سياسة

في ذكرى الانقلاب على الشاذلي الشروق تحاور الحركي خالد نزار

وزير الدفاع الأسبق الجنرال المتقاعد خالد نزار يتكلم عن “11 جانفي” في حوار لـ “الشروق”
مهري “غلّط” الشاذلي.. آيت أحمد لم يكن بديلا وهذا موقف بن بلة
تواتي وهارون وتاغيت وبلقايد حرّروا استقالة بن جديد
مسؤول التشريفات بالرئاسة أعلمنا أن الرئيس يريد ترك منصبه
في الذكرى الرابعة والعشرين لاستقالة أو إقالة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد (11 جانفي 1992)، ارتأت “الشروق” أن تعيد قراءها إلى تلافيف هذه القضية التي لا تزال الكثير من تفاصيلها يلفها الغموض والجدال والشهادات المتضاربة، وذلك من خلال “استنطاق” بعض أولئك الذين صنعوا الأحداث مباشرة، أو ساهموا فيها، أو كانوا شاهدين عليها بحكم مناصبهم ومسؤولياتهم الرسمية آنذاك.

وهكذا وقع الاختيار على واحد من الفاعلين الأكثر إثارة للجدل حينها، وهو الجنرال المتقاعد والرجل القوي في بداية التسعينيات، وزير الدفاع الأسبق، خالد نزار، الذي كان كعادته جريئا في إعادة فتح هذا الملف. وهذا الجزء الأول، من هذا الحوار السلسة، والذي سيكون بوسع القراء والمشاهدين، متابعة فصوله، لاحقا، على قناة “الشروق “.

هل استقال الرئيس الأسبق الراحل الشاذلي بن جديد، أم تعرّض للإقالة؟

توقيف المسار الانتخابي، وبالطبع هذا يهم كل الجزائريين، وكما قلت، بما أن كل واحد له رأي، الشعب الجزائري على رأيين، رأي يقول صح، وما تم القيام به في فائدة البلاد، وآخرون يقولون لا ويقدمون تفسيرات أخرى .

هذه النقطة تدخل في هذا النطاق. أنا أريد أن أجاوب من يعارض القرار، وهنا أقول، الأمور واضحة، الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، تكلم وقال إنني تركت منصبي بمحض إرادتي، وكتبها في مذكراته وصدرت في العديد من الجرائد الوطنية، والكثير من الصحفيين والمسؤولين السياسيين يعرفون ذلك.. هذه القضية باتت معلومة من الواقع .

وأنا عندما أقول لكم هذا الكلام فمن منطلق أنني الشخصية الوحيدة التي كانت تتصل به، ولا أحد غيري. لذلك أنا مندهش من أين تأتي الأخبار والمعلومات التي تقدم غير هذه الحقيق

هل وظفتم معلومات للضغط على الرئيس الشاذلي من أجل تقديم استقالته.. هل كانت لديكم ملفات عن الرئيس أو عن عائلته وظفتموها في الضغط عليه من أجل تقديم استقالته طواعية؟

أي ملفات يمكن أن تكون بأيدينا ضد الرئيس الراحل.. الشعب الجزائري يعرف الشاذلي بن جديد ومسيرته، وأنا عملت معه كثيرا، وفي الثورة التحريرية وحدها اشتغلت معه لمدة أربع سنوات. ننام في كوخ واحد ونحترم بعضنا، وأنا شخصيا الوحيد الذي كنت على اتصال به، وقد اتصلت به أربع مرات، في مدة الـ 15 يوما التي كانت بين الدور الأول والدور الثاني من الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 1991 .

اتصلت بصفتي وزيرا للدفاع من أجل معرفة أين تتجه البلاد في ظل النتائج التي أفرزها الدور الأول من الانتخابات السالف ذكرها، والتي كانت كما هو معلوم في صالح حزب الجبهة الإسلامية المحلة.. المشكل لم يكن وليد تلك اللحظة، فقد كنا نتابع الأمور قبل ذلك، كعسكريين. ما كان يحدث في البلاد آنذاك كان يهمنا كمسؤولين سياسيين وعسكريين، مثلما يهم الجميع أيضا .

