سياسة

المجاهدة زليخة بلقدور: بومدين دكتاتور حطم اتحاد الطلبة

صاحبة كتاب “إنهم خانوا نضالنا” المجاهدة زليخة بلقدور للشروق:
بومدين دكتاتور حطم اتحاد الطلبة وزهرة ظريف لاعلاقة لها وزرطال أنقذني من “لابلويت”

المجاهدة زليخة بلقدور من الرعيل الأول للمناضلات الجزائريات، كانت عضوا ناشطا باتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين الذي التحقت به عن طريق عمار رشيد قبل أن يجندها الدكتور النقاش في جبال الثورة التحريرية، بعد الاستقلال أشرفت على إعادت تنظيم المكتبة الجامعية التي أحرقتها المنظمة السرية، عاصرت بلقدور جراح الثورة وخيبات الاستقلال و بقيت دائما وفية لروح المناضلة التي لا تهادن، في كتابها “إنهم خانوا نضالنا” تتوقف بلقدور بمرارة وحسرة عند بعض تلك الخيبات التي نستعيدها وإياها في هذا الحوار.

إنهم خانوا نضالنا هذا هو عنوان كتابك، من هم هؤلاء الذين خانوا نضالنا برأيك؟

قلت هذه الجملة لأول مرة في 19 ماي1992 في حوار صحفي مع جمال عمراني وعز الدين مجوبي، في تلك الفترة قلت لهم إنهم خانوا نضالنا لأن في البداية عندما خرجت المرأة للنضال والجهاد كانت إلى جانب الرجل، لكن بعد الاستقلال قالوا لنا عليكم العودة إلى البيت، في المجلس التأسيسي الأول كانت هناك 12 امرأة، بينما لن تكون هناك سوى اثنتين في المجلس الثاني، ومن هنا بدأ التراجع، مع العلم أن اللواتي شاركن في الثورة كن مثقفات وكن جامعيات، ومع احترامي لكل الإخوة في النضال، قلة من الرجال من كانوا يملكون في ذلك الوقت مستوى ثقافي، فبن مهيدي مثلا كان يملك” البروفي” هذا ليس انتقاصا من قيمة قادة الثورة أو زملاء ورفقاء النضال، لكن فقط حتى أوضح أن المرأة كانت دائما ندا للرجل في ميادين المعارك في أصعب الأوقات ومراحل الثورة، فلماذا يحاولون بعد الاستقلال إعادتها إلى البيت بحجة أنه مكانها الطبيعي؟ أتساءل دائما عندما أتذكر تلك اللحظات التاريخية من الثورة التحريرية التي شاركت فيها الجزائريات بقوة، أين هن النساء اليوم؟ الرجال دائما يغتصبون الحكم وأنا عنيدة لا أتسامح مع هذا التمييز .

ربما لهذا أنشأتم الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات مباشرة بعد الاستقلال؟

يجب أن أوضح أنني لم أكن في الاتحاد النسائي، لأني كرست كل وقتي لإعادة تنظيم المكتبة الجامعية أولا وثانيا لم أكن أؤمن بالاتحاد النسائي، لأن في اعتقادي هذا يشكل انتقاصا للمرأة، وينم عن نظرة دونية لها، لماذا ليس هناك اتحادات للرجال.؟ و مع هذا فإن الجزائريات اللواتي شاركن في صنع استقلال بلادهن كان عليهن أن يخرجن في 8 مارس 1965، وهو أول عيد تحتفل به الجزائريات تحت راية الحرية، وقمنا بتنظيف شوارع العاصمة حتى يثبتن أنهن متمسكات بحقهن في المشاركة في بناء جزائر الاستقلال، كما شاركنا في صنع استقلالها، وقد جاء الرئيس بن بلة إلى قاعة “الماجستيك، الأطلس حاليا” وألقى خطابا طمأن فيه الجزائريات أن مكانتهن محفوظة، ولكن كان عليهن دائما مواصلة الضغط من أجل إثبات أنفسهن في الميدان، والحفاظ على مكاسبهن على قلتها، وبفضل وعي النساء واستمرارهن في النضال لم تتمكن الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال من فرض تمرير قانون الأسرة، الذي ما يزال يعتبر المرأة قاصرا، قبل أن تتم المصادقة عليه أخيرا في 1984، بل النساء فعلن أكثر من ذلك من خلال فرض أنفسهن كطرف مشارك في إعداد دستور، يضمن لهن المساواة مع زملائهن الرجال .

كنت عضو مكتب في اتحاد الطلبة، حديثينا عن إضراب 1956 والإعداد له ؟

اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين ثم إنشائه في فرنسا عام 1956 بعد تفكيك اتحاد طلبة شمال إفريقيا بعد استقلال تونس والمغرب، ومن هنا بدأ نشاطه في جميع الجامعات التي كان لنا بها فروع، وعندما وصلت أنا إلى الجامعة كطالبة كان عمار رشيد هو الذي طلب مني أن أتقدم لانتخابات مكتب الاتحاد الذي كان في الظاهر يهتم بمشاكل الطلبة، لكنه في الحقيقية كان غطاء نضاليا من أجل القضية الوطنية، تحصّلت على المرتبة الأولى، حيث تم التصويت علي و انتخابي رغم غيابي، لم أتمكن من الحضور خلال تعيين أعضاء الاتحاد بسبب مرض ألمّ بي، وأسندت لي مهمة المكلفة بالمالية، أمّا الرئيس فكان محمد الصديق بن يحيى، هذا يشير إلى العقلية الجزائرية في تلك الفترة، حيث تمّ التصويت على امرأة من دون التعرّف عليها، وهو دليل على قيمة المرأة وطبيعة العلاقات بين الجنسين، الإضراب كان حدثا هاما بالنسبة لنا، بحيث تقرر الإضراب لمدة 15 يوما، وبدأ بإضراب عن الطعام ليوم واحد، بعد أن تم توقيف عدة زملاء لنا من بينهم مصطفى صابر، أحمد تواتي، محمد لونيس، عمارة رشيد ولاحقا نسيمة حبلال التي لم تكن طالبة، لكنها كانت قريبة من دائرة عمارة رشيد، وقد ساندنا بعض الطلبة والأساتذة الأوروبيين الملتزمين بالقضية الوطنية مثل أندري موندوز وموريس أودان، بيار روش بيار كلونا وبيار وكلودين شولي، الذين كانوا طلبة في الطب.

في مارس عقد المؤتمر بباريس ومثل الفرع الخاص بالجزائر محمد الصديق بن يحيى ولمين خان، علاوة بن بعطوش وصالح بلقبي، و قرر أن يبقى لمين خان في الخارج ويرسل إلى باندونج.

أصبحت لقاءاتنا نادرة بسبب خطورة الوضع، حيث كانت الاعتداءات واختفاء الطلبة تتم يوميا حتى علمنا ذات يوم باختفاء طالب اسمه حجاج، فتقرر عقد جمعية عامة في17 ماي لدراسة الوضع وتحديد الموقف الذي يمكن اتخاذه.

الاجتماع عقد في مسجد محلي بالقرب من جامع كتشاوة، رغم أنه كان مجرد اجتماع لجس النبض، لكن كان الحضور قويا للثانويين وطلاب المدارس من أعضاء اتحاد الشبيبة المسلمة، التي كان يرأسها شرفيا عمارة رشيد، كان هؤلاء منذ البداية مقتنعون بالدعوة إلى الإضراب.

كيف تمت الدعوة إلى الإضراب؟

دعيني أوضح شيئا مهما، وهو أن جبهة التحرير لم تدع إلى إضراب 19 ماي 1956 لكن الطلبة أضربوا لأنها كانت الوسيلة الوحيدة المتاحة أمامهم للتعبير عن احتجاجهم عن الأوضاع، حيث كنا في الجامعة أقلية نعاني من العنصرية والنظرة الدونية للأروبين والكثير من الطلبة كانوا يختفون في ظروف غامضة ويقتلون، كان أول طبيب تم اختطافه من تلمسان، ثم أحمد رضا حوحو من قسنطينية، ثم التلميذ الذي أحرق في كومة قش، وكان أيضا الإضراب تعبيرا من الطلبة على مساندتهم لقضية وطنهم والتحامهم بقضية شعبهم وبلدهم.

زهرة ظريف أشارت في مذكراتها إلى كون إضراب الطلبة كان غلطة ما رأيك؟

اتحاد الطلبة كما قلت كان غطاء للنضال من أجل القضية الوطنية وطوال تواجدي في الجامعة كطالبة حقوق وكنت رفقة 25 طالبة أخرى لم ألتق يوما زهرة ظريف بل التقينا لاحقا في السجن عندما تم توقيفها.

إضراب الطلبة لم يكن غلطة بل بالعكس أعطى دفعا للقضية الوطنية، وأرعب فرنسا لأنه لأول مرة تعرف فرنسا أننا لسنا مجرد “فلاقة” وأن الثورة كانت مشروع مجتمع وعندما التحق الطلبة لاحقا بالثورة، سمح هذا بالدفع بالمثقفين إلى الصفوف الأولى للقضية الوطنية رجالا ونساء.

زهرة ظريف نفسها تتحدث في كتابها أنها كانت على مسافة مع اتحاد الطلبة و حتى صديقتها ميمي شراد التي حاولت التقريب بينها وبين اتحاد الطلبة فشلت في ذلك ربما عدم أخذها لحركة الطلبة على محمل الجد هي التي دفعتها لاستخلاص هذه النتيجة، فمن كان يعتقد أن تحدي فرنسا ممكن من طرف” كمشة” من الطلبة ليس في أيديهم غير الكلام؟

في كتابك تصفين بوميدن بالدكتاتور رغم أن الكثيرين ينسبون إليه انجازات الاستقلال؟

لم أعرف بومدين، رأيته رفقة بن بلة في تونس عندما ذهبت رفقة الحاج بن علة بدعوة من الدكتور نقاش، الذي كوّنني للصعود إلى الجبل، كان بومدين ملازما لبن بلة، حتى اعتقدت في البداية أنه أحد حراسه الشخصيين، كان يتبعه أينما حل و ارتحل، كان شديد النحافة ومتوثبا صموتا في أغلب الأحيان، لكنه شديد الملاحظة. في تونس كان الجو متوترا ومشحونا ومرتبكا، الكل يتربص بالكل، هذا ما أدركته عند زيارتي للمصابين في الحدود، بدعوة من الدكتور النقاش، حيث سمعت القايد أحمد المدعو الرائد سليمان يهاجم مباشرة الحكومة المؤقتة، يقول إن الحرب مفتوحة بين المدنيين والعسكريين، فاجأتني هذه الأوضاع، كنت أرى المواجهة التي بدأت بوادرها، والتي سيتحمل الشعب تبعاتها ويخرج صارخا “سبع سنوات بركات”.

بومدين أخذ السلطة بانقلاب عسكري وفي عهد لم يكن ممكنا انتقاد أي شيء أو الكتابة خارج السياق الرسمي، فكيف لا أقول أنه دكتاتور النظام المتسلط لبوميدن المساند من طرف قايد أحمد مسؤول جبهة التحرير وغيره صدموا كثيرا الطلبة، وهمشوا أغلبهم، كنت في المكتبة الجامعية وأجد الدم على الأدراج، كان الضرب و التعنيف قائما في عهده وخاصة طلبة الاتحاد العام للطلبة الجزائريين، الذين حطمهم بومدين أمثال عبد الحليم مجاوي وهواري موفق، أذكر في 1967 في تجمع قاعة ابن خلدون لم يتمكن وزير بومدين أحمد طالب من إلقاء خطابه أمام الطلبة، شعر بومدين بالإحراج فتكلم لأول مرة بالفرنسية وقال ساخطا هذه “الجامعة سنغتصبها”وفعلا اغتصب بومدين حرية الكثير من الإطارات و المثقفين.

على ذكر أحمد طالب ذكرت في كتابك أنكم لم تكونوا على وفاق معه لماذ؟

أحمد طالب كان وزيرا في نظام بومدين وكنا في المكتبة الجامعية نعاني من صعوبات عدة لم يبذل طالب أي مجهود لحلها، بل كان لا يرد على اتصالاتنا ربما لأني كنت محسوبة على بن بلة وهو بن بلة قد سجنه، ولكن شهادة للتاريخ لا يمكن تحميل الرجل كوارث التعريب لأن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه اتخذها بن بلة و دعمها بومدين فيما بعد، حيث استقدم لنا كل الذين طردهم عبد الناصر من مصر من أساتذة الدرجة الثانية وعوض أن يتقن التلاميذ والطلبة العربية أتقنوا المصرية.

