سياسة

هكذا تجسست ” الدياراس” على الرئيس الشاذلي بن جديد

جاءت نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في 26 ديسمبر 1991 لتحدث شرخا حادا داخل النخبة الحاكمة، فالرئيس الشاذلي بن جديد بادر على الاعتراف بالنتائج وعمل على فتح قنوات تفاوض مع قيادة الجبهة الإسلامية لطرح فكرة تقاسم السلطة في المستقبل، من أجل أن يستمر في منصبه، أما قيادة الجيش رأت في هذه النتائج خطرا يتهددها فقررت إلغاء المسار الانتخابي مهما كانت النتائج، فخططت لعزله ولم تعوزها الأدوات حيث كان الرئيس يخضع لمراقبة صارمة من طرف جهاز “الدي آر أس” يراقب كل سكناته وحركاته ويتجسس على كل مكالماته.

بعد إعلان النتائج بادرت القيادة العسكرية العليا بتسريع مخطط الإطاحة بالرئيس فكلفت ذراعها الأمنية-السياسية (الدياراس) بجمع كل الفعاليات السياسية والاجتماعية المضادة للجبهة الإسلامية للإنقاذ، من أجل ترتيب صيغة سياسية تمنع وصول الإسلاميين للسلطة، ثم التحضير لمرحلة ما بعد الرئيس الشاذلي بن جديد الذي أصبح إقصاؤه أمرا ضروريا حسب ما قرره صقور المؤسسة العسكرية، وتم في هذا الصدد إنشاء خلية تفكير تضم عسكريين ومدنيين هم: الجنرال محمد تواتي والجنرال عبد الحميد تاغيت وعلي هارون وأبو بكر بلقايد، مهمتهم إيجاد الصيغة القانونية الملائمة لإقالة الرئيس بن جديد، كما يؤكد الإعلامي والباحث الأستاذ مصطفى هميسي في كتابه “من بربروس إلى بوتفليقة، كيف تحكم الجزائر ؟”.

تآمر وحشد للأتباع… !

وفي هذا السياق قامت “الدياراس” حينها بتجنيد الأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني التي تدور في فلكها وشكلت منهم “اللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر” في 30 ديسمبر 1992 ترأسها الأمين العام للمركزية عبد الحق بن حمودة وضمت كل من: الاتحاد العام للعمال الجزائريين والجمعية الوطنية لإطارات الإدارة العمومية والاتحاد الوطني للمقاولين العموميين والاتحاد الوطني للمقاولين الخواص، الفيدرالية الوطنية لمسيري القطاع العام والرابطة الوطنية لحقوق الإنسان، فضلا عن عدد من الأحزاب السياسية التي دعمت هذا المسعى ونادت بإلغاء المسار السياسي، مثل: حركة التحدي، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.

وجدير بالذكر أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي كانت ترفض كل مساومات أو حلول وسط وبخطابها الأصولي المخيف قد وفرت الذريعة لمطالبة قوى التيار العلماني – الديمقراطي- وباسم الديمقراطية بإيقاف المسار الانتخابي، مع أن غالبية القوى التي أيدت قرار إلغاء المسار الانتخابي فعلت ذلك كرها في الإسلاميين، ونستذكر هنا مقولة لرئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطة حينها سعيد سعدي، الذي قال عن تدخل الجيش وإلغائه للمسار الانتخابي، إنه لا ينبغي الضغط على الجيش للانسحاب الفوري من الساحة السياسية لأن ذلك سيكون في صالح الإسلاميين.

عندما تتجسس المخابرات على الرئيس.. !

انطلاقا من الخطة المرسومة والمبنية على ضرورة إقصاء الرئيس بن جديد وإعادة ترتيب البيت الداخلي للنظام، يؤكد الخبير في العلاقات المدنية-العسكرية وأستاذ العلوم السياسية الدكتور رشيد تلمساني، أنه وفي الثاني من جانفي 1992، تقدمت وحدات عسكرية باتجاه العاصمة، وفي اليوم التالي التقى الرئيس بعبد القادر حشاني المسؤول المؤقت عن قيادة جبهة الإنقاذ، واتفقا على مبادئ التعايش بين الرئيس والجبهة الإسلامية للإنقاذ.

من جهته يؤكد الباحث والإعلامي عبد القادر حريشان ما ذهب إليه تلمساني، حيث يقول في كتابه “الفيس والسلطة..le Fis et le pouvoir”، أنه وفي 04 جانفي 1992، وحدات الجيش تتخذ مواقعها حول العاصمة، وأشارت بعض الصحف المستقلة وقتذاك إلى اللقاء بين الرئيس وحشاني، وفي يوم الأربعاء 08 جانفي 1992 التقى الرئيس بن جديد ثانية بعبد القادر حشاني بقصر الرئاسة، ومن أجل تجنب استراق السمع، خرجا للحديقة، حيث بادر حشاني إلى الطلب من الرئيس الشاذلي بن جديد إقالة الجنرالات وعلى رأسهم نزار وبلخير وقنايزية، وقد تمكنت مصالح المخابرات من تسجيل المحادثة.

بعدها قام الرئيس باستدعاء كبار جنرالات الجيش وطلب منهم شروحات واستجوبهم واحدا واحدا، رد الجنرال محمد العماري على الرئيس بجرأة وقال له: “هل تريد أن يحاكمونا في محاكمات شعبية”، غضب الرئيس وطلب من الجنرال نزار تفسيرا فلم يرد هذا الأخير، فغادر الرئيس الاجتماع وقبل أن يغلق الباب طلب من الجنرال خالد نزار إقالة الجنرال محمد العماري. حسب ما جاء في كتاب عبد القادر حريشان.

في اليوم الموالي كتبت صحيفة الوطن المقربة من الأوساط العسكرية، أن العسكر يتهمون الرئيس بأنه يريد التضحية بالجميع من أجل بقائه في منصبه، هنا نرى بوضوح دور بعض وسائل الإعلام التي تستعملها النخب في صراعها.

يوم الجمعة 10 جانفي 1992 كان يوما فاصلا حاسما، حيث دخل كبار الجنرالات إلى مكتب رئيس الجمهورية، وسلموه الصور والتسجيلات الخاصة بلقائه مع حشاني، ثم سلموه رسالة تتضمن توقيع 181 من كبار ضباط الجيش، وكان الطلب واضحا ومباشرا، “لابد أن تستقيل”، في اليوم الموالي السبت 11 جانفي 1992، التواجد العسكري بارز وواضح في العاصمة، واكتمل المشهد بقيام رئيس الجمهورية بتقديم استقالته لرئيس المجلس الدستوري عبد المالك بن حبيلس.

إن قيام جهاز ” الدياراس” بتسجيل لقاء الرئيس بن جديد مع حشاني كاملا، يوضح بما لا يدع مجالا للشك مدى تغول الجهاز في تلك المرحلة وبعدها، حيث بلغ الأمر بالجهاز أن يتجسس على رئيس الدولة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يفترض فيه أن يوجه جهوده لحماية الأمن الوطني ومكافحة الجوسسة الخارجية.

نبيل عبد القادر

كلمات مفتاحية