قلت إنك الوحيد الذي التقى الرئيس الراحل أربع مرات ما بين الدور الأول والثاني.. هل كانت مبادرة شخصية منك، باعتبارك وزير دفاع، أم كلفت من قبل مجموعة جنرالات للقيام بهذه المهمة آنذاك؟

أنا أقول وأكرر، أنا الوحيد بحكم قربي منه أثناء الثورة، وكنت قائدا للوحدات ثم رئيس أركان ثم وزير دفاع.. هذه الأمور جعلتني قريبا من الرجل. ومن دون شك أنا أعرف الرجل. ضف إلى ذلك، كانت لقاءاتي بالرئيس بصفتي وزير دفاع. ثم هل كان لا بد من زيارته في قافلة؟ أنا عسكري أنا قائد .

صحيح أنه لما استقال سي الشاذلي، كنا على دراية بأن الرجل سيقدم استقالته ثلاثة أو أربعة أيام قبل ذلك، لقد قال لي هذا .

معنى هذا أنه صارحكم في اليوم الفلاني؟

لا لم يقدم موعد استقالته. لكن دعني أكمل .

تفضل ..

كنا على علم مسبق بأنه سيستقيل. نحن كعسكريين كان لا بد علينا من القيام بما يجب، ولذلك سارعت إلى تشكيل مجموعة عمل، للتفكير فيما يجب علينا فعله، حتى لا نقع في ما لا نتمناه ويقول البعض إن القرارات اتخذت انفراديا. هذه المجموعة تتمكن من ضباط .

هل يمكن أن تذكر لنا أسماء هذه المجموعة؟

سنذكرها لاحقا لا تقلقوا .

تفضل واصل ..
طبعا هذه المجموعة فيها المعرب وفيها المفرنس حتى يعطي الجميع أفكاره. ثم بعد ذلك كتبت وثيقة باللغتين العربية والفرنسية. كان عندي مستشار سياسي لدي وهو الجنرال المتقاعد محمد تواتي وكان ضمن مجموعة العمل، فيه رئيس أركان.. أنا كنت التقيت الرئيس، كما أسلفت، وقلت له بأن هناك مجموعة عمل تشتغل، واقترحت عليه أن يلتقي بهذه المجموعة، ويقدموا لك وجهة نظرهم حول القضية .

الرئيس كان يلتقي بنا. لقد كنا رفقاء في الجيش والسلاح، ولما تكثر عليه المشاكل يأتي للجيش ليستريح، إنه ابن المؤسسة وأخونا الكبير. كنا نتكلم عليه في هذه المواضيع، وكنا نتبادل الأسئلة. أما فيما يخص هذه القضية، فقد كنا نقدم أوراق عمل للرئيس ليقرر فيها. وهنا أقول شهادة في الرئيس الشاذلي، عندما تقدم له مقترحا ويقتنع بأنه مفيد، يطبقه دون تردد ..

لا بد من العودة على تركيبة النظام السياسي منذ 1962 وإلى غاية اليوم، حتى نفهم الكثير من الأمور.. لقد كانت “الركبة السياسية مايلة” كما يقول المثل. صحيح أن كثيرا من الأمور تغيرت، كان يمكن أن نكون أفضل لو كانت الانطلاقة سليمة .

ماذا تقصد عندما تقول “الركبة السياسية مايلة”؟

لما يكون النظام السياسي يسير بشكل متوازن. في بعض الأحيان تكون التركيبة متناقضة. مثلا هذا من ضباط الشرق الأوسط، وهذا من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، وهذا من “العروبيين”، ونضع الجميع في بوتقة واحدة، ثم تدخل الجهوية والمحسوبية.. في ظل هذا الوضع والأفكار المتناقضة، يمكن أن تسير الأمور. كل واحد ينحر في الآخر .

النظام السياسي هو صرح غير مستقر، وكلما يميل هذا الصرح يسند بركيزة، من طرف العديد من الأشخاص كل حسب موقعه، علاوة على المسؤول الأول.. منذ 1962 ونحن نسير على هذا المنوال .

قلت إنك التقيت الرئيس الشاذلي بين دوري الانتخابات أربع مرات.. لو تضعنا في صورة كل لقاء وما دار فيه؟

هناك ظروف خاصة لا يمكن لأحد أن ينساها. أنا كتبت كتابا عن الثورة، وقد وقف الجميع ممن عايش الحدث، على دقة المعلومات التي تضمنها الكتاب. وهنا قلت لهم إن الذي شارف على الموت، لا يمكن أن ينسى تفاصيل تلك الحادثة، لذلك، أتحدث عن بعض الجزئيات، وأقول كان معي فلان وفلان.. إنها أحداث لا يمكن أن تنسى.

