانتحار اليومي حرقا وغرقا لشباب هذا البلد والعنف والذبح اليومي الذي يتعرضه الناس في كل دقيقة و كل مكان؟
من أين يأتي الاحترام؟ والمدارس والجامعات منكوبة والمستشفيات مقابر جماعية ومدننا مزابل ومفراغات وطرقنا حفر ومطبات؟
من أين يأتي الاحترام وعلى ماذا يجب أن نحترمكم؟ عن ‏الجزائر‬ التي خربتوها وركعتوها.. عن الجزائر التي كان لها كلمة في ما يحدث في فيتنام ونيكارغوا وأنغولا ولبنان؟.. هذه الجزائر بفضل خيانة الأمانة وخيانة الثقة وخيانة العهود وخيانة القسم لم تعد اليوم قادرة حتى فرض سيطرتها على”تروطوار” في باش جراح أو “باركينغ” في عبان رمضان؟..
من أين يأتي الاحترام ؟ وعلى ماذا يجب أن نحترمكم وأنت وأمثالك بالنسبة لنا أساتذة ودكاترة في “علم الفشل”.. عباقرة في الرداءة وسوء التسيير.. علماء في الفساد والتزوير والتسويف.. مفكرون كبار في “فلسفة الخراب”.. أنتم أصحاب أخطر نظرية حديثة في تسيير شؤون الدول.. نظرية كيف تنهب بلدا وتضعه في جيبك دون أن يحاسبك أحد!.
أكثر من خمسين سنة استقلال ولم تنجحوا في حل مشكلة واحدة.. لم تنجحوا لا في حل مشكل الماء ولا مشكل الدواء.. ولا حل أزمة العمل ولا أزمة السكن ولا مشكلة الحليب ولا أزمة الخبز أيام العيد ولا الغش في البنزين..
ولن أتحدث عن أزمة الشرعية ولا مشكل الهوية ولا أزمة التاريخ ولا مصيبة التبعية لأنها مواضيع ومسائل كبيرة عليك.. قل لي ماذا قدمتم للجزائر غير الرداءة والفساد والفضائح.. فضائح من نوع ومن كل الأحجام وفي كل القطاعات؟
للأسف الشديد لم أسمع منه الرد على كلامي وأسئلتي لأن صاحب المطعم تدخل بدبلوماسية راقية لفض النزاع ولكن أستطيع أن أقول لك بأن لدي فكرة عن ما كان يمكن أن يرد به على كلامي لو كنا لوحدنا وبعيدا عن أنظار وآذان الآخرين.
كان سيردد على مسامعي “أغنية” سمعتها مرارا وتكرارا من المسؤولين أمثاله عندما يجدون أنفسهم في مرمى إطلاق النار.. هي أغنية اخترت لها عنوان “لست الوحيد”..
فبمجرد أن تمسك بأحدهم متلبسا بالفضيحة (أي كان نوعها) حتى يبدأ في ترديد كلمات الأغنية.. “لست المسؤول الوحيد الذي فشل.. ولست المسؤول الوحيد الذي كذب.. ولست المسؤول الوحيد الذي وعد ولم ينفذ.. ولست الوحيد استفاد.. ولست المسؤول الوحيد الذي منح صفقة لصهره، ومنحة لابنه، وقرض لابنته، ومنصب عمل لشقيقه وسفاريات وهدايا لزوجته.. لست المسؤول الوحيد الذي أحاط نفسه بأولاد “الدشرة” و”الجيهة” وأبناء”المعاليم” في الجيش والدولة والحزب.. لست المسؤول الوحيد الذي يعالج نفسه وأفراد عائلته وأحبابه في فرنسا وسوسرا واسبانيا.. ولست المسؤول الوحيد الذي لديه رصيد بنكي وأملاك في الخارج.. ولست المسؤول الجزائري الذي كان والده أو جده باشاغا أو قايد.. ولست المسؤول الجزائري الوحيد الذي يحمل جنسية ثانية ولست الوحيد من ولد في الخارج.. ولست المسؤول الوحيد الذي سيغادر إلى الخارج ولن أكون المسؤول الأخير الذي سيموت في الخارج” ؟!
ويمكنك يا سعد أن تضيف إلى هذه الأعذار”القبيحة” ما شئت لأن قائمة “التبريرات” و”الأعذار” لديهم طويلة، ثقيلة وأكثر قبحا.
منذ أسابيع وفي لحظة وعي وغضب خرج الناس في البورندي بعد أبدى الرئيس رغبته في الترشح لعهدة ثالثة، حاملين لافتات، يصرخون مرددين شعارات تشتم الجزائر والجزائريين، إذ كانوا يصرخون في الشوارع وأمام كاميرات الإعلام العالمي.. “نحن هنا في البورندي.. وليس في الجزائر”؟!
.. وأبكي يا “دزاير” يا لي ما عندك لا الزهر.. لا حبيب لا الوالي.. هيا وهذي في خاطر الفخامة والسعيد والتوفيق وسعداني وبن صالح.. أما أويحي وبلخادم.. لا..لا.. وما ننساشي ‫‏سلال‬ “الفقاقير” وغول “لوطوروت” وبن يونس “الانتاج الوطني” وحداد “القودرون” قرين “لابيبليسيتي” وحنون لتلعن الفرع و”تشيت” للأصل!
أنا لن أقول راني تعبان بل أصرخ بأعلى صوتي وأقول: “الله يرحم والديكم أعدمونا أو “أدونا” للحبس ربما هناك سيتوقف تأنيب ضميرنا عن حال هذا البلد الغارق في التعاسة واليأس، ونحن نتفرج لا نفعل شيئا؟!”
المواطن (زعما زعما) علي رحالية
عن صفحة Z-DZ

كلمات مفتاحية