مقالات

فتنة «غرداية» بين الخصوصيات المسكوت عنها ونظرية المؤامرة ‏

الجزائر «القدس العربي» : عاد الجرح الجزائري لينزف مجددا في مدينة غرداية ( 600 كيلومتر جنوب العاصمة) بتجدد المواجهات بين عرب مالكيين وأمازيغ إباضيين، والتي أسفرت عن مقتل 22 شخصا وإصابة أكثر من مئة شخص في صدامات هي الأعنف منذ بداية هذا المسلسل الدرامي.
أزمة غرداية، أو الفتنة المذهبية كما يسميها البعض، لغز محير، فهذا المسلسل الدرامي بدأت أولى حلقاته سنة 1975، وظلت تتكرر كل بضعة سنوات، آخر الحلقات تفجرت في كانون الثاني/يناير 2013، ومنذ ذلك الوقت وهذه المدينة تنزف، رغم محاولات السلطة المتكررة من أجل وضع حد لهذه الفتنة، لكن الوضع كان يهدأ بين فترة وأخرى ثم يعود للانفجار مجددا.
هذه المرة الأمور اندلعت مثل المرات السابقة أي دون سبب واضح، اعتداء تعرض له شابين من العرب المالكيين الاثنين الماضي لقيا حتفهما على إثره، لتندلع بعدها صدامات هي الأعنف منذ بداية مسلسل العنف في غرداية.
الفاتورة كانت ثقيلة، 22 قتيلا وأكثر من مئة جريح في ظرف 48 ساعة، المشهد مروع في مدينة الڤرارة التي شهدت أعنف المواجهات، هذه المدينة التي يوجد فيها أكثر من 57 ألف ساكن، وحيث الأحياء التي يقطنها العرب المالكيون متاخمة للأحياء التي يسكنها الإباضيون الأمازيغ، خلافا للمناطق الأخرى في غرداية، التي عادة ما تكون الأحياء بعيدة عن بعضها البعض نسبيا.
السلطات الجزائرية سارعت لاتخاذ إجراءات عاجلة، إذ عقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اجتماعا أمنيا عاجلا، ضم قائد أركان الجيش ورئيس الوزراء ومدير ديوان الرئاسة، وخرج بعدة قرارات أولها تكليف الجيش بتسير المنطقة، والإشراف على السلطات الأمنية والمدنية من أجل العمل على استتباب الأمن، كما أمر رئيس الوزراء ووزير العدل، بتحريك النيابة العامة ضد كل الأشخاص الذين تورطوا في أعمال العنف، والذين اعتدوا على الأشخاص والممتلكات.
وتنقل الخميس رئيس الوزراء عبدالمالك سلال إلى المنطقة من أجل عقد لقاء مع الأعيان وممثلي المالكيين والإباضيين، ودعوتهم إلى المساهمة في إطفاء نار الفتنة، والعمل على إرجاع السلم لهذه المنطقة، مؤكدا على الأهمية التي توليها السلطات لهذه المنطقة.
الزائر إلى مدينة غرداية يجد واقعا آخر مختلف، فمناطق الظل والنقاط المسكوت عنها أكثر تعقيدا وتبين صعوبة الواقع وتشابك خيوطه، ففي البداية قدمت الأزمة على أنه نتيجة لصراع حول العقار، وفسره البعض الآخر على أنه نتيجة لوجود متطرفين في هذا الطرف أو ذاك، وهناك من فسّرها على أنها نتيجة لصراعات سياسية في أعلى هرم السلطة يتم بسببها تحريك الأوضاع في غرداية بين الفترة والأخرى.
الأكيد في الأمر أن ما يجري في غرداية هو أكثر تعقيدا من الصورة المبسطة التي حاولت السلطات التعامل بها مع أزمة غرداية، والأهم أنها نتاج تراكمات تعود لسنوات وعقود طويلة.
الحديث إلى سكان غرداية سواء كانوا من العرب المالكيين والأمازيغ الإباضيين المعروف بالميزابيين نسبة لوادي ميزاب، يكتشف حجم الهوة بين الفريقين، والتي تزيد اتساعا يوما بعد آخر.
الخطير في الأمر هو أن الحقد والكره بدءا ينتشران بين سكان مدينة غرداية، والشعور بالاختلاف بين أنصار المذهبين أصبحت الحياة معه لا تطاق، فكل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية، فالعرب المالكيون يرون أن الإباضيين هم المعتدين، وأنهم يستفيدون من امتيازات وأسبقية في كل شيء، وأنهم يسيطرون على الادارة، وأنهم هم السباقون بالاعتداء مدججون بالسلاح، وأنهم استأجروا بلطجية من المهاجرين الأفارقة المقيمين في المدينة للهجوم على الأحياء العربية، وإيقاع الضحايا وتحطيم الممتلكات.
الإباضيون من جهتهم يؤكدون على أنهم هم الضحايا، بسبب الغيرة والحقد، فالمزابي أو الإباضي معروف باستقامته ونظافة يده ونجاحه في التجارة، وهو ما يجعل الطرف الآخر الذي يعاني في غالبيته من الفقر والبطالة، يشعر أن الإباضيين هم السبب في المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها العرب المالكيون، لأنهم استأثروا بكل شيء، وهو الأمر الذي ينفيه الإباضيون مؤكدين على أن نجاحهم في التجارة لم يكن على حساب الطرف الآخر، فبالرجوع إلى الماضي، فإن سياسة الثورة الزراعية التي طبقها الرئيس الراحل هواري بومدين، أخذت أراضي من الإباضيين الأمازيغ ومنحتها للعرب المالكيين، ولكن ذلك لم يغير من الأمر شيئا، فالإباضي ذهب إلى التجارة ونجح فيها، والذي أخذ أرضا ليست أرضه لم يستغلها، لم يغير من وضعه شيئا.
هذا التراشق والاتهامات المتبادلة نتيجة لتراكمات سنوات طويلة، فالفوارق موجودة بين الفريقين، والسلطات لم تعمل على إذابتها، فالمجتمع الإباضي بقي منغلقا على نفسه، والمجتمع العربي قائم بذاته في الجهة المقابلة، دون ان يكون هناك انصهار بين المجتمعين، ودون أن تبذل السلطات جهودا في هذا الاتجاه، بل عملت على تسييره والهروب به إلى الأمام.

فتنة «غرداية» بين الخصوصيات المسكوت عنها ونظرية المؤامرة ‏
بلغت حصيلتها 22 قتيلا وأكثر من 100 جريح

http://www.alquds.uk/?p=420210

كلمات مفتاحية