سياسة

صراع الرئاسة والاستخبارات الجزائرية… معركة كسر عظم

لم يُجب أحد من المسؤولين الرسميين، عما حدث ذات ليلة، نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، قرب مقر الإقامة الرئاسية في زرالدة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية. جدل كبير وروايات متضاربة بشأن إطلاق النار الذي سُمع دويه قرب مقر الإقامة الرئاسية، بعضهم وصف ما حدث بمحاولة انقلاب أبيض، فيما تحدث آخرون عن بلوغ الخلافات بين الرئاسة والاستخبارات حد اللاعودة، وربط مراقبون بين الحادثة الغامضة، وبين التغييرات التي أحدثها الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، في جهاز الاستخبارات وفي هيكلة الجهاز، وفي قياداته.

بوتفليقة أصدر سلسلة من التغييرات التي طاولت شخصيات قيادية في الاستخبارات وأمن الرئاسة


قرار واحد أصدره بوتفليقة، أعطى الكثير من المصداقية لهذه الحادثة، تضمّن سلسلة من التغييرات العميقة التي طاولت شخصيات قيادية في الاستخبارات وأمن الرئاسة، شملت إقالة مسؤول الأمن الرئاسي، الفريق جمال كحال مجدوب، وإحالته على التقاعد، وتعيين ناصر حبشي مسؤولاً عن الأمن الرئاسي. كما أقال بوتفليقة اللواء أحمد ملياني من قيادة الحرس الجمهوري، وعيّن الفريق بن علي بن علي خلفاً له، وقرر الرئيس الجزائري إلحاق مديرية الأمن والحماية الرئاسية بالحرس الجمهوري، بعدما كانت تتبع جهاز الاستخبارات.
هذه القرارات، كانت قد سبقتها قرارات أخرى تضمّنت فصل مديرية أمن الجيش عن جهاز الاستخبارات، وإلغاء قوات التدخّل، وهي وحدات كانت مكلفة تنفيذَ عمليات أمنية مسلحة لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى إلغاء مصلحة التوثيق ومراقبة الصحافة التي كانت تمثّل الذراع القوية التي تدير بواسطتها الاستخبارات الصحافة والرأي العام. وفي الفترة ذاتها، أقال بوتفليقة الرجل القوي في جهاز الاستخبارات المكلف ملفَ محاربة الإرهاب المعروف بالجنرال حسان، وذكرت تقارير حينها، أنه استُدعي للتحقيق بتهمة حمل أسلحة غير مرخصة.
لكن بوتفليقة لم يُقدِم مع كل هذه القرارات الهامة والعميقة، على إقالة قائد جهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، وعلى العكس من ذلك رفعه إلى رتبة لواء، في ذكرى الاستقلال، في الخامس من يوليو/تموز الماضي. إلا أن مراقبين اعتبروا ذلك إشارة جدية إلى قرب إحالته على التقاعد وإبعاده من منصبه.
وفُسرت الإقالات والتغييرات العميقة التي أحدثها بوتفليقة في جهاز الاستخبارات وهيكلته، أنها إضعاف قوة قائد الجهاز، أو الرجل اللغز كما يوصف، باعتبار أن الرأي العام لا يعرف له صورة، ولم يظهر في أي نشاط أو مناسبة، وسعى إلى إبقاء نفسه في دائرة الظل، عدا صورة واحدة متداولة له في الصحف.
اللافت أن كل قرار يخص إحداث تغييرات في جهاز الاستخبارات الجزائرية، أو إلغاء هيئات تابعة للجهاز، كانت تُلحق بقيادة أركان الجيش التي يقودها الفريق قايد صالح، وفُهم ذلك على أنه يدخل في سياق مسعى بوتفليقة إلى تقوية قيادة الأركان على حساب جهاز الاستخبارات، بمعنى إعادة التوازن والقضاء على الخلل الذي كان حاصلاً في السابق، فجهاز الاستخبارات وفق الهيكل التنظيمي للجيش، لا يعدو كونه مجرد مديرية تابعة للجيش، لكن الواقع على الأرض منذ السبعينات، حوّل سطوة جهاز الاستخبارات إلى سطوة على المؤسسة العسكرية التي هو تابع لها أصلاً.
غير أن هذا التوجه له صلة بمواقف كل طرف، فقائد أركان الجيش اللواء قايد صالح، يُعد من أبرز رجالات بوتفليقة، وأكثر داعميه للترشح لولاية رئاسية ثالثة، في أبريل/نيسان 2009، ثم ولاية رابعة، في أبريل/نيسان 2014، بعكس قائد جهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، الذي يُعتقد أنه وقف ضد ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، وحاول قطع الطريق على ترشحه بحجة مرضه، وعدم قدرته على إدارة شؤون البلاد.

