سياسة

دفن المخابرات… الأسئلة التي لا مفر منها : توفيق رباحي

بوتفليقة يدفن المخابرات… الأسئلة التي لا مفر منها
يواصل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تقليم أجنحة الأجهزة الأمنية وعلى رأسها جهاز المخابرات. آخر حلقات المسلسل الذي بدأ منتصف سنة 2013 كانت يوم الأربعاء بصدور مرسوم رئاسي (لم ينشر) قالت وسائل إعلام محلية إنه كان بمثابة شهادة وفاة «مديرية الاستعلامات والأمن» (المخابرات) واستبدالها بـ»مديرية المصالح الأمنية» التي تشمل فرعي الأمن الداخلي والخارجي، بالإضافة إلى إدارة فنية.
بحسب تقـارير وسائل إعـلام جزائرية، سيرأس الجـهاز الـجديد الجــنرال بشــير طـرطاق (برتبة وزير دولة مستشار)، وهو ذاته رئيس المخابرات خلفا للفريق محمد مدين منذ أيلول (سبتمبر) الماضي، على أن يتبع الجهاز الجديد رئاسة الجمهورية وليس وزارة الدفاع كما كان الحال منذ سنوات طويلة.
على الورق، الجزائر أصبحت دولة مدنية. في الواقع، هناك ما يدعو فعلا للخوف والقلق على هذا البلد.
قبل هذا اليوم تغلغلت المخابرات الجزائرية في الحياة العامة للبلاد إلى أبعد الحدود. كان رئيسها السابق اللواء محمد مدين (المدعو توفيق) يوصف بأنه صانع الرؤساء، والحقيقة أن الجهاز ظل، منذ عقود طويلة صانع كل الناس: من رؤساء لجان الأحياء وأندية الكرة إلى رؤساء البلاد.
ظل الجزائريون يتباهون على بعضهم ويهدد بعضهم بعضا بالمخابرات. مَن أراد قضاء حاجة أو معاملة في إدارة ما يتقدم بصفته ضابطا في المخابرات. ومَن أراد أن يرهب آخر أو يهدده في عركة بالطريق العام يدّعي أمامه بأنه عقيد في المخابرات.
سطوة المخابرات الجزائرية أكثر بروزا وشملت حياة الناس العاديين على وجه الخصوص بعد وقف الانتخابات العامة في 1992 وسقوط البلاد في براثن حرب أهلية مقيتة، فأصبحت الحاكم الفعلي تسمو فوق القانون وفوق مؤسسات البلاد.
والحقيقة أن ما وصلت إليه المخابرات الجزائرية من سطوة على المجتمع كان النتيجة الطبيعية لمسلسل طويل بدأ أثناء الثورة واستمر بعد الاستقلال. وفي بداية سنة 1979 إثر وفاة الكولونيل هواري بومدين رئيس الدولة آنذاك اجتمع قادة البلاد العسكريون والمدنيون لاختيار رئيس، وعندما اختلفوا ضرب رئيس المخابرات آنذاك قاصدي مرباح الطاولة بقبضته وفرض الشاذلي بن جديد رئيسا كحل وسط بين المختلفين. لا بد من الاستعداد لحملة إعلامية تشيد بقرار حل جهاز المخابرات، وتهلل لدخول الجزائر عهد الدولة المدنية بعد خمسة عقود من هيمنة العسكر وزبانيتهم. سنفترض أن المهللين صادقون في فرحهم وتهليلهم، لكن قبل ذلك هناك أسئلة لا مفر منها:
هل هناك ما يضمن أن الجهاز الجديد لن يرث نفس أساليب وطرق مديرية الاستعلامات والأمن؟ هل هناك ما يضمن أن بشير طرطاق لن يكون توفيق مدين آخر؟ هل هناك ما يضمن أن ما حدث هو سرقة جهاز المخابرات من مؤسسة الجيش ووضعه تحت تصرف زمرة غاضمة في الرئاسة؟ هل هناك ما يضمن أن بوتفليقة، المغرم بالسلطة وجمع الصلاحيات، لن يعبث بالجهاز الجديد ويجعله اشبه بملكية خاصة؟ هل هناك ما يضمن أن الأمر لا يتعدى مجرد توزيع جديد للأدوار وإقصاء أشخاص ليستلم أمكنتهم آخرون كانوا على قوائم الانتظار؟ هل هناك ما يضمن أن بوتفليقة فعل بجهاز المخابرات ما فعل لمجرد تلبية غرور ذاتي وتصفية حسابات شخصية، بعيدة في الزمن أو قريبة؟ هل هناك ما يضمن أن هذا الجهاز الجديد سيكون تحت الرقابة الشفافة لسلطة مدنية منتخبة وتمثيلية؟ هل هناك ما يضمن أنه سيخضع للمحاسبة والمساءلة ولا يكون فوق القانون وفوق المؤسسات؟
أيًّا كان الأجوبة على هذه الأسئلة، بوتفليقة، إن كان هو فعلا صاحب هذه القرارات، اليوم على موعد مع التاريخ: سيدخل التاريخ باعتباره الرجل الذي حرر الجزائريين من خمسة عقود من هيمنة المخابرات وظلمها، أو سيدخل التاريخ باعتباره الرئيس الذي فكك جهاز المخابرات والبلاد أحوج ما تكون إليها بسبب المخاطر الأمنية الكبرى والحرائق التي تقترب منها من كل الجهات.
الأمانة تستوجب القول إن الجزائر كانت بحاجة إلى رئيس جريء ومقدام يحررها من نظام عسكري استخباراتي (بوتفليقة أحد مؤسسيه ورعاته) استولى عليها في غفلة من الناس في فجر الاستقلال، فلم ينتج منذئذ غير العقم والفشل وتكريس المظالم حتى أصبحت جزءا من يوميات الناس لا يتألمون لها ولا يتوقفون عندها. حاول الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد بُعيْد مظاهرات تشرين الأول (أكتوبر) 1988 وما تبعها من انفتاح سياسي وإعلامي، لكن الظروف لم تسعفه. ثم تأخر هذا الرئيس «المعجزة» إلى أن جاء بوتفليقة. ثم تأخر بوتفليقة هو الآخر 16 سنة كاملة لينجز المهمة.
لكن في المقابل، الأمانة تقتضي القول أيضا إن الجزائر اليوم أضعف من أي وقت مضى. قليلة التماسك والثقة داخليا، هشة اقتصاديا واجتماعيا، ومهددة إقليميا بأخطار أمنية عديدة وجدية تطوِّق شريطها الحدودي. وهذا وضع يتطلب أجهزة أمنية صلبة، مستقرة ومتمرسة على رأسها المخابرات، فكيف يأتي رئيس ويفكك مخابرات بلاده بينما تقوِّي البلدان الأخرى أجهزتها وتمنحها المزيد من الإمكانيات والصلاحيات؟
قبل أن يختبر الجزائريون المولود الاستخباراتي الجديد، لا يعرفون هل يجب أن يطربوا فرحا لنهاية عهد المخابرات بالمسمى والشكل التقليدي، أم يلطموا على التخلص منها في أكثر الأيام حاجة إليها.

٭ كاتب صحافي جزائري

بوتفليقة يدفن المخابرات… الأسئلة التي لا مفر منها

http://www.alquds.uk/?p=517538

كلمات مفتاحية

2 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • كثيرا من الناس يحبون آباءهم ويتبعونهم دون مراعاة مبدأ الحق والباطل , لقد كان الناس في الجاهلية يتباهون بإتباع آبائهم فجاء الإسلام وربط ذلك الإتباع بشرط إتباع الحق لذلك تبرأ سيدنا إبراهيم من أبيه لأنه أصر على عبادة الأصنام من دون الله فإتباع الحق هو المعيار وليس ما كان عليه الأب, ولقد ذم القرآن الكريم الذين إن خاطبتهم بمنطق الحق يرفعوا في وجهك شعار – وجدنا عليه آبائنا- وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير. بعض الناس يلزم نفسه بحكم حبه لأبيه حيا أو ميتا أن يتبع حزبه ولو ضل الحزب على النهج القويم الذي كان في عهد أبيه ويشرب القهوة في المقهى الذي كان يعتاده أبيه ولو تغير صاحب المحل وأحل القمار والخمر فيه. الرسالة التي أريد أن أرسلها هي أن الرجال يعرفون بإتباعهم للحق وليس العكس لذالك خاطب القرآن الكريم المؤمنين محذرهم من الخروج على الحق والردة في حالة وفاة النبي- ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ )
    حتى أن عمر إبن الخطاب رضي الله عنه عند سماع نبأ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم سل سيفه وقال من قال محمد مات لأرينه لولا أن تلا عليه أبا بكر الية الكريمة فتراجع وعرف الحق.

  • مهما كانت الاجابات عن تساؤلاتك يا سي رباحي فإن قارئ مقالك يمكنه أن يستشعر بمنتهى السهولة ابتسامتك اللئيمة بين السطور، فاعتبارك مديرية الاستعلام و الامن “غولا” خوف الجزائريين لعقود انعكاس لخوفك أنت أو أمثالك و تذمرهم من صلابة هذه المؤسسة و تشكيلها درعا مضادا لمختلف السهام بمختلف الاعيرة و خاصة السهام المسمومة التي تبرع في توجيهها. و لأزيدك هما على غم، لا تعتقد ان حل المؤسسة هو حل للمبادئ التي تغذى بها رجال المخابرات الجزائرية ، ربما ستفرح أنت وأمثالك حينا و لكنك تعرف جيدا أن فرحتك تشوبها توجسات و رعشة خوف الجاهل ببواطن الامور، وهو ما لم تسطع إخفائه في مقالك هذا..فأنت تريد اظهار فرحة و تتقاسمها مع الجزائريين بمناسبة نهاية الدياراس و لكنك في نفس الوقت تدعي أن نهاية هذه المؤسسة ربما تكون غلطة نظرا لحاجة الجزائر اليها في الوقت الحالي ؟؟ فهذا التناقض ينم عن حقد و حسد دفينين فيك و اضمار لشر متأصل بك، و كأن لسان حالك يقول يأ أيها الجزائريون أنتم لا تستحقون الفرح ابدا و ليتكم تبقون دائما في قلق تستشعرون الخوف دائما سواء بوجود الدياراس أو برحيلها..فإذا كان بقاء المؤسسة مصيبة و تغييرها مصيبة فما هو غير المصيبة أيها الكاتب الصحفي الغيور جدا على الجزائر ؟