قلت هذا لأدلل على دقة معلومات لقاءاتي بالشاذلي.. صحيح التقيت بالرجل غداة ظهور نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية.. لقد كنا جاهزين لكل الاحتمالات. لكن دعوني أعود إلى الوراء قليلا.. المشكل بدأ بعد الانتخابات المحلية التي جرت في جوان 1990، التي فاز فيها “الفيس”.

وأذكر أن يوم الانتخابات المحلية توفيت والدة الرئيس الراحل، وذهبنا لعنابة، المتحدث والشاذلي، والراحل عبد الحميد مهري(كان يومها أمينا عام لحزب جبهة التحرير الوطني)، ورجعنا إلى العاصمة في اليوم ذاته.. كلّم الرئيس مهري وقال له، ماذا تقول في نتائج الانتخابات، فرد عليه مهري، سنفوز بنسبة ستين بالمائة، ونحن كنا على يقين بأن النتائج ستكون عكسية تماما، وتأكد ذلك بوصول النتائج على تسعين بالمائة الآخرين (يقصد الفيس).

وهل أعلمتم رئيس الجمهورية بذلك؟

نعم بالتأكيد. وحتى في الانتخابات التشريعية التي أوقفت، حذرنا الجميع بمن فيهم الرئيس من خطورة قانون الانتخابات آنذاك، قبل المصادقة عليه في المجلس الشعبي الوطني. وأذكر هنا أنني كنت رفقة سيد أحمد غزالي (رئيس الحكومة آنذاك) وعبد العزيز بلخادم (رئيس المجلس الشعبي الوطني آنذاك) كنا جالسين أمام المجلس قبل جلسة المصادقة على القانون، وقد أكدنا على خطورة القانون لعله يرفض وترجوناه، لكن بلخادم كان صارما في رفض ما قلنا له وترك المجلس يقرر، وتمت الصادقة على القانون.

قلتم بأن قانون الانتخابات “ما يخرجش”، معنى هذا أنكم كنتم تبحثون عن القانون اللي يخرجكم. أليس كذلك؟

لا بد من أن تعرفوا شيئا، وجماعة “الفيس” لازالت على قيد الحياة، وبعثنا لهم واحدا آنذاك، وهو الجنرال المتقاعد محمد بتشين، الذي كان على رأس جهاز المخابرات قبل أن يخلفه الفريق المتقاعد محمد مدين، المدعو توفيق، وهو الذي كان الواسطة بين الرئيس و”الفيس”، وقلت له أبلغهم، ولم يكن ذلك دوري “ضعوا أرجلكم في الركاب”، اذهبوا بهدوء، يتعين عدم تهديد استقرار الدولة.

لقد تحدثوا عن ثلاثين بالمائة، أنا من قال لهم أقنعوا بنسبة 30 بالمائة، لأن أكثر من تلك النسبة يعرض استقرار البلاد للخطر. أنتم تشاهدون ما يحدث اليوم في العراق وسوريا وليبيا وغيرها من الدول العربية.

نعود للسؤال سيادة اللواء المتقاعد..

نعم.. التقيته (الشاذلي) في المرة ألأولى غداة الانتخابات، ووجدته متأثرا، ووجهه متجهّما.. وشرحت له الوضع من وجهة نظرنا، وذكّرته بأننا قلنا له الحقيقة، وهذه حقائق لا يمكن إخفاءها، لأن الأرشيف موجود على مستوى الرئاسة. لقد أعطينا رأينا لفائدة البلاد وفقط، وليس لدينا أغراض أخرى.

عندها قال لي أعطني قليلا من الوقت لنفكر في الأمر، يومين أو ثلاثة.. انقضت المدة ولم نتلق اتصالا من الرئيس. عندها توجهت للرئاسة، ووجدت بن قرطبي، وكان يومها مديرا للتشريفات.. دخلت مكتبه وشرحت له الأمر، فقال لي بسرعة، تريد مقابلة الرئيس، فقال لي: تعال، ودخلت مكتب الرئيس، وتبادلنا أطراف الحديث، وفي هذه المرة تكلم عن مبادرة يمكن أن يتخذها. لم أرد أن نفهم مضمون المبادرة.

