سياسة

مقداد سيفي :السلطة لا تفّكر إلا في البيع وقد تعرض البلاد في المزاد!

رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي لـ”الشروق”:
براهيمي دمّر الصناعة.. وعلى نزار وبتشين تصفية حساباتهما بعيدا عنّي
الجيش هو حامي البلاد.. و”فضيحة” 26 مليار دولار ليست جديّة
عبد الحميد عثماني
رئيس تحرير التحقيقات والحوارات الكبرى بجريدة الشروق
ثمّن رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي من حيث المبدأ إعادة هيكلة المؤسسة الأمنية في الجزائر، والتي توّجت عبر القرار الأخير لرئيس الجمهورية، حيث ألحق جهاز المخابرات بمصالح الرئاسة، بعدما تحوّلت من “الدياراس” إلى “الدياساس”، معتبرا أن مثل هذه التغييرات عادة ما تواجه بالمقاومة، من تلك الأطراف المتوجّسة من إضعاف سلطة القرار وتشتيت مراكزها، لكن سيفي يقدم رأيه بهذا الصدد مشروطا بما سيفرزه المستقبل من إجراءات إضافية، يمكن أن تكشف عن الأهداف الحقيقية التي تتوخّاها السلطة، من خلال إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية.

وعلى النقيض مما سبق، فإنّ وزير التجهيز في حكومة بلعيد عبد السلام (1992/1993)، ينتقد بشدّة مضمون الدستور الذي حظي أول أمس بتزكية نواب الشعب بالأغلبية الساحقة، كما يظهر متشائما تماما من تعامل السلطة مع الأزمة المالية، متّهما إياها بالتفكير في بيع البلاد، بعدما استنزاف الثروات !.

وأبدى مرشح رئاسيات 1999، في اتصال مع “الشروق”، موقفه من عودة عبد الحميد إبراهيمي، وخرجاته “الاستفزازية”، معربًا عن خشيته في أن يكون الوزير الأول في عهد الشاذلي بن جديد، قد وقع ضحية الابتزاز والاستغلال !.

وفي سياق آخر، فنّد رئيس حكومة الرئيس ليامين زروال (1994/1995)، ما راج عن دعمه لجرائد الجنرال محمد بتشين في تلك الفترة، عبر توجيه تعليمات لوكالة النشر والإشهار.

إعادة هيكلة ” الدياراس” خطوة كبيرة ولكن..؟

يعتقد رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي، أنّ قرار رئيس الجمهورية بإعادة هيكلة المؤسسة الأمنية، وإلحاقها مباشرة بمصالح الرئاسة بدل الدفاع الوطني، ستكون له انعكاسات كبيرة، لكن الرجل يربط ذلك بالقرارات التكميلية التي ستتبع تحويل جهاز المخابرات، من مديرية الاستعلامات والأمن (DRS) إلى مديرية المصالح الأمنية (DSS)، منتقدا حديث البعض عن التأسيس لدولة مدنية من خلال تلك التغييرات، لأن الدولة برأيه “ضعيفة وهشّة، وهي بحاجة إلى مؤسسات قوية أولا وقبل كل شيء”.

صرّح مقداد سيفي، في اتصال مع “الشروق”، ” أنّ إعادة تنظيم المصالح الأمنية، وبغضّ النظر عن الطابع التقني والتسييري، لها تأثير سياسي هامّ، يجب تقييمه في داخل وخارج البلد”، أي أن نأخذ نماذج الأجهزة الأمنية في العالم بعين الاعتبار، وليس بمعنى التدويل، مضيفا بهذا الصدد “أعتقد أنه علينا انتظار الإجراءات التي ستتخذها السلطة، لنفهم أهداف إعادة التنظيم المعتمدة”.

وعن خطاب المولاة المروّج لعهد الدولة المدنية، في ضوء الإصلاحات التي مسّت الجهاز الأمني، أجاب المتحدث “أنا لا أعلم معنى الدولة المدنية عند هؤلاء، وعلاقته بهذا الشأن”، قبل أن يوضّح “يجب إقامة دولة أولا، فنحن لم ننته حتى الآن من إقامتها”، متسائلاً بذات الخصوص “أين هي المؤسسات المتينة والدائمة، وأين هي حقوق هذه الدولة”، قبل أن يردّ على تساؤلاته بالقول “أعتقد أننا تراجعنا منذ الثمانينيات في إقامة الدولة، واليوم لا نزال نلجأ إلى الجيش الشعبي الوطني للحفاظ على بلادنا من الغرق”.

