سياسة مقالات

تغريدات الشيخ أبو اسلام منير حول أهوال السجون الجزائرية في تسعينات

ما حدث في سجون الجزائر في التسعينات خطير ومهول يجب أن يدوّن لأنه جزء من تاريخنا حتى لا يُنسى ولا يتكرر ولا يفلت الجلادون بجرائمهم .

عشرات الآلاف من الجزائريين دخلوا السجون والاف منهم ماتوا بداخلها ومثلهم أصيبوا بعاهات نفسية دائمة والاف الأسر تفككت .

كان في السجون الشباب والكهول والشيوخ والنساء والأطفال والمرضى والمثقفون وسكان البوادي والعمي والمعوقون والاغنياء والفقراء ومن كل فئات الشعب.

لو كٰتب ما حدث في السجون لنسي الناس ما كتبته زينب الغزالي وكشك وأحمد رائف والكيلاني وغيرهم عن سجون مصر في الستينات .

غريب جدا ألا يُكتب شيء عن عملية فرار مرسى الكبير وتازولت وعن مجزرتي سركاجي والبرواڤية.لو حدث مثلها في مكان آخر لكتبت روايات وأنتجت أفلام !!!

ما حدث في سجن تيارت فقط كان مأساة حقيقية فكيف بما حدث في غيره من السجون ؟؟!!

بحجة قانون المصالحة يراد لتاريخ عقد كامل من تاريخ الجزائر أن يُطمس وتجهله الأجيال ويعيد كتابته المجرمون و أدباء ومؤرخو البلاط !

مئات الصحفيين وعشرات الصحف والقنوات الفضائية ومواقع النت تتجاهل تماما هذه الفترة وما حدث في السجون والمعتقلات ومراكز التعذيب خلالها.لماذا؟

عشرات من اسماء مديري السجون وكبار الضباط وصغار السجانين من المتورطين في التعذيب والتنكيل بالمساجين ستُنسى ولا يذكرها أحد ..يجب أن يُجلّى ذلك حتى لا يفلت أحد من العقاب ولا يُصنع ابطال من شمع الوهم ..يجب أن نعرف علاقاتهم وخلفياتهم ومن الوصيّ عليهم ومن أمر ومن نفّذ .

كثير جدا من المساجين كانوا طلبة واساتذة وائمة ودعاة ومثقفين ،وهم قادرون على الكتابة ولو بالاستعانة بغيرهم في التحرير أو حتى توثيق شهاداتهم صوتيا .. يجب أن يسارعوا إلى ذلك فإن كتاباتهم ستصبح جزءا من التاريخ وسيحتاجها المؤرخون وستقطع الطريق على تزييف التاريخ وتجريف الوعي .

لم أكن اتصور أن يقوم مدير سجن بتعذيب المساجين وصفعهم وتكبيل ايديهم من الخلف وإسماعهم كل ما يحتويه قاموس الفحش والبذاءة أمام النائب العامّ حتى رأيت ذلك وتعرّضت له في سجن تيارت .

في سجن تيارت كان إذا أُتي بمساجين جدد يتم تعريتهم تماما أو إبقاؤهم في الملابس الداخلية فقط ثم يوضعون في ساحة لا تزيد مساحتها عن 16 متر مربع تقع بين الزنزانات الأربع ثم يهوي عليهم السجانون بالعصيّ والهراوات وقضبان الحديد ومقابض المساحيّ والفؤوس وكوابل الكهرباء السوداء الغليظة و أحزمة السراويل العسكرية ،فلا تسمع إلا الصراخ والاسترحام والبكاء أحيانا والاستغاثة بالله رب العالمين ،ولا ترى إلا الدماء تسيل على ظهورهم ووجوههم وآثار الجلد والضرب عليها وإلا الدماء وقد يبست على أرضية الساحة وجدرانها ..
ذات مرّة أُخرِجتُ لتنظيف ما تبقى على البلاط والجدران من دماء مجموعة من الشباب كلهم جامعيّون فلم أتمكن من إزالتها إلا بعد ساعات من الغسل وباستعمال الماء الساخن والإيزيس والمكنسة من غزارة الدماء عليها ..
بالمناسبة أحد هؤلاء كان قد ثُقِب جنبه من جهة الإبط بالمثقاب (الشينيول ).

المهمّ …
بعد هذه المنشورات وما سيتلوها من مثيلاتها تفكْرونا بالمحامي وبالقفة في السجن ..

مكثنا في سجن تيارت من ديسمبر 1994 إلى جوان 1995 ..بعد تحويلنا إليه من سجن الشلف لم نخرج من الزنزانات ولم نستحمّ ولم نر الشمس ..
كان القمّل يعشّش في شعر رؤوسنا وفي طيّات ملابسنا وثنايا فراشنا حتى كان أحدنا يقصع من 15 إلى 20 قملة بكل سهولة ودون عناء يُذكر.
وكا ن المرحاض عبارة عن ثقب في زاوية الزنزانة بلا باب ولا جدار ولا ساتر ..فكان احدنا إذا أراد قضاء حاجته حوّل من معه في الزنزانة أنظارهم عنه ..او قام اثنان بستره بغطاء من أغطية السجن الرثّة البالية ..

كان عددنا في المتوسط 16 سجينا في زانزانة عرضها 1,80 وطولها 3,20 ..
مع حقائبنا وفراشنا واوانينا واحذيتنا ..
كنا ننام (متخالفين ) : رجل أحدنا عند وجه أخيه ..وننام بالنوبة ..أي ينام 10 او 12 سجينا بينما يبقى الباقون مستيقظين حتى يأتي دورهم ..لم يكن معنا ساعة فكنّا نؤقت بتلاوة سورة طويلة مثل البقرة .
ولا تسأل عن رائحة العرق والفراش القديم المتعفّن وروائح المرحاض الكريهة !!
نسيت أن أخبركم أنه كانت تُمنح لنا صفيحة ماء 5لتر ..منها نشرب ومنها نغسل ومنها نستنجي ..أما وضوء الصلاة فقد مكثنا ستة اشهر نتيمّم على جدار الزنزانة ..

حتى المرحاض كان ينام عليه أحد المساجين ..نغلقة بإناء من البلاستيك ، ثم نضع فيه الأحذية ونغطيها بقطع من الكرتون المقوّى ونضع فراشا من أفرشة السجن فوقه ثم ينام عليه من تقع عليه القرعة أو من يختار ذلك .
ومن شدّة الحرّ والتعرّق وعدم وجود نافذة أو اي منفذ للهواء إطلاقا كان سقف الزنزانة يتعرّق وتتساقط علينا قطرات البخار مثلما يحدث في الحمام تماما .

كان الشباب يؤثرون الشيوخ بالاماكن المريحة ولا يتركونهم يخرجون للأعمال الشاقة خارج الزنزانة (الكورفي ).. ويختارون لهم أحسن الأغطية وأنظفها .
وكان القرآن هو أنيسنا ومصدر طاقتنا حفظا وتلاوة ومدارسة ..
المصحف كان ممنوعا فاستطعت في زنزانتي الحصول على مصحف صغير الحجم جدا من أحد الحرّاس كان يدرس معي بالثانوية خلسة فقسمناه أربعة أجزاء ..تقرأ كل مجموعة من جزء .

صلاة الجماعة كانت ممنوعة في سجن تيارت .
والجهر بتلاوة القرىن كذلك ..
بل حتى قراءة القرآن على طريقة (الطُلبة ) كانت ممنوعة .
أما التجمع في حلقة دراسة أو تذكير فتلك جريمة يعاقَب عليها اشدّ العقاب .

وبرغم كل هذه الظروف كنا نحفظ القرآن ونتذاكر خلسة ونقيم المسابقات الفكرية وننفّس عن همومنا بالتنكيت وذكريات الماضي والحديث عن طموحات المستقبل ..وقد كان لكل سجين آماله وأمنياته ..

حين أتحدث باختصار شديد عما وقع في سجون الجزائر في اثناء عقد التسعينيات فإنني لا أفعل ذلك استدرارا للشفقة ولا أفعله لتبييض صفحة طرف على حساب آخر ولا افعله لأنني ابحث عن مجد شخصي أو بطولة زائفة ..
وإنما لأن ذلك (بعض) ما حدث فعلا في بلدي ..
من يرى أن المساجين إرهابيّون وقتلة ومجرمون فما عليه إلا أن يجرّد قلمه من غمده ويكتب عن وجهة نظر الطرف الآخر ويسجّل يومياتهم وما قاسوه على أيدي المساجين وهكذا تعتدل كفّتا الميزان !!

https://www.facebook.com/profile.php?id=100001613664823&fref=ts

كلمات مفتاحية

7 تعليقاً

إضغط هنا للمشاركة بالتعليق

  • ما حدث في سجون الجزائر في التسعينات خطير ومهول يجب أن يدوّن لأنه جزء من تاريخنا حتى لا يُنسى ولا يتكرر ولا يفلت الجلادون بجرائمهم
    يا ابو اسلام المصالحة الوطنية وقانون المصالحة الطنية جاء من اجل افلات الجلادين من العقاب .؟هذا باختصار جدا؟ مع العلم “امنيستي “تطالب الجزائر باعادة النظر في قانون المصالحة؟ بحجة انه يحرم الضحايا من مقضاة رجال الامن؟

  • ما قلته يا أخي وقع مثله وأكثر في جميع السجون، وذقنا مرارتها ولن ننسى حتى نلقى الله، ربما الظروف ما زالت غير مواتية لكشف المستور، ولولا أننا واثقون من علم الله بكل ما وقع ومؤمنون بأن الحساب عند الله لا يضيع، لكان لنا شأن آخر، ثم حبنا للجزائر آمنة مستقرة يحتم علينا نسيان همومنا ومحي أحقادنا وعدم مجرد التفكير في الانتقام حبا في الجزائر وشوقا لخروجها من التبعية للأجانب قصد قطع دابر الوصاية الفرنسية المقيتة، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

  • جرائم خوارج العصر خطيرة جدا فالذي يقتلك من أجل الدنيا ليس كالذي يستحل دمك ويكفرك وماحدث في التسعينات سببه عدم الامتثال لاوامر النبي صلى الله عليه و سلم فقد امرنا النبي بالصبر على الحكام الظلمة وقال يجوز الخروج عليهم ” ما أقامو فيكم الصلاة ” وتوبوا الى الله عز وجل ووصححوا عقائدكم ولا نراكم تحاربون الشرك وعباد القبور وهذه هي دعوة الانبياء

      • ما حدث في الجزائر استمرار للنهج الاستعماري و الذي مازال موجودا و لو حدث أمر ما لا قدر الله فسيحدث في السجون ما حدث من قبل ..

  • لم ننسي ولن ننسي ولن نسامح…..فجنرالات فرنسا واذنابهم …هم سبب خراب البلاد واشد منهم الجامية كلاب الحكام ممن يبرر لهم شرعا انحرافهم ….اخزاهم الله من امثال ربيع والحلبي وغيرهم