لقد كان الرئيس يفكر في ترك منصبه. وقد عرفت فيما بعد أن المبادرة، تتمثل في مقترح تقدم به الشاذلي لرئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، عباسي مدني، أعرب فيها عن رغبته في تقديم الانتخابات الرئاسية على الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، التي لم يتبق عن موعدها سوى اقل من أسبوعين. هذه المعلومة يمكنكم التأكد منها عند عبد القادر حجار (سفير الجزائر بتونس حاليا)، والمحامي بشير مشري.. أليس هذا دليلا كافيا على أن الرئيس الشاذلي كانت له نية ترك منصبه من السابق؟

كيف تم هذا الاقتراح؟

في حدود علمي أن الرئيس أوفد عبد القادر حجار لعباسي مدني ليحمل له مقترح تقديم الانتخابات الرئاسية على الدور الثاني من الانتخابات التشريعية.

وهل كان عباسي عباسي مدني سيخسر الانتخابات الرئاسية لو خاض سباقها في ذلك الوقت؟ معنى هذا أن الرئيس مستعد للتنازل عن كرسي الرئاسة لعباسي مدني؟

إذن لماذا دائما نسميه الأسطوانة المشروخة: أنتم من دفع الرئيس للاستقالة، وأنا من كان رفيقه منذ مرحلة ما قبل الاستقلال؟.. هذا كلام لا أساس له من الصحة. طبعا نحن كنا قيادات كانت لنا صلاحيات، لكن لا نتدخل في الأمور الأخرى، صحيح نقدم مقترحات من موقع مسؤولياتنا، لكن لا نتدخل فيما لا يعنينا.

الآن، نصل إلى اللقاء الثالث بينك وبين الرئيس..

في هذا اللقاء، قرر الرئيس أن يستقيل، دخلت إلى مكتب الرئيس، ولما حييته، جلست على كرسي، وكان متجها للنافذة، وبقي على هذه الوضعية لنحو ثلاث دقائق من دون أن يجيبني. لقد كانت هذه المدة طويلة بعض الشيء، في موقف وفي ظرف من هذا القبيل. لم يكن هذا سحب للثقة من وزير دفاعه. كان يفكر في أمور أخرى، وكان سيقول لي قراره النهائي.
ثم التفت إلي وقال بالحرف وباللغة الفرنسية: “مرة أخرى، الدور على الجيش كي يبحث عن حلول”. هنا فهمت موقفه بأنه قرر الذهاب وترك منصبه

لكن لم يقلها صراحة وبالحرف، أنا سأستقيل؟

بالطبع، لكن الأمر كان مفهوما، أنا أعرف الرجل جيدا. ما كان عليه أن يقول حل مشكل “الفيس”، لأن المشكل كان سياسيا وحله كان يجب أن يكون سياسيا، ومشكلة الرئيس وليست مشكل الجيش. وهنا قلت له، سيادة الرئيس، مجموعة العمل تنتظر مقابلتك. فرد علي قائلا: أين يمكنني لقاءهم؟ فقلت له، لا يهم المكان، إما في مكتبك أو في إقامة الرئاسة في زرالدة، ثم أردفت، يستحسن في زرالدة.

فرد علي موافقا، ثم تابع: لدي ضيف علي استقباله، ثم بعد ذلك أناديكم، ومن ذلك الوقت لم نتلق اتصالا من الرئيس. بعدها أعطيت أوامر للمجموعة كي تبدأ في العمل، وقدمت لهم شروحات بخصوص طبيعة عملهم. بغير شك، لما نسمع من عند الرئيس بأنه تارك منصبه..

ثم بعد ذلك تلقيت اتصالا من الأمين العام برئاسة الجمهورية آنذاك، عبد العزيز خلّاف، بأن الرئيس متجه نحو زرالدة. كانت له اتصالات مع أصدقائه وعائلته أو أي كان، وأنا لم أحاول أن افهم أو أعترض لأنه الرئيس.

نعود للقاء الثالث، سيادة اللواء..

نعم، كما أسلفت كنت قد شكلت مجموعة عمل، فيها الشق السياسي والشق العسكري، فالوضع يتطلب دراسة هذين الشقين، وكنت موجودا، لما جاء بن قرطبي (مسؤول التشريفات بالرئاسة) مبعوثا من عند الرئيس، وقال لنا، إن رئيس الجمهورية يريد ترك منصبه الخميس وأعتقد أنه كان الأربعاء.

يعني يقدم استقالته يوم الخميس؟

بالضبط. لكني قلت له غير ممكن يا سيادة الرئيس. وكان هذا قبل التاسع من جانفي 1992. وفي ذلك الوقت حركنا الجيش، وكان ذلك من صميم عملنا. لا بد من أخذ احتياطات. هناك وحدات في الطريق، نحن غير جاهزين، وموعد الاستقالة على الأبواب.

عندها طلبت من مسؤول التشريفات بالرئاسة، وكنا نحن مجموعة العمل نشتغل، أن يبلغ الرئيس بأنني أريد مقابلته، فرد علي بن قرطبي بأن الشاذلي في الانتظار. حزمت أغراضي، ثم التفت إلى الجنرال جنوحات (متقاعد حاليا) وطلبت منه مرافقتي، لأن جنوحات كان معي ومع الشاذلي عندما كنا في الجبل أثناء الثورة في سنة 1955 وبداية 1956، وهو الولاية الثانية التاريخية، قبل أن ينتقل للقاعدة الشرقية، كان مع بن سالم ويعرف جيدا الرئيس الشاذلي، والاثنان كانا مع الرئيس الراحل هواري بومدين.

توجهنا إذن إلى زرالدة ودخلنا الإقامة، وانتظرنا نحو عشرين دقيقة، ثم جاء الرئيس الشاذلي، فنقلنا له ما قاله لنا مدير التشريفات بأنه مستعد للذهاب يوم الخميس، وأردنا مقابلتك لإبلاغك بأن هذا الموعد غير ممكن. عندها لم يمانع في تغيير الموعد، فقلنا له هل من الممكن يوم السبت.

هنا الناس تساءلت كثيرا عن الرسالة التي تم تحضيرها له (يقصد رسالة الاستقالة). طبعا مجموعة العمل أخذت التطورات الحاصلة بعين الاعتبار، وقررت تحضير نص الاستقالة، وحملتها معي لما ذهبت لزرالدة رفقة جنوحات، لأننا كنا نعتقد أن الرئيس سيقرؤها في التلفزيون على الجزائريين.

ولما قابلته سلمته الرسالة وقلت له، سيادة الرئيس، ها هي رسالة الاستقالة، ويمكن حذف وإضافة ما تريد، وأكدت له على أنه من المستحسن أن تكلم للجزائريين. عندها اعتذر وقال: أرجوكم، يمكن أتأثر.

معنى ذلك، أنه رفض قراءة الاستقالة عبر التلفزيون؟

لا، هو لم يرفض، ولكن فهمنا منه أنه لم يكن جاهزا لوضع من هذا القبيل.. عندها خاطبه الجنرال جنوحات، وقال له: “يا سي الشاذلي، رانا أبناءك”، لا زم تكلم الجزائريين، لكنه رفض مرة أخرى. عندها تدخلت أنا وقلت لا بد من الذهاب للمجلس الدستوري، باعتباره الجهة الدستورية الأعلى. فقال ممكن. لكن تطورات الأمور الأخرى لم نرافقها، لأن مسؤول التشريفات هو من قام بالمهمة بحكم منصبه.

هل حاولتم أو على الأقل، فكرتم في إقناع الرئيس بعدم الاستقالة في تلك الظروف، حتى لا يقال عنكم أنكم دبرتم انقلابا ضد رئيس منتخب؟

لم تدر في خلدي هذه الفكرة بتاتا. لأني اعتقدت أن الرئيس لم يكن جاهزا لمواجهة الوضع الجديد.

وهل كان في اعتقادك في تلك المرحلة أن الرئيس كان يجب عليه أن يتنحى لمصلحة البلاد، لأنه كان ضعيفا؟

كان غير قادر على مواجهة الوضع. بما أننا نحن كنا متابعين للوضع، وأعلمناه بكل التطورات التي حصلت، صغيرة وكبيرة، ومع ذلك وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وهو (الرئيس) من أوصلنا إلى ذلك، أردنا أم أبينا، بحكم تدخلات بعض الناس. فماذا بقي من الانتظار؟

إذن رأيك أنه كان لا بد على الشاذلي أن يترك منصب الرئاسة؟

بما أن الرئيس هو من قرر التنحي، فأنا لم أر فائدة في بقائه، ومن ثم عدم قدرته على حل المشكلة، هذه قناعتي.

قلت قبل قليل للرئيس (قبل موعد الدور الثاني من الانتخابات)، لقد حركنا الجيش، وكان ذلك من صميم عملنا، ما الهدف من تحريك الجيش ولماذا؟

لا لم ينزل، أبدا. نزل في 1991 نعم.

لا، بل قلت، تذكر قليلا..

أقصد وحدات آتية من الناحية العسكرية الخامسة، ومن مناطق أخرى.

جيد، لماذا تأتي هذه الوحدات إلى العاصمة وفي هذا الوقت الحساس؟

لأن الذي عشناه مع “الفيس” والعنف الذي كان موجودا في العاصمة، والمسيرات واللقاءات التي كانت تجرى، والعنف اللفظي الذي كان موجودا أيضا، والقرار الأخير الذي تم اتخاذه، والذي يحتوي على 23 بندا، والذي نعتبره نحن في الجيش، بمثابة إعلان حرب. عودوا إلى تلك الوثيقة لتقفوا على حقيقة ما كان يخطط له. عباسي مدني كان يقول سنواجه الدبابات.

بماذا سنواجه هذا الظرف. نحن لم نأت بالجيش ليضرب الناس، بل جئنا به للوقاية وحماية أمن الدولة. الجيش نزل في 1988، وفي 1991. السياسيون أوصلونا إلى هذا الوضع، ماذا كان يجب علينا فعله؟ هل نترك البلاد تنهار.

قلت سابقا إن الوحدات العسكرية التي كانت متجهة إلى العاصمة هدفها حماية الدولة وصيانة أمنها.. من يضمن أن حركة من هذا القبيل وفي ظرف حساس كذلك، لا تدفع إلى الاعتقاد بأنها رسالة موجهة للضغط على الرئيس كي يترك منصبه؟

قرار الرئيس بالاستقالة أخذه من قبل، في لقائي الثالث معه.. لست أدري لماذا تريد النبش في هذه القضية. الرئيس كان عسكريا ويفهم الأمور العسكرية جيدا، ولا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه القراءات. كان الرئيس يدرك أن الجيش يهدف إلى الحفاظ على الأمن.

قلت: لما قررت الذهاب إلى زرالدة في اللقاء الرابع رفقة الجنرال أحمد جنوحات لمقابلة الرئيس، حملت معك رسالة، من سلمك إياها؟

مجموعة العمل التي تتكون من عسكريين وسياسيين ومختصين في القانون الدستوري.

ممن تتكون هذه المجموعة، بالأسماء لو تفضلت؟

كان مستشاري السياسي، الجنرال المتقاعد، محمد تواتي، والجنرال عبد المجيد تاغيت، وعلي هارون (عضو المجلس الأعلى للدولة لاحقا) ووزير الإعلام الأسبق، أبو بكر بلقايد(اغتيل). لأن في تلك الأيام اجتمعت بعدد من الضباط. ويومها تحدث البعض عن اجتماع نحو 300 ضابط في عين النعجة، هذا غير صحيح.. تطرقنا في الاجتماع إلى نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، التي حقق فيها “الفيس” فوزا ساحقا.

بالطبع النتائج التي وقعت أحدثت وضعا خاصا، وهذا يتطلب تدابير خاصة، من منطلق صميم عملنا كمؤسسة عسكرية. وتتمثل هذه التدابير في إعلام الضباط المسؤولين، وإعطائهم توجيهات، فجمعت قادة القوات، وقادة النواحي، وقادة الوحدات القتالية، وكنا نحو ثلاثين أو خمسة وثلاثين ضابطا لمواجهة المستجدات.

تكلمت لهم عن الوضع، ووضعت النتائج أمامهم، وشرعنا في وضع الاحتمالات للمستقبل، وطلبت منهم العودة إلى الوحدات، والتحلي باليقظة، وأضفت لهم شيئا، وهو عندما يكون هناك قرار، سوف لن أخرجكم عن المهمة الدستورية للمؤسسة العسكرية، ولذلك وضعنا مجموعة تفكر حول الدستور وفي حل المعضلة.

لجأنا إلى رئيس المجلس الدستوري (عبد المالك بن حبيلس آنذاك)، وأنا شخصيا التقيته وتكلمت معه، والمفروض هو الذي كان يتعين عليه أن يأخذ مكان الرئيس بعد الاستقالة

نعود إلى مجموعة العمل التي شكلتها، والمتكونة من تواتي، علي هارون، تاغيت وبلقايد، هؤلاء كلهم يمثلون تيارا واحدا، تفكيرا واحدا، ولا يمثلون التنوع السياسي والثقافي والإيديولوجي آنذاك للجزائر.. ومن يعرف خلفيات هؤلاء يدرك مسبقا طبيعة ما سيحصل لاحقا، ماذا تقولون؟

أدرك جيدا أين تجرني من وراء هذا السؤال. لقد قلت في البداية، لماذا لم تطلب من الشاذلي البقاء. لم نطلب، لأننا نعلم مسبقا أننا ذاهبون بحكم التطورات المتسارعة، إلى ما نتخوف منه، وهو أن الشاذلي غير قادر على مواجهة الوضع القائم، وأنا لم أساهم في خلق هذا الوضع. السياسيون هم من خلقوا هذا الوضع، وعلى رأسهم الرئيس الشاذلي ذاته، فهو من سمح باعتماد حزب الجبهة الإسلامية للانقاذ، التي اجتاحت في ما بعد بمسيراتها الساحات العمومية.. لقد دخلت البلاد فوضى، ماذا تنتظر بعد كل هذا. نحن قمنا بعملنا.

لما تتحدث عن المجموعة، هذه، فإن دورها، دراسة الدستور، هذا الاقتراح قمنا به في وقته. في 1991، لما قرر الشاذلي فرض حالة الحصار، كنا كجيش اقترحنا على الرئيس مشاركة ممثلي الأحزاب لتفادي وقوع ما حدث، لكنه رفض هذا المقترح، والذي كان أول من رفض هو الراحل عبد الحميد مهري.

اقترحنا إصدار مرسوم حالة الحصار، نحن من أعد المرسوم، عينت الجنرال المتقاعد عبد الحميد جوادي والجنرال المتقاعد، عبد المجيد تاغيت، والجنرال المتقاعد الطيب الدراجي، واقترحنا تشكيل خلية تتكون من ممثلي أحزاب للتشاور مع الرئيس، حتى لا نسقط في دوامة المشاكل التي وقعنا فيها فيما بعد، ولكن لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ماذا تنتظر منا أن نفعل كجيش. ما يجب أن نقوم بما قمنا به.

لقد اتصلنا بهم (الفيس) كما أسلفت، وقلنا لهم “ضعوا أرجلكم في الركاب”، اتصلنا بالمسؤولين والتقيناهم في قصر الحكومة مع رئيسها آنذاك، سيد أحمد غزالي، وبعد ذلك استقال نصف مجلس شورى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لأننا أقنعناهم.

ولما توقف المسار الانتخابي، أغلبية قيادات الفيس المحل عادت إلى منازلها، 95 بالمائة منهم عادوا إلى بيوتهم، لكن المشكل الذي برز للواجهة، وجود مجموعة من المتطرفين، وفي مقدمتهم علي بن حاج.. فأنا لما التقيتهم كان بن حاج في جهة والآخرون في جهة أخرى، ولما قرروا التوجه نحو وزارة الدفاع، اتصل بي علي جدي، حيث كنت في اتصال معهم، وإن كان ليس من واجبي الاتصال بهم، ولكن قمنا بذلك من أجل الحفاظ على استقرار البلاد.

كيف أقنعتم الرئيس الشاذلي بإعلان الاستقالة عبر التلفزيون؟

لم نقنعه، هذه فكرة جاءت في الأخير. بالنسبة إلينا، الرئيس قرر التخلي عن منصبه، وسيتحدث للجزائريين عن طريق التلفزيون، وهذا أقل شيء ممكن، لذلك كانت مفاجأتنا كبيرة عندما اعتذر عن القيام بهذه المهمة. والرسالة (الاستقالة) التي سلمناها إياه قرأها كما هي ودون أن يغير فيها حرفا.

وقبل ذلك، كان على رئيس المجلس الدستوري أن يتحمل مسؤوليته. كلمته فجاءتني، وكان ذلك مقدمة للقائه الرئيس الشاذلي الذي وافق على هذا المقترح. إذا، كان هذا هو اللقاء الرابع والأخير، ومنذ ذلك اليوم لم ألتق سي الشاذلي.

عملت مع الرئيس الشاذلي أثناء الثورة وبعد الاستقلال، وفي الفترة الحرجة، كنت قريبا منه. ما الانطباع الذي يمكن أن تسوقه هنا عن الراحل؟ بمعنى هل كان يتحمل مسؤولياته؟

الشاذلي رجل رزين وإنسان حكيم، لكن له خصلة ربما تشكل نقطة ضعفه، وهو أنه يسمع كثيرا للآخرين. وكما قلت بحكم التركيبة السياسية المائلة، وبحكم وجود مراكز صناعة الاقتراحات والقرارات، كنا نعلم جيدا مصدرها.

ففي عهده كان شائعا أن القرارات المتعلقة بالوزراء تأتي من وهران، حيث توجد زاوية. فكانت بعض الأسماء قبل أن تستوزر تقصد تلك الزاوية، وحتى بعد أن تصبح وزيرا. لكن وبعيدا عن هذه النقطة، الرئيس لما كنا نقدم له اقتراحا ويعتقد بجودة هذا الاقتراح، لا يتردد في تبنيه.

كانت ثقة كبيرة بيننا، لقاءاتنا كان يسودها الاحترام المتبادل، خاصة في القرارات المتعلقة بالجيش، وهو الجانب الذي أخذت فيه الكثير من القرارات، لأنني أنا من قمت بإعادة هيكلة الجيش، وفتح لي الباب في هذا الجانب، وحتى إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، مثلما يجري حاليا، أنا من قام به في 1989، بل قبل ذلك، في 1987 / 1988، لأن المرسوم صدر في العام 1989.

في حسابات مجموعة العمل التي أنشأتها، أن عبد المالك بن حبيلس، رئيس المجلس الدستوري هو من سيخلف الرئيس المستقيل لمدة 45 يوما، وفي معلوماتي أن بن حبيلس رفض تولي المنصب، لماذا؟

بالفعل، بن حبيلس رفض تولي منصب رئيس الجمهورية لمدة 45 يوما.

لكن، لماذا رفض؟

استقبلته على الساعة الرابعة صباحا. ومن حسن الحظ أنني وجدته مستيقظا عندما كلمته هاتفيا، وجاءني إلى وزارة الدفاع.

ماذا قال لك؟

قال الأمر يرجع إليكم.

ماذا يعني هذا؟

لقد رفض، ربما تخوفا من حجم المسؤولية. يجب العودة إلى طبيعة الوضع آنذاك. لقد كانت الأزمة كبيرة جدا حينها.

إذا ماذا كان المخرج الذي فكرتم فيه بعد سقوط ورقة بن حبيلس؟

بالنسبة إلينا المخرج كان واضحا. ورقة المجلس الشعبي الوطني لم تعد مجدية بعد حله. كان فيه فراغ سياسي وكان لا بد من قرار سياسي أيضا.

والأمر هنا يرجع إليّ كوزير للدفاع. الرئيس تخلى عن منصبه. بن حبيلس تخلى عن مسوليته. والمجلس الشعبي الوطني، غير موجود بعد حله

هنا بيت القصيد.. من حل المجلس وكيف حل؟

أراك متحمسا.

ما نريده جنرال هو تنوير الرأي العام عن العديد من الأسئلة التي بقيت من دون إجابة، والدور عليك لفك ألغازها؟

أراك متحمسا جدا.. سأوضح الأمور. (هنا أظهر نسخة من صفحة ليومية المجاهد العمومية، بها مقال صحفي عنوانه: “بلخادم.. نهاية مهمة المجلس الشعبي الوطني”، جاء فيه أن نهاية العهدة التشريعية 1987 / 1992، بداية من 31 ديسمبر 1991. وذلك بحسب ما نقلت الصحيفة العمومية على لسان بلخادم ذاته.

(ملاحظة: بلخادم قال في شهادة لاحقة إنه تفاجأ لحلّ البرلمان وأنه لم يسمع بالقرار إلا في نشرة الثامنة للتلفزيون العمومي غداة استقالة الشاذلي).

بعد وقف الدور الثاني من الانتخابات التشريعية، هل التقيتم بعض السياسيين؟

نعم، التقيت في اليوم الموالي، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الراحل عبد الحميد مهري، ورئيس جبهة القوى الاشتراكية، الراحل حسين آيت أحمد، ورئيس الحركة من أجل الديمقراطية، الرئيس الراحل أحمد بن بلة.

وماذا كان موقفهم من القرار؟

لا زلت أتذكر أن زعيم جبهة القوى الاشتراكية، لم يتقبل الأمر، وقال لي هذا انقلاب.. هذا انقلاب.. على الشرعية. أما زعيم جبهة التحرير، فقال لي نعم، ولكن.. أما بن بلة فطالبنا بالرجوع بأقصى سرعة إلى المسار الانتخابي.

وهل حقيقة اقترحتم على آيت أحمد رئاسة الدولة مثلما جاء في شهادة علي هارون؟

أبدا.. لم أعرض على الراحل آيت أحمد رئاسة الدولة آنذاك.

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/268362.html

كلمات مفتاحية

تعليق واحد

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق