سياسة

بوتفليقة يريد لقب “عميد الرؤساء”

دستور الرئيس يحرم خليفته من تولي الحكم أكثر من 10 سنوات
تمنع وثيقة مشروع الدستور الجديد، التي عرض أحمد أويحيى خطوطها العريضة، أمس، الرئيس القادم أو الذي يأتي بعده من الترشح لعهدة رئاسية ثالثة، من خلال دسترة التقييد بفترة رئاسية واحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، ثم إدراج “المنع” ضمن المادة 178 التي تحظر المساس بسبعة محاور، في أي تعديل لاحق للدستور، وقد أضيف للمحظورات السبع، المحظور الثامن الذي يمنع فتح العهدات الرئاسية مدى الحياة.

معنى ذلك أن الرئيس القادم للجزائر لا يمكنه المساس بالمادة التي تقيد العهدات الرئاسية في فترتين فقط، ولا يمكنه تعديلها بعدما ألحقت كثابت من الثوابت السبعة التي نص عليها دستور الرئيس السابق اليامين زروال، وهي: الطابع الجمهوري للدولة والنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والإسلام باعتباره دين الدولة والعربية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن وسلامة التراب الوطني ووحدته، والعلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية. وأضيف لهذه الثوابت الدستورية السبعة، مسألة منع المساس بالمادة 74 التي تنص على أن “مدة المهمة الرئاسية خمس سنوات ويمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة”.

ويشار في هذا الصدد إلى أن رئاسة الجمهورية بررت تقييد العهدات الرئاسية بواحدة قابلة للتجديد مرة واحدة، بـ«دسترة التداول الديمقراطي على الحكم وتكريس ثقافة التداول”، ورأت أن ذلك من “مقتضيات الديمقراطية وإحدى دعائمها الأساسية”، وذلك لدى عرضها مسودة الدستور التي أعدتها لجنة عزوز كردون. ويأتي هذا الموقف بعد ثماني سنوات من فتح العهدات الرئاسية، (تعديلات العهدة الثالثة عام 2008) وبررت أطراف الموالاة ذلك بأن “تقييد العهدات فعل غير ديمقراطي أملته ضغوط خارجية”.

وكتابة هذا الهدف، بهذه الصيغة، يعني ضمنيا اعترافا بأن تعديل الدستور سنة 2008 والذي ألغى تقييد العهدات، كما كان واردا في دستور الرئيس اليامين زروال عام 1996، كان فعلا غير ديمقراطي، واستند في تعديل دستور 2008، في فتح العهدات الرئاسية إلى ما سمي “ضمان حرية اختيار الشعب” وهي عبارة “ديمقراطية” لكنها استعملت لإبطال تقييد العهدات وضمان ترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة ثالثة.

على هذا النحو، وضع الجزائريون بين خيارين ديمقراطيين، مرادفين لبعضهما البعض، لكنهما في الجزائر متباعدان، كتباعد المواقف بين الرئيس بوتفليقة وسابقه اليامين زروال. الخياران هما “إما إحلال الديمقراطية من خلال التداول على السلطة، وهو ما كرسه اليامين زروال في دستوره لعام 96 لما أقفل على العهدتين الرئاسيتين”، وإما “ترك المجال لحرية اختيار الشعب” مثلما فعل الرئيس بوتفليقة في تعديل 2008، وزكته أحزاب الموالاة وعلى رأسها التحالف الرئاسي، آنذاك، بما في ذلك طرفها حركة مجتمع السلم، المعارضة حاليا، مثلما سبق وصرح، رئيس المجلس الشعبي الوطني حينها، عبد العزيز زياري، (المعارض حاليا) لما رد على المعارضة بقوله إن تقييد العهدات في دستور زروال أملته ضغوط خارجية. وقالها أيضا رئيس “الحركة الشعبية الجزائرية”، عمارة بن يونس، فهل سيحتج هذا الأخير على العودة إلى دستور زروال، خاصة أن الظروف التي تمر بها البلاد، حاليا، لا تختلف كثيرا عن الظروف التي تحدث عنها بن يونس، بينما كان يمكن في دستور 96 دسترة عدم المساس بالمادة 74 التي تنص على تقييد العهدات الرئاسية في أي تعديل لاحق، لكن من صاغ هذا الدستور لم يفعل، ما يعني أن صاحب دستور 2016 سيحرم صاحب “دستور لاحق” من ممارسة الحكم أكثر من 10 سنوات، قياسا بما ترسخ في أذهان الجزائريين من أن “لكل رئيس دستوره”.

وفي حال تزكية المجلس الدستوري الوثيقة الجديدة، وهو الذي سيحدث دون أدنى شك، فإن الرئيس بوتفليقة سيظل أكثر الرؤساء مكوثا بالحكم، سابقا ولاحقا، وتبعا لذلك سينال لقب “عميد الرؤساء”.

الدستور الجديد ليس مثار فرح بالنسبة لهؤلاء الذين وقعوا ضحايا التجوال السياسي، من نواب وغيرهم الذين غيروا بوصلتهم السياسية واحتفظوا بعهداتهم الانتخابية بشحمها ومالها، رغم تأكيد الوثيقة الجديدة على دسترة منع التجوال السياسي، فالمادة 100 مكرر 2: تقول “يجرد المنتخب في المجلس الشعبي الوطني أو في مجلس الأمة، المنتمي إلى حزب سياسي، الذي يغير طوعا الانتماء الذي انتخب على أساسه، من عهدته الانتخابية بقوة القانون”، ويضيف: “يعلن المجلس الدستوري شغور المقعد بعد إخطاره من رئيس الغرفة المعنية، ويحدد القانون كيفيات استخلافه”، و«يحتفظ النائب الذي استقال من حزبه أو أُبعد منه بعهدته بصفة نائب غير مُنتم. فهذه المادة مليئة بالتناقضات، فمرة يجرد النائب من عهدته الانتخابية بقوة القانون، وفي الفقرة الثانية “يحتفظ النائب المستقيل من حزبه أو أبعد منه بصفة نائب”، يعني أن العقاب يكون نفسيا فقط، فالاحتفاظ بالصفة يعني الاستمرار في تلقي الراتب حتى والمعني خارج أسوار البرلمان.
http://www.elkhabar.com/press/article/97847/

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • بل قد أصبح “لكل رئيس دستوران” واحد يجيز به لنفسه و آخر يضيق به على منافسيه أو خلفائه كما يقال في المثل “حلال علينا حرام عليهم”.
    لكن.. هل يعتبر ““ترك المجال لحرية اختيار الشعب” اختيار غير ديمقراطي لما في ذلك من تعاقب عهدات غير منتهية أحيانا ؟ بالتـأكيد يمكنه أن يكون ديمقراطيا أن تحققت فيه شروط أساسية : و هي أن تكون ميكانيزمات الانتخابات شفافة للغاية .. و لا تستعمل فيها أموال أصحاب النفوذ الذين يعملون على تثبيت مواقعهم بالمراهنة على مرشح على حساب آخر.. و التقسيم المتساوي للظهور و النشاط على الصحافة .. و منع استغلال تدشينات المرافق العامة لوسيلة للبروباغاندا الانتخابية للرئيس الحالي .. كل تلك شروط تمنح لرئيس عادل حق و شرف خدمة شعب بلده. و لكن هيهات أن تتحقق هذه الشروط بعد أن وصل الانتهازيون و ذو المصالح إلى أعلى رتب الحكم في البلاد.