قضية 26 مليار دولار ليست حقيقة.. وأخشى أن يكون عبد الحميد إبراهيمي ضحية ابتزاز

وفي موضوع آخر يتعلق بعودة الوزير الأول، سابقا، عبد الحميد إبراهيمي إلى أرض الوطن، بعد ربع قرن من المنفى، وتصريحاته السياسية المثيرة للجدل بمجرّد دخوله الجزائر، علّق مقداد سيفي على الأمر بالقول “يجب التذكير في البداية أن السيد إبراهيمي مجاهد حقيقي، لكنّه للأسف مرّ بمرحلة فراغ مؤلمة”، وعاد سيفي بالذاكرة إلى فترة الثمانينيات، حيث أشرف “لاسيونس” وقتها، كما كان يسمّى، على وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية ثم الحكومة، إذ يؤكد مقداد سيفي “لم أكن أبدا متّفقا مع الإصلاحات التي قام بها، والتي دمّرت كلية صناعتنا”، لكنه يستدرك هذا الحكم بالقول “ومع ذلك، لستُ مؤهلا للحكم على خياراته، وعليه أن يفّسر الأمر للجزائريين في يوم ما، وبكلّ رزانة”.

أما عن نشاطه السياسي خارج الوطن، وقنبلة 26 مليار دولار التي فجّرها نهاية الثمانينيات، فيطرح سيفي احتمالات تقلّل من حقيقة “الفضيحة” التي هزّت الجزائر قبل 26 عاما، إذ يقول “قد يكون وجد نفسه في مأزق، واستسلم لنداءات الإسلامويين، وذلك حسب تقديري يعدّ انزعاجا أكثر منه اقتناعا”، في إشارة إلى عدم جديّة تصريحه الشهير.

وحول خرجات عبد الحميد إبراهيمي الجديدة، ومن الجزائر هذه المرّة، فيعقّب رئيس الحكومة سابقا “شيء جميل أن يعود الرجل إلى أرض وطنه، ولكنّي آمل أن لا يكون ضحية ابتزاز أو استغلال ضد (س) أو (ع)، وأتمنى أن يربو بنفسه ويسمو فوق الشجارات الحالية”.

مراجعة الدستور تهدف للتغطية على مشاكل البلاد

وبشأن التعديلات الدستورية العديدة التي أقرها البرلمان هذا الأحد على “الوثيقة القانونية الأسمى”، يعتبر المرشح السابق لرئاسيات 1999، أنّ هذه المبادرة لا تقدم شيئا في وضعية البلاد، حيث قال لـ”الشروق”، ” إنّ النقاش المغلوط حول شبه المراجعة الدستورية لا يرمي إلا لإخفاء المشاكل الحقيقية للبلاد، وهو مواصلة لحملة الإصلاحات المعلن عنها منذ 2011″.

وبرغم حجم المواد التي مسّها الإجراء، سواء بالتعديل أو الاستحداث، فإنّ سيفي لم ير من ذلك شيئا، حيث شدّد على أن لا جديد في الدستور “سوى غلق العهدات الرئاسية التي تمّ خرقها سابقا، والتعهد الآجل بترسيم اللغة الأمازيغية”، وما عدا هذا – يضيف المتحدث- ليس هناك أي تقدم جدّي، لا في مجالات الحقوق والحريات، ولا في مجال الفصل بين السلطات ولا تعزيز المؤسسات.

السلطة لا تفّكر إلا في البيع وقد تعرض البلاد في المزاد!

وعن الوضع الاقتصادي الذي يثير مخاوف الجميع في ظل الانهيار الكبير لأسعار النفط، يرى مقداد سيفي أنه نتيجة متوقعة، بالنظر لتجاهل السلطة لطبيعة المخاطر التي عرفها الاقتصاد الوطني، حيث صرّح قائلا “منذ سنوات، ورجال السياسة يدقون ناقوس الخطر، للتحذير من كوننا سائرون نحو الجدار، لكن السلطة بقيت صمّاء عمياء، ولا تزال إلى اليوم تعيش على أمل ارتفاع الأسعار، مواصلةً تسيير البلاد بطريقة مضادة لمنطق الاقتصاد”.

وأضاف وزير التجهيز في حكومة بلعيد عبد السلام، ” أكثر من ذلك، فإن السلطة تحلم باستغلال النفط والغاز الصخْريّين، كموردين للتعويض”، منتقدا تفكيرها بهذا الصدد، حيث شدّد من لهجة التصريح، حينما قال “بدلا من التفكير في الإنتاج والابتكار، فإنهم يفكرون في البيع، وإذا لم يحصل الارتفاع في الأسعار، ولم يتمكنوا من إنتاج الطاقات الصخرية، فسوف يفكرون في الاستدانة، وحتّى في بيع البلاد”.

أما عن الحلول الواقعية لإنقاذ الوضع، بقصد تفادي شبح الانفجار الاجتماعي على الأقلّ، فصرّح الرجل الذي يوصف بـ”التكنوقراطي”، أن الحلّ الوحيد يكمن في إنتاج الثروة، “وهذا يقتضي التوجه نحو خيارات وقرارات اقتصادية إستراتيجية، لكن الوصول إلى مستوى تلك التحديات يتطلب استعادة السلطة لكفاءات البلد”، غير أن هذه الأخيرة ترفض التنازل عن أي سلطة قرار، وفي هذه الحال لا يمكن أن نتجنّب المأساة، على حدّ تعبيره.

