مقالات

الجزائر: حكايات صيف ساخن و«ثرثرة» فوق هضبة المرادية!

الجزائر ـ «القدس العربي»: يزحف فصل الصيف ببطئ وتلكؤ نحو نهايته، صيف ساخن ورطب ليس فقط مناخيا بل وحتى سياسيا. فبالرغم من أن شهر آب/أغسطس عادة ما يكون هادئا، لان الجميع يركن إلى الراحة، ويفضل الاستجمام على شواطئ البحر في الداخل أو في الخارج، أو في المسابح الخاصة بالإقامات الفارهة، إلا ان هذا الصيف كان ساخنا، بسبب ملفات تم تفجيرها، وأخرى تنتظر، والتي تنذر باستمرار ارتفاع درجة الـــحــرارة، حتى مع دخول موسم الخريف.
صحيح أن أغلبية السياسيين الذين كانوا يشعلون ويشغلون الساحة السياسية ركنوا إلى الراحة، وابتعدوا عن الأضواء، بطريقة ربما طرحت تساؤلات، مثلما هو الأمر بالنسبة لعمار سعداني أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني(الأغلبية) الذي اختفى فجأة عن الساحة، وهو الذي كان دائم الحضور بتصريحاته وخرجاته الإعلامية، لكنه فجاة صام عن الكلام والتصريحات، ولم يعد أيضا يظهر في المناسبات، وآخرها جنازة علي ميموني واحد من مناضلي الحزب، إذ اكتفى سعداني (أو ديوانه) بإرسال برقية تعزية، وهو ما يؤشر على تواجد سعداني خارج التراب الجزائري، وأغلب الظن أنه يكون في باريس، التي يمتلك فيها شقة، رغم أنه طالما نفى ذلك، بل الأغرب أن سعداني الذي هاجم جهاز الاستخبارات مِن خلال قائده الفريق محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، راح يعترف بانه سلم ملف شقته الباريسية إليه ( الجنرال توفيق) في خرجة طرحت أكثر من تساؤل، وجعلت الكثير من المتابعين للشأن السياسي في الجزائر يقفون مشدوهين، بعد هذا التصريح اختفى عمار سعداني عن المشهد السياسي.
عندما كان الجزائريون يستعدون لتوديع شهر رمضان الذي كان هادئا نسبيا، وقع شيء ما على مستوى إحدى الإقامات الرئاسية أو بالقرب منها، شيء لم يتم الكشف عنه حتى كتابة هذه السطور، لكن ترتبت عنه أشياء وأشياء، فالبعض تحدث عن محاولة اعتداء إرهابي، وعن سيارة كانت تحمل على متنها متشددين انطلقت من مدينة يسر ( 70 كيلومترا شرق العاصمة) ووصلت إلى حد الإقامة الرئاسية بزرالدة، والتي تبعد حوالي 30 كيلومترا غرب العاصمة، ويقولون إن أفرادا من الحرس الجمهوري أطلقوا النار على السيارة، وان الإرهابيين الذين كانوا على متنها اشتكبوا معهم وأصابوا أحد أفراد الحرس الجمهوري بجروح، قبل أن يتمكنوا من الفرار، والبعض الآخر يقول أن شجارا وقع بين مسؤولين كبار في الإقامة الرئاسية، بينهم شقيق الرئيس ومستشاره السعيد بوتفليقة، وأن إطلاقا للنار وقع هناك.
الأكيد أن «الذي حدث» كانت له تبعات واضحة، فقد تم الإعلان عن إقالة قائدي الحرس الرئاسي والحرس الجمهوري ومدير الأمن الداخلي، وهي سابقة ان تتم إقالة كل هؤلاء المسؤولين مرة واحدة، دون أن تكون هناك أسباب واضحة، فقط تسريب لمعلومات بخصوص قائد الحرس الجمهوري بأنه مسؤول عن حالة تسيب وإهمال.
مباشرة بعد هذه القرارات صدرت أخرى، مثل حل جهاز التدخل الخاص التابع لجهاز المخابرات، وهي فرقة نخبة كانت متخصصة في مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى تسريب معلومات عن وضع جهاز الأمن الرئاسي تحت سلطة قيادة الأركان، بعد أن كان تحت سلطة جهاز المخابرات، وهو ما أعاد فتح النقاش حول الصراع بين الرئاسة (المرادية) والمخابرات. وبعيدا عن التحاليل والاستنتاجات خرج بعض المسؤولين السابقين في جهاز المخابرات عن صمتهم، للتأكيد على أن هناك نية لتكسير جهاز المخابرات، الأمر الذي يعرض أمن الجزائر القومي للخطر. الكلام عن عودة الصراع بين الرئاسة والمخابرات( إن صح طبعا) ينبئ بمواجهات وصدامات جديدة، علما أن قائد هذا الجهاز الفريق محمد مدين ( إن صحت كل القراءات لما جرى خلال السنتين الماضيتين) اكتفى بتلقي الضربات دون الرد عليها، وهو رد فعل كانت له قراءتين، إما أن الرجل ضعف أو أضعف وليس قادرًا على الرد، أو أنه يحضر لرد بطريقته المناسبة بعيدا عن الانفعال والتسرع، وبالتالي فإن الأسابيع والأشهر المقبلة قد تكون حاسمة، وقد تضع نقطة النهاية لحرب صامتة كل ضرباتها تحت الحزام!
في الوقت نفسه اندلعت حرب عنوانها اللغة العربية شبيهة بحرب تحرير بيع الخمور، التي انتهت إلى شيء، فحرب اللغة العربية والتعليم بالعامية تحولت إلى قضية رأي عام، الغريب ان الاقتراح جاء من مفتش في وزارة التعليم، وقد أثار الاقتراح ضجة كبيرة فور الإعلان عنه، لكن الوزيرة وبعد أيام جاءت لتكذب الاقتراح، ثم عادت لتؤكده وتدافع عنه.
الغريب في هذه القضية أن القاصي والداني يعلم أن اقتراحا مماثلا سيثير ضجة، والجميع يدرك أن الاقتراح لن يطبق في النهاية، لكن الأغلبية قبلوا بتمثيل دور في هذه «الجعجعة» على اعتبار أن الكثير من المراقبين يدركون أنها مجرد تلهية وتحويل الأنظار عن القضايا الحقيقية والخطيرة، سواء تعلق الأمر بصراعات الحكم، أو الأزمة الاقتصادية بدأت تخنق بلدا ليس مستعدا لها، وذلك بسبب انهيار أسعار النفط إلى ما دون الخمسين دولارا للبرميل الواحد، مع احتمال انهيارها إلى مستويات أدنى، مع العلم أن بعض خبراء الاقتصاد مثل الدكتور عبد الرحمن مبتول، يؤكدون أن برميل نفط بأقل من 50 دولارا هو تهديد للأمن القومي للجزائر، فالسلطات التي لم تصارح الشعب بالحقيقة تتجه بالبلاد نحو الإفلاس، بحسب الكثير من الخبراء.
ولعل الطريف في قضية اللغة العربية أن أحزاب السلطة نفسها هاجمت وزيرة التعليم، وهو ما يدل على أن الأمور مرتبة ومتفق عليها سلفا، أو أن «دم» الوزيرة أهدر وصار انتقادها وذمها وحتى السخرية منها أمرا لا يزعج السلطات العليا في البلاد، وهو ما جعل الكثيرين من «المثقفين» والصحف يشنون حملة يومية على الوزيرة، وكأنها تعمل بمعزل عن حكومة وعن سلطة لم تخف يوما رغبتها في تغيير منظومة التعليم، لكن بالطبع الذين سلوا سيوفهم ضد الوزيرة (لأنهم لم يتلقوا ضوء أحمر) لا يستطيعون أن ينبسوا بربع كلمة ضد من عينها ومن يبقي عليها، وبالتالي في الأخير، إما ستتم إقالة الوزيرة، أو سيخرج رئيس الوزراء معلنا عن تجميد أو إلغاء هذا المقترح.

الجزائر: حكايات صيف ساخن و«ثرثرة» فوق هضبة المرادية!
http://www.alquds.uk/?p=436699

كلمات مفتاحية