اقرأ أيضاً: الجزائر تغرق في فضائح الفساد: صراع بوتفليقة والاستخبارات
بعض الأوساط المقرّبة من دوائر الحكم تطرح سبباً آخر للخلاف بين الرئيس الجزائري وجهاز الاستخبارات، يعود إلى موقف الأخير من بعض ممارسات سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري ومستشاره السياسي، إذ كانت الاستخبارات تنظر بعين الريبة إلى تجمّع رجال المال والأعمال حول شقيق الرئيس، والتخوّف من أن يكون الأخير بصدد بناء كارتل مالي وسياسي يمهد به لمرحلة ما بعد بوتفليقة، وهي مرحلة يجري الحديث بشأنها على أكثر من صعيد. وكانت التحقيقات التي أجراها جهاز الاستخبارات ضد عدد من رجال بوتفليقة، أبرزهم وزير الطاقة السابق شكيب خليل، وانتهت إلى الكشف عن قضية فساد مدوية في شركة النفط الوطنية “سوناطراك”، أبرز القضايا التي عمّقت الخلافات بين بوتفليقة وجهاز الاستخبارات، ودفعت بوتفليقة إلى سحب صفة الضبطية القضائية من جهاز الاستخبارات، ومنعه من إجراء أيّ تحقيقات تخص القضايا ذات الطابع المدني.
وتبِع هذه الأحداث، إطلاق بوتفليقة بعض السياسيين الموالين له، للهجوم على جهاز الاستخبارات وقائده، إذ تعرّض الأخير لهجوم إعلامي، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، من زعيم حزب “جبهة التحرير الوطني” الحاكم، عمار سعداني، الموالي لبوتفليقة، وانتقد بشكل عنيف ومباشر تدخّل الجهاز في العمل السياسي وفي الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية، ودعا إلى دولة مدنية لا يتدخّل فيها العسكر.
ومع كل هذه التطورات، كان جهاز الاستخبارات قد فَقَد زمام المبادرة، مقارنة مع المراحل السابقة التي كان يؤدي فيها دوراً حاسماً في توجيهات المشهد الداخلي للبلاد.
ولا تنفك تبرز مظاهر الصراع المعلنة وغير المعلنة بين بوتفليقة والاستخبارات عن ترتيبات مرحلة ما بعد بوتفليقة، فالأخير لا يبدو مطمئناً إلى الجهاز الأمني، فيما يتصل بمستقبل عائلته ومقربيه وتراثه السياسي، ويسعى إلى نقل مركز الثقل إلى الرئاسة بدعم من قيادة أركان الجيش وتحجيم دور الاستخبارات في القيام بأي دور يخص صناعة الرئيس المقبل للجزائر.

غمراسة: الصراع بين بوتفليقة وقائد الاستخبارات بدأ منذ محاولة الأخير منع بوتفليقة من الترشح لولاية رئاسية رابعة


ويرى المحلل والمتابع للشؤون السياسية والأمنية في الجزائر بوعلام غمراسة، أن الصراع بين الرئيس الجزائري وقائد جهاز الاستخبارات بدأ منذ محاولة الأخير منع بوتفليقة من الترشح لولاية رئاسية رابعة في انتخابات أبريل/نيسان 2014 بسبب الوضع الصحي لبوتفليقة.
ويطرح غمراسة روايتين لحادثة إطلاق النار أمام مقر الإقامة الرئاسة، “الأولى أن أشخاصاً مجهولين حاولوا اقتحام حصن زرالدة المحاط بإجراءات أمنية غير عادية، منذ تعرّض بوتفليقة لمحاولة اغتيال في باتنة في سبتمبر/أيلول 2007، ولكن هذه المحاولة مستبعدة”، أما الرواية الثانية، بحسب غمراسة، “فتتمثّل في خلاف بين عناصر تابعة للحرس الجمهوري وأخرى تابعة لمدير الأمن الرئاسي، والسبب تدخُّل أحد الجهازين في صلاحيات الآخر بخصوص تأمين المنشأة الرئاسية في زرالدة، حيث يقيم الرئيس مع طاقمه الطبي، فوقع احتكاك بين عناصر الجهازين باستعمال السلاح الناري، وهي الرواية الأكثر مصداقية”.
وعن علاقة هذه الحادثة بسلسلة التغييرات العميقة التي أحدثتها الرئاسة في جهاز الاستخبارات، يشير غمراسة إلى أن “التغييرات في جهاز الاستخبارات العسكرية، جارية منذ سبتمبر/أيلول 2013، أي منذ عودة الرئيس من رحلة العلاج إلى فرنسا التي دامت 88 يوماً”، موضحاً أنه “عندما عاد بوتفليقة إلى الجزائر اكتشف أن الشرطة القضائية التي تتبع الاستخبارات، أصدرت مذكرة اعتقال دولية ضد وزير الطاقة السابق شكيب خليل، وهو صديق طفولة بوتفليقة، والإجراء تم من دون علم الرئيس”، مضيفاً أن “الرئيس استشاط غضباً وقرر تجريد الاستخبارات من الشرطة القضائية، وأتبع ذلك إجراءات هامة منها سحب التنصت على المكالمات ومراقبة الإعلام من الاستخبارات”.
ويعتبر غمراسة أن تلك القرارات “عُدت ضربة موجعة لقائد الاستخبارات، وحادثة زرالدة أعطت للرئيس والمحيطين به، فرصة أخرى لإضعاف الجهاز بتجريده من صلاحيات أخرى لا تقل أهمية، منها الأمن الرئاسي الذي أُلحق بقيادة أركان الجيش التي أخذت كل سلطات الاستخبارات تقريباً، وأهمها أمن الجيش الذي أصبح من مهام قائد أركان الجيش”، موضحاً أن “المشاحنة بين الطرفين، الرئاسة والاستخبارات، واضحة ولا يمكن إنكارها، وأحد أسبابها محاولة الجنرال مدين منع بوتفليقة من الترشح لولاية رابعة”.
http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/8/18/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%83%D8%B3%D8%B1-%D8%B9%D8%B8%D9%85

كلمات مفتاحية

2 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • والله هذا الصراع لا يوجد الا في مخيلاتكم — رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للدياراس و لكل اجهزة الدولة اما التوفيق فهو مدير و بوتفليقة هو مسؤوله المباشر و لا يستطيع التوفيق فعل شيئ دون الرجوع الئ وزير الدفاع او نائبه (و اي تغييرات تحدث تكون بمشاورات بين الثلاثي ) اما السعيد بوتفليقة ايضا من اصدقاء التوفيق — لهذا عندما نرئ سيناريوهاتكم و الله اضحك لازلتو تؤمنو بنضرية الصراع (نعم في الجزائر الجيش هو القوة لكن الجيش دون الدياراس ليس له اي ثقل في الساحة ) لان الجهاز عينه علئ السياسيين و يده

  • و انا اجيبلكم اياها من الاخر حتى ما تصدعو لا روسكم و لا روسنا بالحكي، سال الحبر منذ غابر العصور في قصص صراعات السلطة و القول الفاصل يلغي كل ما قيل و سيقال و كل حبر سال، الله هو الذي يؤتي الملك من يشاء و هو الذي ينزع الملك ممن يشاء، حكمته و قدرته، الملك بيد الله وحده ، فمن لم يشأ له الله الملك فلمن يناله و من شاء له ناله. خلي نفكر بالعقل، ما فائدة كل ما يقال و يكتب اذا علمنا ان الملك كله لله يؤتيه و ينزعه ممن يشاء؟ المفروض الانسان المسلم ينشغل بما يعنيه، يتقن عمله و يعتني برعيته فكلنا راع عن رعيته و لا يطلب الملك الا من بيده الملك، الملك القدوس. مختصر كلامي انه الافضل ان نلتفت الى انفسنالنغير ما بها حتى يغير الله ما بنا فما الحكام الا مرايا اعمالنا، اعمالنا عمالنا و ان ظلمنا سلط الله علينا الظالمين