البعض ورطك في حادثة ” لبلويت، الزرق” التي اتهم فيها عميروش بتصفية مجاهدين وخاصة منهم المثقفين ماهي خلفيات هذا الملف؟

الإدارة الفرنسية عملت على تشويه كل القيادات التي يثق فيها الشعب وحاولت كثيرا استمالتهم إلى جانبها، أنا ولولا المحامي زرطال الذي أوجد لي نافذة، وأرشدني إلى الاتصال بالصحافة وإلا كنت اتهمت بالخيانة وتمت تصفيتي، حيث كانت أم المجاهدة نسيمة حبلال التي كانت جارة لنا هي التي نبهتني لما كان يحدث بعد خروجي من السجن وقالت لي لا يجب أن تثقي في أي كان، وهذا بحكم ما كان لديها من وعي سياسي ومن معلومات كانت حصيلة احتكاكها بقادة الثورة الذين آوتهم في بيتها.

بعد خروجي من السجن كنت مجبرة على المرور يوميا على محافظة الشرطة لختم الدفتر الذي أجبرني الجنرال ماسو على استظهاره يوميا عند الشرطة، لأني كنت تحت الإقامة الجبرية، وفي يوم من الأيام وصلني استدعاء من محافظة الشرطة، فذهبت واستقبلني اثنين من الفرنسيين بدون لباس عسكري، وقالوا لي أنت عملت مع الجبهة ويجب عليك الآن العمل معنا، ولكني رفضت فقالوا لي إذا رفضت ستتم تصفيتك، وفعلا في تلك اللحظات فكرت في لو تمت تصفيتي و اختطافي من قبل مجهولين، من كان ليتفطن لي، فقلت لهم كذبا نعم أقبل فأعطوني موعدا أمام ملعب لونيسي في رويسو، حيث كنا نسكن، أذكر أن الموعد كان على 10 صباحا، لكني لم أذهب وقد استعانت والدتي بطبيب فرنسي استصدر لي شهادة طبية تمنعني من الخروج من البيت لمدة أسبوعين، فأرسلتها إلى محافظة الشرطة وبعدها توجهت والدتي إلى المحامي محمد زرطال تطالبه أن يرسلني إلى الجبال، لكن كان الأمر صعبا في تلك الفترة، فأرسل لي زرطال محامي جون بيارق اريك الذي اغتالته لاحقا منظمة اليد الحمراء، وأخذني مباشرة للمحكمة، لكن القاضي رفض التعاطي مع قضيتي لعدم وجود أدلة تثبت ما حدث وهكذا كانت فرنسا تشتغل على حبلين العدالة المتحيزة، وعدالة الشرطة الموازية والمسلطة على رقاب الجزائريين.

ولم تتمكن الشرطة الفرنسية أن تمحو الأدلة التي تثبت أنها اتصلت بي، والمتمثلة في الاستدعاء الذي تلقيته من الشرطة، وقد استعانت أختي لاحقا ببعض أصدقاء الثورة من الأروبيين الذين ربطوا صلتي بصحفي في مجلة”اكسبريس” الفرنسية، الذي مرّ من هنا وأعلمته أنني تلقيت رسالة تهديد من الشرطة الفرنسية وأعطيته الملف الذي كان له وقع القنبلة في باريس، وحاولت السلطات العليا الفرنسية التغطية عليها، لكنها لم تتمكن وحاولت إلصاقها بالأفلان، مع العلم أننا في 1960 مازلنا لم نستقل بعد، ولهذا اتهام عميروش بتصفية المثقفين غير منطقي فالاختراق الذي أحدثته المخابرات الفرنسية في صفوف الجزائريين كان هدفه بهذه العملية الإساءة لرموز الثورة التي فشلوا في القضاء عليها.

هل يمكن أن تحدثينا عن خلفيات مغادرتك للمكتبة الجامعية في 1986؟

المكتبة الجامعية دشنها أحمد طالب في 8 مارس 1968 وأراد الشاذلي أن يدشنها للمرة الثانية، فتم تفريغها لمدة 3 أشهر كاملة، ونحن وسط الفوضى حتى جاء الشاذلي ليفتتحها في مارس1986 وكان مرفقا بوزيره عبد الحق برارحي والهادي لخذيري وخاطبني الشاذلي”واش الأحوال”، فقلت له “إلي يحب يشوف واش الأحوال عليه أن يأتي في زيارة غير مرتبة” وصدرهذا الكلام في”الجيري اكتويالتي” مرفقة بصورتي مع الشاذلي، وكانت بدايات عهد الانفتاح بعد 5 أكتوبر، وهكذا أجبرني عبد الحق برارحي على مغادرة المكتبة في ديسمبر 1985 وعدت لمهنتي كأستاذة.

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/269213.html

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق