مقالات

رحل توفيق.. وبعد؟

وأخيرا وصلت الأسطورة التي سكنت مخيال الجزائريين مدة عقدين ونصف إلى نهاية هادئة وغير استثنائية برحيل أعتى رجل من على رأس جهاز المخابرات، الفريق محمد مدين المدعو توفيق، وما شكّل هذه الأسطورة هو الأسلوب الذي تبنّاه الرجل المتمثل في إخفاء شخصه بشكل مطلق وفي الوقت نفسه حضوره الطاغي في كل ماكان، يصنع الحياة السياسية والاجتماعية والإعلامية والثقافية من خلال المراقبة والهيمنة والتحكّم في النشاطات العامة للمجتمع، وبالتالي في الاستحواذ على مختلف الفضاءات والسيطرة على كل مبادرة أي كان شكلها وطبيعتها، وما وفّر لهذا الرجل مثل تلك القوة هو ذكاؤه في تجنّب المواجهات داخل الدائرة الضيّقة للفاعلين والقدرة الخارقة على الإنصات وإدارة لعبة التوازنات وهذا ما كان يفتقر إليه معظم زملائه من العسكريين، باستثناء الجنرال العربي بلخير الذي كان عرابه في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وقوته ساهمت في صناعتها أيضا الظروف الاستثنائية التي عرفتها الجزائر قبيل وبعد إيقاف المسار الانتخابي التي خلت من الشفافية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، لكن تغيّر الوضع بعد رئاسيات 99 وتداعيات المتغيّرات بعد أحداث 11 سبتمبر راحت تملي سياسات جديدة وأساليب مختلفة في إدارة الشأن السياسي، وهذا ما تفطّن إليه بوتفليقة وهو المتمرّس في دواليب الحكم ليجعل مثل هذ المعطى يصب لصالحه، برغم أن ذلك لم يتم بسهولة بل بالاعتماد على الكثير من الصبر والمناورة والدهاء حتى يتحقّق الانتقال إلى حقبة جديدة بصورة سلسة وهذا ما حدث في نهاية المطاف، ويبقى السؤال الذي ستعرفه الجزائر بعد الاختفاء الفعلي لتوفيق ورجاله من المشهد… هل ستصبح الجزائر دولة مدنية فعلا أم تتغيّر الواجهة ويحافظ النظام على جوهره؟ تلك هي المسألة؟!.
أحميدة عياشي
http://www.elhayat.net/article34482.html

ما بعد الإثارة

الكاتب : نجيب بلحيمر آخر تحديث

الفريق محمد مدين أحيل على التقاعد، هذا ما أشار إليه بيان صادر عن رئاسة الجمهوية، نعم.. بيان رسمي نشرته وكالة الأنباء الجزائرية يذكر الفريق بالاسم والمنصب، ويقول إن الرئيس قد أحاله على التقاعد وعين الجنرال عثمان طرطاق خليفة له على رأس جهاز الاستخبارات.
في التفاصيل الصغيرة تكمن الإثارة الكبرى، لكن سؤالا مزعجا قد يفسد لذة الدهشة التي سيطرت على ملايين الجزائريين وهم يتابعون ما يجري؛ هل يمكن أن تكون الإثارة أفضل استجابة للتحديات التي تواجه الجزائر اليوم؟ الأكيد أننا تأخرنا كثيرا في الانتقال من الحديث عن الأشخاص إلى بناء الدولة، دولة المؤسسات وإحداث الانطلاقة المرجوة.
حتى قوانين الطبيعة يمكنها أن تزيح مسؤولا من منصبه، والضجيج الذي يرافق مثل هذه القرارات في بلادنا يذكرنا بأن المسافة التي تفصلنا عن بناء الدولة لا تزال طويلة، وسيتعين علينا أن ننجز هذه المهمة مهما كلفنا الأمر من تضحيات، ولن يكون بناء الدولة بالتركيز على الأشخاص أو صراعاتهم، وأسوأ ما يمكن أن يحدث لنا هو أن نستمر في جدلنا العقيم عن خلافات الأشخاص والعصب تحت عناوين جديدة.
لقد حان الوقت لتجاوز قرارات الأمس والتطلع إلى المستقبل، والبداية يجب أن تكون بمراجعة تصوراتنا الخاطئة عن كيفية تسيير الشأن العام، سيذهب الأشخاص تباعا، ويصبح الحديث عن صراعاتهم، حقيقة كانت أو مفترضة، مجرد جزء من التاريخ، بل إنها قد تتحول إلى مجرد نكتة تحتل مكانا على هامش كتب التاريخ، في حين تبقى التحديات قائمة تفرض علينا مزيدا من الامتحانات.

لنكن متفائلين بعض الشيء، قد تنهي قرارات أمس فصلا مملا من الجدل غير المؤسس حول حقيقة العلاقة بين مؤسسات الدولة، أو بين الأشخاص الذين يشغلون مناصب حساسة في هذه المؤسسات، وهذا في حد ذاته سيعيدنا إلى صلب الموضوع؛ ما الذي يجب فعله لبناء الدولة، وإنقاذ الكيان الجزائري من الأخطار التي تهدد استمراره موحدا ؟ الإجابة الأولية تمر حتما عبر التوجه إلى العمق.

http://www.sawt-alahrar.net/ara/permalink/25708.html