ومع هذا التشاؤم الواضح في نبرة سيفي، فإن المتحدث لم يغلق باب الأمل، بل يعتقد أنّ “الجزائر لا تزال تتوفر على الوسائل البشرية، والموارد الطبيعية والمالية، التي تسمح بالإقلاع التنموي، شريطة أن تكون الطريق معبّدة والمسار واضحا”.

المناورات والتواطؤات والمصالح أضعفت المعارضة

وعن مدى حضور المعارضة السياسية في ظلّ المؤشرات السلبية على استقرار البلاد ومستقبلها، وتقييم الرجل لدورها الاجتماعي، أكّد مقداد سيفي أنّ هناك انقسامات في صفوفها، لكنه وصفها بـ”العادية”، وفسّرها بالاختلاف والتعارض في البرامج والإستراتيجيات السياسية، قبل أن يشير بصراحة إلى وجود “مناورات، وتواطؤات، وتحالفات حول المصالح، وهي تلعب دورا كبيرا في إضعاف المعارضة”.

وقد حاول المتحدث المحسوب حاليا على صفّ المعارضة، تبرير وضعيتها في الميدان، بالتشديد على أنّ “السلطة تضغط، وبقوة، ضدّ حرية التعبير، ومن ثمّة لا يمكن قياس وزن المعارضة وتمثيلها بشفافية”، هذا الواقع برأي سيفي، أفرز معارضين حقيقيين، وآخرين مكلّفين بمهام مختلفة.

على نزار وبتشين حل خلافاتهما بعيدا عنّي!

هذا، وقد سألت “الشروق” رئيس الحكومة الأسبق عن التهم التي نسبها له الموقع الإلكتروني “الجزائر الوطنية”، حيث زعم الأخير أن مقداد سيفي قد وجّه تعليمة بغرض منح جرائد الجنرال محمد بتشين الإشهار منتصف التسعينيات من القرن الفائت، وبهذا الخصوص، قال المعني “لماذا تريدون أن أتدخل في شؤون لا تعنيني، ولا تهمني، والقرّاء قد صحّحوا بأنفسهم هراء الصحفي صاحب المقال”، لكن وبعد إلحاح شديد، ردّ سيفي قائلا “إنّ الصحفي قد توصّل دون دليل ولا برهان، إلى أنني أكون، وكرئيس للحكومة، قد أعطيت تعليمة شفوية لمدير ديوان وزارة الداخلية، لكي يتصل كتابيا في وثيقة مصنّفة سريّا، بالمدير العام للوكالة الوطنية للنشر والإشهار، حتّى يمنح هذا الأخير الإشهار لجرائد هي ملك لوزير مستشار لدى رئيس الدولة، وهذا من دون علم وزيره”، معلّقا على هذه التهمة بالقول “إنّ هذه الألعاب البهلوانية أقل ما يقال عنها إنها هزلية، بل وسخيفة، وإذا كان لي أن أعطي تعليمة، فلماذا لا أعطيها مباشرة للمدير العام لمؤسسة (لاناب) مباشرة، أو للوزير المسؤول عنه”، وأضاف سيفي في ذات السياق، “إن الوزير المستشار كان مقرّبا جدّا لوزير الداخلية، ولم يكن بحاجة إلى وسيط لتجاوز وزير أتى به هو شخصيا للحكومة”، في إشارة إلى وزير الداخلية في طاقم مقداد سيفي وهو عبد الرحمان مزيان شريف، بينما مدير ديوانه هو لحسن سرياق.

وانتقد المتحدث بشدّة، محرّر المقال على موقع نجل اللواء خالد نزار، حيث قال عنه “إنّ هذا الصحفي، لو كان حقيقة صحفيّا، وجب أن لا يخلط معلومات موثّقة أعطيت له، بتكهناته السخيفة بخصوص تطويعي المزعوم”، مضيفا دائما في نفس السياق “كان عليه أن يسأل رعاته الذين كانوا سيؤكدون له، لأنهم يعلمون ذلك، ويدركون جيدا أنني لستُ قطعاً من النوع الذي يداس على قدميه”.

وأشار مقداد سفي إلى أنّ صراع الجنرالات قد زجّ باسمه في قضية لا تهمّه إطلاقا، مبديًا الأسف على ذلك، حيث صرّح “والآن يؤسفني أن أشاهد ضابطين سابقين من ذوي الرتب العالية، يرشقان بعضهما البعض، حتى باستهداف الذين لا ناقة لهم ولا جمل في خصومات بائعي الأثواب البالية”، موضحا موقفه من خلافات الرجلين “أنا لست مع جانب هؤلاء، ولا مع جانب أولئك، وإذا أراد هذان الشخصان حل خصوماتهما، فليفعلا ذلك فيما بينهما”.

http://www.echoroukonline.com/ara/articles/272244.html

كلمات مفتاحية

شارك بالتعليق

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق