سياسة

بوتفليـقة جرد جهاز المخابرات من الصلاحيات التي كانت في يده

حوار حسني عبيدي، لـ”الخبر”
“بوتفليــقة جـرد جهاز المخابرات من الصلاحيات التي كانت في يده”

يرى الخبير الاستراتيجي، حسني عبيدي، أن الرئيس بوتفليقة جرد جهاز المخابرات من كل ما يمكن أن يجعله قوة رادعة في مواجهته، ويتوقع عبيدي في هذا الحوار لـ”الخبر” أن تتم إقالة الفريق محمد مدين المدعو توفيق قائد جهاز الأمن والاستعلام، عندما تنتهي مهمته، وقد لا تعني هذه الإقالة، إن حدثت، الكثير ما دام هذا الجهاز جرد من الصلاحيات التي كانت في يده.
كيف يمكن أن نقرأ سياسيا التعديل الحكومي الأخير والتعيينات في المؤسسات الأمنية؟
في ظل غياب دوافع معلنة لإقالة قيادات عسكرية، نسجل أن طريقة الإقالة يطغى عليها العقاب أو الإجراء التأديبي وليس مجرد إنهاء خدمة. وهي تأتي في إطار تغييرات وتعديلات بدأت بالولاة وميزتها الارتجالية وعدم الشفافية. هل فقد النظام الرئاسي القدرة على إنتاج مبادرات وأفكار حقيقية من أجل مشروع مجتمعي والتصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعصف بالجزائر ولم يبق له إلا تغيير الأشخاص ؟ الجزائر في أمس الحاجة إلى وصفة جريئة ورشاتها الأولى هي الشرعية الدستورية والبناء السياسي والاستقرار الأمني. ما عدا ذلك هي بقايا فرقعات عيد الفطر.
لماذا تمت التضحية بالوزير بن يونس وجلب وزير آخر كان من بين الذين أطاحوا بأويحيى في 2012؟
التعديل الجزئي في الحكومة لا يحمل دلالة قوية، لأن منصب الوزير لم يعد بتلك الأهمية السيادية والاستقلالية في القرار. أصبح الوزير أقرب إلى إطار سام في الدولة منه إلى رجل سياسي. لكن خروج بن يونس الذي هو فعلا يمارس السياسة بالوكالة يشكل مؤشرا مهما بالنظر للخدمات الكبيرة التي يقدمها الوزير للرئيس والولاء المبالغ فيه لشخصه. لكن خروج بن يونس لا يعني نهايته بقدر ما يتيح له فرصا جديدة ومسؤوليات جديدة. إنه بمثابة الخروج المؤقت للعودة الدائمة. ما زلنا في إطار لعبة تحريك الكراسي التي يجسدها بوتفليقة ومحيطه منذ وصوله إلى السلطة.
أما جلب وزير معروف عنه أنه عدو لدود لأويحيى فليس بالعمل البطولي بقدر ما يشكل عبئا إضافيا على أويحيى، الذي أصبح طموحه الرئاسي معلنا، وهو لا يروق لمحيط الرئيس. كما يجب أن لا ننسى أن في السياسة أعداء الأمس هم حلفاء الغد.
هل تعتقدون بوجود ربط بين هذه التغييرات في إطار استراتيجية معينة لأصحاب القرار؟
بوتفليقة يعمل في إطار منظومة حكم مغلقة تخضع لمزاجه ولتغير الولاءات السياسية والجهوية والمصالح الاقتصادية. بوتفليقة لا يقبل أي شخص يراه طموحا أو في طور تقوية سلطته. هذا هو منطق التغييرات الأمنية الأخيرة التي تدخل في إطار قرارات تدريجية بدأت في سبتمبر 2014، وتقضي بإحكام سلطة بوتفليقة على المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية بكل هياكلها، في انتظار التغيير الكبير القادم. في نفس الوقت يحاول بوتفليقة أن يؤكد أمام منتقديه في الداخل والخارج على قدرته الكاملة على التحكم في القرار السياسي والأمني في البلد وأنه ما زال الحاكم الفعلي والوحيد.
هل هذه التغييرات تأتي في سياق ما يشاع من صراع بين مؤسستي الرئاسة والأمن؟
عندما يجرد الرئيس بوتفليقة الدياراس من بعض صلاحياتها ويلحق ما تبقى بوزارة الدفاع، وعندما تتم عملية تسريح صامت للعديد من رموزها، ماذا يبقى للجنرال توفيق من قوة رادعة ليشكل تهديدا للرئيس. أذهب للاعتقاد أن الجنرال وفر لبوتفليقة، من غير قصد، ذريعة من ذهب من أجل توسيع صلاحيات الرئيس وإبعاد خصومه دون حرج. الرئيس بوتفليقة وصل في السابق إلى المربع الأول لتوفيق دون أن يمسه، ما يعتبر تحجيما لدور الجنرال، لأن بوتفليقة كان في حاجة لوجوده لتمرير قرارات ورسائل كان من الصعب تحقيقها دون وجود مدير الدياراس. عندما تنتهي مهمة توفيق بالنسبة لبوتفليقة لن يتردد لحظة في إقالته، ثم ماذا تعني إقالته عندما لا يعني استمراره في المنصب الكثير.
هل لكل ما يجري علاقة بترتيبات خلافة بوتفليقة؟ أم أنه يندرج في إطار تكريس الدولة المدنية التي تحدث عنها رجال الرئيس؟
الذين عرفوا بوتفليقة عشية عودته للجزائر يعترفون بأنه كان يردد أن لا مكان في الجزائر له كرئيس منتخب وللجنرال توفيق صانع الرؤساء. لم يحافظ بوتفليقة على وعوده كمنتخب ولم يعد توفيق صانع الرؤساء. شاءت الأقدار أن يتعايش الرجلان وأن يصبحا في ظل الرداءة القاتلة للمشهد السياسي في الجزائر المصدر الوحيد للحياة السياسية. القول بأن معركة كسر العظام بين الرئاسة والمؤسسة الأمنية هي في صالح مجتمع مدني مجرد سراب. أولا لأن بوتفليقة أول من طعن في الدستور وقام بتفصيله على مقاسه، وسلوكه في الحكم أقرب إلى السلطوية منه إلى الحكم المدني. ثانيا، أثبتت جميع تجارب الانتقال الديمقراطي أن إضعاف المؤسسة العسكرية وعمودها الفقري خطأ فادح قد يؤدي إلى انهيار الدولة، باعتبار أن المؤسسة الوحيدة التي مازالت واقفة هي الجيش الوطني الشعبي، في حين أفرغ البرلمان والجهاز القضائي من دورهما كمؤسستين مستقلتين عن الرئيس.
مسار الانتقال السياسي لن يكون سلسا دون مؤسسة قوية تحميه. هكذا ضيع بوتفليقة فرصة شعبيته في العهدة الأولى وفرصة الطفرة النفطية لإدخال إصلاحات حقيقية توفر للجزائر ضمانا أمنيا وسندا اقتصاديا.

الجزائر: حاوره محمد سيدمو / 14:00-27 يوليو 2015

www.elkhabar.com/press/article/86404/بوتفليــقة-جـرد-جهاز-المخابرات-من-الصلاحيات-التي-كانت-في-يده/

كلمات مفتاحية