سياسة

على الجزائريين مطالبة الجنرال توفيق عن حصيلة 25 سنة

ياسين سامي سعدي، خبير اقتصادي ومستشار دولي لــ “الحوار”:
موقع الحوار منذ 12 ساعة
*كيف لنظام يسمح للتائبين بدخول رئاسة الجمهورية ولا يسمح للاجئين السياسيين بالعودة إلى وطنهم
*الحملة التي تعرض لها سعداني مصدرها جهات مغرضة من داخل الجزائر
*على سعداني أن يشرح لنا الدولة المدنية التي يقصدها

*كيف تقرأ التغييرات الحاصلة مؤخرا على جهاز الاستخبارات والتي أفضت إلي إقالة الجنرال توفيق؟
-التغييرات التي طرأت على جهاز الاستخبارات مؤخرا، ولو أنني لا أستبعد الخلفية المناوراتية وحسابات تَموقع للبعض، إلا أنها تدخل في إطار ما يسمى الحتمية التاريخية. منذ 2013 دخل هذا الجهاز مرحلة إعادة الهيكلة، وقد يخطأ من يظن أنها عملية تفكيك للجهاز. بعد حقبة ربع قرن من الممارسة كان ضروري إعادة تقييم تنظيم المؤسسة وإصلاح طريقة عملها مما يجعلها تتلاءم مع المستجدات في الداخل والخارج. الجهاز أسس في سنة 1991، وأخذ في التوسع في عدة اتجاهات وغطى تقريبا كل المجالات باسم الأمن القومي مما أثر سلبيا على مردوده وفعاليته! وحادثة تيغنتورين نموذج صارخ لإخفاقاته … المواطن الجزائري ينتظر من مؤسسة كهذه أن تكون الدرع الواقي للوطن من كل المخاطر وأن يلتزم أعضاؤها بالقانون وأن لا يكونوا فوقه ولا يحوّلون مؤسسة الاستعلامات إلى دولة داخل دولة تخدم المصالح الضيقة لبضع الأفراد والجماعات. إعادة الهيكلة السارية المفعول يجب أن تجعل من هذا الجهاز مؤسسة دستورية تخضع للمُساءلة وأن تأخذ في الحسبان تطلعات الشعب الجزائري للحرية والديموقراطية والتنمية والحكم الراشد.

*هناك من يعتبر إعادة هيكلة الجهاز هو مساس باستقرار البلاد وتعريضها للمخاطر الداخلية والخارجية؟
-هذه حملة تضليلية لا غير، تدخل في إطار حرب التموقع داخل أروقة النظام والولاء للأشخاص والأجنحة، المساس بالاستقرار هو أن يبقى على رأس مؤسسة وطنية حساسة شخص لمدة ربع قرن بدون تقييم لعمله بدون حسيب أو رقيب!. في الدول التي يُحترم فيها الدستور، وعندما يكون القانون هو “الكادر” الذي يتحرك فيه رئيس المخابرات وجهازه لا يُعرف مثيل لهذه الحالة الشاذة. من المفارقات الغريبة، الكل في الجزائر يعرف اسمه ويهابه، لكن بعد ربع قرن مازال النقاش يدور حول صورة لرئيس الاستعلامات أهي صحيحة أم لا! كان الأجدر أن نتكلم عن الحوصلة والنتائج!.

هل يعقل أن يأتي رئيس الاستخبارات ويذهب بعد 25 سنة والجزائريون لا يعرفون له شكلا ولا صوتا، وقد كان يصنع لهم الرؤساء ويقود بهم السفينة؟، هذا نتاج غياب الشفافية في أروقة الحكم، غياب سياسة التواصل والتخاطب مع المواطن يجعل الإشاعة هي مصدر الخبر ويُعقد قراءة الوضع ويجعل التأويل يحل محل التحليل. غياب الصورة له مدلولية رمزية في إنشاء صرح الاستبداد، المجهول “مخيف”، وفي الدول التي يغيبُ فيها القانون الآمر الناهي يتقمص مهام “الربوبية” اللا شعورية لكن نجدها ملموسة في الممارسات … في هذه الحالة الأمر مريب، المواطن الجزائري حرم من حقه الدستوري في معرفة الموظفين الذين أوكلت لهم مسؤولية أمنه! وأغرب من ذلك المِحنة التي عاشتها البلاد، كان المواطن يعيش حالة خوف متعددة الوجوه، ظاهرة العنف وتبعاتها خلقت عنده نوع من “الفوبيا” التي نستطيع أن نسميها ” الدياراسوفوبي”.

*يسخر البعض من شعار الدولة المدنية الذي يرفعه سعداني، ويقولون أن التغييرات مجرد صراع أشخاص سيعوضون بعضهم، ويبقى الحال على ما هو عليه؟
-مدنية الدولة مطلب مشروع، وهو حجر الأساس للدولة الحديثة، وعلى سعداني أن يشرح مفهومه للدولة المدنية التي نادينا بها منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود، وسبقنا لهذا السيد حسين آيت أحمد زعيم حزب القوى الاشتراكية الذي جعل من هذا المطلب حصان معركته السياسية. إن كانت مدنية الدولة هي إرجاع الجيش إلى مهامه الدستورية وعدم تدخله في الصراع السياسي واستقلال القضاء وحرية الصحافة ومُساءلة المسؤولين أمام البرلمان هذا نثمنه وندعمه!. على الأمين العام لجبهة التحرير أن يفسر لنا ويشرح لنا الميكانزمات التي ستؤدي إلى قيام الدولة المدنية والتي ستكون إعلان ميلاد الجمهورية الثانية، فالمراسيم الرئاسية لا تكفي لخلق مجال يسمح للذهاب بعيدا في هذا المنوال. هل تراها ظاهرة صحية أن يساق جنرالات إلى السجن ممن كانوا لهم سلطة ونفوذ، ياسين سعدي الجنرال هو في الأصل مواطن، وعليه واجبات وله حقوق ككل فرد في المجتمع، غياب المعلومة في الحالتين المعروفتين اليوم، فتح الباب أمام الإشاعة والتأويل، ما الذي يمنع وزارة الدفاع من توضيح الأسباب التي أدت لسجن الجنرال بن حديد؟، لماذا في عصر المعلومة، يحرم المواطن من معرفة سجن مسؤول كبير برتبة جنرال في مكافحة الإرهاب؟، لماذا لا يغلق الباب نهائيا أمام التأويلات المغرضة ومصارحة الرأي العام ؟، نعم سجن جنرال يكون ظاهرة صحية عندما تكون الشفافية وتحفظ حقوقه القانونية ومن هنا تبدأ ممارسة الدولة المدنية!.

*ماذا تقول في الحملة التي شنها البعض ضد سعداني بعد انتقاده الجنرال توفيق؟
-أعطيني مقالة صحفية واحدة تنتقد عمار سعداني بهذه الحدة قبل انتقاده للجنرال توفيق! هذا يدل على أن عالم الصحافة في الجزائر يدور في فلك الولاءات وتنقصه روح التحررية. الإيديولوجية الاستأصالية لبعض الجرائد أغرقت المهنية في وحل تصفية الحسابات، وعِوَض التحري في ما قاله عمار سعداني، ذهبت إلى هجمات لا تشرف المهنة وصولا إلى حياته الخاصة.

*ماذا تعرف عن الصحفي الفرنسي نيكولا بو الذي أصبح مختصا في الكتابة عن الجزائر وعن سعداني تحديدا؟
نيكولا بو، صحفي عمل في جريدة “الكنار انشيني”، الفرنسية المعروفة بجديتها رغم الطابع السخري، وفي عدة مجلات وجرائد إلى غاية إنشاء “موند أفريك” التي تفتقد للمصداقية، لكن في ما يخص عمار سعداني يجب أن نتسم بالنزاهة، كل كتابته كانت تملى عليه من جهات مشبوهة معروفة بالاسم أتحاشى ذكرها، وكانت مكلفة من قبل جهات لتلطيخ سمعة الرجل وكل ما قدم على أنها أدلة في الحقيقة هي إشاعات و”فبركات”، وكنّا تكلمنا عن الحساب البنكي المزعوم وتلك المبالغ الخيالية وأثبتنا بالدليل وما لايترك مجالا للشك أنها عملية تزوير للوثائق وتظليل … ما يحسب للرجل أنه ترفع عن الرد على مهاجميه ولم يدخل في متاهات الرداءة التي وصلت إليها صحافتنا واستعمل ضد الصحفي حقه الذي يكفله القانون وجره للمحكمة.

*هل ترى أن نهاية توفيق ستغلق ملف الماضي أم تفتحه من جديد؟
-نتمنى أن تكون نهاية الحقبة التوفيقية نهاية حقيقية لممارسات يعرفها الجميع وليس فقط تغير شخص بشخص آخر. ملفات الماضي لا تغلق هكذا بمرسوم أو رغبة أفراد أو مسؤول، الماضي ملك الجميع وعلينا أن نعتبر بما حصل كي لا نعيش نفس الكوابيس والمأساة في المستقبل!.

*هل أنت مع عفا الله عما سلف فيما يخص تجاوزات الماضي؟
-عفا الله عما سلف في ما يخص تصرفات الأفراد مع خالقهم! من أنا أوأنت أو غيرنا كي يقرر في مكان من تضرر من المأساة وما نتج عنها؟ يهمني معرفة الحقيقة ولماذا وصَلْنا إلى استباحة الأرواح بين أبناء الوطن الواحد؟، لماذا يحرم الشعب الجزائري من معرفة الحقيقة ومعرفة المسؤولين عن التراجيدية؟، لماذا لم تنشأ الآليات والميكانزمات تحت تصرف لجنة وطنية للمصالحة والمصارحة كما حصل في جنوب إفريقيا والرواندا وبعض دول أمريكا اللاتينية؟ العفو بدون الوصول إلى الحقيقة ينمي الأحقاد التي لا مفر من انفجارها في المستقبل. لا أحد يشك في جنوح هذا الشعب للسلم والمصالحة، لكن ليس على حساب الحقيقة وحقوق الضحايا!، وعندما تعرف الحقيقة ويتقبلها الجميع وقتها نفكر في العفو وأمور أخرى.

*البعض يرى أن سعداني هو بطل هذه الملحمة وأنه يستحق الترشح لرئاسة الجمهورية، والبعض يميل إلى كونه عبد المأمور، فماذا ترى أنت؟
-أنا ما يهمني هو أن سعداني خرج من قلب النظام ليقول كلام كان الكثير في الوطن يهمس به وقاله بصوت مرتفع، حقيقة معروفة طمستها آلة التظليل الإعلامي مع سبق الإصرار، لو فتح في حينها نقاش حقيقي حول حَوْصلة الفريق توفيق عِوَض رمي وقذف سعداني بأشنع الصفات لكنا يومها اقتصدنا سنتين من الزمن! وفي ما يخص ترشحه من عدمه لرئاسة الجمهورية هذا يعود لقراره ورغبته وأجندة حزبه، وكمواطن له الحق كغيره في الترشح.

*ألم يحن موعد عودة بعض المهاجرين المنفيين من الخارج، وما هي الرسالة التي توجهها للجنرال طرطاق في منصبه الجديد؟
-عودة المهجرين والمنفيين ليس مِنّة يمنحها الحاكم إنما هو حق يكفله الدستور، توجد كفاءات وإطارات جزائرية على وجه المعمورة لا أحد يستطيع أن يجردها من وطنيتها ولا من حبها للوطن. الكثير منهم يدفع ثمن موقفه من المأساة وأعرف الكثير منهم ضحوا بالغالي والنفيس من أجل مبادئهم … كيف لنظام يستقبل مدني مزراق في قصر الرئاسة كشخصية وطنية أن يبرر عدم السماح لناشط حقوقي أوسياسي بالدخول للوطن؟. أنا كأي مواطن يتمنى أن يكون التغيير في المضمون لا الشكل، والتغيير يكون في الممارسة وطريقة العمل التي يحترم فيها المواطن لا في تغيير الأشخاص. بغض النظر عن المسؤول الذي عين في مكان الفريق توفيق، ما يتمناه المواطن هو الشفافية وأن تصان حقوقه وأن تكون الإصلاحات داخل هذا الجهاز تخدم المصلحة العامة ومصلحة الوطن في إطار الدستور والقانون.

*هل أنت متفائل لمستقبل الجزائر ومستقبل النظام؟
-أنا من طبيعتي إنسان متفائل ولهذا انتهجت طريق النضال السياسي السلمي اللاعنفي بدون ملل ولا كلل، مستقبل الجزائر بين يدي أبنائه، إن أرادوه خيرا فما على الشباب الواعي إلا الرجوع للنشاط السياسي والاجتماعي، وأن يتعلم أن الحقوق حتى وإن كانت مشروعة لا تقدم على طبق، لنأخذ ما يقدم لنا وننزع ما نستطيع نزعه بالطرق المشروعة. النظام الذي ولد غداة الاستقلال وصل إلى الطريق المسدود، فعلى الجيل الذي يريد حمل المشعل أن يرفع التحدي ويعرف أن الوطن للجميع ولا يبنى إلا بمساهمة كل الأطراف وأن يبتعد عن عقلية الإحتكار والإقصاء .

*ما رأيك في تجربة “الحوار” وكيف تنظر إلى مستقبل الإعلام في الجزائر؟

-جريدة “الحوار” فتحت صفحاتها للطاقات المهمشة وحتى من كانت منبوذة، ورغم قلة إمكانياتها وحداثة سنها، إلا أنها دخلت الساحة من الباب الواسع. أرجو أن تتحرر أكثر من العقلية التي كانت سائدة وتخدم الحقيقة وتنشر المعلومة الصحيحة قبل كل اعتبار .. والإعلام في الجزائر الذي رغم كل التحفظات يبقى أحسن بكثير من الإعلام في الدول العربية والإسلامية، وعلى الصحفي والإعلامي الجزائري أن يتحرر من الوصاية حقيقية كانت أو وهمية، وأن يكون الخط الأحمر الوحيد المقبول هو المصداقية!.

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق